الأحد، 9 يناير 2011

حديث لحافظ الأسد عن أتهام العراق لسوريا "بمؤامرة" 1979

بعد أن أتهم العراق سورية بانها وراء مؤامرة 1979 من خلال ملحق عسكري لها ادعى العراق بأنه كان يلتقي المتآمرين وقدم لهم رشاوي ، نفت سورية ذلك ففي مقابلة صحفية لحافظ الأسد مع مجلة دير شبيغل في 26 آب 1979 قال " لا يمكن لأي انسان عاقل أن يورد هذا الأحتمال اذ لا مصلحة لسورية في ذلك " وفي حديث لحافظ الأسد في 12 آذار 1985 تطرق أيضاً لما حدث فقال " كما تعرفون سرنا على الطريق " الوحدة" خطوات جيدة وضعنا أسساً اتفقنا على مبادىء توصلنا الى وضع دستور الوحدة ، وكان يفترض أن تتحقق الوحدة خلال فترة قريبة بعد آخر لقاء تم فيما بيننا. ودستور الدولة الواحدة الذي اتفقنا عليه أصبح جاهزاً ، واتفاقنا كان كاملاً ، ونسخه موجودة لدينا ولديهم.
وعدنا الى سورية ، وفجأة بعد أيام تغير الحكم في بغداد واتهمنا بالتآمر واعدم عدد من القادة العراقيين متهمين بالتآمر من جهة وبتآمرهم مع سورية على النظام في العراق من جهة أخرى.

وقد صدمت وصدم رفاقي في القيادة ، وكانت الصدمة كبيرة فعلاً لأننا كنا نعيش مشاعر عرس قومي كبير ، فنحن على أبواب حدث ضخم كنا نرى أنه سيشكل الرد على زيارة السادات للقدس ، على كامب ديفيد ، على تحديات أخرى كثيرة موجودة في مواجهة الأمة العربية، كنا سنعيش مشاعر هذا العرس ، وفي غمرة هذه المشاعر نتهم بالتآمر على نظام سنقيم معه الوحدة.
وحاولنا أن ننقذ السفينة من الغرق ، حاولنا أن نرتفع فوق كل جرح مهما عمق هذا الجرح. ارسلت الى بغداد وفداً ووفداً ، رسالة ورسالة - وارجو أن استعرض هذه الأمور في وقت مناسب بالتفصيل- في محاولة لانقاذ السفينة التي بدؤوا باغراقها.
ولكن جميع محاولاتنا ذهبت عبثاً لأن هناك قراراً بأن لاتقوم الوحدة بين سورية والعراق.
ولم يكتفوا بهذا فقط ، ضربوا الوحدة ، اتهمنا بالتآمر ، ضربوا السوريين العاملين في السفارة في بغداد ، وحاولنا خلال اتصالاتنا معهم أن يمسكونا رأس خيط هذه المؤامرة، أن يقدموا لنا مستمسكاً لو صغيراً ، مؤكدين لهم أن من يتآمر عليكم يتآمر علينا لأننا في طريقنا لأن نكون دولة واحدة.
أنها مهازل تلك التي قيلت في حينها تدعو الى الضحك والى البكاء واقول الى البكاء لأن الأمر يتعلق بحدث جلل. من جملة ما قالوا أن لسورية ملحقاً عسكرياً في بغداد اجتمع بفلان وفلان من القادة العراقيين أكثرهم أعدم ، وحسب علمي أن واحداً منهم لم يعدم ، وأن هذا الملحق العسكري أعطى سبعة آلاف دينار لذلك المسؤول العراقي... وانتم تعرفون أن اخواننا في العراق ليسوا بحاجة الى أن يأخذوا من سورية بضعة آلاف من الدنانير.
حاول الوفد السوري الذي ذهب الى بغداد ، وكان يضم في ذلك الوقت وزير الخارجية ورئيس الأركان ، أن يسألهم من هو هذا الملحق العسكري ، وما اسمه ، وما صفاته ، أين يقيم ؟ أين يعيش؟ اذ لم يكن
لدينا في العراق منذ سنوات ملحق عسكري ، فقالوا لا يعرفون.
قالوا لايعرفون هذا الضابط وهم يقولون أنه يقيم كملحق عسكري في بغداد منذ سنوات قال الوفد لهم أنتم تعرفون أن لكل ضابط في الجيش في سورية وفي غير سورية اضبارة تحوي صورة هذا الضابط أيضاً، ليذهب من تريدون ممن رأوا هذا الضابط الى سورية لنعرض عليهم اضابير الجيش كلها وليتعرف هذا الشخص أو
هولاء الأشخاص على هذا الضابط لكي نضع يدنا عليه فرفضوا. طرحنا عليهم تشكيل لجنة مشتركة سورية- عراقية لتحقق في سورية والعراق ، وتحاسب بالشكل الذي تشاء من ترى أن له علاقة بعمل تآمري ضغير أو كبير لم يوافقوا. طرحنا عليهم تشكيل لجنة عربية من العرب غير السوريين الموجودين في سورية ، ومن العرب غير العراقيين الموجدين في العراق ، ولتكن لهم سلطة مطلقة على الساحة السورية والعراقية ، وليتابعوا التحقيق وليكشفوا المتآمرين وليتخذوا الأجراءات التي يرون، رفضوا أيضاً.
وطرحنا ورفضوا...وطرحنا ورفضوا...المهم اجهضوا وقتلوا قبل الولادة هذا الحدث العظيم الكبير الذي كنا ننتظره."

الأربعاء، 5 يناير 2011

القسوة لدى صدام حسين.."غزو الكويت".....الجزء الثاني

"قال لي الأخ مبارك أن الكويتيين خائفون ويقولون يوجد عسكر على بعد عشرين كيلومتراً من خط الجامعة العربية. فقلت له : بغض النظر عما يوجد سواء أكان الموجود شرطة أو جيش وكم عدد الموجود وماذا يفعل ، طمئن الكويتيين. ونحن من جانبنا لن يحصل شيء الى أن نلتقي معهم. وعندما نلتقي ونرى أن هنالك أملاً ، لن يحصل شيء وعندما نعجز عن ايجاد مخرج ، فأمر طبيعي أن لايقبل العراق أن يموت . ومع ذلك الحكمة هي فوق كل شيء أخر. فاذن ألان عندك أخبار جيدة.
علق طارق عزيز : هذه أخبار سبق صحفي." ...من محضر اجتماع الرئيس صدام والسفيرة ابريل كلاسبي...٢٥/٧/١٩٩٠

الغزو والأستدراج

راجت أقوال عديدة بعد الغزو من أن الرئيس صدام قد خرج بانطباع , بعد مقابلته للسفيرة الأمريكية قبل أسبوع من الغزو ,من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اعطته الضوء الأخضر للقيام بذلك العمل وان السفيرة الأمريكية قد تعمدت تضليله واستدرجته كي يقوم بغزو الكويت.
هل كانت تلك الأقوال محقة في استنتاجاتها ؟

قبل قراءة محضر الأجتماع والخروج باستنتاج من المفيد معرفة كيفية قراءة تقارير السفراء, وهي كما ذكرها محمد حسنين هيكل في كتاب حرب الخليج " تقتضي احتياطاً مبدئياً لابد من مراعاته ، والا كانت القراءة خاطئة ، ذلك لأنه اذا كان رئيس الدولة هو الذي استدعى السفير لمقابلته ، فأن ما يستحق القراءة في التقرير هو ما قاله رئيس الدولة ، وليس ما قاله السفير. فقيام رئيس الدولة باستدعاء سفير أجنبي معتمد لديه ، يعني أن هذا الرئيس لديه شيء محدد يريد أن يبعث به الى الدولة التي يمثلها السفير ، وكلامه على هذا النحو هو الموضوع. واما اذا كان العكس ، وكان
السفير هو الذي طلب بأمر من حكومته مقابلة رئيس الدولة المعتمد لديه ، فأن ما يستحق القراءة -بالدرجة الأولى- هو كلام السفير لأنه في هذه الحالة يصبح صميم الموضوع. ونتصل بذلك ملاحظة عامة أخرى تتعلق بنظرة رؤساء الدول في العالم الثالث عموماً الى سفراء القوى الكبرى، فرؤساء دول العالم الثالث والعالم العربي بالذات ، يتصورون في كثير من الأحيان ، وهم يتحدثون الى سفراء الدول الكبرى أنهم - في واقع الأمر- يتحدثون الى أشخاص رؤساء هذه الدول أنفسهم ، ولعل تلك مترسبة في اللا وعي من تأثير التجربة الأستعمارية ، وحين كان المعتمدون ، والمندوبون السامون ، والسفراء فوق العادة- يملكون سلطة التصرف والقرار أحياناً في سياسة دولهم في البلدان الخاضعة لسيطرتهم. وينسى بعض رؤساء الدول المستقلة حديثاً أن السفراء المعتمدين لديهم هم ألان مجرد موظفين يكتب الواحد منهم تقريره عما يراه ويسمعه ، ويبعث به الى رئيس القسم المختص بهذه الدولة في وزارة خارجية بلاده ، ومن عنده يحال تقريره اذا كانت له أهمية الى وكيل الوزارة المختص بالمنطقة التي يتبعها هذا البلد المعين. وفي حالات نادرة يصل هذا التقرير الى وزير الخارجية ، أو الى المسؤول عن الأمن القومي في رئاسة الدولة لهذه القوة الكبرى ولقد وقع المحظور في كلتا الحالتين في المقابلة التي كانت على وشك أن تتم بين الرئيس صدام حسين والسفيرة ابريل غلاسبي :
-من ناحية أعطي لكلام السفيرة أكثر مما كان يستحق ، في حين أن صميم الموضوع كان ماقاله الرئيس صدام حسين.
- ومن ناحية ثانية فقد بدا أن الطرف العراقي يتصور أنه يتحدث ويسمع من الرئيس بوش نفسه وليس من موظف رسمي سوف ينقل فحوى الحديث الى مكتب العراق التابع لوكالة الوزارة لشوون الشرق الأدنى".
ويظهر استقراء المضمون الحقيقي للرسالة بصرف النظر عن نصوصها المسهبة أن الرسالة التي أراد الرئيس صدام حسين ايصالها للرئيس بوش هي على النحو التالي :
أولاً -مقدمة عامة مضمونها رغبة العراق في أن تفهمه الولايات المتحدة الامريكية وان تعطيه الفرصة ليفهمها. وفي هذا الجزء من الرسالة يتصل حديث الرئيس صدام حسين طبقاً للمحضر فيقول "تعرفون أن علاقاتنا كانت مقطوعة، حتى عام 1984، مع الولايات المتحدة. وتعرفون الظروف والأسباب، التي أدت إلى قطع العلاقة. وقد بيّنا لكم أن قرار إعادة العلاقة مع الولايات المتحدة، كان قد اتخذ، في الواقع، في عام 1980، وربما خلال الشهرين اللذين سبقا قيام الحرب بيننا وبين إيران. ولكن عندما قامت الحرب، مع ملابساتها المعروفة، ولأننا حريصون على أن نتصرف في القضايا الكبيرة، بما لا يجعل المقابل يفسر الأمور إلاّ في إطارها الصحيح، أجّلنا إعادة العلاقة على أمل أن تنتهي الحرب. ولأن الحرب استمرت طويلاً، وتأكيداً لمبادئنا التي تقول إننا جهة غير منحازة، كان لا بدّ أن نعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، فجاء التوقيت لإعادتها في عام 1984. ومن الطبيعي أن نقول، إن الولايات المتحدة ليست كإنجلترا مثلاً، من حيث قِدَمْ علاقتها بدول الشرق الأوسط العربية، ومنها العراق. وإذا أضفنا إلى هذا، أن العلاقات بين البلدين، كانت مقطوعة طيلة المدة بين أعوام 1967 ـ 1984، فإنه لا بد أن نقول إنه سيصعب على الولايات المتحدة أن تفهم الكثير من الأمور في العراق كما ينبغي. وكان مؤملاً، في العلاقة الجديدة التي استؤنفت، أن نعاون بعضنا، لكي يفهم كل منا الآخر، لأننا نحن، أيضاً، كنا وما زلنا، نجهل الكثير من الخلفيات والأمور، التي يستند إليها القرار الأمريكي".
ثانياً- تجيء بعد ذلك في الحديث رسالة عتاب عن أخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة في حق العراق، ومع ذلك فالعراق على استعداد لنسيان الماضي. وهكذا يقول الرئيس العراقي "أن العلاقة، وهي حديثة العهد، تعرضت لبعض المنغِّصات والضربات، وهي في خط سيرها على الطريق. أهم ضربة تعرضت لها العلاقات، كانت في عام 1986 (بعد سنتين من إعادة العلاقات)، فيما سمي بقضية (إيران ـ جيت) وصادف في ذلك العام، احتلال الفاو من قِبَل إيران. ومن الطبيعي أن نقول إن كل علاقة، تستطيع مع قِدَمها وتشابك المصالح، أن تغطي ارتكاب الأخطاء التي تحصل فيها. ولكن عندما تكون المصالح في هذه العلاقة صغيرة الحجم، ولم تتسع بعد، وعندما لا تكون العلاقة قديمة بما يكفي، لتوجه أطرافها، لكي يتفهم بعضها بعضاً، فلا بد أن يترك كل خطأ في طريقها، نوعاً من الأثر، هو بحجم الخطأ، وربما في بعض الأحيان أكبر من حجمه، ولكن في كل الأحوال، لا يكون الأثر أقلّ من حجم الخطأ. مع ذلك، قبلنا الاعتذار الذي قدمه الرئيس الأمريكي حول (إيران ـ غيت) من طريق مبعوثه إلينا، واعتبرنا ذلك يكفي عن الماضي. وينبغي أن لا نحيي الماضي، إلا إذا ارتبطت به خطوات لاحقة، تُذكّر بأن الخطأ الماضي، ليس مجرد خطأ عابر".
ثالثاً- يجىء بعد ذلك في الحديث ما يمكن أن يسمى رسالة لفت نظر الى نقطة هامة يريد العراق أن يذكر بها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي أنه هو الذي وقف في وجه الثورة الأيرانية ونفوذها في المنطقة . ويتمثل ذلك في قول الرئيس صدام حسين
"أنا اطلعت على التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن الأصدقاء في المنطقة، وأقول، من حق كل جهة أن تختار أصدقاءها في المنطقة، ومن حق كل جهة في العالم أن تختار أصدقاءها، نحن لا نعترض على هذا، ولكن أنتم تعرفون، أنكم لستم الذين حميتم أصدقاءكم خلال الحرب مع إيران. وأنا أجزم لو أن الإيرانيين اندفعوا في المنطقة، لما استطاعت الجيوش الأمريكية أن تصدهم وتوقفهم، إلاّ باستخدام القنابل النووية. هذه ليست نظرة استصغار لكم، وإنما مرتبطة بطبيعة الجغرافيا وبطبيعة المجتمع الأمريكي، التي تجعله لا يستطيع أن يتحمل في معركة واحدة عشرة آلاف قتيل. وأنتم تعرفون أن إيران وافقت على وقف إطلاق النار، ليس بسبب ضرب أمريكا منصة صغيرة من منصات تحميل النفط، بعد تحرير الفاو. فهل هذه مكافأة العراق على دوره في استقرار المنطقة وحمايتها من طوفان، لم نكن نعرف على أي شاطئ كان سيضعها؟
رابعاً - ثم تصل الرسالة الى طلبات يريدها العراق ويعتبرها حقاً له ، وهو على استعداد للفهم اذا اختلف رأي الأخرين - فيقول الرئيس صدام حسين
"كان أملنا، أنه بعد هذه الفرصة الطويلة، سيصبح في مقدور المسؤولين الأمريكيين، أن يتخذوا قرارات أكثر صواباً، في صدد العلاقة مع العراق. من المسلَّم به أن العلاقة، حتى وهي ترتقي إلى أي مستوى من مستويات الصداقة، لا تفترض التطابق، بل إن الأمريكان يرون أنه حتى داخل القيادة الواحدة، لا يُفترض أن يكون هنالك تطابق في الآراء. ولكن عندما تخفَّض أسعار النفط بشكل مخطّط، ومتعمَّد وبدون سبب تجاري أو اقتصادي، فهذه حرب أخرى على العراق، لأن الحرب تقتل البشر بعد أن تسيح دمهم، والحرب الاقتصادية تقتل إنسانية البشر، بعد أن تسلبها فرصتها في الحياة الكريمة. ونحن كما تعلمون، أعطينا أنهاراً من الدم، في حرب، استمرت ثماني سنوات، ولم نتنازل عن إنسانيتنا، أي حق العراق في أن يعيش بكرامة. وعليه، لا نقبل على الإطلاق (وإذا كنّا لا نقبل هذا بدرجة معينة قبل الحرب، فالآن لا نقبله بدرجة مضَاعفة) أن يخل أحد بكرامة العراقيين أو بحقهم في العيش حياة سعيدة، ومرفّهة، ومزدهرة. الكويت والإمارات، كانتا وجه هذه السياسة، التي تريد أن توصل إلى ما يذل العراق، وتسلبه فرصة الحياة السعيدة، وأنتم تعرفون، أن علاقاتنا كانت جيدة مع الإمارات والكويت. نضيف إلى هذا، أن دولة الكويت، ونحن مشغولون بالحرب، كانت تتوسع على حساب أراضينا. قد تقولون إن هذا في حكم الدعاية، لكننا نقول، بإمكانكم أن تعودوا إلى وثيقة واحدة، والتي تسمى (خط الدوريات)، وهو الخط الذي اعتمدته الجامعة العربية، لتجعل أي قوة عسكرية، في عام 1961، بعيدة عن هذا الخط، أي على الحافة القريبة منه. عاينوا، وقفوا في الحافة الأخرى، التي هي في اتجاه الكويت، وانظروا، أكانت توجد عليها مخافر شرطة أو مزارع أو منشآت نفطية، وإلى عمق بعيد، من هذا الخط، أي خط الدوريات؟ إن كل هذه المرافق والمنشآت، استُحدثت بتخطيط مقصود، لفرض الأمر الواقع على العراق. ومن الطبيعي أن نقول، إنه خلال هذه المدة، كانت حكومة الكويت مستقرة، بينما الحكومة في العراق تتغير، وحتى بعد عام 1968، وإلى عشر سنوات بعدها، كنا نحن مشغولين بأمور كثيرة، مرة في الشمال، وأخرى في حرب 1973، وغيرهما من الإنشغالات. ثم جاءت، بعد ذلك، الحرب مع إيران ".
خامساً- ثم تحدد الرسالة هدف العراق في ألازمة وان ترك توقيته مفتوحاً فيقول الرئيس صدام حسين
"ماذا يعني قول أمريكا الآن، إننا ملتزمون بحماية أصدقائنا، بصورة فردية وجماعية؟ إنه يعني بوضوح، انحيازاً واضحاً ليس إلى جانب الجهة الفلانية، من دون الجهة الفلانية الأخرى، وإنما انحياز واضح ضد العراق، في هذه المرحلة. هذا الموقف، فيه تشجيع واضح للكويت وللإمارات، مع التصريحات الأخرى والمناورات، لكي لا تحترم دولتا الإمارات والكويت حقوق العراق. أقول لكم بوضوح، إن حقوق العراق، التي وردت في المذكرة، سنأخذها واحداً واحداً. قد لا يحصل هذا الآن، أو بعد شهر، أو بعد سنة، ولكننا سنأخذها كلها، لأننا لسنا من النوع الذي يسكت على حقه، وليس هناك استحقاق تاريخي، أو شرعية، أو حاجة، لتستحوذ الإمارات والكويت على حقوقنا، فإن كانوا محتاجين، فنحن، أيضاً، محتاجون".
سادساً- ثم تقصد الرسالة الى طمأنة الولايات المتحدة الى أن مصالح العراق لا تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة بالضرورة فيقول
"نحن نفهم تماماً قول أمريكا، بأنها حريصة على تدفق النفط، ونفهم قول أمريكا بأنها تريد علاقات صداقة مع دول المنطقة، وأن تتسع مساحة المصالح المشتركة في المجالات المختلفة. ولكن لا يمكن أن نفهم محاولات تشجيع بعض الدول على أن تلحق الضرر بالعراق. تريد الولايات المتحدة ضمان تدفق النفط. هذا مفهوم ومعروف. تريد أمريكا السلام في المنطقة، وهذا هو الذي نسمعه. هذا مفهوم. لكن عليها أن لا تعمل بالطرق التي تقول إنها لا تحبها، وهي طرق الضغط واستعراض القوة. إذا استعملتم طرق الضغط والإكراه، نحن سنعمل بطريقة الضغط واستخدام القوة".
سابعاً- ثم تشير الرسالة الى استعداد العراق لمواجهة خطر ضربة عسكرية ولكنه سيرد مباشرة عليها في المنطقة ، وحتى هناك في أمريكا فيقول الرئيس صدام حسين
"نحن نعرف أنكم قادرون على إلحاق أذى بنا، ونحن لا نستخدم التهديد ضدكم، لكن نحن، أيضاً، قادرون على إلحاق أذى بكم. وكل واحد يلحق أذى بقدر حجمه. نحن لا نستطيع أن نأتي إليكم في الولايات المتحدة، ربما يصلون إليكم أفراد عرب. أنتم تستطيعون أن تأتوا إلى العراق، بطائرات وبصواريخ. نعرف هذا، لكن لا توصلونا إلى أن نستخفّ بكل هذا. متى نستخفّ بهذا؟ عندما نشعر أنكم تريدون أن تذلونا، وأن تنتزعوا فرصة العراقيين في العيش بكرامة وسعادة. عند ذلك، الموت يكون هو الأفضل. وعند ذلك، لا نأبه إذا وجهتم إلينا مقابل الصاروخ الواحد، مائة صاروخ، لأنه من غير هذه، لا كرامة للإنسان ولا حياة ذات قيمة".
أما السفيرة فقد حاولت توضيح نية حكومة الرئيس الامريكي بتوسيع وتعميق العلاقات مع العراق فقالت " تحدثتم عن الصداقة واعتقد أنه كان واضحاً من رسائل رئيسنا اليكم بمناسبة العيد الوطني أنه يوكد..
وقال الرئيس صدام: كان كريماً وتعبيره محل تقديرنا واحترامنا.
وقالت السفيرة الأمريكية: وكما تعرفون أنه وجه الأدارة الأمريكية بالرفض القاطع والحثيث لمقترح فرض العقوبات التجارية".
واضافت السفيرة الأمريكية" أن لدي توجيهاً مباشراً من الرئيس شخصياً أن أعمل على توسيع وتعميق العلاقات مع العراق".

وقدمت السفيرة الأمريكية اعتذاراً عن تقرير اذيع من راديو صوت أمريكا عن انتهاكات حقوق الأنسان في العراق فقالت " أوردتم قضية المقال الذي نشر عن طريق وكالة الأستعلامات الأمريكية. لقد كان محزنا فعلاً وقدمت اعتذاراً رسمياً حوله"
وعندما علق الرئيس صدام من أنه يعتقد أن استمرار نهج الأعلام في مهاجمته" اصراراً"
قالت السفيرة " أنا رأيت برنامج دايان سوير في محطة ABC . الذي جرى في هذا البرنامج أمر رخيص وغير عادل ، وهو صورة حقيقية لما يجري في الأعلام الأمريكي حتى لسياسيين أمريكيين. هذه هي طريقة الأعلام التي يعمل بها الأعلام الغربيأنا مسرورة أنكم تنضمون إلى الدبلوماسيين لمواجهة هذا الإعلام، لأن ظهوركم في الإعلام، ولو لمدة خمس دقائق، يساعدنا على أن نجعل الشعب الأمريكي يفهم العراق. وهذا شيء يزيد من الفهم المشترك. ولكن لو كان في إمكان الرئيس الأمريكي أن يسيطر على الإعلام، لكان أداؤه لوظيفته أسهل. سيادة الرئيس، لا أريد أن أقول إن الرئيس بوش يريد علاقة أفضل وأكثر عمقاً بالعراق فحسب، بل يريد أن يكون للعراق إسهام تاريخي في السلام والازدهار في الشرق الأوسط. إن الرئيس بوش ذكي، ولن يعلن أي حرب اقتصادية على العراق.
وابدت السفيرة تفهما لرغبة العراق في رفع سعر البترول " أنتم محقّون. صحيح ما أوردتموه من أننا لا نريد أسعاراً عالية للنفط، لكن أسألكم أن تتأملوا احتمال الرغبة في أن لا تكون أسعار النفط مرتفعة جداً. ".
وقالت أيضاً عندما علق الرئيس صدام أن سعر 25 دولاراً للبرميل ليس عالياً
"عندنا كثيرون من الأمريكان ممن يتمنون أن يرتفع السعر الى أكثر من 25 دولار لانهم من ولايات تنتنج النفط" .
يتضح مما تقدم أن السفيرة حاولت أن تطمئن العراق الذي اعتبر هناك تآمراً عليه من قبل الكويت والامارات مدفوعاً من قبل جهات غربية، من أن الولايات المتحدة ترغب في تعميق العلاقات مع العراق ووضحت له أن الهجوم الاعلامي الغربي عليه لم يكن موقفاً رسمياً وان الولايات المتحدة لن تفرض عقوبات على العراق.
أما من روج لنظرية الاستدراج والفخ الأمريكي فقد استند على اقتطاع "عبارة لايتوفر لدينا رأي حوله هو الخلافات العربية-العربية" من تمهيد طويل كمدخل لسؤال ستوجهه السفيرة الى الرئيس صدام وهو ماهي نواياكم تجاه الكويت؟
والتمهيد الذي وردت فيه تلك العبارة المجتزئة كان" عشت سنين هنا وأنا أعجب بجهودكم غير الأعتيادية من أجل أعادة البناء وافهم أن هذا البناء يحتاج الى أموال وهذا نفهمه. ولدينا رأينا في هذا الموضوع وهو أن تتاح لكم الفرصة لأعادة البناء ، ولكن الذي لا يتوفر لدينا رأي حوله هو الخلافات العربية-العربية ، مثل خلافكم الحدودي مع الكويت. أنا خدمت في اواخر الستينات في سفارة بالكويت وكانت التوجيهات لنا في تلك الفترة أن لا علاقة لكم بهذه القضية ولا علاقة لامريكا بهذه القضية. وقد وجه جيمس بيكر متحدثنا الرسمي لان يعيد التأكيد على هذا التوجه. ونتمنى أن تتمكنوا من حل هذه المشكلة وبأية طريقة مناسبة ، عن طريق القليبي أو الرئيس مبارك. كل ما نأمله أن يجري حل هذه الأمور بسرعة. ومع كل هذا هل اطلب منكم أن تنظروا في كيف يبدو هذا الأمر بالنسبة لنا. أن تخميني بعد ٢٥ سنة خدمة في المنطقة ، هو أن تلقي اهدافكم الدعم القوي من اخوانكم العرب. أنا اتحدث ألان عن النفط. ولكن أنتم يا سيادة الرئيس ، قاتلتم ، بحق حرباً أليمة مرعبة ونحن بصراحة لا يمكن ألا أن نرى انكم قد نشرتم قطعات كبيرة في الجنوب. بالشكل الاعتيادي هذا ليس من شأننا. ولكن عندما نرى أن هذا الشيء يحصل في سياق الكلمة التي القيتموها في ذكرى الثورة ، ثم نقرأ ونطلع على التفاصيل في رسالتي وزير الخارجية ، ومن ثم نطلع على وجهة النظر العراقية ، من أن اجراءات الأمارات والكويت هي من حيث التحليل النهائي لها موازية لعدوان عسكري على العراق ، يبدو لي أن من المعقول لي على الأقل ، أن أقلق، ولهذا السبب تلقيت توجيهاً بأن اتوجه بالسوال بروح الصداقة وليس بروح المواجهة ، عن نواياكم . هذا هو الوصف البسيط للقلق الذي ينتاب حكومتي. أنا لا أقصد أن الوضع هو وضع بسيط ، انما قلقنا هو قلق بسيط".
وكان جواب الرئيس صدام لسؤالها عن حقيقة نواياه تجاه الكويت
" لا نطلب من أحد أن لا يهتم بالسلام. أو أن لا يقلق عندما يرى السلام يتكدر. هذا شعور انساني صميم نحن نشعر به ، وانتم كدولة عظمى أمر طبيعي أن تقلقوا. لكن الذي نقصده أن لا يعبر عن هذا القلق بطريقة تشعر المعتدي أن هنالك من يعاونه على العدوان. هذا الذي نقصده. نحن نريد أن نتوصل الى حل ينصفنا ولا يأخذ من حقوق الأخرين، لكن في الوقت نفسه نريد أن نشعر الأخرين بأنه لم يعد لنا مجال للصبر تجاه تصرفاتهم التي وصل ضررها الى حليب أطفالنا والى رزق الأرملة التي استشهد زوجها في الحرب ، والى رزق الأيتام الذين فقدوا اباءهم أثناء الحرب. ثم نحن من بلد من حقنا أن نزدهر ، وطالما ضاعت علينا فرص ، وعلى الأخرين أن يقدروا دور العراق في حمايتهم. وحتى هذا العراقي (أشار الى المترجم) أصبح في شعور صعب. هذا شعور كل عراقي. نحن لا نريد أن نعتدي ، لكن لا نقبل أن يعتدى علينا. ارسلنا لهم مبعوثين ورسائل خطية ، وحاولنا معهم بكل الطرق . تمنينا على خادم الحرمين الملك فهد أن يعقد اجتماعاً رباعياً على مستوى القمة ، فأقترح أن يكون على مستوى وزراء النفط. ووافقنا ، وانعقد اجتماع وزراء النفط في جدة كما تعرفون وتوصلوا الى اتفاق لا يمثل الذي يفترض أن يكون ، لكن وافقنا عليه. بعد الأجتماع بيومين فقط ، صرح وزير النفط الكويتي بما يخالف الأتفاق. كذلك طرحنا الموضوع أثناء قمة بغداد فبعد انجاز جدول أعمال القمة قلت للملوك والرؤساء العرب . أن بعض الأشقاء يشنون علينا حرباً أقتصادية ، وأن الحروب ليست كلها تستخدم الأسلحة ، هذا النوع من الحرب نعتبره بمستوى العمل العسكري ضدنا ، لأنه اذا هبطت كفاءة جيشنا من الممكن عندما تعاود ايران الحرب، أن تحقق أهدافاً لن تحققها في الماضي ، واذا هبط مستوى برنامجنا الدفاعي قد يشجع هذا اسرائيل لأن تعتدي علينا. وقلت هذا أمام الملوك والروساء العرب ، فقط لم أشر الى الكويت والامارات لأنهم كانوا ضيوفي. ثم أنا كنت قد ارسلت لهم مبعوثين قبل هذا لكي أذكرهم بأن القتال الذي قمنا به يتضمن دفاعاً عنكم ، فلا يجوز أن تبقى المساعدات التي قدمت لنا بصيغة قروض. قمنا بأكثر مما تقوم به الولايات المتحدة تجاه من يعتدي على حقوقها. وتحدثت بالموضوع مع الدول العربية الأخرى ، حقتي للأخ الملك فهد عدة مرات عن طريق المبعوثين وبالهاتف. وحكيت مع الأخ الملك حسين ومع الشيخ زايد بعد انتهاء أعمال القمة ، والى أن أوصلته الى الطائرة وهو يغادر الموصل الى الأمارات ، وقال لي : فقط انتظرني الى أن أصل الأمارات ، ولكن بعد وصوله ظهرت تصريحات في غاية السوء . ليس منه ، انما من وزير النفط. كذلك بعد اتفاق جدة ، وصلتنا أخبار ، أنهم يتحدثون عن أن مدة الأتفاق شهرين ، وبعدها يتنصلون من الأتفاق. أذن قولوا لنا . لو أن الرئيس الأمريكي وضع في مثل هذا الموقف ماذا يفعل ؟ أنا قلت أن من أصعب الأمور علي أن اتحدث علناً. ولكن لابد أن نقول للعراقيين الذين يجدون نقصاً في ارزاقهم من هو المسؤول عن ذلك".
عدا استعراض الأزمة يتضح من ذلك الجواب أن الرئيس صدام لم يفصح عن حقيقة نواياه تجاه الكويت,
بل على العكس فقد تعمد هو في نهاية اللقاء على تضليلها كما يتضح من قراءة هذا الجزء من المحضر
" سيادة الرئيس . يساعدنا ويكون من دواعي اهتمامنا اذا اعطيتمونا تقييماً للجهود التي يبذلها اخوانكم العرب واذا كان هناك أي نجاح ؟
وقال الرئيس صدام في هذا الموضوع خلاص. اتفقنا مع الأخ مبارك ، أن يلتقي رئيس وزراء الكويت مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة من عندنا في السعودية ، لأن السعودية كانت البادئة في الأتصال معنا. وجاءت جهود الأخ الرئيس مبارك تصب في الأتجاه نفسه. وكان ألان معي على الهاتف وقال أن الكويتيون موافقون.
وقالت السفيرة : مبروك.
وقال الرئيس صدام: سيعقدون الأجتماع في السعودية اجتماعاً بروتوكولياً ، ثم ينتقل الأجتماع الى بغداد ، ليبحثوا أمورهم بعمق بين الكويتيين والعراقيين مباشرة. ونأمل أن نصل الى نتيجة ، وأن تتغلب النظرة البعيدة والمصلحة الحقيقية على البخل الكويتي.
وقالت السفيرة : هل ممكن أن أسألكم متى تتوقعون أن يأتي الشيخ سعد الى بغداد ؟
وقال الرئيس صدام : يفترض السبت أو الأثنين بالكثير كما قال الأخ الرئيس مبارك. وقد قلت للاخ مبارك أن الأتفاق أن يكون في بغداد السبت أو الأحد. لكن تعرفون أن الأخ مبارك يمون علينا.
وقالت السفيرة : هذه الأخبار سعيدة وانا اهنئكم.
وقال الرئيس صدام : قال لي الأخ مبارك أن الكويتيين خائفون ويقولون يوجد عسكر على بعد عشرين كيلومتراً من خط الجامعة العربية. فقلت له : بغض النظر عما يوجد سواء سواء أكان الموجود شرطة أو جيش وكم عدد الموجود وماذا يفعل ، طمئن الكويتيين. ونحن من جانبنا لن يحصل شيء الى أن نلتقي معهم. وعندما نلتقي ونرى أن هنالك أملاً ، لن يحصل شيء وعندما نعجز عن ايجاد مخرج ، فأمر طبيعي أن لايقبل العراق أن يموت . ومع ذلك الحكمة هي فوق كل شيء أخر. فاذن ألان عندك أخبار جيدة.
علق طارق عزيز : هذه أخبار سبق صحفي.
وقالت السفيرة : كنت قد خططت لأسافر الى الولايات المتحدة يوم الأثنين المقبل. وأملي أن التقي الأسبوع المقبل في واشنطن بالرئيس بوش، لكن بسبب الصعوبات التي بدأنا نواجهها فكرت في بتأجيل السفر. أما ألان فأني سأسافر يوم الاتنين".
يبدو أن الرئيس صدام من هذا اللقاء "أراد أن يتحسس درجة انتباه الولايات المتحدة للاستعدادات القائمة على الأرض من جهة ولاشعار الدبلوماسية الأمريكية بأنها قد حصلت على علم مسبق بحدث كبير قد يقع في اية لحظة من جهة أخرى". وكما عرضنا أعلاه لم يفصح الرئيس صدام عن حقيقة نواياه عندما وجهت السفيرة له ذلك السؤال , صحيح أنه لمح بطريقة غير مباشرة من أنه سياخذ حقوقه لكنه لم يستخدم مفردة الحرب أو استخدام الوسائل العسكرية لحل الازمة ، وتلك الحقوق المعلنة حتى ساعة الغزو والتي كانت سبباً للأزمة كانت أسعار البترول وخلاف الحدود ولم تكن خلافاً على وجود الكويت كدولة. والاهم يبدو لي أن الرئيس صدام في نهاية اللقاء شعر أنه لمح بالكثير لذلك كان أخر ماقاله " الحكمة هي فوق كل شيء أخر. فاذن ألان عندك أخبار جيدة. "
واعقب ذلك تعليق طارق عزيز : هذه أخبار سبق صحفي."
أعتقد أن انتهاء المقابلة بهذه العبارة الأخيرة بأن السفيرة لديها أخبار جيدة وسبق صحفي هو الذي ولد لديها انطباع تراجع احتمال المواجهة العسكرية وأن الأزمة ستجد الحل عبر الوسائل السياسية من خلال لقاء جدة وربما كانت تلك العبارة الأخيرة السبب في أن يكون عنوان البرقية التي بعثتها السفيرة للخارجية الأمريكية "رسالة صداقة من صدام الى الرئيس بوش".
ويقدم سعد البزاز في كتابه الجنرالات أخر من يعلم تفسيراً لما دار في ذلك الأجتماع قائلاً "ربما أراد الرئيس صدام أن يستخدم اتصالاته الدبلوماسية مع الملك حسين والرئيس المصري والسفيرة كلاسبي لخلق انطباع مخالف لم كان قد قرره فعلاً ، فقد خرج جميعهم باستنتاج ،مستقر حول تراجع احتمال المواجهة العسكرية بافتراض أن الأزمة ستجد الحل عبر الوسائل السياسية من خلال لقاء جدة ، وربما كان ذلك هو السبب الكامن وراء ردود الفعل الغاضبة من جميع الأطراف التي شعرت أنها تعرضت لما تصفه بمخادعة من نوع ما. كان الهاجس المثير للقلق لدى الرئيس صدام هو تكرار ما حدث سنة ١٩٦١ ، فلذلك فانه لا يشعر بالحرج من اتهامه بالمخادعة التي يعتقد أنها كانت جزء من استعداداته العسكرية والسياسية.. وقد قال ذلك بصراحة في نهار الثاني من أب ١٩٩٠ عند أول حديث له مع مساعديه أعضاء القيادة العراقية بعد ساعات من دخول الكويت : لقد افتقد عبد الكريم قاسم عنصر المفاجأة ، ظل يطبل ويزمر وهو يتحدث عن الكويت دون أن يقوم بعمل جدي مما أعطى البريطانيين والمصريين الوقت الكافي لاجهاض خطته وارسال جنودهم لتحجز بينه وبين الكويت.. وها نحن نقدم عرضاً أخر ومختلفاً عن ذلك العرض السياسي والعسكري الذي قدمه عبد الكريم قاسم قبل ثلاثين سنة".
لم يكن هناك فخاً نصب للرئيس او ضوء اخضرمن الولايات المتحدة الأمريكية لغزو الكويت , كان خيار القوة والمخادعة خياره هو.