الأحد، 2 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ٦. ١٩٧٨، ياسر عرفات خزي. .طيح الله حظه، جماعة باريس احنا كلنالهم أكتلوهم.



يعود تاريخ هذا التسجيل إلى أيلول ١٩٧٨، خلال اجتماعٍ مع مكتب الثقافة والإعلام.
المتحدث الأول فيه هو طارق عزيز، ثم تلاه في الحديث النائب صدام حسين.

في بداية التسجيل تحدث طارق عزيز عن صراع حزب البعث مع ياسر عرفات في تلك الفترة، السبعينات. ووصف قيادة منظمة التحرير بالرجعية وبأنها ماشية في خط التسوية. واشار طارق عزيز في التسجيل الى أن العراق كان رافضاً لخيار التسوية، أو ناطوط حسب وصفه.
وكخلفيةٍ لما دار في هذا التسجيل، لا بد من الإشارة إلى أن حزب البعث كان قد رفع   شعار أن القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، واتخذ من علم فلسطين علمًا للحزب، غير أن هذا الشعار وُضع على المحكّ عندما شنّ الجيش الأردني هجومًا على المقاومة الفلسطينية في أيلول ١٩٧٠.

كان لدى العراق في تلك الفترة نحو ١٧ ألف جندي ومئة دبابة متمركزة في المنطقة التي دارت فيها المعارك، إلا أن الجيش العراقي لم يتدخل رغم ضغط الشارع والقاعدة البعثية، بل إنه فتح الطريق أمام الجيش الأردني لتنفيذ عملية على خط انسحاب المقاومة نحو الشمال.

وقد خلق هذا الموقف، كما اعترف التقرير القطري الثامن، "وضعًا خطيرًا ومشاعر متناقضة داخل حزب البعث"، إذ لم تستطع القاعدة الحزبية تقبّل التفاوت الفاضح بين الضجة الإعلامية الداعمة للفلسطينيين والموقف العملي المتخاذل على الأرض.

ولأن القضية الفلسطينية قضية مركزية، لم يترك حزب البعث، بفرعيه السوري والعراقي، المجال للفلسطينيين لتقرير مصيرهم بأنفسهم. فقد أسّس النظام السوري منظمة الصاعقة الموالية له، بينما أنشأ النظام العراقي جبهة التحرير العربية التابعة له. كما دعم العراق جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس، إضافةً إلى دعمه أبو نضال (صبري البنا)، الذي كان يشغل منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في بغداد.

بعد حرب تشرين ١٩٧٣، شهدت الساحة الفلسطينية انقسامًا واضحًا، إذ بدا أن ياسر عرفات يميل إلى خيار التفاوض لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية. وقد أدى هذا التوجه إلى انشقاق عدة فصائل عن منظمة التحرير، التفت حول ما عُرف بـ جبهة الرفض، الرافضة لأي تفاوض مع إسرائيل. ومن أبرز شخصيات هذه الجبهة وديع حداد وجورج حبش وأبو نضال، الذي كان مقيمًا في بغداد آنذاك. 

نشبت إثر ذلك تصفيات داخلية بين هذه الفصائل المتناحرة. ويُشير التسجيل  إلى حادثة اغتيال سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. ويبدو من التسجيل أن أبو نضال أبلغ السلطات العراقية بعملية الاغتيال التي نفذتها جماعته، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد أبلغهم قبل تنفيذ العملية أو بعدها.

لم يكتفِ العراق بدعم الفصائل المناهضة لحركة فتح، بل أغلق مكاتب فتح في بغداد وقطع المساعدات عنها. وردّت فتح على ذلك بشنّ هجمات ضد المصالح العراقية، من أبرزها اقتحام السفارة العراقية في باريس في تموز/ ١٩٧٨، حين اقتحم فلسطينيان السفارة واحتجزا السفير العراقي لمدة ثماني ساعات قبل أن يستسلما للشرطة الفرنسية.
ويُظهر التسجيل أن صدام حسين، الذي كان نائبًا للرئيس في تلك الفترة، أصدر تعليمات لحرس السفارة بقتل المهاجمين بعد استسلامهم للشرطة الفرنسية ، فقام أحد الحرس باطلاق النار فجرح أحد المهاجمين وقتل شرطي فرنسي مما أدى إلى تدخل الشرطة الفرنسية التي قتلت أحد الحراس العراقيين . كما يتضح من التسجيل أن صدام كان على خلاف حاد مع ياسر عرفات، ووصفه بعبارات قاسية مثل "الخزي" و"طيّح الله حظّه".
ويبدو كذلك أن العراق ردّ على منظمة التحرير الفلسطينية بعد هذه الأحداث عبر جماعة أبو نضال، التي نفذت اغتيال عزّ الدين قلق، ممثل منظمة التحرير في باريس، بعد نحو شهر من حادثة اقتحام السفارة العراقية هناك.



الأحد، 26 أكتوبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ٥. طه ياسين رمضان تحدث عن البيعة، وصدام سيعلن مقتل كامل حنا على يدي عدي

 

هذا التسجيل يعود تأريخه الى عام ١٩٨٨. في بداية الشريط تحدث الرئيس عن البيعة، أي بيعة الشعب العراقي للرئيس. والبيعة حصلت في ١٣ تشرين الثاني من عام ١٩٨٢ بعد أن أقترح الرئيس في حديث له في ٩ تشرين الثاني، أي قبل ٤ أيام من البيعة، أن يجرى استفتاء من قبل الشعب العراقي ومن الشعب الأيراني عن من أكثر شعبية في بلده، صدام أم الخميني، وقال من يفوز باكثر من ثلثي الأصوات يكون هو الممثل الحقيقي لشعبه. 

في هذا التسجيل صور كل من الرئيس وطه ياسين رمضان أن خروج ٤ ملايين عراقي ،حسب الأحصاء الرسمي، لمبايعته وهتافهم لا ثلث ولا ثلثين كلنا نبايع صدام حسين، كان عفوياً.

لكن الحقيقة كانت أن مسؤولي دوائر الدولة والجامعات والمدارس والحزب نظموا البيعة التي انتهت بتقديم وثيقة مبايعة للرئيس كتبت بدماء أعضاء المجلس الوطني. احتفال البيعة كان يعاد سنوياً في نفس اليوم والشهر.
وتحدث الرئيس أيضاً في هذا التسجيل عن حادث مقتل كامل حنا على يدي عدي وذكر أنه سيعلن رسمياً عن حصول الحادث، لأن أغلبية الناس سمعوا بحصولهوذكر أن عدي حاول الأنتحار وادخله المستشفى ثم أدخل السجن ونام على الأسمنت حسب قوله وانه سيحيله الى المحكمة. عن ذلك الحادث ذكرت حفيدته في كتابها حفيدة صدام  "‏حادثة مقتل حنا، السفرجي الشهير السابق لدى جدتي ساجدة. بعد سنوات طويلة من عمل حنا لدى جدتي، أصبحت له مكانه كبيرة سواء أكان في مجتمعه المسيحي داخل بغداد، أو بشكل عام في المجتمعات الراقية ووسط طبقة المسؤولين.. ومع الوقت أصبح أيضاً محط ‏ثقة كبيرة عند جدي صدام حسين.. اعتاد الشعب العراقي على رؤيته كثيراً مرافقاً له على شاشات التلفاز.. مما زاد من الصلاحيات والنفوذ التي أوكلها لنفسه. وفي يوم ما، كان حنا يقيم سهرة ليلية خاصة به في مدينة الأعراس داخل أحد المواقع الرئاسية التابعة للدولة وهو ما لم يكن مسموحاً لأحد، وكان ذلك بالقرب من موقع دجلة الذي يسكنه خالي عدي، وكعادة الكثير من العراقيين، كان حنا يطلق الكثير من النار في الهواء في تلك الليلة، كان ذلك ليلة الأحد على الاثنين، حين كان خالي عدي جالساً في حديقته الخلفية ناوياً صيام اليوم التالي (الاثنين) كما المعتاد. وقد كانت أيضاً السيدة سوزان مبارك سيدة مصر الأولى تحل ضيفة على العراق في ذلك اليوم. سمع خالي عدي صوت إطلاق الرصاص فسأل عن مصدره وتم اخباره أنه حنا... عندها انزعج خالي وخشي أن يزعج صوت رصاص حنا عند منتصف الليل نوم الضيفة سوزان مبارك، فارسل إلى حنا من يطلب منه أن يتوقف عن رمي الرصاص في الهواء. ورد حنا بعد هذه التوصية بإطلاقات نار أكثر كثافة من التي سبقتها، خاصة وهو تحت تأثير الخمر.. كرر خالي طلبه وكرر حنا تجاهل الطلب. عندها، غضب خالي وذهب بنفسه ومعه أحد أصدقائه وشخص آخر من الحماية وهو يحمل معه عصا تسمى بالعراقي "عوجية" لها راس حية (ثعبان) التقطها سريعاً من بين مجموعته المميزة من العصي الموجودة دائما بالقرب من الباب لتكمل لباسه العربي وهو الدشداشة وعبأه على كتفه، وبعد التلاسن مع حنا، قلب خالي العصا وضربه برأس الحية على القبة.. أعتقد خالي أنها ضربة تأديبية، وسقط حنا مغمى عليه عليه -أ و بدا الأمر لخالي كذلك- وخرج خالي من المكان. وفي الصباح، فوجئ خالي بالكثير من المكالمات الصباحية. وحين استفسر عن سببها وفحواها، أبلغ بأن الرئيس قد أمر بإلقاء القبض عليه لقتله حنا. وحين جاء الجنود للقبض على خالي عدي، كان قد ملأ مدخل منزله بالأسلحة، وهو يصرخ مقسماً أنه سيقوم بقتل أي شخص ‏ يجرؤ على الإقتراب منه. كان يعتقد أن أحدهم قد قتل حنا ويريد الصاق التهمة به. كان مؤمناً ببرائته. تدخلت جدتي ساجدة، وتدخل والدته هو ما جعله يسلم نفسه".
وعن ذلك الحادث أيضاً ذكر برزان التكريتي في مذكراته "في صباح يوم ١٩٨٨/١٠/١٨ وفي حوالي الحادية عشر من صباح هذا اليوم جاءني الشخص الذي يعمل عندي في البيت هناك وقال لي أن الرئيس اتصل يطلب الكلام معك ويطلب أن تتصل به، فذهبت للبيت واتصلت بالرئيس بعد السلام سألني عن مكان وجودي قلت له إنني في تكريت، قال تصورت إنك هنا في بغداد لأنني محتاجك، وهذه  لأول مرة أسمع هذه الكلمة منه لأنه لا يقولها مطلقاً، قلت له سوف أكون عندك بعد أقل من ساعتين، قال طيب ولكن عليك أن لا تسرع في السياقة، قلت له إن شاء الله.. وصلت بغداد بعد الظهر، أخبرتني شجرة الدر بما حصل في الليلة الماضية وان أم  عدي طلبت من شجرة الدر أن تذهب لها فذهبت ووجد حالة أختها سيئة جداً والوضع غير طبيعي، ولكن أم عدي لم تفصح عن شيء، لابد أن يكون هناك شيء ولكنهم يحاولون عدم الإفصاح عنه، وأضافت أعتقد أن عدنان خير الله يعرف الحقيقة، قلت لها كيف شعرت بهذا، قالت لأن عدنان لا يتكلم ولا كلمة واحدة وكل تعابير وجهه تقول أنه يعرف السبب وإنه مشمئز من ما حصل وما يحصل، ويظهر انه غير متفاجئ ولا هو مهتم بما يحصل، وقالت إن عدي الآن في المستشفى لأنه حاول الأنتحار لانه تناول عدد من حبوب الفاليوم. قلت لها إن الرئيس اتصل بي وطلب حضوري، قالت اتصل به، فاتصلت به وطلب مني أن أذهب إلى بيته، كانت الساعة الخامسة بعد الظهر، ذهبت ووجدته في حالة حيرة أكثر منها من أية حالة أخرى، أخبرني بما حصل وقال إن عدي قتل كامل حنا عندما كان كامل مع مجموعة مع أقاربه يسهرون في جزيرة الأعراس وعلى ما يبدو انه كان مخمور وقام بإطلاق العيارات النارية وكان عدي قريب من المنطقة التي كان فيها كامل حنا وأيضا كان بدوره مخمور فارسل له خبر يطلب منه الكف عن إطلاق العيارات النارية، ولكنه لم يتوقف فقام بضربه بعصا على رأسه مما سبب نزيف داخل رأسه سبب وفاته.. تبين فيما بعد أن كامل حنا كان محتفل بزواج عمه من سميرة الذي تم قبل أيام، وبما أنه مدلل الرئيس وصاحب الخطوة الكبيرة عنده وفي داخله يعتبر نفسه أمين سر الرئيس، وقبل ذلك أو أثناءه أن الرئيس أعطى كامل حنا نقود فاقت ما أعطى أي مسؤول في الدولة. كان الوزراء وأعضاء القيادة وغيرهم يتوددون لكامل حنا، كان يتنقل الهليكوبتر وعندما يذهب إلى المحافظات لترتيب الأمور قبل وصول الرئيس أو لأي سبب آخر يخرج المحافظ لاستقباله. وفي إحدى اللقاءات مع الرئيس قال لي أن حسن العامري الذي كان عضو مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة القطرية للحزب ووزير التجارة يتودد لكامل حنا ويسأله عن انطباعاتي عنه، ولم اعقب بشيء عن ما سمعته منه. حاولت أن أخفف عليه وقلت له أن الحدث وقع وعلينا أن أن نتدبر الأمر، قال أن هذا الولد سيئ وناقص تربية، لم اعقب بشيء، ولكنني قلت له سوف نتدبر الأمر وعليه أن يهدأ، طبعا عندما توفي كامل حنا، أرسل الرئيس عزت الدوري لتشيعه. في اليوم الثاني ذهبت للمستشفى  التي كان عدي فيها لزيارتته ولاستطلاع الوضع، كان في مستشفى ابن سينا، كانت شجرة الدر معي، كان متمارض أكثر من ما هو مريض، كانت أمه هناك وأخوه وحسين كامل واخواته، الأم كانت قليلة الكلام وأقرب للصمت، حسين كامل كان مسرور لما حصل لأن ما حصل سوف يحتاج لفترة لإصلاح العلاقة بين الأب والابن، اما أخوه قصي فأيضاً كان وضعه أشبه بوضع حسين كامل، بل كان يتصرف ويتحرك كمن يريد استغلال الفرصة، وإظهار نفسه على أساس أنه المخلص المطيع والمستقيم... ألخ كان الوقت بعد الظهر ولا زلنا عندهم في المستشفى وكنت في الصالون وشجرة الدر وأم عدي وآخرين لأن حسين كامل وآخرين كانوا في غرفة عدي، سمعنا أصوات أقدام وركض وصراخ، ‏خرجت لأستطلع ما حصل وإذا بقصي يقول لي إن عدي خرج وأخذ السيارة وذهب وأضاف أعتقد أنه ذهب إلى الرضوانية لملاقات أبي، وعندما سمعت أمه واخواته لاحظت أن خوف وقلق فظيع انتابهن حتى سمعتهن يقولن يا ستار سوف واحد يقتل الآخر. استغربت من هذا الكلام ولكنه جلب انتباهي وبدأت اتذكر ما سمعته من شجرة الدر واعيده مع نفسي، وأقول مع نفسي إذا ما شعرت به شجرة الدر صحيح أن هناك سبب لما حصل ولكنهم لا يريدون الأفصاح عنه. 
بعد ما يقارب النصف ساعة  خرجت وشجرة الدر  عائدين للبيت.. بحدود الساعة السادسة مساء اتصل بي الرئيس يقول أحضر فورا للبيت، خرجت مسرعاً متوجهاً  الى بيت الرئيس.. وصلت ووجدته جالس في الصالون يرتدي ملابس سبورت، بنطلون وسترة وشفقة على رأسه، قال لي هل تعرف ما حصل، قلت لا، قال جاء هذا المجنون إلى الرضوانية ويوشر باصبعه نحوي قائلاً اذهب إلى زوجتك، يقصد أمه (أم عدي) وأضاف أن تصرفه وحركته كانت مهينة أمام الحماية ولكن لحسن الحظ لم يكن المسدس في حزامي وإلا قتلته... كانت أمه جالسة والأخوات سهام ونوال وبنات الرئيس، ووصل وطبان كذلك.. في هذه الأثناء دخل قصي يركض وهو يصرخ لقد وصل، لقد وصل، استفسرت منه من الذي وصل، قال عدي، قلت أخبره لكي يدخل لنضع حد لهذه التصرفات، قال  لا بيديه بندقية ويريد أن يضرب بابا.
خرجت مسرعا ولحق بي وطبان وجدناه أمام الدار الذي يسمى قصر القادسية وبيده بندقية كلاشنكوف، اقتربنا منه محاولين أخذ البندقية منه ولكنه شعر بذلك فتراجع للوراء وصوب البندقية نحونا و عندما استمرينا بالمشي نحوه أطلق عدة طلقات تحت اقدامنا، فتكلمت معه بأسلوب ومفردات لا اذكرها لأنني كنت منزعج، بعد ذلك بدأ يبكي ورمى البندقية جانبا فأخذناه للداخل، وعند مدخل البيت شهر قصي مسدسه محاولا ضرب أخوه ولكنني نهرته وقلت له إنك منافق وانتهازي وتحاول استغلال الفرصة، دخلنا للصالون الذي كان الرئيس يجلس به، طلبت من عدي أن يعتذر من أبوه ويقبله فقام بما طلبت منه، وجلسنا كان الوضع كئيب جدا، والنساء يبكون طبعا، عدنان خيرالله لم يتحرك من مكانه ولا تكلم ولا بكلمة واحدة. ساد الجو صمت فظيع... بعد ما يقارب العشرة دقائق أو أكثر تكلم الرئيس قائلاً بعد ما حدث سوف لا أعتبرك ابني، وقال مخاطبا عدي إنك قاتل وعليك تهيئة نفسك لتذهب إلى مركز الشرطة لتسليم نفسك لأن هذا هو الحل.
  قلت له نعم سوف يعمل ما تقوله وفعلاً كنت مع هذا الأتجاه لأن المشكلة أصبحت معروفة لدى عامة الناس وتركها دون سيناريو من هذا النوع يسبب للرئيس حرج كبير لأنه في ذلك الوقت كان يلاحظ بعض الشيء لما يقوله الناس،  بعدذلك ذهب الرئيس وقمت  بالحديث مع عدي لاقناعه بتسليم نفسه وسوف نرتب الأمور لأن هذا هو المخرج الوحيد، أشعرني أنه سوف يعمل ذلك واعتقد أنه فعلا كان مقتنع بذلك ولكنه على ما يبدو غير رأيه في ما بعد. عدت وشجرة الدر للبيت وبقيت كل من سهام ونوال أخواتنا، وأعتقد إلهام أخت شجرة الدر كانت أيضا هناك، وعرفنا منهم، إن الرئيس عاد للبيت بعد حوالي الساعة وكان معه حسين كامل وأخوه صدام، في هذه الأثناء نزل عدي من جناحه في قصر القادسية فاستدعاه أبوه وكانت أمه وأخواتنا والهام موجودين، فقال له لماذا تتصل بالسفارة الأمريكية وتطلب تسهيلات للذهاب إلى أميركا، فيبدو انه اتفق مع حسين وصدام كامل على اعتقال عدي، ففي هذه الأثناء هجم الأخوين على عدي واعتقلوه ووضعوا الوثاق بيديه (كلبجة) واخذوه  إلى الرضوانية، وضعوه في غرفة ملحق بها حمام بسيط وغرفة جلوس متوسطة، لأنني زرته هناك. الذي تبين أن عدي اتصل بالسفارة الأمريكية وكان يطلب تأشيرة دخول لاميركا طلبا للجوء إليها، وكان هاتفه مراقب من قبل حسين كامل، فأسرع حسين بإخبار الرئيس بذلك وقام الرئيس باعتقاله"
وتكمل حفيدة الرئيس "تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وحبس خالي على ذمة التحقيق، ثم أخذه جدي بنفسه إلى السجن.. كان سجناً عادياً عبارة عن باحة رملية لها سياج خارجي، وبها عدد من الزنازين... وفي الباحة طاولات وكراسي البلاستيكية.. وكان جدي يأخذ مفتاح السجن معه. كانت العائلة تزوره في تلك الأيام وهو في سجنه بشكل يومي. فيأتي صدام حسين والد السجين، ووالدته وأمي، وخطيبته في تلك الأيام وهي هوازن؛ ابن صديق جدي عزت إبراهيم الدوري، والتي كان لها ولأسرتها معنا موقف طيب في أيامنا الأخيرة في العراق. كانت العائلة تجلس لديه لمدة ساعة أو ساعة ونصف ثم تغادر.  وكثيراً ما كان جدي يفرش سجادة الصلاة الخاصة به في زنزانة عدي ويصلي هناك. كان عدي يطلب من البنات الثلاث( والدتي، وخالتي رنا، وخطيبته) أحياناً أن يقمن بغسل ملابسه أو تنظيف زنزانته. كانت العائلة كلها تزوره بين فترة وأخرى وتتناول العشاء معه. وقليلاً ما تجيء الخالة لمى زوجة خالي قصي. امر جدي بفتح تحقيق وتشكيل لجنة لاتخاذ القرار بشأن ما حدث، ومنع عنها أي ضغوطات. وأوصى أعضاء اللجنة باتخاذ الأجراءات القانونية المعتادة. مباشرة، طلب جدي قرار اللجنة، وقام بالمصادقة والتوقيع عليه. عرفت جدتي أن جدي جاد. وسيقوم بتطبيق القرار على خالي كما يطبق القرار على أي شخص آخر. ورفض جدي تنازل أولياء الدم لكي لا يقال انهم تنازلوا  خوفاً. بدأ جدي يتململ من كثرة الوساطات، ووصل به الأمر الى سؤال شيوخ القبائل المقبلين عليه عن سبب زيارتهم ومصارحتهم من البداية: إذا جايين علمود عدي.. فهو غير قابل للنقاش..
عندها، قامت جدتي بخطوه ذكية، وهي تعرف عمق العلاقة  في ذلك الحين بين جدي صدام والملك حسين بن طلال رحمه الله ملك المملكة الأردنية الهاشمية، فقامت بالاتصال به في عمان هاتفياً، وطلبت منه القدوم بشكل عاجل. وفعلاً، جاء الملك حسين بسرعة، وطلبت منه التوسط لدى جدي.. كان جدي يحب الملك، وقد خص العراق منذ مدة راتباً ثابتاً للعائلة المالكة الأردنية، بالإضافة أشكال مختلفة من الدعم. وبدهائه المعروف، بدأ الملك حسين بزيارة عائلة حنا لتطييب خاطرهم، وفهم منهم أنهم أصلاً لم يرفعوا دعوة بشكل رسمي. ثم ذهب إلى جدي، وطلب منه بالطريقة العربية التقليدية ألا يرده خائباً في مطلبه ووافق جدي. وكان طلب الملك من جدي أن يقبل بالاحتكام الى الشرع والدين وتنازل أولياء الدم؛ وخاصة أن أهل القتيل لم يرفعوا دعوة ضد خالي عدي.. بل أن أفراد عائلة حنا ‏ جاووا بكبارهم وقسيسهم، وظهروا على شاشات التلفاز العراقية وهم يقولون إن ما حدث كان قضاء وقدراً. واكدوا لجدي أثناء اللقاء أن له أفضالاً كبيرة عليهم، وهذا سبب كاف لتنازلهم على حد قولهم وحسب. وقد دفع الملك حسين لتوجيه القضية على أنها قتل بالخطأ. انتهت القضية، ولكنها ألقت- كما حدث في قضية خطوبة خالي عدي- بظلالها على حياة خالي وعلى علاقته بجدي."
ويكمل برزان التكريتي "بقي في الرضوانية ثلاث أسابيع بعدها خرج، ومعروف كيف وجه وزير العدل، الذي كان على ما أعتقد اكرم عبد القادر الدوري رسالة للرئيس كلها نفاق ودجل وبعد عن الحق والقانون الذي هو حارس عليه ولحمايته، بعد فترة من خروجه حصلت له مشكلة مع عامل بدالة القصر وقام بضربه، مما أزعج الرئيس وحصلت مشكلة وقمنا بمعالجتها أيضا، ولكن الذي الاحظه أن الرئيس منزعج محرج وحيران بطريقة التعامل مع ابنه.. بعد أيام من حصول المشكلة مع عامل بدالة القصر قام بضرب ضابط أمن يعمل في القصر مع حسين كامل، كان على ما يبدو دور في متابعة عدي ومراقبة تلفونه.. إلخ مما أدى إلى شق في راس هذا الضابط لأن عدي ضربه بقبضة المسدس. فهنا غضب الرئيس وقال أن هذا التصرف وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه، لأن عدم معالجة هذا الوضع سوف يجعل الحمايات والحراسات... الخ لا تقوم بواجباتها.. في هذه المرة شعرت أنني شبه عاجز عن تهدئة الأمور لان عديلة يريد أن ينهي الأمور ولا على تهدئتها، الذي قمت به هو الاتصال مع حامد حمادي الذي كان سكرتير الرئيس  في ذلك الوقت طالبا منه لا يسمح له لهذا الضابط من الدخول للرئيس لحين ما نرتب الأمور، ولكنه أخبرني أن حسين كامل وقصي طلبوا منه أن يسمح لهذا الضابط بالدخول الى الرئيس ليشاهده بدماءه، وهو الآن في غرفة الرئيس يعرض تفاصيل ما حصل.. اتصلت من بيت الرئيس، لأن أم عدي اتصلت بي طالبة مني الحضور  وقالت حدثت مشكلة جديدة... عدت إلى الغرفة التي كانت زوجة الرئيس وابنها عدي يجلسون بها وأخبرتهم بما حصل، وقلت لهم توجد عناصر في العائلة تحاول استغلال الوضع لاهداف خاصة بها، فقالوا من هم  فذكرت لهم أن الضابط دخل للرئيس بطلب من حسين كامل وقصي من السكرتير بادخاله... اليوم الثاني اتصل بي الرئيس طالباً مني الحضور إلى مكتبه في بناية المجلس الوطني كان الوقت بحدود العاشرة صباحا.. قلت له سوف أحضر بعد ترتيب نفسي، قال لا تستعجل لأني انتظرك.. وصلت مكتب الرئيس بحدود الحادية عشر والنصف، قال لي حامد حمادي أدخل لأن  الرئيس ينتظرك..
 دخلت وسلمت عليه، قال لي اجلس، بعد أن جلست بحدود عشرة دقائق قال الرئيس أنه لم يستطيع النوم طيلة الليلة الماضية لانه يفكر كيف يتصرف مع هذا المجنون، يقصد إبنه عدي، واضاف إذا  بقى هنا وعلى هذا الوضع سوف يدفعني إلى قتله، قلت له طول بالك لا يوجد شيء ليس له حل، فقال أنه اهتدى الى فكرة مفادها أن يذهب عدي إلى خارج العراق وفكر أن يرسل سبعاوي معه وبعد أن يتم تعيينه سفيراً في البلد الذي يقع عليه الاختيار، واضاف ولكنه وجد أن سبعاوي لا يستطيع أن يسيطر على عدي، لذلك طلب لقائي لمعرفة رايي بفكرة ذهابي بدلا من سبعاوي.. وعلى الفور قلت له ليس هناك مانع لأني فعلا كنت أرغب رغبة مخلصة من مساعدته من الخروج من ذلك المأزق.
 والسبب الآخر لأننا، شجرة الدر وانا، نتطلع الى مثل هذه الفكرة منذ زمن بعيد.. فلاحظت علامات الأرتياح عليه، فقال الى اية دولة ترغب أن تذهب، وقلت له إنكلترا أولا وسويسرا ثانياً، قال لماذا إنكلترا، قلت له بسبب اللغة لأن عندنا خلفية  باللغة الإنجليزية وكذلك مفيدة للأطفال عندما يتقنون اللغة الإنكليزية. قال سويسرا هي الأفضل واضاف بصراحة أنا لا يثق بعدي وإنكلترا مليئة بالمعادين وممكن أن يخون لأن عدي عنده الاستعداد للخيانة. هذا ما قاله بالحرف.. قال انه يعمل كل شيء وقال هل تعرف أن اصدقائه اللذين تم اعتقالهم قالوا أن عدي سلم لهم ثلاثة ملايين دينار كان يحتفظ بها في قصر القادسية لدفع مقدمة لكمية من الويسكي لبيعها. هل تصدق ذلك أن ابني يتاجر بالويسكي  لم اعقب بشيء..قلت له طيب لتكن سويسرا."

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة..١٣

 الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة..١٣

قمع الإنتفاضة في النجف



"تم تكليف قوة من مقر القيادة بامرة المقدم الركن محمود بتنفيذ الواجب و قد تمكن من إكماله بعد تنفيذ رمي كثيف بالهاونات والصولة عليه من قبل سرية لواء مدرع ٤٢ حرس جمهوري ‏الذي كان آمرها ملازم أول فاضل وتم بذلك تطهير الصحن بالكامل بالساعة ١٣٢٠ يوم ١٦ آذار ١٩٩١".
من مذكرات العميد الركن معتمد نعمة التكريتي

ذكر وفيق السامرائي في كتابه حطام البوابة الشرقية "بعد أكمال السيطرة على مدينتي كربلاء والحلة اندفعت قوات المحورين، "رتل بقيادة طه الجزراوي قادم من الحلة ورتل بقيادة حسين كامل قادم من كربلاء"، بأتجاه النجف وجرى رشقها بعدة مئات من الصواريخ التعبوية ( لونا) روسية الصنع وانواع أخرى برازيلية. وابرق طه الجزراوي الى صدام قائلاً : "اننا نطبق على النجف وانها فرصة التاريخ لسحق رأس الأفعى".
واثناء تقرب رتلي حسين كامل وطه الجزراوي، بدأ التسابق بينهما. وبينما نستمع للمحادثات عبر الأجهزة اللاسلكية، اذ بحسين كامل يكيل لطه الجزراوي من السب والشتم ما لا يحتمل".
وذكر العميد نجيب الصالحي في كتابه"الزلزالان " طه الجزراوي كان قد تأخر في الوصول إلى النجف بعد تطورات المقاومة في مدينة الحلة وما واجهته من مقاومة عنيفة في طريقه نحو النجف، فقد كثرت الاشتباكات واستمرت على طول الطريق ولقد كان يلاحق الجزراوي شعور بأنه قد تأخر يومين في إنجاز مهمته، فكان يخشى عدم رضا صدام عنه".
عن قمع الإنتفاضة في النجف ‏ذكر محمد الحسناوي في روايته "فندق السلام"، "‏بعد تمركز الجيش في كربلاء، والسيطرة التامة، وأعاده تنظيمه بدأ بالزحف تجاه النجف. كانت مزارع طريق كربلاء مكان انتشار القوات، حيث تمركزت بإعداد وعدة لم يسبق أن تجمعت على مدينة بمثل هذه الأعداد فالمدرعات والدبابات والمدفعية المحملة على الناقلات والراجمات غطت كل طريق كربلاء ومحيط مطحنة النجف، مع تقدم الفرقة الرابعة عن طريق الخط الاستراتيجي، وتسلل اعداد من الاستطلاع العميق والاستخبارات من جهة بحر النجف.
‏ابتدأ الهجوم في ٨:٣٠ مساء بسقوط مئات القذائف على النجف من قبل الجيش واستمر الرمي طوال تلك الليلة وبمشاركة الطائرات السمتية.
‏أجبر القصف المواطنين على الزحف هرباً باتجاه المزارع شمال النجف، وجنوباً باتجاه شواطئها وبساتينها، فغصت الشوارع وكأن النجف قد زحفت برمتها، حيث كانت الشوارع لا تتسع للنازحين، فتراهم يتزاحمون ويتدافعون حفاة للابتعاد عن مديات القصف أو الخروج من المدينة التي أصبحت كالخطوط الأمامية في جبهات القتال، كانت حشود الرجال والنساء تركض وتستغيث، والأطفال تتعلق بأردانها واذيالها وهي تصرخ مع كل قذيفة تسقط أمامهم أو خلفهم، والذي يسقط شهيداً أو جريحاً لا يستطيع أحد الوقوف لانقاذه حتى لو كان من ذويه، والجميع ينادي بصوت عال انه يوم القيامة.
لقد فقدت الكثير من العوائل أطفالها وابنائها، ولم تعرف عنهم شيئا تحت هذا الوابل المستمر من قذائف المدفعية والراجمات وصواريخ الأرض -أرض، التي وجهوا أحدها لإصابة الصحن الشريف، لكنه سقط في نهاية شارع الرسول مخلفاً وراءه دماراً شاملاً لعشرات البيوت، حيث استشهد بين إنقاضها أثنان وثمانون مواطناً. حول بيت السيد محمد تقي الخوئي سقطت العشرات من القذائف التي تسببت في تعطيل سيارة الإسعاف وسيارة الأطفاء اللتين أحضرتا قرب بيت السيد الخوئي للحالات الطارئة. ‏وصل الجيش صباح اليوم الثاني إلى مشارف مقبرة وادي السلام وحي النفط وعلى امتداد الحزام الأخضر زاحفاً باتجاه مركز المدينة، حيث تزحف خلفه فرق الإعدامات والانضباط العسكري والتي تنفذ حكم الإعدام بدون محاكمة لكل من يتخلف عن الرمي 
أو يتراجع أو يهرب، أما أبناء النجف فقد تحصنوا في شوارع النجف وازقتها للدفاع عن مدينتهم.
‏كانت الدبابات تتقدم من محورين باتجاه ساحة ثورة العشرين مع مجاميع من المشاة، المحور الأول كان طريق كوفة -نجف، بعد أن طوق الجيش مستشفى النجف التعليمي بالدبابات واقتحمها بعد قصف طابقها الثالث بالقذائف ليقتل كل من فيها من الجرحى والمرضى الأبرياء ويرمي بعضهم من شبابيك الردهات التي ترتفع سبع طوابق، والمحور الثاني بمحاذاة محطة وقود الكرار حين انقض عليها أكثر من ١٠ منتفضين تسللوا من منطقة الحنانة وأشعلوا النيران في اغلبها مستخدمين القذائف المضادة للدروع.
‏كانت النجف بعد تعزيزات الجيش والقصف المكثف شبه خالية من المواطنين، ولم يبق فيها إلا كبار السن غير القادرين على النزوح، والمقاتلين الشباب الذين صارت تصعب عليهم حتى وجبات الطعام إلا ما ندر
"‏. ‏وذكر"‏ أن قبة الأمام علي تعرضت إلى قصف أحدث في جهتها الشمالية فتحة كبيرة. ‏كان القتال في ساحة ثورة العشرين قتالاً ضارياً سقط خلاله العشرات من الشهداء واستمرت المعارك خمسة أيام بين كر وفر للقوات المعادية وبين ثبات وصمود لم يسبق لمدينة النجف أن تشهد مثله في تاريخها المعاصر..
‏لقد أصبح مركز المدينة محاصراً سواء في الأرض أم في السماء وتتوالى عليه الضربات من كل جانب بمساندة الطائرات التي دمرت المدينة، بالإضافة الى صواريخ أرض -أرض التي أرعبت الناس وحيرت الشباب الذين بدأوا بالانسحاب لقلة اعتادهم، وتمركزوا بمواقع دفاعية، فاسلحتهم أصبحت لا تفي بالغرض مقابل هذا الثقل العسكري المتقدم وقلة الناصر والعتاد.
تقدمت قوات النظام بإعداد كبيرة من المدرعات والدبابات، فانسحب الشباب وأصبح الصحن الشريف محاصراً من كل الجهات عدا باب القبلة وباب الفرج.  ثم تقدمت ثلاثة دبابات واقتحمت الأولى باب الساعة واستباحت حرمة الصحن الطاهر، ثم هجم جنديان من الحرس الجمهوري بالرمان على باب الطوسي، ولم يفلحوا فأقتحمتها أحدى الدبابات وحطمتها.
دخلت قوات الحرس الجمهوري الصحن الشريف بالسلاح الخفيف تساندها دبابتان لتستبيح ضريح الإمام علي وتقتل كل من فيه بلا استثناء، ممن كانوا يلذون بحماه  من المواطنين الذين لم يقاوموا إلا بالدعاء و ولتحطم بطريقة همجية أبواب الصحن الداخلية وجميع أجهزة الطباعة والإستنساخ، وتمزق  بقايا العدد الحادي عشر من جريدة الجمهورية الإسلامية والذي حمل بين طياته أخبار النجف وجهاد أبناءها ضد الطغاة. كان القتل بلا رحمة ولا حرمة للإمام فضلت الجثث متناثرة في كل اروقة الضريح من الشيوخ والنساء والأطفال.
بعد ذلك اتجهت القوات إلى منطقة صافي صفا ومقام زين العابدين لمتابعة الشباب حيث وضعت المتفجرات في جهات مختلفة من مقام زين العابدين لتفجيره.  وتم تفجيره على ثلاث مراحل.
‏في ذات الوقت استمرت الطائرات السمتية بنداءاتها فوق سماء المدينة ودعوتها الشباب المقاتلين والناس الى تسليم أنفسهم الى القوات المتمركزة في الفندق السلام"‏.
وعن ما  حدث في"‏فندق السلام "‏‏ ذكر العميد نجيب الصالحي في كتابه "‏الزلزال"‏، "روى لي مفوض أمن كان ضمن مجموعة الأمن والمخابرات والحرس الخاص والحرس الجمهوري التي نفذت الهجوم المقابل لاستعادة مدينة النجف الأشرف من أيدي الثوار، قائلا: (في مرحلة الاستعداد للهجوم في تلك الأيام، أذعنا نداءات بواسطة مكبرات صوت من الجوامع طلبنا من الشباب "النجفي" التوجه إلى فندق السلام لضمان حياتهم لان قوات الحكومة ستبدأ بتمشيط المدينة بحثا عن الخونة والغوغائيين وقد تجمع في الفندق حوالي أربعمائة شاب استجابة لذلك النداء الذي كنا نعتقد أن فيه نوعا من الإنسانية والفرز العملي بين من شارك في أعمال التخريب وبين من لم يشارك فيها !

ولكن يبدو أن الهدف كان الانتقام العشوائي من كل النجفيين ومن شبابهم خاصة دون تمييز بين من انتفض أو من لم ينتفض! فصدرت الأوامر بقتل الجميع ونقل جثثهم إلى مقابر جماعية أعدت في ضواحي المدينة ! نعم قتلوا جميعا دون تمييز أو حتى تحقيق شكلي".

‏كانت إحدى مهمات قوات النظام ‏العثور على السيد الخوئي واعتقاله. وعن اعتقال السيد الخوئي ونجله ‏محمد تقي الخوئي ورد في مقاله لحفيده السيد جواد الخوئي "كان الإمام الراحل ومن يلوذ به يسكن في دار أبي محمد تقي الخوئي في تلك الأيام. ولا أنسى المواقف المشرفة للمنتفضين من أهالي المشخاب والرميثة والفاو وبعض من أهالي النجف الذي كانوا مرابطين حول دارنا - مكان إقامة السيد الخوئي - والذي فدوا الإمام الراحل بأنفسهم، حيث مثلوا الشجاعة بأجلى صورها، وقد عرض بعضهم عليه تأمين المغادرة إلى إيران، وأبدوا استعدادهم لإيصاله إليها بسلام، إلا أن سماحته أجابهم بالنفي وأنه لم ولم يغادر مربض الأسود النجف الأشرف إطلاقاً، وأنه يفضل البقاء ومشاركة المؤمنين همومهم وآلامهم قائلاً: بماذا أجيب مولاي وسيدي أميرالمؤمنين عليه‌ السلام وأنا أترك مدينته المقدسة نهباً للأحداث والكوارث؟ وقال لأحد المقربين له حين أبدى قلقه مما سيجري في المستقبل: ألسنا على الحق؟ قال نعم. قال يكفينا هذا، وطلب من الشباب المؤمن مغادرة داره حفاظاً علي أنفسهم، فقد كان (قدس سره) يعلم ما تؤول إليه الأحداث من دخول الجيش إلى مدينة النجف الأشرف وإلقاء‌ القبض عليه، قائلاً لهم: لا تربطوا مصيركم بمصيري بل تفرقوا عسى أن تصلوا إلى أهلكم بسلام، وهو ما يذكرنا بقول الإمام الحسين (عليه ‌السلام) لأصحابه: (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً) وقد كان ذلك في يوم ٢٩ شعبان ١٤١١، أما المتواجدين في بيت الإمام الراحل فهم إضافة إلى العائلة الكريمة، كل من السيد محمد تقي الخوئي والسيد إبراهيم الخوئي والسيد محمود الميلاني والسيد محمدرضا الخلخالي والسيد عزالدين بحر العلوم والسيد جعفر بحر العلوم والسيد جواد بحر العلوم وثلاثة من الشباب المؤمنين القائمين على خدمة الإمام الراحل. وبعد ذلك بقينا في البيت ثلاثة أيام و كان غذاؤنا خلالها فقط الحليب والبسكويت.
وفي اليوم الثالث من شهر رمضان ١٤١١ وفي الساعة الثانية بعد الظهر طلب مني عمي السيد إبراهيم الخوئي أن أصحبه لزيارة عائلته في حي الاشتراكي والذي لا تفصله عن حي السعد إلا مسافة قريبة جداً، وذلك لأن أخباره قد انقطعت عن أهله وكان عمري آنذاك تقريباً ١٢ سنة ، وهو ما أبعد الأضواء عني نظراً لصغر سني.
و بعد أن أخذت الإذن من المرحوم السيد الوالد خرجت بصحبة عمي السيد إبراهيم متوجهين إلى حي الاشتراكي حيث يسكن، و هنا أشير إلى عدم علم الإمام الراحل بخروجنا من المنزل، وكانت الشوارع مقفرة لا حركة فيها إطلاقاً لأن الرعب والخوف سيطر على الناس فلازموا بيوتهم لا يخرجون منها.
وعندما وصلنا إلي دار عمي السيد إبراهيم غمرت عائلته الفرحة بلقائه والاطمئنان على سلامته وسلامتنا معه، بعد أن كانوا قلقين لمشاهدتهم طائرات الهليكوبتر فوق منزل السيد محمد تقي الخوئي - والذي فيه الإمام الخوئي - و بقينا هناك حوالي النصف ساعة وقد أصروا علينا بالبقاء للإفطار عندهم إلا أن السيد إبراهيم اعتذر لعدم علم الإمام الراحل بخروجه من المنزل وربما سيقلق إذا علم بعدم وجودنا، عندها قالوا إذا كان الأمر كما تقولون فسنأتي نحن أيضاً إلى منزل السيد الخوئي، وعند رجوعنا إلى المنزل طرقنا الباب ففتحه لنا السيد محمود الميلاني و السيد جواد بحر العلوم، وما أن أغلقنا الباب حتى أقبلت ثلاث سيارات عسكرية هبط منها مجموعة من الضباط برتب عالية وهم يحملون أجهزة اللاسلكي ويتكلمون بلهجة أهالي الموصل، إن ما يحيط بيتنا كان ملفتاً للنظر، إذ كانت تقف على مقربة منه سيارة إسعاف وسيارة إطفاء، إضافة على الخنادق المحيطة به والتي كان يتحصن بها المجاهدون من الشباب، وكان الوقت قبل الإفطار وقد انتشر أفراد القوات الخاصة في المنطقة بمنزلنا، وكنت أراقب تحركاتهم من شرفتي في الطابق العلوي من المنزل والتي كانت مطلة على الشارع ورغم هذا الانتشار السريع للقوات الخاصة إلا أنهم لا يعلمون أين يقع منزل الإمام الراحل.
في هذا الجو الملبد بالإرهاب أقبل المرحوم الوالد - السيد محمد تقي الخوئي - على السادة المتواجدين في منزلنا طالباً منهم التهيؤ والاستعداد للمصير المجهول، فتوضئوا ولبسوا عمائمهم وجلسوا في غرفة الاستقبال، منهم من يتلو القرآن الكريم، ومنهم من يسبح وهو غارق في التفكير وكيف آلت الأمور إلى هذه الحالة.
أما أنا فكنت أراقب حركة الجيش المحيط بمنزلنا، فقد حركوا سيارة السيد جعفر بحر العلوم وكانت تحمل صورة الإمام الخوئي، وفي أثناء تحريكهم للسيارة خرج أحد المجاورين لنا من داره فاستوقفوه وسألوه عن دار صاحب الصورة - الإمام الخوئي - فأجابهم بعدم علمه، وسبق لي أن قلت: إن المجاهدين كانوا قد هيئوا بعض الملاجئ قرب منزلنا وعندما غادروا المنطقة وضعوا أسلحتهم في هذا الملاجئ وردموها، وتشاء الصدفة أن يعثر أحد الضباط بحمالة بندقية لم تدفن بصورة كاملة، فما كان منه إلا أن يتراجع و يتوقف ليصدر أوامره إلى أفراد القوات الخاصة بحفر الملاجئ حيث فوجئوا بالأسلحة المدفونة، عندها اتصل بمركز القيادة فجاءت عدة عربات محملة بالقوات الخاصة، إذ وصل عددهم إلى ما يقارب المأتين إضافة إلى جهاز الأمن الخاص والمخابرات، حيث تسلقوا أسطح المنازل وطوقوا المنطقة بصورة كاملة، وقد تسلقوا سطح منزلنا دون أن يعلموا أنه منزل السيد الخوئي، ولكن أحد أفراد القوات الخاصة لاحظ سيارة تحمل رقم (٢ نجف) داخل منزلنا فأخبر أحد الضباط الذي بدوره قال: إن هذا البيت هو بيت السيد الخوئي، فاقتحموا الباب وخلال دقائق معدودة امتلأت ساحة الدار بهم، أما الباب الداخلي فقد أخذوا يرمونه بالرصاص حتى فتحوه، وفي هذا الوقت كان المرحوم السيد الوالد واقفاً خلف الحائط في الغرفة فأخذ الضباط ينادي بأعلى صوته: على من في الدار أن يخرج رافعاً يديه، فقال له السيد الوالد: أنا في البيت، فقال له: من أنت؟ قال: أنا محمد تقي الخوئي، فقال الضابط: نحن نبحث عنك وأنت هنا، أخرج وارفع يديك إلى الأعلى وارم سلاحك، فقال له السيد الوالد: لا يوجد عندي سلاح، عندها أوصلوه إلى سيارة خارج البيت بعد الضرب والإهانة وهناك تفاصيل أخرى لا أحب الخوض فيها.
وأعود إلى ما حدث داخل البيت، فقد كان المرحوم السيد الوالد قد أخبر السيد الخوئي قائلاً: توضأ فإن الجماعة قادمون، فلما جاءوا أخرجوه ووضعوه في سيارة عسكرية – تسمى في العراق دبل قمارة - حيث قال له الضابط: أنا عبد مأمور وعلي تنفيذ الأوامر، وكان بيد الضابط ورقة بأسماء الموجودين في المنزل ويقرأ الأسماء ومن ثم يقبض عليهم، ولما رأى السيد الوالد الإمام الراحل ترجل من السيارة التي وضع فيها، وأتى مهرولاً على الضابط قائلاً له: إن الوالد لا يستطيع الركوب في السيارة لأنها عالية فإذا أمكن خذوه بسيارته وأنتم تولوا قيادة السيارة، فقال له الضابط لا يمكن إلا في سياراتنا، فكان إثنان يسحبان السيد الخوئي واثنان يدفعانه لضيق السيارة إلى أن أركبوه وكان معه السيد عزالدين بحرالعلوم والسيد محمد رضا الخلخالي كما وضعوا السيد جعفر بحرالعلوم والسيد الوالد والسيد إبراهيم الخوئي في سيارة أخرى، والسيد جواد بحرالعلوم والسيد محمود الميلاني في سيارة ثالثة، وكل سيارة عليها ثمانية أفراد من القوات الخاصة وهي تحمل سلاح يسمى بالأحادية.
ولا أنسى أن السيد الخوئي طلب من أحد الضباط إبقاء أحد السادة عند العائلة لأنهم بقوا لوحدهم، فقبل الضابط وقال للإمام الراحل نريد القبض عليك أنت المهم ونجلك السيد محمد تقي، وهنا قال السيد الخوئي للسيد محمدرضا الخلخالي أبقي عند العائلة لكن السيد الخلخالي بدوره رفض وقال كيف أبقى هنا ويقبضوا عليك مصيرنا من مصيرك.
وهكذا بقيت أنا والعائلة والأخوة الثلاثة من الشباب القائمين على خدمة الإمام الخوئي، و كانوا يداهمون البيت كل نصف ساعة للتفتيش، أتذكر في اليوم الآخر جاء شخص يرتدي بدلة مدنية يحمل بيده عصا وعمره ما يقارب الستين - أعتقد أنه كان من المخابرات - و خلفه مجموعة شباب كلهم أفندية أرادوا الذهاب لمكتبة الوالد السيد محمد تقي للتفتيش فقلت له: قبل قليل فتشوا المكتبة فأدار وجهه قائلاً للحماية: صحيح، قالوا: نعم، و حين نزل السلم سألته والدتي: أين الإمام؟ فأجاب: هو بخير نحن عندنا شغل بمحمد تقي ومجيد فسألناه أين سيد مجيد، ابتسم وقال: إنه في صفوان.
والآن أروي لكم ما سمعته من المرحوم السيد الوالد، قال: أخذونا إلي فندق السلام (الواقع في طريق كربلاء) وذلك قبل غروب الشمس فلما حل وقت الأذان لصلاة المغرب و العشاء أخذ السادة بالصلاة وبعد إتمام الصلاة سمعت الحرس الخاص يقولون: جاء السيد الرئيس وقد دهشت هل صحيح أن صدام حسين قد أتى، عندها قال لي أحد أفراد الحرس الخاص: السيد الرئيس بانتظارك، فلما دخلت القاعة رأيت المجرم طه ياسين رمضان جالساً إلى جنب السيد الخوئي و قد هيأوا لي مكاناً خاصاً، جلست فيه، فالتفت الجزراوي لي قائلاً: أنت شجاع تذهب إلي كربلاء خمس مرات، فقلت له: من الواضح أن الانتفاضة قد أثرت في الأجهزة الأمنية لأني خرجت مرة واحدة إلى الحرم الشريف (حضرة أميرالمؤمنين عليه ‌السلام) و ألقيت بيان السيد الخوئي ولم أذهب إلى كربلاء المقدسة، فامتعض و بدا على وجهه الغضب و قال لي: لسانك طويل ينبغي قصه، فقلت له: تسألني أجيبك وإذا لم تسألني فلا أتكلم، جلس الجزراوي خمس دقائق وهو لا يتكلم ثم خرج من القاعة غاضباً.
بعد دقائق معدودة جاء أحد الضابط و قال: أين محمد تقي الخوئي؟ فقلت له: أنا محمد تقي الخوئي، فقال: أنت والسيد الخوئي مطلوبان إلى بغداد، فقلت له: اسمح لي بأن يأتي معنا بعض المساعدين لأن السيد الخوئي لا يتمكن من الحركة بدونهم، فقال لي: لا يوجد مجال فقط أنت والوالد، هذا ما كان بعد ساعة من أدائنا لصلاة المغرب والعشاء تقريباً.
يقول السيد الوالد لما توجهنا إلي فندق السلام أدخلوني مع السيد جعفر بحرالعلوم في قاعة كبيرة ورأيت أمامي في انتهاء القاعة أعمدة خشب فقلت في نفسي: إننا متوجهون إلى الشهادة لا محالة، و قلت للسيد جعفر: يا أبا أحمد هل تشهدت؟ فقال لي: وهل خفت يا صاحبي؟ قلت له: كلا لم أخف ولكن هؤلاء لا مانع عندهم من أن يقتلونا: فأبتسم السيد جعفر وقال لي: أنا منذ زمن تشهدت.
ويستمر المرحوم الوالد في رواية المشهد المؤلم، يقول: ركبنا أنا والسيد الخوئي سيارة عسكرية حيث جلس السيد الخوئي في المقعد الخلفي وأمامنا ضابط  وورائنا سيارة عليها رباعية إضافة إلى أربعة من أفراد الحرس الجمهوري الخاص وأمامنا خمس سيارات و مثلها خلفنا وتوجهنا إلى بغداد والطريق مليء بالدبابات والجيش والحرس الجمهوري و الأمن الخاص.
توجهت السيارة التي تقلنا إلى مقر الأستخبارات العسكرية بعد أن اجتزنا نفقاً طويلاً، وقد سألني السيد الخوئي قائلاً: أين نحن الآن؟ فقلت له: إننا في مقر الأستخبارات، فسمعني الضابط الذي يجلس أمامنا فقال لي: ماذا يقول الشيخ؟ لأن السيد تكلم معي بالفارسية، فقلت له: يسألني عن المكان الذي نحن فيه فقلت له: إنه مقر الأستخبارات، فقال لي: ومن أين تدري أن هذا المكان هو مقر الأستخبارات؟ فقلت له: سبق أن أتيت إلى هنا.
توقفت السيارة وأنزلوني وأخذوني إلى سجن انفرادي بعد أن أخذوا السيد إلى مكان مجهول.
وكان الوقت حينها حوالي الساعة العاشرة ليلاً فجلست بزيّي في زاوية من السجن المظلم الذي لا يرى فيه بصيص ضوء وبدأت الأفكار تتزاحم في رأسي حول المصير الذي ينتظرنا ودار في ذهني إعدام السيد الشهيد الصدر وأخته العلوية بنت ‌الهدى وبينما أنا كذلك وإذا بشخص يقول لي: أنت محمد تقي؟ فقلت له: نعم، فقال لي: أنا جارك في النجف وللجار حق على جاره أطلب مني ما تريد، فقلت له: أولا كيف حال السيد الوالد؟ قال بخير، فقلت له: ثانياً إذا حان وقت صلاة الصبح فاطرق علي الباب، بعد مدة جاء ضابط ففتح الباب وهو يضحك و يستهزيء بي قائلاً: يا محمد تقي هل تريد أن ترى والدك؟ فلم أجبه، فقال: إن الحظ قد حالفك، قم فإن والدك يريدك، وأخذني في دهاليز لا حدود لها إلى أن انتهى إلى غرفة أدخلني فيها فرأيت كبار الضباط جالسين وعلى رأسهم صابر الدوري مدير الاستخبارات والذي أصبح فيما بعد محافظاً لمدينة كربلاء المقدسة وضباط آخرون أمثال وفيق السامرائي وبأيديهم بيان السيد الخوئي الذي أصدره في الإنتفاضة الشعبانية فجلست إلي جنب السيد الوالد سائلاً إياه: هل أعطوك شيئاً؟ فقال: لا، لكنهم يسألوني عن السيد مجيد، وكانوا يتناقلون بيان السيد الخوئي بين موافق ومخالف فبعضهم يقول: إن السيد يدعوا في بيانه إلى عدم الفوضى والتجاوز على حقوق الآخرين وعدم ترك الجثث في الشوارع إلى غير ذلك من الأمور التي نهى عنها الإسلام، في حين يرى آخرون خلاف ذلك، وبدأ التحقيق معي حيث استمر أكثر من ثلاث ساعات ولما انتهى التحقيق أخذونا (أنا والسيد الخوئي) إلى سجن آخر، وهناك حكى لي السيد الوالد أن الضباط كلما جاءوا إليه وشاهدوه في حالة صحية سيئة سألوه عما إذا كان يريد شيئاً، فأجابهم السيد الوالد: أريد ابني السيد محمد تقي وهو الأدرى باحتياجاتي، وقد عانى السيد الوالد كثيراً من الذهاب إلى التواليت نظراً لعدم وجود الماء فيه وصعوبة الوصول إليه، ثم جاءوا و أخذوني إلى التحقيق الذي تكرر فى هذا اليوم خمس مرات مع تفتيشي تفتيشاً دقيقاً، ولما رجعت من التحقيق سألت السيد الوالد: هل تناولت شيئاً، فقال لي: أعطوني عصير البرتقال، فقلت له: لماذا شربت، فقال لي: يا ولدي منذ ثمان وأربعين ساعة وأنا لم أتناول شيئاً فماذا أصنع؟
لقد بقينا لمدة يومين في هذا السجن وأخذونا بعدها وعند الصباح إلى صدام
" 
عرض التلفزيون العراقي في حينها مقابلة السيد الخوئي مع صدام حسين ودار هذا الحوار بينهما:
" الخوئي: اسأل الله تبارك وتعالى أن يسدد خطاك، وأن يحفظك من شر الدنيا والآخرة، وأحمد الله على نعمته، وأرجو أن يديم نعمته عليك، كثير أشكرك، الله يعلم، وأدعو لك ( غير واضح) والشدائد في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
صدام: الله يبارك بيك
الخوئي: (غير واضح) المنشور الذي كتبت ومنعت الناس من التعرض (غير واضح) الأموال (غير واضح) حتى أنك سمعت يومها أن كثيراً من الجثث كانت في الجادة وماكان أحدٌ، بلي، يتجرأ أن يدفنهم أو يغسلهم (غير واضح).
صدام: هل يجوز سيد أن يحصل هذا الذي حصل باسم الدين؟
الخوئي: لا، مو بأسم الدين، باسم (غير واضح) عام ، اشلون يصير دين؟ أيّ دين؟ أكو دين ينهب أموال الناس؟
صدام: (غير واضح) بشكل مزيف ولكن يعملوا كل هذه الاعمال باسم الدين. 
الخوئي: أبداً مو باسم الدين، لا ربط لهم بالدين. 
صدام صامت يتأمل...
الخوئي: جئت بخدمتكم أرجو أنه، شكراً لله تعالى أنك تمكنت من إخماد هذه الفتنة ، وأشكرك على ذلك.
صدام: الحمد لله.
الخوئي: الحمد لله
صدام: نهاية الذين اجبروا على حال، الله غفور رحيم.
الخوئي: بلي، بلي، اليوم يطلع يريد مال ويريد حساب وية واحد، يكتلها لأن، طبعاً، اليوم جثث بقي بالجادة لا يتجرأ أحد.صدام: حتى أن يدفنها أو أن يريد (غير واضح
) 
الخوئي: (غير واضح)
صدام: يريد الذهاب (غير واضح)
الخوئي: لقد كلفت جماعة، أخذوا الجنائز وكفنوها ودفنوها، لابد من ذلك.
صدام: فهمت عندك سيارتين مسروقة من سياراتك
الخوئي: بلي ... لا ، كسروه
صدام وكأنه يسخر من لغته: كسروه؟
الخوئي: بلي كسروه شخص بجنب الخوئي ولعله ابنه: (غير واضح) حطموها
صدام: شنو نوع السيارات؟
شخص بجنب الخوئي: مرسيدس (غير واضح)
صدام: اشلون صحتك الآن
الخوئي: كما ترى حالتي، قريب من الموت والموت مني قريب.
صدام: الموت حق، لكن إن شاء الله عمر طويل، أهلاً وسهلاً
الخوئي رافعاً كفيه: اهلاً بكم الخوئي: (غير واضح ) أرغب في زيارتكم لكن في غير هذه الظروف.
صدام: سبحان الله ، اللي يريدو الله هو اللي (غير واضح) ".
ويضيف حفيده
 أن الرئيس صدام "قال للسيد الخوئي هل ترضى بقتل المسلمين؟ فأجابه رحمه الله: ومن يرضى بقتل المسلمين؟ وقال صدام أنت يا سيد محترم – مخاطباً السيد الخوئي- لكن أولادك! – ويقصد السيد عبد المجيد والسيد محمد تقي -.
طلب السيد الخوئي من صدام إطلاق سراح السجناء فتظاهر صدام بعدم معرفته بوجود سجناء و أدار بوجهه إلى صابر الدوري مستفهماً فقال له: نعم سيدي، وقال السيد الخوئي لصدام العفو عند كرام الناس مقبولوا, صدام قائلاً حتى المجرمين؟ السيد الخوئي العفو عند المقدرة. عندها التفت إلى السيد الخوئي قائلاً: عندما ترجع إلى النجف ستجدهم أمامك.
تم إرجاع السيد الخوئي إلى مدينة النجف الأشرف وبسيارات عادية وقد بقي في بيت نجله السيد محمد تقي في حي السعد ما يقارب العشرة أيام حيت انتقل إلى منزله في الكوفة وطيلة هذه الفترة كان يرابض حول البيت اثنا عشر فرداً من الأمن والمخابرات وكان اثنان منهما يصاحباننا عند خروجنا من المنزل علماً أن السيد الوالد كان ممنوعاً من الخروج ".
اعتقلت قوات النظام  المتواجدين في بيت الخوئي وهم السيد إبراهيم الخوئي والسيد محمود الميلاني والسيد محمدرضا الخلخالي والسيد عزالدين بحر العلوم والسيد جعفر بحر العلوم والسيد جواد بحر العلوم.
وجميعهم اعدموا من قبل النظام واعتقد أن العميد نجيب الصالحي كان يشرح مصير هولاء عندما قص هذه الرواية في كتابه "الزلزال"، " كان اللواء الركن صباح إسماعيل فرحان التكريتي، قائد الفيلق الرابع نهاية عام ١٩٩١، يردد مع نفسه ولكن بصوت مسموع عبارة (اتلفوا أضابيرهم) وكررها عدة مرات مع نوع من الحسرة والتأفف البالغين، قلت، ما هو الموضوع؟ هل هي نكتة جديدة في بغداد ؟
قال، لا، إنها مأساة مررت بها ولم تغادر ذاكرتي منذ بداية العام وحتى هذه اللحظة.. وسأحكيها لك.. قال، عندما كنت قائداً للفرقة الرابعة مشاة، كلفت في آذار ١٩٩١ بالهجوم على الحلة والنجف لتطهيرها من "الغوغائيين" وتحت امرة طه الجزراوي وحسين كامل، وفي النجف حيث التقيت طه الجزراوي في مقره وكان "عبد الرحمن الدوري وماهر عبد الرشيد وعناصر من الحرس الخاص والحمايات" جالسين أيضا .. الخ.
دخل علينا أحد المخبرين وقال .. (توجد مجموعة من علماء الدين مجتمعين في أحد البيوت واعطى العنوان والدلالة كاملة .. فاهتم الجزراوي بذلك وصرخ يأمرهم، "كتفوهم واحضروهم فورا"، وبعد مدة تم إحضارهم وكانت تظهر عليهم الهيبة والوقار ويتقدمون باتجاهنا بثقة واطمئنان وتعرف بعضنا على أحدهم وهو ابن السيد الخوئي وكان الخوئي قد أرسل إلى بغداد بناءاً على أوامر من صدام نفسه.
وخاطبهم طه الجزراوي: على من تتآمرون يا خونة ؟
أجابه أحدهم: لا .. نحن لا نتآمر .. هدفنا تهدئة الأمور وقد أوصينا الناس بذلك ونعمل على حفظ الأرواح ونتجنب سفك الدماء ما أمكن، وهنا أومأ الجزراوي إلى ضابط الحماية قائلا: "اتلفوا أضابيرهم!"
وأضاف محدثي "صباح التكريتي" .. فهمت من عبارة "اتلفوا أضابيرهم انه أمر بإعدامهم واقتيد العلمــاء الثمانية إلى مقر قوات النداء حرس جمهوري لتنفيذ الإعدام فيهم رميا بالرصاص .. وتم ذلك بالفعل ..!!
وبعد ذلك اتصل صدام هاتفياً، يريد أن يرى هذه المجموعة من العلماء، ويبدو انهم كانوا موضوع حديث للسيد الخوئي مع صدام، فأصبح الجميع في مأزق ولا بد أن يتدبروا الموضوع ويلبوا طلب صدام، رغم أن هذا الفعل، وهو قتل رجال الدين، لا يعرض أحدا إلى المحاسبة وانما بالعكس في تلك الفترة بالذات يعتبر صفة للولاء والشجاعة!
ماهر عبد الرشيد .. اقترح أن يقولوا أن الغوغاء قتلوهم !
عبد الرحمن الدوري .. اقترح وضعهم داخل عجلات مقلوبة على الطريق فيبدو موتهم وكأنه حادث!
ثم قال صباح: لا اعلم كيف تم تدبير الموضوع!
ولكن كان يبدو عليه تأثر شديد لما حدث دون أن يعلن ذلك صراحة وكان يردد بين الحين والحين ساخرا من عبارة "اتلفوا أضابيرهم"، وعند وصولنا الناصرية ولقائنا بالمحافظ اللواء الركن عبد الإله العناز .. أعاد صباح سرد الحكاية نفسها وبذات التفاصيل والأسلوب ودون أي تحفظ أيضا!
بقيت هذه القصة تتردد في ذاكرتي أنا أيضا وكنت أحاول تكملة جوانبها الأخرى وبدأت ابحث عن رواية أخرى اكثر صدقا ! وكيف تم تنفيذ حكم الإعدام بمجموعة علماء الدين ومتى ومن هو المسؤول .. الخ ؟ وبعد عام، التقيت بأحد الضباط في مقر قوات النداء حينذاك .. وقلت له سمعت كذا وكذا (رويت له ما سمعت) ما هو رأيك هل في الكلام مبالغة ؟ فقال: الكلام صحيح، ولكن القصة ناقصة وسأروي لك الفصل الثاني منها والذي بقي غامضا، قلت: ما هو ؟ قال: جيء بهؤلاء العلماء إلى مقر قوات النداء.. حيث كان القائد العميد الركن "معتمد التكريتي" واخبروه بان هؤلاء محكوم عليهم بالإعدام وعليك إعدامهم خلال (٣٠) دقيقة وإخبار "طه الجزراوي" بذلك ..
قال معتمد مع نفسه وسمعه قريبون منه، "هاي ورطة جديدة ! ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟" وبدأ يماطل في تنفيذ الإعدام وكان كل نصف ساعة تقريبا يأتي إلى مقر القيادة مسؤول حماية الجزراوي ليتأكد من تنفيذ الإعدام، ويعطيه معتمد عذرا ليصرفه بعض الوقت عسى أن تنجلي بعض الأمور ولكن طه الجزراوي كان يلح في موضوع الإعدام كثيراً ومعتمد يدعو الله سبحانه على تخليصه من هذه الشدة وكان ينتظر وصول حسين كامل عله يؤثر عليه ويمنع تنفيذ الإعدام وخلال ذلك الوقت الحرج جاء مرافق الجزراوي ليخبر معتمد قائلا ..
الرفيق طه يقول، أمامك ثلاثون دقيقة فقط لتنفيذ حكم الإعدام بهؤلاء الخونة وإلا سأخبر صدام وأقول له انك متخاذل أو ... الخ ..
وصل حسين كامل الذي استقبله معتمد على الفور شارحا له الموقف وأجابه حسين أمام عدد من الضباط لماذا يعدمون، انهم لم يفعلوا شيئا وأبدى تعاطفه الظاهري معهم، ولكنه لم يصمد أمام إصرار الجزراوي على إعدامهم والذي هدد ثانية بإخبار صدام بهذا التردد والتخاذل، ( فما كان أمام قائد قوات النداء إلا أن ينفذ حكم الإعدام برجال الدين الثمانية على مضض منه).
 

بالنسبة للسيد محمد محمد باقر الصدر فقد ورد في كتاب السيد اليعقوبي الصدر الثاني كما عرفته "لما شعر بعض زعماء المجاهدين ان الثورة بدأت تضمحل وتتميع في ظل هذه القيادة الدينية وقد جُردوا من الصلاحيات كما انهم لم يروا أي تفكير في توسيع الثورة الى بقية المحافظات والزحف نحو بغداد وتدعيمها أحسّوا بالحاجة الى قيادة (حركية) جديدة تجتمع فيها صفات الوعي والشجاعة والحزم والرصيد الاجتماعي فوجدوها متمثلة في شخص السيد الشهيد الصدر (قدس سره) ولا ادري ان كان ذلك باشعار من الأخ زيد البغدادي الذي كان معهم او غيره، المهم انهم التفتوا الى السيد (قدس سره) وعرضوا عليه الأمر فوافق عليه.
هذا وقد بدأت قوات الحرس الجمهوري بالزحف نحو مدينة النجف وبدأ قصف مدفعي بعيد يطول احياناً البيوت المتطرفة في شمال شرق المدينة (باتجاه مثلث الحدود بين النجف والحلة وكربلاء حيث عبرت القوات نهر الفرات جنوبي مدينة الكفل) كان ذلك بعد ظهر يوم الثلاثاء ١٩٩١/٣/١٢ وفي يوم الاربعاء التالي وكانت اصوات قذائف المدفعية والدبابات تُسمع في ارجاء المدينة لكن من دون ان يطالها والشارع العام يتحدث عن معارك بالاسلحة الثقيلة وتراجع قوات الحرس الجمهوري الزاحف على النجف، أقول في ذلك اليوم صليت الظهر والعصر خلف سماحة السيد (قدس سره) في جامع الهندي وبعد انتهاء الصلاة أحيط بحماية مكثفة ورجال مسلحين وصيحات التكبير والتهليل والصلاة على النبي وآله تشايعه حتى الحرم الشريف ومذيع الانتفاضة يطلق كلمات الترحيب واستقبال الزعيم المجاهد سماحة آية الله السيد محمد الصدر وكنت ضمن المجموعة التي رافقته بعد أن صليت خلفه ولكن من دون ان اعلم بسر هذا التغيير الذي حصل اليوم رغم انه كان يخرج من المسجد يومياً بشكل اعتيادي من دون هذه الهالة والضجيج ومن غير حماية مسلحة.
وصعد السيد على سطح (الكشوانية) المواجهة لباب القبل والناس تجتمع في الصحن الشريف وهم يقابلونه بالهتافات والقى كلمة ارتجالية مختصرة حث فيها على نصرة الثورة الاسلامية المباركة ودعمها والمشاركة فيها لعل الله سبحانه يرحم هذا المجتمع وينشر لواء الاسلام في ربوع هذا البلد المقدس
".
ثم نزل السيد وركب سيارة شوفرليت -جي أم سي وصعدت معه وشخص آخر عرفني عليه السيد هو عبد الرسول الكرمي واكتظت السيارة بالمسلحين وأوصلنا السيد الى داره. اشتدت أصوات القصف ودخل الجيش مدينة النجف من جهة شمال الشرق يوم الخميس ٣/١٤ واسترجع المراكز الرئيسية على شارع الكوفة ووصل إلى جامعة النجف الدينية حيث كان السيد وعائلته مع السيد محمد كلانتر وعائلته وبعض طلبة الجامعة يختفون في السرداب تحاشياً للقصف واعتقلوا جميعا وسيقوا الى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد حيث خصصت لاحتواء المعارضة وكان وفد السيد ومن معه أول الداخلين الى المعسكر".
من جهة السلطة فقد ورد في مذكرات الفريق حازم عبد الرزاق الأيوبي قائد سلاح الصواريخ عن قصف مدينة النجف ‏في آذار ١٩٩١، "تم تنفيذ ضرب الأهداف في قاطع النجف يوم ٣/١٢ واستمرت لغاية ١٦ /٣ وبلغ مجموع ما تم رميه:٤ صواريخ لونا، ٥٠ صاروخ أس أس ٦٠، ٢٤٥ أس أس ٣٠ ، ٥٥ صاروخ أبابيل".

‏كذلك ورد من جهة السلطة وفي تحليل لقيادة قوات النداء الحرس الجمهوري عن معركة أعمال الشغب في القاطعين الشمالي والجنوبي عن قاطع النجف،
"المهمة:  تهجم قيادة قوات النداء حرس جمهوري والقطعات الملحقة بها بالساعة ٧٣٠ يوم ١٩٩١/٣/١٣ على العدو المتواجد في مدينة النجف وتدميره وتطهير المدينة من المخربين.

التنفيذ: يجري التنفيذ بصفحة واحدة وكما يلي:


ا. يهجم لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري بالساعة ٧٣٠ يوم ١٣ اذار ٩١ على العدو الكائن على طريق كربلاء- النجف وتدميره وتطويق مدينة النجف من جهة الغرب وادامة الأتصال مع لواء مشاة ٤.
ب. لواء مشاة ٢٧ حرس جمهوري يعقب لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري لتطهير المناطق التي احتلها لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري
"

وعن التنفيذ ‏ورد في مذكرات قائد قوات النداء حرس جمهوري ‏العميد الركن معتمد نعمة التكريتي عن تطهير مدينة النجف :‏ بتاريخ ١١ آذار ١٩٩١  صدرت الأوامر لي بترك لواء مشاة آلي ٤٣ حرس جمهوري في مدينة كربلاء بأمرة قيادة قوات القدس حرس جمهوري وتحرك مقر القيادة لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري باتجاه مدينة النجف سالكاً طريق الخط الاستراتيجي.

١٧٠٠ يوم ١٢ آذار ١٩٩١ ‏تحرك مقر القيادة ولواء مدرع ٤١ حرس جمهوري ناقص ‏كتيبة دبابات ٧٣ إلى مدينة النجف على طريق الخط الاستراتيجي.

بالساعة ٧٠٠ يوم ١٣ آذار ١٩٩١ شرع لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري والوحدات المتجحفلة معه بالتقدم باتجاه النجف وتم توجيه اللواء بضرورة إدامه التماس والتنسيق من الجانب الأيسر مع فرقة ٤ ‏التي عبرت من اتجاه ناحية الكفل إلى مدينة النجف ‏وهي حالياً تقوم بتطهير الأحياء السكنية في ضواحي المدينة الشمالية وتم التأكيد على آمر اللواء بأن يكون محور لوائه غرب الطريق العام  ‏أي أن الطريق العام كربلاء- النجف خارج مسؤوليته. ‏وقد تمكن اللواء من تطهير بعض الأحياء ‏السكنية ‏وإزاحة بعض المقاومات الموجودة في منطقة المقبرة. 

‏وبالساعة ١٤٠٠ من نفس اليوم حضر قائد فرقة‏ أربعة العميد الركن صباح اسماعيل الفرحان إلى مقري للتنسيق بصدد تطهير المدينة. ‏وقد اتفقنا مبدئيا على استمرار تطهير الأحياء السكنية القريبة هذا اليوم والتهيئة لتطهير المدينة يوم غد.

‏وفي المساء حضرت إلى مؤتمر مسائي ينعقد بصدد تطهير مدينة النجف وكان الحضور هم السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ طه ياسين رمضان والسيد الفريق الركن حسين كامل ‏والفريق الركن المتقاعد ماهر عبد الرشيد الذي كان يشغل منصب قائد الفيلق السابع سابقا و المكلف حاليا من قبل السيد الرئيس القائد حفظه الله بمرافقة فرقة أربعة في هذا الواجب ‏كمستشار عسكري للسيد النائب الأول وقائد فرقة أربعة ‏العميد الركن صباح اسماعيل فرحان والمسؤول الحزبي لهذه الفرقة.


‏وكان مكان الاجتماع حافلة نقل الأشخاص نوع كوستر وبعد شرح الموقف من قبل قائد فرقة أربعة وأنا طلب السيد النائب الأول ‏ منا نحن القادة بيان الخطة التي سوف ‏نقوم بتنفيذها في اليوم التالي.

‏وعلى خريطة عسكرية بمقياس واحد/ ١٠٠٬٠٠٠ قام ‏العميد قائد فرقة أربعة بشرح مفصل لمجمل ‏خطة كان قد وضعها بنفسه قبل حضور هذا المؤتمر. ‏وقد لاحظت أن الخطة التي وضعها قائد فرقة أربعة معقدة وصعبة التنفيذ واحتمال ‏أن يكون هناك خطأ من قبل بعض الوحدات خلال تنفيذ العملية بما قد يؤدي إلى فشل الخطة ‏ووقوع خسائر ‏لكثرة النيران الصديقة. وبعد أنهى قائد فرقة ٤ ‏من شرح ‏خطته طلب ‏مني السيد النائب الأول بيان تصوراتي حول خطة قائد فرقة أربعة وقد بينت له مساوي هذه الخطة وصعوبة تنفيذها من قبل القطاعات وعرضت عليه خطة مبنية على أساس بقاء فرقة أربعة في الأماكن التي وصلتها وتكون قاعدة  أمينة لانطلاق قيادة قوات النداء حرس جمهوري ‏باتجاه المدينة من جهة الشمال وتطهير كافة الأحياء السكنية غرب وشمال الطريق العام الذي يربط كربلاء مدينة النجف وحتى الوصول إلى ساحة ثورة العشرين والطريق الذي يربط النجف بمدينة الكوفة الملاصقة تماما لها وبعد أنهيت شرح خطتي لتنفيذ الواجب وافق الجميع عليها وتم تحديد ساعة س لذلك وهي الساعة ٧:٠٠  صباح يوم ١٤ آذار ١٩٩١.

‏بالساعة ٨٠٠ يوم ١٤ آذار ١٩٩١ تمكنت وحدات لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري من تطويق المدينة من ناحية الغرب ومنطقة بحر النجف بعد اخترقت ‏قسم من وحدات هذا اللواء منطقة المقبرة باتجاه غرب المدينة. ‏أما بقية الوحدات فهي مستمرة بالتقدم باتجاه أهدافها وقد  صادفتها بعض المقاومات المتوسطة في بعض المحاور حيث كانت ‏زمر الخيانة تستفاد من الأبنية والمنشآت الحكومية ‏في تخفيها وفتح النار على القطعات.  وبحلول ‏منتصف النهار تمكنت كافة الوحدات من الوصول إلى أهدافها وكانت الخسائر طفيفة جدا والمقاومات ضعيفة ‏إذا ما قارناها بالذي حدث في مدينة كربلاء.

‏أصدرت أوامري إلى كافة الوحدات بضرورة إكمال النقص ‏والتعويض فورا ‏والاستفادة من بقية النهار في تطهير وتفتيش الاحياء السكنية وفتح السيطرات في التقاطعات المهمة ‏للسيطرة على حركة المدنيين الذين طلبنا منهم مغادرة الأحياء التي تقع تحتها سيطرة زمر الخيانة والغدر وتقديم المساعدة لهم وخاصة الجرحى منهم حيث وجدنا الكثير من الأهالي أطفال وكبار جرحى بسبب إطلاق النار عليهم من قبل زمر الخيانة ‏لمنعهم من مغادرة دورهم ومحاولة الاستفادة منهم في التخفي والهروب بواسطتهم بعد إجبارهم بذلك تحت تهديد السلاح. وفي المساء تم عقد المؤتمر المسائي مع السيد النائب الأول وتم شرح الموقف من قبلي للحاضرين وقد أثنوا جميعا على كفاءة القيادة مما حققته في هذا اليوم وبعد ذلك قمت بعرض الخطة التي وضعتها بنفسي قبل الحضور إلى ‏المؤتمر وقد وافق الجميع عليها وكان مجمل الخطة ‏هو أن تقوم قيادة قوات النداء حرس جمهوري بإكمال تطويق مدينة النجف من جهة الغرب والجنوب وتطهير القسم الأكبر من أحياء السكانية والأهم من ذلك هو تطهير العتبات المقدسة من زمر الخيانة والغدر. وتقوم فرقة ٤ بالتقدم باتجاه مدينة الكوفة وتطهيرها حيث يوجد في هذه المدينة ضريح مسلم بن عقيل.

‏بالساعة ٧٠٠ يوم ١٥ آذار ١٩٩١ باشرت قيادتنا بإكمال تطهير مدينة النجف وكانت المقاومات ضعيفة ما عدا منطقة العتبات المقدسة إذ يوجد ضريح الإمام علي كرم الله وجه ومنطقة الأسواق المحيطة به حيث ‏انسحب ‏معظم الخونة ‏إلى هذه المنطقة ‏وقاموا بترتيب دفاع قوي ‏في منطقة الصحن. ‏وكانت الخطة تقضي بقيام الفوج الأول الحرس الخاص بالهجوم على منطقة الأسواق وتطهير الصحن ولم يتمكن الفوج من أكمال واجبه في هذا اليوم لشدة المقاومة وطلبنا منه بضرورة تسديد الخناق عليهم تمهيدا لطردهم نهائيا. أما بقية وحدات القيادة فقد أكملت واجبها وباشرت بسد النقص والتعويض وتفتيش الدور والأحياء السكنية والقاء القبض على الخونة والهاربين من العسكريين. ‏وفي صباح اليوم التالي وبالساعة  ٨٠٠  يوم ١٦ آذار ١٩٩١ باشر الفوج الأول الحرس الخاص بالهجوم على منطقة الصحن وقد تمكن من تطهير منطقة الأسواق وفي هذه الأثناء استشهد آمر الفوج لشدة المقاومة مما أدى إلى ‏ ‏توقف وحدات الفوج على إكمال ‏الواجب. ‏وبعد ذلك تم تكليف قوة من مقر القيادة بامرة المقدم الركن محمود  بتنفيذ الواجب و قد تمكن من إكماله بعد تنفيذ رمي  كثيف بالهاونات والصولة عليه من قبل سرية لواء مدرع ٤٢ حرس جمهوري ‏الذي كان آمرها ملازم أول فاضل  وتم بذلك تطهير الصحن بالكامل بالساعة ١٣٢٠ يوم ١٦ آذار ١٩٩١.
‏وبالساعة ١٦٣٠ من يوم ١٦ آذار ١٩٩١ تم أخبار السيد الوزير بالموقف وقد تم إرسال الموقف إلى السيد الرئيس القائد حفظه الله بإكمال الواجب وتطهير مدينة النجف نهائيا وبنفس الوقت أخبرنا السيد الوزير بالتحضير للتنقل باتجاه مدينة الديوانية.
 ورد في نفس التقرير"بالساعة ٧٠٠ يوم ١٣/ ٣ /١٩٩١ شرع اللواء مدرع ٤١ حرس جمهوري بالتقدم باتجاه مدينة النجف وتم توجيه اللواء بالتنسيق فرقة ٤ التي عبرت من اتجاه ناحية الكفل. وبالساعة ١٤٠٠ حضر السيد قائد فرقة ٤ الى مقر القيادة للتنسيق بصدد تطهير المدينة وتضمنت الخطة أن تكون مسؤولية تطويق المدينة وتطهير القسم الأكبر من مسؤولية قيادتنا وكانت مسؤولية فرقة ٤ التقدم اتجاه الكوفة لتطهيرها.
بالساعة ٨٠٠ يوم ١٤/ ٣ /١٩٩١ تمكنت وحدات لواء مدرع ٤١ حرس جمهوري من تطويق المدينة من ناحية الغرب ومنطقة بحر النجف ووصول بقية الوحدات إلى ساحة ثورة العشرين. وفي اليوم التالي ١٥/ ٣ /١٩٩١  صدرت الأوامر بقيام الفوج الأول حرس جمهوري بالهجوم على الصحن وتطهيره ولم يتمكن الفوج من تنفيذ الواجب نتيجة لاستشهاد آمر الفوج  العميد الركن مصطفى مما أدى إلى تخصيص قوة من مقر القيادة بأمره المقدم الركن محمود  بتنفيذ الواجب وتم إكمال الواجب بعد تنفيذ رمي مكثف بالهاونات والصولة عليه من قبل سرية لواء مدرع ٤٢ حرس جمهوري والذي  كان آمرها ملازم أول فاضل  وتطهير الصحن بالكامل بالساعة ١٣٢٠ يوم ١٦/ ٣ /١٩٩١" .
عندما عثرت قوات النظام على مكان السيد الخوئي أرسل أبو ‏نادية ( طه ياسين رمضان) برقية إلى أبو فراس ( الفريق صابر عبد العزيز الدوري) ‏ونصها:"رسالتكم ٣٣٧ في ٣/١٩ تم العثور عليهم في مسكنهم في حي السعد في مدينة النجف حيث تمت مداهمته البارحة وفتحت النيران بقوة مما دعانا لسحب القوة واعادة الكرة اليوم".

ثم بعث أبو نادية ( طه ياسين رمضان) برقية إلى أبو فراس ( الفريق صابر عبد العزيز الدوري) يبلغه أن قد أعدم ستة، واعتقد أن هولاء هم من كانوا بصحبة السيد الخوئي، وسيرسل السيد الخوئي وابنه الى بغداد. ونص البرقية كان:
"رسالتكم ٣٥١ في ٣/٢٠ . كما ذكرت لكم في رسالتنا ١٠٢ في ٣/١٩ مساء البارحة أن الستة تمت محاكمتهم واعدامهم في حينها وارسل الأثنين ( يقصد السيد الخوئي وابنه) لكم... وسنأتي حسب التوجيه الى بغداد وسنصل بعد ساعتين للعلم".

وكما ذكر وفيق السامرائي كان هناك تنافساً ما بين حسين كامل وطه ياسين رمضان في تنفيذ عملية قمع انتفاضة النجف تجسدها هذه البرقية التي بعثها بتاريخ ١٩٩١/٣/٢٠
 أبو علي ( حسين كامل) إلى أبو فراس (الفريق صابر عبد العزيز الدوري) "نرجو تبليغ أبو نادية ( طه ياسين رمضان) لعدم تدخله في عملنا وعدم استدعاء القادة من قبله إننا وضعنا خططا ونسير بموجبها. لا حاجة للتوجيهات التي صدرت منه لأنها ‏لا تتماشى مع خطننا وبكل الأحوال لم تكن من مسؤوليته هذه التدخلات"

الأحد، 19 أكتوبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية...٤ لقاء مع شيوخ مدينة صدام بعد انتفاضة ٩١، اذبحوا البريكية، وسبب غزو الكويت



هذا اللقاء تم بعد فترة قصيرة من انتفاضة ١٩٩١. في هذا التسجيل يتضح أن الانتفاضة، كما ذكر الصالحي في كتابه "الزلزال" وصلت لبغداد في حي الشعلة ومدينة الثورة (صدام) وكانت عبارة عن مظاهرة ضد مقرات الحزب. وصف أحد الحضور من شارك بالتظاهرة بأنهم بريكية ومطيرجية. والبريكي ، وهي مشتقة من Break dance ظهرت في الثمانينات، عندما كان الشباب يقلدون الرقصة ولهم تسريحة شعر معينة، أما المطيرجية، فهم شباب يربون الطيور، وبالأخص، الحمام من أسطح دورهم. نظرة المجتمع لهولاء أعتقد تختلف حسب عمر الأشخاص المنتقدين لهم، والرئيس ومن جيله كانوا ينظرون لهم بازدراء ‏إن لم يكن باحتقار. وبوصفهم بالبريكية والمطيرجية يبغي الواصف أن يبلغ الرئيس أن هولاء كانوا حقراء لا قيمة لهم في المجتمع. زاد الرئيس على ذلك بانهم كانوا، أبن فلانة، أي لا اباء لهم، وكانها مسبة، والانتقاد ممكن أن يوجه له ليتمه ولالاف الأيتام الذين فقدوا ابائهم في حروبه. في هذا اللقاء خلط الرئيس ما بين البريكية ومتشبهي النساء، والبريكية لا علاقة لهم بمتشبهي النساء، وقال للحضور أن يذبحوا البريكية من دون أن يكون عليهم مسوولية قانونية بقوله " بركبتي" أي برقبتي" ومو جريمة. وهو مثال لازدرائه بحكم القانون وبطلبه بان يتحول المواطن من مخبر كما كان يطلب من المواطنين العاديين لكشف أعداء الثورة والحزب الى مشارك في عمليات القتل. أعتقد أهم ما ورد في هذا اللقاء ما ذكره الرئيس عن سبب غزوه للكويت. كانت سلطة الرئيس عندما اجتاحت قواته الكويت قد قدمت أسباب مختلفة للغزو، ففي البدء، كان السبب قبل الغزو استيلاء الكويتيون على نفط العراق بالحفر المائل وتلاعبهم باسعار النفط، وبعد الغزو كان السبب حصول الثورة في الكويت وطلب الثوار مساعدة القوات العراقية وبعد أن فشلت هذه الأسباب في اقناع أحد قرر أن يضم الكويت لاعتقاده بعراقية الكويت، وأخيراً وهو ما قاله في هذا اللقاء وحتى أثناء محاكمته، وهو أن الكويتيين اهانوا المرأة العراقية بقولهم أنهم سيجعلون ثمن العراقية بعشر دنانير، ولا أعتقد أن أحداً من الكويتيين، في ذلك الوقت كان ممكن أن يجرو أن يقول ذلك. السبب الرئيسي لمن حلل سبب غزو الكويت أن سبب الغزو كان سبباً اقتصادياً، لوضع العراق المالي الصعب في تلك الفترة، أي الاستيلاء على ثروات الكويت لكن سلطة الرئيس وهو لم يذكروا هذا كسبب للغزو. وهنا لأول مرة يوضح أن سبب الغزو كان سبباً اقتصادياً، لانه كان يريد "الجيب اللي بي خمسة يصير عشرة فوراً، مستعجلين عليكم نملى جيوبكم، حتى نحط بعبوب العراقيين. سريع، الجوعان نشبعوا والشبعان نزيدوا ما رهمت". وهو قول لم أسمعه يقوله في أي اجتماع أخر.
وهنا تصرف قولاً وفعلاً كأجداده يغزون ويستولون على أموال غيرهم. كان أسيراً لتلك البيئة الريفية التي نشأ فيها ولم يستطيع أن يخرج منها.

الأحد، 12 أكتوبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية..٣ وزراء صدام وقرار ضم الكويت



تأريخ هذا التسجيل هو ١٩٩٠/٨/٧، أي قبل يوم من اعلان ضم الكويت الى العراق أو عودة الفرع الى الأصل كما اسمتها سلطة الرئيس صدام في حينها.
يبدا التسجيل بأن يوجه الرئيس وزرائه بأن يقدموا المساعدة لمن يطلبها أن كانت من قبل أخيه، رئيس مخابراته، وصهره، وزير الصناعة والتصنيع العسكري، وابن عمه، حاكم الكويت. ثم يخبرهم بان القيادة، وهو هرمها، بانها قد قررت بأن يعود الجزء الى أصله وقررت القيادة بأن تكون الحالة أندماجية كاملة وانه المنهج الصحيح لعودة الفرع الى الأصل. ثم يسألهم كيف يرى مجلس الوزراء شكل هذه العلاقة ، هل هي أندماجية أو أتحادية أو أي شكل آخر ثم يطلب منهم واحد بعد أخر بان يقولوا رأيهم.
لم يعطي الرئيس لوزرائه الفرصة في أن يبدوا رأيهم الحقيقي في الموضوع نفسه وهو ضم الكويت عندما قال لهم أن القيادة قد قررت ضم الكويت وبوحدة أندماجية. فمن سيجرؤ على الأعتراض على القرار نفسه؟
فقد شهد بعضهم مناسبات سابقة طال الموت فيها رفاقاً لهم عندما أفصحوا بأرائهم . هل من الممكن أن يكونوا غير رجال ال "نعم" لقرار القيادة؟ بالطبع لا.
واحد بعد الأخر أثنى على قرار القيادة أي قراره بعودة الفرع الى الأصل.القرار الكارثي الذي أدى الى سقوط حكمه في النهاية واحتلال العراق.