الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

القسوة لدى صدام حسين...... " دولاب الدم"...الجزء الأول



"هه هه هه….. حنه اللي چتلناه" .... اجابة صدام حسين لاستفسار في اجتماع لكادر متقدم من الحزب عن من قتل عبد الرزاق النايف… في اواخر السبعينات.

صادق الرئيس صدام على أوامر أعدام الألاف من الأشخاص والمرجح أنه لم يلتق أو تكن له معرفة باكثريتهم. لكن دولاب الدم الذي قضى على أولئك قضى على أفراد تعرف عليهم خلال فترات مختلفة من حياته. تسليط الضوء على مصير من عرفوه أو عرفهم هو عن كثب ربما يسهم في فهم وتحليل شخصيته في نهاية المطاف.
رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر ولد في تكريت وتخرج من مدرسة المعلمين الأبتدائية معلما في أحدى القرى الريفية ثم التحق بالكلية العسكرية بواسطة مولود مخلص ,دون أن يستوفي شروط القبول فيها فلم يكن حاصلا على البكالوريا, ليخرج منها ضابطا وتنقل خلال عمله في أنحاء مختلفة من العراق ، وبعد تخرجه من الكلية العسكرية لم يعين قائداً لوحدة عسكرية، بل عمل ضابط اعاشة وادارة وتموين. عين بعد انقلاب عام ١٩٥٨ عضوا في أحدى ألمحاكم العسكرية ثم احيل على التقاعد. انضم الى حزب البعث عام ١٩٦١.وصار رئيسا للوزراء بعد انقلاب عام ١٩٦٣.أعلن اعتزال السياسة بعد انقلاب عبد السلام عليه ثم عاد وتولى رئاسة الجمهورية بعد انقلاب عام ١٩٦٨.
قال عنه عبد الكريم فرحان في كتابه حصاد ثورة " لم يكن ضابطاً لامعاً ، فهو من درجة عسكرية أدنى لكنه أعتقل ورفعته صلته بحزب البعث وعلي السعدي" . ومع حكم البكر انفتح الباب على مصراعيه لتعيين الأقارب والاصهار وابناء العشيرة والبلدة والاصدقاء"
وأضاف " لم أشاهده ينفعل أو يغضب ، لكنه لا ينسى وعندما تحين الفرصة ينتقم بقسوة " ووصفه بالرجل الشجاع الذي يهمه بلوغ هدفه بصرف النظر عن الوسيلة".
ويقول عنه حسن العلوي أنه نصف عسكري ونصف حزبي ووصفه بعدم الجاذبية قائلاً " لا أظن أن عبد الكريم قاسم ومهما حاول أن يستحظر أسماء خصومه الذين سيخلفونه كان سيضع أسم البكر واحداً منهم".
وقال عنه هاني الفكيكي " البكر شخصية موهوبة القدرة على توظيف مظهره البسيط وقدراته الفكرية والسياسية المحدودة ، وكثيرون هم أولئك الذين خدعوا به ووسموه بالسذاجة لكنه يستبطن مكراً لا حدود له ، وقدرة على خداع الخصم والغدر به".
ووصفه بالغدر أيضاً عربي فرحان الخميسي وكان طالباً ثم زميلاً له حيث قال “ كان رجلا طموحا انانيا طائفيا، متعصبا دينيا، حيّالا، مراوغا، افكاره قومية بتطرف شديد، علما ان من اقرب اصدقائه كانوا رشيد مصلح ومن بلدته ودورته وعبد اللطيف الدراجي وحسن عبود ومجيد حسين السامرائي وعبدالغني الراوي وجابر حسن وطاهر يحيى الذي هو من دورته ايضا، وكل هؤلاء غدر بهم، الواحد بعد الاخر، وكان حردان التكريتي من طلابه المدللين ايام الكلية العسكرية “
وكذلك كتب علاء ألدين الظاهر “ ان اهم ما تميز به البكر هو الغدر بأصدقائه وزملائه.
فقد نقل لي حاتم مخلص ان حردان التكريتي قبل سفره الى خارج العراق على رأس وفد رسمي زار والده جاسم بحضوره ليقول انه حل كل خلافاته مع البكر حيث كان حردان يعترض على تصرفات الجناح المدني لحزب البعث. فأجابه جاسم مخلص باللهجة التكريتية « وَلْ كِتَلَك »!
وبعد مغادرته العراق اتصل حردان التكريتي بصديقه فاضل العساف الذي كان قد اصبح سفيرا في المغرب بعد نقله من مديرية الشرطة العامة ليطلب منه الاستعداد لمرافقته لحضور اجتماع الهيئة العمومية للامم المتحدة.
ولم يمض يوم او يومان حتى عُزل حردان التكريتي من جميع مناصبه وعندها اتصل بالعساف مرة اخرى ليخبره بأن ( الجماعة في بغداد سفلة لا ينفع معهم شئ ).
وبعد اغتيال حردان التكريتي في الكويت قام العساف بزيارة احمد حسن البكر فتلقاه البكر باكيا وحزينا على مقتل حردان التكريتي معلنا كرهه للسلطة وعن رغبته في الاستقالة. لكن العساف لم يقع في الفخ فقال له ( ان ما حدث حدث وانت لا تزال رئيسا للجمهورية وليس هناك افضل منك في سدة الرئاسة ). واضاف العساف قائلا لي ( كان هناك اربعين جهاز تصنت وتسجيل سري في القصر الجمهوري). كان البكر يذرف بلا شك دموع التماسيح وكان ينوي الايقاع بصديقه الاخر فاضل العساف فقد اوضح عدنان محمد نوري ( قائد القوات الخاصة حينئذ ) بأن الاوامر صدرت مباشرة من القصر الجمهوري بوضع بعض افراد قواته بتصرف القصر الجمهوري المباشر حيث استخدموا لاحقا في اغتيال حردان التكريتي. وفاضل العساف يعرف بقضية اجهزة التصنت والتسجيل داخل القصر الجمهوري عندما كان مديرا للشرطة العام”.
اعتبر الظاهر أحمد حسن البكر متجاوزاً للقوانين العسكرية بمنحه” البعثيين المدنيين رتبا عسكرية عام ١٩٦٣ ووافق مع غيره من قادة البعث على ترفيع عبدالسلام عارف من رتبة عقيد الى مشير وصالح عماش من مقدم الى فريق وحردان التكريتي من مقدم الى زعيم ( عميد ) وقد احتسب لنفسه ولبقية ضباط الانقلاب فترة الاحالة على التقاعد في عهد عبدالكريم قاسم خدمة لغرض التقاعد والترفيع وبهذا حصل هو ورشيد مصلح وطاهر يحيى وغيرهم من ضباط الانقلاب على رتبتين او ثلاثة أعلى.
وبعد انقلاب ١٩٦٨ وافق على ترفيع ابراهيم عبدالرحمن داود من رتبة مقدم الى فريق وحردان التكريتي الى رتبة فريق وعماش الى رتبة فريق اول مع احتساب فترة التقاعد في العهد العارفي خدمة لغرض التقاعد. وشملت هذه القرارت كل الضباط البعثيين. وقام البكر بترفيع حماد شهاب التكريتي الى رتبة فريق من رتبة عميد ومنح رتبة فريق اول للرائد سعدون غيدان. كما منح رتبة نقيب لسائقه العريف والذي اخذ يترفع مع بقية الضباط. وفي عام ١٩٧٦ منح صدام حسين رتبة فريق اول.
لكن البكر نفسه بدا بعد الانقلاب متعففا عن منح الرتب لنفسه بل خدع الناس عندما ظهر برتبة عميد (مع انه رفّع نفسه عام ١٩٦٣ وهو يشغل منصب رئيس الوزراء المدني الى رتبة لواء). لكن هذه الخديعة لم تستمر طويلا. فلم يمض شهران على الانقلاب حتى منح نفسه رتبة المشير بعد تسميتها بـ « المهيب ». وكان سبب هذه التسمية الجديدة النكات التي كانت تطلق على عبدالسلام عارف مثل « المشير الفطير ».
تسائل عبد المنعم الأعسم عن دور البكر في تصعيد صدام حسين فكتب “ هل كان يمكن لصدام حسين، من دون احمد حسن البكر، ان يتسلق هذا السلم الوعر من قاع التنظيم الحزبي الى رئاسة دولة يعرف العالم انها عصية على الحكم وتضم شعبا من اصعب شعوب العالم إذعانا للحاكم، واستسلاما لمشيئته؟
.بل هل ان صدام حسين، الشاب المتهور، قد شق طريقه الى كرسي الحكم، بتلك العُدد السقيمة والرصيد المشبوه والكفاءة المشهود لها في اعمال الشقاوة من دون رضى وموافقة وتدبير احمد حسن البكر؟
وهل كان له ان يلجم صفوة الجنرالات مثل حردان التكريتي وابراهيم الداوود وعبدالرزاق النايف وسعدون غيدان وعبدالعزيز العقيلي وعبدالغني الراوي وصالح مهدي عماش الذين كانوا يمسكون بناصية جيش انقلابي تخلص نهائيا من نفوذ الملكيين واليساريين والكرد والقاسميين والناصريين تباعا وكانوا يديرون مفاتيحه، ويعدوه للقبض على السلطة ؟”
جزء من تساولات الأعسم أجاب عنها صلاح عمر العلي بأيضاح دور البكر الرئيسي في كيفية تصعيد صدام حسين داخل الحزب وداخل الدولة وتعينه بمنصب نائب مجلس قيادة الثورة بحوار مع أحمد منصور من على قناة الجزيرة
“أحمد منصور: كيف صُعِّد داخل الحزب؟
صلاح عمر العلي: داخل الحزب.
أحمد منصور: بعد ثورة ٦٨ وداخل الدولة؟
صلاح عمر العلي: نعم، هو كان عضو في القيادة، كنا نناقش فكرة اختيار نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة.
أحمد منصور: كان هناك نائبين لرئيس الجمهورية، ولكن لم يكن هناك نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة.

صلاح عمر العلي: نعم.. نعم، باعتبار أنه بروتوكولياً إذا غادر الرئيس البكر وهو رئيس مجلس قيادة الثورة سيعني نحتاج إلى من يحل محله كرئيس مجلس قيادة الثورة مثل رئاسة الجمهورية، وكانت الحقيقة بنظرنا أو بتفكيرنا إنه هاي فقرة ليس.. ليس لها قيمة، هي مسألة شكلية، ومع ذلك كان هناك مرشحين غيره لهذا المنصب، وأبرزهم هو صالح عمَّاش بحكم..
أحمد منصور: كان وزير الداخلية..
صلاح عمر العلي: بحكم مؤهلات كثيرة يحملها، لكن حقيقة هنانا هذه القصة اللي يعني أحدثت يعني فاد انعطاف في مسيرة الحزب.
أحمد منصور: ما هي؟
صلاح عمر العلي: في أحد الأيام كنا إحنا في اجتماع، وطرح أحمد حسن البكر علينا الفكرة التالية، قال: أنا يعني أقترح أنه أحد الإخوان أحد المسؤولين أحد أعضاء القيادة يحمل رسائل من رئيس الجمهورية، ويتجه إلى عدد من الدول العربية بهدف تعريف هذه الدول على يعني وضعنا الجديد.
أحمد منصور: بعد كم شهر من الانقلاب؟
صلاح عمر العلي: بأشهر قليلة ثلاث أربع أشهر.
أحمد منصور: يعني نستطيع أن نقول في شهر نوفمبر ٦٨.
صلاح عمر العلي: يعني هي بالـ ٦٨ بعد ما إحنا بالـ ٦٨ ، فطبعاً إحنا استحسنا الفكرة، كلنا هذا شيء صحيح ومطلوب من عندنا، فقال: إذن أنا أقترح إنه الأخ صالح عماش يأخذ رسائل باسم رئيس الجمهورية ونتجه صوب المغرب العربي.. دول المغرب العربي، وهو يحدِّد الأيام اللي يقضيها في كل بلد، يوم، يومين، ثلاثة أيام، يشوف الإعلام، يشوف مثلاً وزير الخارجية، يشوف رئيس الدولة، يشوف، يلتقي مع الناس، يتحاور يعقد ندوة إلى آخره، وبعد أن يعود الأخ صالح أيضاً شخص آخر من بينكم يروح إلى الخليج العربي، فقلنا له: والله فكرة صائبة وممتازة، وإحنا مؤيديها، وهكذا المرحوم صالح عماش أخذ مجموعة رسائل من رئيس الدولة أحمد حسن البكر موجَّهة إلى رؤساء الدول في المغرب العربي، وغادر، بعد مغادرته بيعني إما ثلاثة أيام أو أربعة أيام دعانا أحمد حسن البكر لعقد اجتماع طارئ، والاجتماع الطارئ في الغالب آنذاك كان يعني حدوث شيء استثنائي، شيء طارئ غير اعتيادي..
أحمد منصور: فيه مؤامرة على الدولة، فيه تغيير أساسي سيحدث. نعم.
صلاح عمر العلي: فيه مؤامرة، فيه شيء استثنائي نعم.. نعم، فحضرنا إلى القصر الجمهوري، وكنا نجتمع في إحدى قاعات القصر، وعقدنا الاجتماع وإذا بأحمد حسن البكر يفاجئنا بما يلي بجو من التمثيل المتقن حقيقة، كان..
أحمد منصور: كان يجيده البكر؟
صلاح عمر العلي: والله أجاده إجادة كبيرة حقيقة، مع إنه أنا ما كنت مكتشف عنده ها الصفة هاي، فقال يعني أخذ السيجارة، وأخذ من عندها نفسين ثلاثة ويعني حكى أعرب عن.. عن يعني استيائه أو عن..
أحمد منصور: ممكن تذكر لي من الذي حضر هذا الاجتماع تحديداً؟
صلاح عمر العلي: كافة أعضاء القيادة ما عدا صالح مهدي عمَّاش.
أحمد منصور: اذكر لي عفواً الأسماء مرة أخرى المشاهد ينسى.
صلاح عمر العلي: نعم، صدام حسين، صلاح عمر العلي، عبد الله سلوم، عبد الخالق السامرائي، عبد الكريم الشيخلي، طه ياسين رمضان، عزت.. عزت الدوري، عزت مصطفى، يعني كل.. كل أعضاء القيادة باستثناء صالح مهدي عمَّاش، ما فينا ولا متغيب عن هذا..

صلاح عمر العلي: بعدين صار، المهم ففاجأنا البكر بالقول أنه لديه معلومات قاطعة غير قابلة للنقاش، غير قابلة لكذا للشك أن صالح مهدي عمَّاش يتآمر على الحزب والثورة، وأنا أطلب في هذا الاجتماع اتخاذ القرار المناسب.
أحمد منصور: ما شكل التآمر هذا الذي كان يتآمره عماش؟
صلاح عمر العلي: طبعاً هو أشار إلى أنه أيضاً يكتِّل بعض البعثيين، يعني يتصل بضباط بعثيين على انفراد ويحرضهم على الثورة وعلى الحزب من أجل الإطاحة فينا وفي التجربة..
أحمد منصور: كان الاتهام بالتآمر كفيل وسهل أن تلصق التهمة بأي شخص.
صلاح عمر العلي: أيوه سهل.. سهل صحيح، فطلب من عندنا اتخاذ القرار.
أحمد منصور: ماذا كان رد فعلكم؟
صلاح عمر العلي: سرعان ما انقسمنا إلى فريقين، فريق متمثل بطه ياسين رمضان وعزت الدوري، وبقدر أقل صدام كان يناور بالموقف، وطبعاً أحمد حسن البكر هو صاحب الفكرة، والباقين من الأعضاء يعني يمثلون طرف آخر، الطرف الأول سرعان ما طرح فكرة أنه يجب اتخاذ قرار بإعدام صالح مهدي عماش.
أحمد منصور: اللي هم المجموعة هذه..
صلاح عمر العلي: نعم، الحقيقة..
أحمد منصور: كده إعدامه مش محاكمته ولا التحقيق معاه..
صلاح عمر العلي: إعدام بدون محاكمة.. بدون محاكمة، خلاص بما أنه مسؤول الحزب ورئيس الجمهورية لديه هذه المعلومات ومتوفرة عنده هذه المعلومات إذن يكفي لاستصدار حكم الإعدام، الآخرين اللي إحنا كنا يعني سمِّنا مغفلين أو تسمينا مبدئيين أو سمِّنا ما شئت، أخذنا الموضوع بيعني بمفهوم آخر، أنه هذا مبدأ غير مقبول وغير ممكن، وإذا صار هذا المبدأ معناها كلتنا راح ننعدم بمجرد اتهام، فأخذنا موقف مضاد تماماً، ودخلنا في نقاش حاد للغاية فيما بيننا حول هذا الموضوع، فكان البكر يعني.. يعني يناور بين الطرفين، يحاول ما يظهر ميوله إلى الطرف الآخر، لكن واضح الموقف عنده.
أحمد منصور: كان لديكم قناعة بهذا الاتهام؟
صلاح عمر العلي: لأ، هو هذا اللي دعانا لاتخاذ الموقف يعني أنا شخصياً..
أحمد منصور: شعرتم بقلق ما؟
صلاح عمر العلي: إذا حدثتني إلي أنا شخصياً، أنا قناعتي أنه أي إنسان في القيادة ممكن يتهم بالتآمر إلاَّ صالح عمَّاش، لأني أعرفه عن قرب، وأعرف شو هو مزاجه، وكيف يفكر، الرجل كثيراً ما.. هو عسكري طبعاً.. عسكري قديم هو متمكن وضابط ركن، كثيراً ما كنت أحكي معه على انفراد، أنا كنت يعني أحكي معه أنه أنت يجب ما تنساش نفسك في العمل العسكري لأنه هذا يعني يشكل إلنا صمام أمان وضمان، لكن هو شخص حقيقة ذو ثقافة عالية، ومتنور جداً، وشخص يعني كاتب وشاعر وأديب وعنده إطلاِّع واسع جداً بالشؤون السياسية العربية والدولية، لذلك ما كان يهتم بهاي المسألة هاي نهائياً، كان شخص يعني طموحه محدود، تفكيره في هاي المسائل يعني شبه مقتول، الواقع لأنه إحنا مقتنعين إنه آخر من يتهم.. من يستحق هذا الاتهام صالح عمَّاش، لذلك إحنا سرعان ما..
أحمد منصور: أرجو أن تذكر لي هنا بشكل واضح مَن الذين وقفوا في هذه الجهة؟ ومن الذين وقفوا في هذه الجهة؟ لأنه من الواضح أن هذه الجلسة حددت مسار الحكم في العراق إلى ٩ أبريل ٢٠٠٣.
صلاح عمر العلي: مضبوط.. من هنا.. من هنانا بدأت نكبة العراق، بل نكبة الأمة العربية، الطرف الأول اللي يعني رفعوا شعار إعدام صالح عمَّاش هو طه ياسين رمضان وعزت الدوري، عزت إبراهيم الدوري.
أحمد منصور: وكلاهما كوفئ من صدام بعد ذلك.
صلاح عمر العلي: نعم، بالدرجة الأولى، صدام طبعاً مثلما قلت لك وأحمد حسن البكر كان يناوروا بحيث يريدوا تطلع من الآخرين مش من عندهم.
أحمد منصور: كأن هناك توزيع أدوار..
صلاح عمر العلي: نعم، نعم.
أحمد منصور: شعرتم لحظتها أن هناك..؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا إحنا ما شعرنا.. النتائج أثبتت هذا الشيء، الطرف الآخر اللي كنا صلاح عمر العلي، عبد الخالق السامرائي، عبد الكريم الشيخلي، عبد الله السامرائي، عزت مصطفى، يمكن هذه المهم.
أحمد منصور: تمت تصفية معظمكم.
صلاح عمر العلي: فاحتدم الصراع واحتدم النقاش واحتدم.. وارتفعت أصواتنا، وظلينا قرابة نصف ساعة إحنا نناقش هذا الموضوع، إحنا نرفض وهم يصروا على إنه لازم يعدم، فنفاجئ بأن يطلب الحديث البكر، قال: يا رفاق أنا أقترح أن يؤجل البت في قرار في.. في أمر صالح مهدي عماش، فإحنا اللي واخدين المسألة من منطلق مبدئي وأخلاقي افترضنا إنه هذا الموقف انتصار لموقفنا، وحقيقة حمدنا الله إنه طلعنا من هذا المأزق وهذه المشكلة الكبيرة، وهذا الصدام ربما يقودنا إلى كارثة، فرفُعت الجلسة، بهذا المفصل بعد تقريباً أربعة أيام عندنا كان عندنا اجتماع اعتيادي.
أحمد منصور: لأ، خلال الأربعة أيام هذه، ماذا حدث؟ الآن أنتم في مفصل تاريخي، في تاريخ الثورة والحزب وعلاقتكم ببعضكم البعض، هناك نائب رئيس الجمهورية متهم بالتآمر ومطلوب إعدامه من قِبل البعض والبعض الآخر معترض. صلاح عمر العلي: نعم اعترضنا وأحمد حسن البكر أيَّد.. يعني بالمعنى.
أحمد منصور: أغلقت الجلسة هل توقف النقاش بعد ذلك طوال الأيام الأربعة؟
صلاح عمر العلي: لو سمحت، توقف النقاش طبعاً.. طبعاً..
أحمد منصور: حتى فيما بينكم بعضكم البعض في الخارج؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا ما إحنا يعمل.. طبعاً على جانب ثنائية كنَّا نتحدث مع بعضنا يعني فافترضنا إنه الاقتراح اللي قدمه صالح.. أحمد حسن البكر كان انتصاراً لموقفنا، لأنه لما وافق على تأجيل البت بأمر صالح عمَّاش لغاية ما يرجع، فاعتبرنا هذا انتصار إلنا، وطلعنا لخارج الاجتماع وبدأنا نتحدث على أعقاب هذا النقاش اللي.. الدامي حقيقة فيما بيننا، فالمهم أنه عندنا إحنا اجتماع اعتيادي، هذا كان اجتماع طارئ، الاجتماع الاعتيادي حضرناه، لما حضرنا الاجتماع الطارئ.. الاعتيادي ناقشنا به عدة بنود، عدة فقرات تتعلق بالوزارات، بشؤون الحزب بشؤون الدولة، بشؤون المجتمع،
ثم كانت هناك فقرة مدرجة في الاجتماع.. في جدول الأعمال اسمها اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.
أحمد منصور: وكان عمَّاش لازال في سفره، ولم يبلغه أحد بأي شكل؟
صلاح عمر العلي: لازال في المغرب العربي، لم يبلغه أحد،
وإذا بالبكر يطرح البند مع العلم إنه هذا.. هذه الفقرة كانت مؤجَّلة آخر مرة، باعتبارها غير مهمة، لأنه عندها أشياء أكثر أهمية من عندها، وإذا به يطرح هذه الفقرة ويطلب قال اللي يرشح نفسه لهذا المنصب يتفضل، طيب من فينا يملك الحق أو الجرأة أو.. أو الاستعداد لكي يطرح صالح مهدي عمَّاش، صالح مهدي عمَّاش متهم بالتآمر، كيف نطرحه؟
أحمد منصور: ومطلوب إعدامه من البعض.

صلاح عمر العلي: لاحظت ومع ذلك فوراً رفع إيده طه ياسين رمضان قال أنا أرشح الرفيق صدام، رجع عزت إبراهيم قال أنا أثني على هذا الترشيح..
أحمد منصور: يا سلام..
صلاح عمر العلي: وبما أن المناخ السائد آنذاك حقيقة إنه هذا المنصب هو عبارة عن شيء بروتوكولي شكلي ليس له قيمة.
أحمد منصور: يعني الآن إحنا من هذه الجلسة نفهم ما حدث في العراق بعد ذلك
صلاح عمر العلي: نعم.. نعم..
أحمد منصور: وكيف بقى هذين الرجلين إلى جوار صدام إلى آخر لحظة.
صلاح عمر العلي: نعم.. نعم فمرَّ القرار بهذا الشكل..
أحمد منصور: وأنتم وافقتم ولم تعترضوا.
صلاح عمر العلي: إحنا لا يمكن أن نعترض أولاً..
أحمد منصور: لم تشعروا إن.. إن الاتهام اللي وجِّه لعماش كان تمهيداً لتمرير هذا القرار.
صلاح عمر العلي: أصارحك بالقول يعني كانت بعض الشكوك لكن ما وصلت إلى حد يعني القناعة المطلقة، كانت بدأت شكوك.
أحمد منصور: ماذا كانت مسؤوليات صدام في تلك المرحلة؟
صلاح عمر العلي: كان عضو قيادة قطرية.
أحمد منصور: لم يكن مسؤولاً عن أي شيء في الدولة
صلاح عمر العلي:لأ،لم يكن نهائي..

أحمد منصور: لم تكن بدأت قضية مسؤوليته عن أجهزة الأمن أو ميليشيا الجيش الشعبي التي شكلت؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا بعد.. بعد ذلك اقترحنا فكرة يعني فكرة تتعلق بموضوع الأمن، يعني المهم..
أحمد منصور: نكمل هذا المفصل تفضل.
صلاح عمر العلي: اسمح لي أن.. أن أشرح هذه المسألة لأن حقيقة هي هاي..
أحمد منصور: هذا مفصل تاريخ العراق طوال..
صلاح عمر العلي: هاي المحطة اللي هي انطلقت من عندها كل الكلام اللي فات، فأصبح صدام نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وأحمد حسن البكر هو رئيس مجلس قيادة الثورة، الاثنين من نفس الأسرة ومن نفس العشيرة، خير الله طلفاح اللي هو خال صدام وابن عمة أحمد حسن البكر بدأ يلعب على وتر أو هو قبل الآن حقيقة كان يلعب على وتر تخويف أحمد حسن البكر من المستقبل، البكر..
أحمد منصور: كان وضع خير الله طلفاح أيه؟
صلاح عمر العلي: خارج السلطة وخارج الحزب، ما له علاقة، كان محافظ في بغداد.. محافظ بغداد، بس بدأ يدخل. أحمد منصور: كانت مؤهلاته تسمح له أن يكون محافظ؟
صلاح عمر العلي: والله هو عسكري قديم وكمِّل حقوق أيضاً فيما بعد بوقت متقدم وكان مدير بالتربية والتنمية.. أحمد منصور: كان صدام تزوج من ابنته آنذاك؟
صلاح عمر العلي: هو متزوج من ٦٣ حينما كان في القاهرة، فالمهم أنه البكر.. خير الله طلفاح بدأ يخوف أحمد حسن البكر، لأنه أحمد حسن البكر كما معروف أنه أول ضابط من الضباط الأحرار يُعتقل على.. على يد عبد الكريم قاسم بعد ثورة ٥٨ ، ثم أحمد حسن البكر هو الذي خطط لما سُمي بثورة ١٤ رمضان عام ٦٣ ، وطبعاً أُطيح به على يد عبد السلام عارف اللي جابه من بيته وحطه رئيس جمهورية، ثم هذه المرة الثالثة فكان خير الله طلفاح يضرب على هذا الوتر.. الوتر الحساس
أنه عليك أن تستفيد من تجاربك السابقة، وعليك أن لا تكرر الأخطاء والفشل، وعليك أن لا تصبح أضحوكة أمام الآخرين، يجب أن ها تكون هذه فرصتك الأخيرة وحتى تكون فرصتك الأخيرة عليك أن تعتمد على الأسرة وليس غير، وشوف.. شوف حولك، كل النظم المستقرة هي النظم اللي تعتمد على الأسرة، وبالتالي إذن من حسن الحظ أنه وياك عضو في القيادة كأنه ابنك تقدر تربيه على.. على إيدك وتُهيِّئه في الوقت المناسب ممكن يكون هو بديلك، فأحمد حسن البكر تركبت في رأسه هذه.. هذه الفكرة خشية وخوفاً من أن تتكرر التجربة، فبدأ ينسق مع صدام، وتقاسموا السلطة وأصبحنا من الناحية الواقعية مجرد موظفين في.. لدى صدام حسين وأحمد حسن البكر.
أحمد منصور: متى بدأ نفوذ صدام بعد هذا التعيين في ٦٨ ؟
صلاح عمر العلي: فوراً..
أحمد منصور: فوراً.
صلاح عمر العلي: فوراً رأساً انتقل إلى بناية المجلس الوطني وأحمد حسن البكر في بناية القصر الجمهوري، وتقاسموا السلطة وبدأ كلاهما يمارس السلطة من ماله، فوراً. إحنا طبعاً.. أحمد منصور: انتبه صدام إلى هذه النقطة وبدأ يمسك الأجهزة الأمنية في يديه.
أحمد منصور: نريد أن نعرف الآن.. سأعود يعني ستأتي كل هذه الأشياء تباعاً، ولكن نريد أن نعرف مصير صالح مهدي عمَّاش المتهم بالتآمر ماذا كان مصيره؟
صلاح عمر العلي: نعم، صالح عماش بعد فترة.. بعد أن انتهت مهمته عاد إلى بغداد، ونزل في المطار العسكري الرشيد. أحمد منصور: كم امتدت مهمته تقريباً؟
صلاح عمر العلي: والله تقريباً عشرة أيام أو أكثر، فالرئيس البكر اتصل فيَّ وطلب من عندي أن أخرج إلى المطار لاستقباله وطلعت لاستقباله..
أحمد منصور[مقاطعاً]: لم يُطرح مرة أخرى قضية إعدامه والعقاب وبعد اختيار صدام؟
صلاح عمر العلي: أبداً، لم يُطرح نهائياً أنا خليته عندي بسيارتي الشخصية، وكنت أنا أسوق وهو جالس جنبي، حتى وصل البيت، وفي الطريق حكيت معه حول الاجتماع وما دار به، طبعاً قبل أن أطرح الموضوع، أنا بجو من الظرافة أو النكتة أو كذا، يعني تطلعت في صالح وقلت له يا صالح كيف أنت تسمح لنفسك أن تتآمر على الحزب وعلى الثورة؟ فهو صُدم، يعني فوجئ بالقصة، قال لي يعني شو ما القصة يعني، أنت جاد بالموضوع أم تمزح؟ قلت له حصل اجتماع وحكيت تفاصيل الاجتماع، فحضر رأسك للإعدام صالح تطلَّع فيَّ، تطلع فيَّ جيداً فسألني قال لي: أتمكن أن أعرف شو اللي حصل بعد، يعني فترة غيابي؟ حكيت له كثير من الأمور، يعني أصدقك القول أنه تقريباً نسيت مسألة اختيار صدام كنائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كرَّر السؤال علىَّ أكثر من مرة، فقلت له: والله عُين صدام نائب لكذا، فابتسم بوجهي، قال لي: إذن مؤامرتي انتهت، قلت له شو بتقصد مؤامرتك انتهت؟ قال لي هي مؤامرة صدام وأحمد حسن البكر على صالح مهدي العماش، وليس العكس وراح تشوف أنه هذا الموضوع انتهى وبالفعل في أول اجتماع نحضر، ويحضر صالح عماش معنا، وإذن بأحمد حسن البكر يقرأ البنود..
أحمد منصور: محضر الاجتماع.
صلاح عمر العلي: محضر الاجتماع، وكان موجود به عدة نقاط ما عدا هذه المسألة كانت مغيبة، وإحنا..
أحمد منصور: إذن كانت المؤامرة هدفها الأساسي هو تمرير وصول صدام حسين، ليصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، حتى لو أدى هذا إلى إعدام شخص أو قتل آخر من الأشخاص، شعرت أيه وقتها؟
صلاح عمر العلي: هذا صحيح، والله ما أكذب عليك يعني منذ تلك الجلسة بدأنا.. ليس أنا فقط إنما يمكن أنا أكثر واحد بهم شعرت بأني أنا خارج هذه اللعبة، خارج كل العمليات، خارج الحزب، خارج العمل السياسي، خارج مسؤولياتي، أصبحت أشعر بغربة شديدة جداً تجاه رفاقي".

كما يظهر من حديث صلاح عمر العلي أن الرئيس البكر لعب دوراً في تصعيد قريبه صدام وربما عملا بنصيحة خيرالله طلفاح فنصب صدام بذلك المركز و همش دور كل من صالح مهدي عماش وحردان التكريتي كي لاتفلت السلطة منه مرة أخرى.
وبعد ذلك التعيين كان هناك تعاوناً وتفاهماً ما بين البكر وصدام على تقسيم الأدوار فيما بينهم ، فمسؤولية صدام كانت الحفاظ على سلطة البكر وبقاءه في الموقع الأول ولتحقيق ذلك الغرض تمت عملية تصفية وابعاد الكثير من العسكريين والحزبيين وبموافقة البكر نفسه كأبعاد عماش وحردان ومن ثم اغتياله واعدام رشيد مصلح واغتيال عبد الكريم نصرت وفؤاد الركابي وسجن طاهر يحيى وعبد الكريم فرحان وعبد العزيز العقيلي كلها تمت في أوائل حكم البكر حيث كان يتمتع بسلطة لاشك كانت أكثر من صدام وتلك العمليات تمت على الأكثر بموافقة البكر ورضاه.
ويعتقد الدكتور علي كريم سعيد في كتابه ٨ شباط أن البكر أعتقد أن نائبه صدام كان مقتنعاً بالمركز الثاني وان تصفيات الخصوم كانت تصب في مصلحة البكر نفسه للحفاظ على السلطة. لكن في النهاية صبت تلك التصفيات في مصلحة النائب بتقوية موقعه وبالسماح له بالسيطرة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية الخاضعة لسيطرة النائب في نفس الوقت الذي تم فيه أضعاف الجيش وبالتالي مصدر قوة البكر وسلطته.
بعد تلك التصفيات التي ذكرناها وضع النائب صدام الرئيس البكر نفسه تحت مراقبته بأحلال طارق حمد العبدالله محل شفيق الدراجي كرئيس الديوان الذي أبعد كسفير للسعودية،
ثم قام باضعافه بتصفية رجال البكر حيث قتل محمد أبن البكر بحادث سيارة، وتصفية الأخوين مظهر ومنذر المطلق زوجي بنتي البكر ، الأول باغراق سيارته في نهر دجلة وموته بداخلها والثاني بابعاده سفيراً الى الأرجنتين.
وعين عدنان خير الله كوزير للدفاع وهو المنصب الذي تولاه البكر بعد مصرع حماد شهاب .

ونتيجة لذلك ضعفت سلطة البكر ولم يبق له من سلطة سوى الكرسي وهو على الأكثر شعر بذلك حيث ذكر الدكتور جليل العطية في كتابه فندق السعادة
"في تموز ١٩٧٧ عدت الى بغداد نهائياً بعد انتهاء مهمتي.
ومرة أخرى التقيت الرئيس البكر.
تمت المقابلة في دار أحد الأصدقاء :
وفجأة سألني:
-لماذا عدت؟
-انتهت المدة الرسمية يا سيدي.
عندها شتم طارق عزيز الذي كان مسؤولا عن الأعلام.
ثم اعترف لي بما يشبه الهمس قائلاً :-الأمور فلتت، ولم أعد أملك ألا الأسم! قال هذا بأسى متطلعاً الى صورة تتصدر الصالة التي كنا نجلس فيها!
( كانت الصورة تضمه والسيد النائب صدام)
نصحني البكر بالعودة الى الخارج بأي ثمن ووعدني بالمساعدة وتم ذلك فعلاً".
كيف ومتى شعر البكر أن دور التنحي عن السلطة قد حان هو شي غير معروف ، عدا ما ذكره الدكتور جواد هاشم في كتابه مذكرات وزير عراقي عن عقد اجتماع في دار البكر
حضره "البكر وهيثم بدعوة من خير الله طلفاح لبحث أمر هام: استقالة البكر وتنحّيه عن جميع مناصبه، وإحلال صدام حسين محله في تلك المناصب.
اعترض البكر على هذه الطريقة في التعامل، ولم يوافق على ما اقترحه صدام وعدنان خير الله ابن خال صدام وشقيق زوجته وزوج ابنة البكر.
تأزم الموقف، وسحب هيثم مسدسه وأطلق رصاصة واحدة أصابت عدنان خير الله بخدش بسيط في يده.
تدخل طلفاح لتهدئة الحالة، وبقي البكر رافضاً الاستقالة، لكنه رضخ أخيراً بعدما أفهمه صدام أنه لم يعد يمتلك أي سند أو شفيع لا في الجيش، ولا في أجهزة المخابرات، ولا حتى في الحرس الجمهوري.
كانت كل تلك الأجهزة والتشكيلات قد أُفرغت من مؤيدي البكر وأعوانه.
قبل البكر ووقّع على خطاب كان قد أُعد له ليذيعه شخصياً عند الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه من إذاعة بغداد وتلفزيونها".
لم يذكر أحداً سيرة ذلك الأجتماع سوى جواد هاشم ولم يذكر مصدر معلوماته في ذلك الكتاب.

في عام ١٩٨٢ حين توالت الهزائم العسكرية انتشرت اشاعة أن البكر قد يعود للسلطة حيث كانت أحدى شروط ايران لايقاف القتال هي تنحية الرئيس صدام عن السلطة وعلى الأكثر أن الرئيس صدام وصلته هذه الأشاعة وربما كان هذا سبباً لمهاجمته للبكر في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث عام ١٩٨٢ حيث ذكر تايه عبد الكريم وزير النفط السابق
" فى ذلك الاجتماع لأول مرة اشعر بان الرئيس صدام حسين يعبر بطلاقة وبكل صراحة عن موقفه ضد المرحوم أحمد حسن البكر.. قال قولاً لم اكن اتوقعه كان فى حالة اشبه بالانهيار، وكان يشعر بان الامور بدأت تسير فى غير صالح العراق في الحرب، قال: اخاف اروح انا ديروا بالكم ما تنتخبون احمد حسن البكر، احمد حسن البكر ليس , ما له دور فى الثورة، وتحدث حديث غير لائق وقاسي بحق الرئيس احمد حسن البكر، واستدرك قال ان شاء الله انا ما اروح باق.
المحاور: هل سب فى حق الرئيس احمد حسن البكر؟
تايه عبد الكريم: اكبر النيل منه كرئيس دولة وله دور بارز بالثورة ما كان لائق برئيس دولة ان ينال من رئيسه السابق بهذا الحقد والغضب وهو في حالة اشبه باليأس".

انعكس موقف الرئيس صدام من الرئيس البكر والذي ذكره تايه عبد الكريم بتعظيم دور الرئيس صدام واهمال دور البكر بل حتى لم يذكر أسمه في تقرير المؤتمر القطري التاسع حيث أشار الى البكر " بالرفيق الذي يحتل الموقع الأمامي" ، فعن دور الرئيس صدام ورد الأتي " هو صاحب الدور القيادي في تحقيق الأنفجارات التاريخية ، خالق الجبهة الوطنية وقائدها، ومصمم بيان اذار التاريخي والقائد الفعلي لعملية تأميم النفط، والمخطط الأول لعملية التنمية الشاملة،وواضع أستراتيجية البحوث النووية، والقائد الموجه في حقل الفكر والثقافة والاعلام".وهو"لأول مرة في تاريخ الحزب وضع بدقة وبأسلوب خلاق ومتجدد نظرية العمل البعثية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والتنظيم".
وعن التقليل من شأن البكر وخصوصاً بدوره في انقلاب ١٩٦٨ ورد مايلي
"في التحظير ل ١٧ تموز كان الرفيق صدام حسين العقل المخطط ، والمدبر والمحتاط وفي صبيحة ١٧ تموز كان ، وهو المناضل المدني ، يقود الدبابة الأولى التي اقتحمت القصر الجمهوري واعلنت شرارة الثورة. ولكن في يوم ٣٠ تموز ، كان صدام حسين هو قائد الثورة حقاً ، فهو الذي أصر على تصفية قوى الثورة المضادة وبسرعة وهو الذي وضع الخطة وهو الذي اختار ساعة التنفيذ وهو الذي وزع الأدوار وهو الذي قام بنفسه بالضربة الحاسمة وبذلك ولدت الثورة ولادة حقيقية .
أن هذا الدور القيادي الأول، في كافة الميادين، كان يتم من خلال موقع الرجل الثاني من الناحية الرسمية والبروتوكولية، في الحزب والدولة.وفي أغلب الأحيان كان الرفيق صدام حسين ينسب هذه الأدوار والانجازات الى الرفيق الذي يحتل رسمياً الموقع الأمامي أو الى صيغة القيادة الجماعية ناكراً ذاته".
بعد أستقالة البكر فرضت عليه عزلة سياسية كاملة حتى وفاته. بعد ذلك باعوام ذكر حسين كامل بعد خروجه الى الأردن وانشقاقه على سلطة الرئيس صدام أن البكر مات مسموماً بالثاليوم.