الثلاثاء، 30 مارس 2010

"جحيم البرزانيين"



"يبدو أن أبناء مصطفى البرزاني اوغلو في الخيانة الى حد عدم القدرة على التراجع ,ونقلوا هذه الخيانة الى بعض أوسع من العائلة المباشرة حتى ارتكبوا هذه الجريمة في أن يكونوا عون جيش الفرس وادلائهم لاحتلال أرض العراق وبذلك حصل الفراق النهائي بيننا وبينهم ، بل واكثر من هذا ، اذ أنهم حاولوا أن يجروا حواراً من أجل العودة الى الصف الوطني ، وان تجرى مكاتبات بالرسائل ، والصلة عن طريق المبعوثين لكي ينفذوا خيانتهم الدنيئة فخانوا مرتين ، خانوا الوطن وخانوا العهد. وتواطا معهم بعض من سموا بالبرزانيين وقد نالوا عقابهم الصارم وذهبوا الى الجحيم ...."

صدام حسين..... جريدة الجمهورية ١٣/٩/١٩٨٣

في شهر تموز من عام ١٩٨٣ هاجمت القوات الأيرانية شمال العراق واستطاعت احتلال حاج عمران بعد أن تحالفت مع بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود وأدريس البارزاني.
دفعت العشيرة البارزانية التي وصفتها أحدى وثائق السلطة بكونها "من العشائر غير الموالية للحزب والثورة والوطن عبر عشرات السنين ، حيث أنها وقفت ولا تزال ضد وحدة الوطن وكانت بحق سليلي الخيانة وهي لا تزال تعتبر نفسها العشيرة الأكثر شرعية في تمثيل الشعب الكردي ، ويملأ نفوسهم الحقد والكراهية" ثمناً باهضاً لهذا التحالف ففي ٣١ تموز ١٩٨٣ قامت قوات تابعة للسلطة بمهاجمة عدة مجمعات سكنها أبناء تلك العشيرة وفي مناطق كانت خاضعة لسيطرة الدولة لتلقي القبض على المئات منهم وقادتهم لمكان ومصير ظل مجهولا الى أن سقط النظام.
تفاصيل ما حدث ذلك اليوم رواه فرد من تلك العشيرة لأحد الصحفيين في عام ١٩٨٥ "في وقت مبكر من صباح أحد الأيّام، لاحظنا عودة الرجال الذاهبين للعمل إلى البيت وهم يردّدون بأنّ المجمّع مُحاصر من جميع جهاته من قبل جنود مسلّحين. وفي السابعة صباحاً دخلوا البيوت وبدأوا التحرّي وتجميع الرجال إعتباراً من عمر ١٠ سنوات وإلى الشيخ البالغ ٧٠ عاماً ولم يستثنوا في ذلك المعوّقين ولا المشلولين وحتّى المجانين... إدّعوا: "نأخذهم للعمل في أربيل". فتّشوا بيتي ثماني مرّات ولم ينجحوا في إلقاء القبض عليّ حيث إختفيت في المرافق الصحيّة على الطرف المقابل من باحة المنزل. في الساعة العاشرة والنصف وضعوا من جمعوهم في حافلات وقادوهم إلى جهة مجهولة لم يعودوا منها أبداً. وعند مغادرتهم قطعوا التيّار الكهربائي عن المجمّع وتعطّلت نتيجة لذلك مضخّات سحب المياه عن العمل فإضطرّت النساء على قطع مسافة ساعة للبحث عن الماء في القرية المجاورة."
بعد أشهر من اختفاء تلك المجموعة ظهر الرئيس في لقاء مجموعة مع الأكراد الموالين فقال"يبدو أن أبناء مصطفى البرزاني اوغلو في الخيانة الى حد عدم القدرة على التراجع ,ونقلوا هذه الخيانة الى بعض أوسع من العائلة المباشرة حتى ارتكبوا هذه الجريمة في أن يكونوا عون جيش الفرس وادلائهم لاحتلال أرض العراق وبذلك حصل الفراق النهائي بيننا وبينهم ، بل واكثر من هذا ، اذ أنهم حاولوا أن يجروا حواراً من أجل العودة الى الصف الوطني ، وان تجرى مكاتبات بالرسائل ، والصلة عن طريق المبعوثين لكي ينفذوا خيانتهم الدنيئة فخانوا مرتين ، خانوا الوطن وخانوا العهد. وتواطا معهم بعض من سموا بالبرزانيين وقد نالوا عقابهم الصارم وذهبوا الى الجحيم ...."


بالرغم من حديث الرئيس الذي عرض في التلفزيون ونشر في الصحف من أن " من سموا بالبرزانيين قد نالوا عقابهم الصارم وذهبوا الى الجحيم" ظلت بعض عوائلهم تتوسل السلطة لمعرفة مصيرهم .
أنكرت السلطة معرفتها بمصير من اعدموا على يديها فقد كانت التعليمات "أن هولاء فقدوا في الحرب مع العدو الأيراني" كما ورد في وثيقة "تردنا بين اونة واخرى طلبات من المراجع العليا وخصوصاً من ديوان الرئاسة يطلب المواطنين فيها بيان مصير أزواجهم واولادهم بالاخص البارزانيين الذين نالوا جزائهم وذهبوا الى الجحيم لخيانتهم تربة الوطن. فقد وردنا الطلب المرفق طياً من ديوان الرئاسة ولم يذكر الطلب بأنهم من البارزانيين اوضحنا للرئاسة بأن هولاء من البارزانيين وقد تم تنفيذ حكم الأعدام بحقهم لخيانتهم الوطن عام ١٩٨٣ بموجب كتابنا في ٢٤/٣/١٩٩٠ وقد اعلمتنا ديوان الرئاسة بموجب كتابها ٢٣٩٠ في ١٣/ايار/١٩٩٠ المرفق طياً بأنه تنسب تبليغ ذوي الموما اليهم بأنهم فقدوا أثناء الحرب مع العدو الأيراني" .

معرفة ما حل بالبارزانيين ظلت أحدى مطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني عند اجراء المفاوضات مع السلطة وكان توجيه الرئاسة في كتابها "نظراً لاستمرار تأكيد المجرم مسعود البارزاني على هذا الموضوع فقد اوعزت رئاسة الجمهورية -السكرتير بكتابها المرقم ٢٦٥١/ك في ٢٤/٨/١٩٨٧ بتوجيه المسوولين والاجهزة المعنية بالقضية الكردية الذين من المحتمل الأتصال بهم من خلال طرف ثالث بأن يكون الرد محدد وموحد بأن لا أحد يعرف عنهم شيء سوى قيادة الدولة وان المسألة الأساسية أكبر من قضية هذه العوائل ، وان يعتمد هذا الجواب في الرد على اي استفسار منهم قد يحصل عن مصير هذه العوائل".
تلقي الوثائق التي عثر عليها بعد السقوط الضوء على ماحل بهم "بايعاز من السيد مدير الأمن العام السابق الدكتور فاضل البراك المحترم خرجت قوة كبيرة من الضباط والمنتسبين من مديريات أمن اربيل ومقر الحكم الذاتي وافواج الطوارى من المحافظات بأمرة السيد اللواء عبد المحسن واللواء خيري صالح داود المحترمون مدير أمن الحكم الذاتي ومدير أمن اربيل وتم رسم خطة تم بموجبها بقاء القوة في أماكن قريبة من المجمعات وبسرية تامة ورافق ذلك تطويق المجمعات من قبل الحرس الجمهوري وبوشر بمجمع البرزانيين وعلى مرحلتين الأولى من مجمعات القدس والقادسية وقوشتبه القريبة من مركز محافظة اربيل حيث تم تطويق القوة من الليلة التي سبقت تنفيذ الواجب وخرجت القوة من أمن اربيل من الصباح الباكر والمرحلة الثانية مجمعات حرير ضمن قاطع شقلاوة ومجمع ديانا ضمن قاطع راوندوز ومجمع سور ضمن قاطع قضاء الزيبار حيث تم تطويق هذه المجمعات من قبل قوة الحرس الجمهوري ومكثت قوة الأمن في أماكن قريبة من هذه المجمعات وبسرية تامة وفي الصباح تم جمع البرزانيين واستمر القبض عليهم من المساكن ومن المناطق القريبة التي اختبئوا فيها وقد كان ذلك في أوائل شهر آب ١٩٨٣ تم نقل البرزانيين الخونة في سيارات كبيرة قدمت من بغداد لهذا الخصوص بأمرة ضباط من القصر الجمهوري واقتادتهم الى بغداد بعد الأنتهاء من تجميعهم"
وثيقة أخرى تحدد من ألقي القبض عليه كان "جميع البارزانيين من الذكور عدا من يقل عمره عن ١٥ سنة "
بعد نقلهم الى بغداد تسلمتهم قوة أخرى تشكلت "بايعاز من السيد مدير الأمن العام الأسبق " ," قوة من منتسبي مقر مديرية الأمن العامة ومديرية أمن بغداد تولت استلام المقبوض عليهم في المجمعات أعلاه وامثالهم المحجوزين في سجن أبي غريب ، حيث بلغ مجموع الذين استلمتهم هذه القوة ٢٢٢٥ "
بعد استلام البرزانيين قامت تلك القوة بنقلهم " الى منطقة بصيه بمحافظة المثنى" ليتم اعدامهم من قبل " فريق عمل قام بتنفيذ حكم الشعب بحق المذكورين".
بعد أن نفذ حكم الأعدام بهم ارتأى مدير الأمن العام تنظيم قضايا لرفعها الى محكمة الثورة لكي تصدر حكم الأعدام باشخاص اعدموا قبل اجراء التحقيق وقبل اصدار الحكم حيث جاء في الوثيقة "ثم صدر توجيه من السيد مدير الأمن العام الأسبق بتنظيم قضايا خاصة للمهمين منهم ، وفعلاً تم تنظيم ١٦ قضية ل " ٦٦٧" منهم واحيلت الى محكمة الثورة واصدرت بحقهم حكم الشعب بالاعدام ولم تسلم شهادات وفاة لذويهم".
وعلى ضوء ذلك التوجيه انعقدت محكمة الثورة لتصدر حكم الأعدام باشخاص نفذ حكم الأعدام بهم قبل أن تعقد المحكمة جلستها وقبل أن يعرفوا تهمتهم أو يدافعوا عن أنفسهم ومثال على ذلك قرار رئاسة محكمة الثورة وعدد الدعوى /١٤٤٦/ج/١٩٨٣ بتاريخ ٣٠/٨/١٩٨٣ "تشكلت محكمة الثورة بتاريخ ٣٠/٨/١٩٨٣ برئاسة السيد عواد حمد البندر وعضوية الحقوقي داود سلمان شهاب والمقدم الحقوقي طارق هادي شكر واصدرت بأسم الشعب القرار الآتي :الحكم على كل من صابر مصطفى محمد عبد السلام البارزاني واسماعيل فقي عولا البارزاني ورمزي عبدالله سليم البارزاني وامين عثمان هميرة البارزاني ونور ألدين محمد صديق البارزاني ونوزاد لقمان مصطفى البارزاني وآزاد لقمان مصطفى البارزاني وصلاح لقمان مصطفى البارزاني وبيداد لقمان مصطفى البارزاني ورجب اسماعيل حسن البارزاني وقادر نعمان جهور البارزاني ومجيد عبدالله سليم البارزاني وحكيم سعيد حسن البارزاني وسبحان أسماعيل عبد السلام البارزاني وزبير عبدالله سليم البارزاني وحسين ذياب در البارزاني ودلدار علي محمد حاجي البارزاني واسماعيل مصطفى محمود البارزاني وعلي عمر أسعد البارزاني وعثمان أحمد محمد البارزاني وعبد الباري سليمان عبد السلام البارزاني وعماد عثمان أحمد محمد البارزاني ونذير أحمد محمد عبد السلام البارزاني بالاعدام شنقاً حتى الموت وفق المواد ١٥٩ و ١٦٢ و ٢٧٥/٢/٤٢ و ٥٠ و ٥٣ من ق. ع ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة ". كمية المبالغ التي تمت مصادرتها ممن ألقي القبض عليه كانت حسب وثائق السلطة " ١٩٤٬٦٤٨٬٤٤٠ " وقد "واودعت لدى حسابات هذه المديرية".

ماحل بالبرزانيين كان مثالاً لما يحدث عندما يغيب القانون وتتراجع العدالة فقد خضع المتصدي بالسلاح والقابع في داره للقسوة نفسها وكان الموت نصيب الجميع .
كان التشنج والثأر كافياً لأستكمال شروط المحاكمة واصدار الحكم بأشخاص موتى لكنه مشهد تكرر في سيرة انتهت بحكايات فرار وفزع ومقابر جماعية.