هذا مقطع من تسجيل الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، المنعقد بتاريخ ٣٠ تشرين الثاني ١٩٩٠، وهو الاجتماع الذي صدر في ختامه بيان نُشر في جريدة الجمهورية بتاريخ ١ كانون الأول ١٩٩٠، وجاء فيه:
هذه محاولة لتقديم تحليل نفسي لشخصية الرئيس صدام ...اعتمدت فيها على عرض سمات وملامح من شخصيته قبل تقديم التحليل النهائي لنفسيته..أعتقد أن تقديم تلك المحاولة يتطلب عرضا وتوثيقا لاحداث تاريخية حدثت في عهده حيث تلقي تلك ألاحداث نظرة على شخصيته وهو هدفنا الرئيس وفي نفس الوقت نفسر مجرى تلك الأحداث من خلال نفسيته.
هذا مقطع من تسجيل الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، المنعقد بتاريخ ٣٠ تشرين الثاني ١٩٩٠، وهو الاجتماع الذي صدر في ختامه بيان نُشر في جريدة الجمهورية بتاريخ ١ كانون الأول ١٩٩٠، وجاء فيه:
عُقد هذا الاجتماع بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم ٦٧٨ في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٩٠، والذي أذن للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت، في حال عدم تنفيذ العراق قبل ١٥ كانون الثاني ١٩٩١ للقرارات السابقة تنفيذًا كاملًا كما ورد في الفقرة الأولى من القرار، باستخدام جميع الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ القرار ٦٦٠ (١٩٩٠) وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة، وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة.
هذا التسجيل يعود تاريخه إلى ٧ آب/أغسطس ١٩٩٠، ويبدو أنه الجزء الأخير من الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، والذي نوقش فيه موضوع ضم الكويت. في عدد من المقاطع يكون الصوت غير واضح بسبب اختلاط الأصوات ووجود تشويش في التسجيل نفسه.
يبدأ التسجيل بحديث الرئيس، حيث قال إنه يبحث عن “حل للكويت” إذا بدأ الكويتيون بالمطالبة بالحاجات الأساسية للعيش، والتي كان يخشى أنه لن يستطيع توفيرها لهم. ثم وصف المجتمع الكويتي بأنه “فاسد وباذخ”. وخلال حديثه قال إنه يجب تكليف جهة بإدخال المخدرات إلى شباب الكويت، ويبدو أنه كان يريد إشغالهم لصرفهم عن مقاومة قواته. وخلال حديث علي حسن المجيد، قاطع الرئيس سائلاً عن شخص يُدعى “الدوسري”. ثم ورد ذكر فيصل الصانع، وهو عضو سابق في حزب البعث رفض الانضمام إلى "الحكومة الكويتية الحرة المؤقتة". وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً ولا يُعرف مصيره بدقة. ويبدو من التسجيل — رغم التشويش — أن الرئيس قال إنه يريد "بشر" من الكويتيين “يقعدون وراء الكرسي” بشرط ضمان ولائهم الكامل، وأنه إذا لم يتوفر مثل هؤلاء فعليهم المضي فوراً نحو الوحدة بغضّ النظر عن أي اعتراضات. ووصف الوحدة بأنها ستكون “وحدة الفقراء مع التجار”. كما ذكر الرئيس وجود شخص “يجب قطع رأسه”، لكن هوية الشخص غير واضحة. ثم تحدّث علي حسن المجيد عن حوار مع شخص آخر. وذكر الرئيس أيضاً اسم عبد العزيز الرشيد، ويبدو أنه لم يرغب به. ويؤكد الرئيس خلال التسجيل أنه "دافع عن العراقيين" باجتياح الكويت. وفي السياق نفسه وصف علي حسن المجيد الكويتيين بأنهم “كلهم فاسدون”. بعد ذلك سأل الرئيس عن معنى "الوحدة الاتحادية"، فأوضح طارق عزيز أنها تعني: جيش واحد، وسياسة خارجية واحدة، واقتصاد واسع تديره الدولة أو بخصوصياته، وأمن عام واحد، وحكومة اتحاد واحدة، وتمثيل دبلوماسي وسفارات موحدة. ثم طلب الرئيس من المجتمعين الإجابة بكلمة واحدة عن سؤال حول “مستقبل الكويت”، موجهاً ذلك إلى: مزبان خضر هادي، ثم سعدون حمادي، ثم طارق عزيز، ثم سعدي مهدي صالح، ثم علي حسن المجيد الذي أبدى رأياً يدعو إلى وحدة اندماجية، ثم لطيف نصيف جاسم، وأحمد حسين، ومحمد حمزة الزبيدي. والصوت غير واضح تماماً، لكن يبدو أن أغلب الآراء كانت مع الوحدة الاندماجية باستثناء سعدون حمادي وطارق عزيز اللذين مالا إلى اتحاد فدرالي. بعد ذلك طلب الرئيس من “الحكومة الحرة المؤقتة” أن توجه رسالة تطلب فيها الوحدة. ثم تحدث الرئيس بنبرة تهديد شديدة، قائلاً: "وإذا بعد أسمع واحد يفتح لسانو وما تقطعوه من الزردوم… أغيركم كلكم بما فيهم قائد الحرس الجمهوري… صرتوا عراقيين كواوِيد… اللي يفتح… تكلوله… أفتح حلك وتحطّوا كل الرصاص بحلوكهم… هِيچِي تُقاد الأمم بالظروف الصعبة… مو بالعيني والأغاتي". ثم طلب الرئيس حضور الكادر الحزبي من عضو فرع فما فوق، وطلب من سعدي مهدي صالح دعوة المجلس الوطني “هساع بهاي الليلة” من التلفزيون. وبعد ذلك وجّه علي حسن المجيد بالتوجه إلى الكويت. ومن خلال هذا التسجيل، بالرغم من ضعف الصوت، يتبين الفرق الكبير بين ما كان يقوله الرئيس علناً وما كان يقوله خلف الأبواب المغلقة؛ فخلال سنوات الحرب مع إيران كان يثني على الكويت حكومةً وشعباً، لكنه هنا يصف المجتمع الكويتي بالفساد والبذخ، ويبحث صراحة عن وسائل لإيذاء شبابهم بإدخال المخدرات إليهم. ومن هذا التسجيل والتسجيلات السابقة المتعلقة بضم الكويت، يمكن القول إن الادعاء بأن الرئيس كان “مستمعاً جيداً” هو ادعاء غير دقيق.فكما اتضح من خلال هذه التسجيلات أن المساحة التي أعطاها الرئيس لمعاونيه في إبداء الراي كانت محدودة للغاية، ففي اجتماعه مع وزرائه، قبل أن يسألهم رأيهم في موضوع ضم الكويت، أخبرهم أن القيادة قررت الضم، ثم طلب رأيهم بعد ذلك. فمن كان يجرؤ على الاعتراض وهو يتذكر مصير رفاقهم في قاعة الخلد؟ وفي الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، لم يُتح للمجتمعين مناقشة قرار الضم نفسه؛ بل سُمح لهم فقط بمناقشة شكل الوحدة بعد الضم، بعد أن أعلن الرئيس قناعته بوحدة اندماجية للكويت في العراق “وينشال كل شي من السجل”، وأن "الحكومة الحرة المؤقتة" ستطلب “عودة الجزء إلى الكل”. وكما ذكرتُ في تعليقي على الجزء الأول من تسجيل الاجتماع، فإن طريقة صناعة قرارات مجلس قيادة الثورة كانت واضحة: الرئيس يعلن ما يفكر به، وعلى المجلس الموافقة — “وهذا هو”، كما قال في ذلك التسجيل. حتى واحد من أخطر القرارات في تاريخ العراق الحديث — قرار ضم الكويت — لم يكن قراراً جماعياً، بل كان قراراً فردياً خطّط له الرئيس ونفذته قواته، وما على المجلس إلا الموافقة على القرار وتبعاته. كان كل ما سُمح به للمجلس هو مناقشة أشكال الوحدة فقط، دون أي نقاش حول أصل القرار. لذلك يمكن القول إن الرئيس في القرارات المصيرية لم يكن مستمعاً جيداً كما صُوّر، بل كان — كما قال أحد المعلقين على تسجيل سابق — “ لا يريد أن يسمع إلا صدى صوته”. ويظهر من التسجيل أيضاً تهديده المباشر لمعاونيه بفقدان مناصبهم إن لم ينفذوا ما يريد، كما قال: “أغيركم كلكم… حتى قائد الحرس الجمهوري”. وأخيراً، يكشف التسجيل، ما كنا نعرفه عن “فلسفته في قيادة الأمم”، لكننا نسمعه يقولها بصوته: قطع الألسنة من الزردوم، والرصاص في الحلوك لكل من يخالفه.يبدأ التسجيل بحديث أحد هؤلاء وهو يوجه سؤالاً للنائب: كنتم قد ذكرتم أنكم ستلزمون الأقطار العربية بتنفيذ قرارات قمة بغداد (١٩٧٨)، وإذا ترددوا في التنفيذ تعالوا لنا ونحن نقوم بهذه المهمة، حتى الآن ما في التزام. وقلتم إن من لم ينفذ قرارات القمة يعتبر خائناً. السؤال: ما هي الإجراءات التي ستتخذ بحق هذه الأنظمة العربية التي لم تلتزم بهذه القرارات؟
هذا التسجيل يعود تأريخه ليوم ١٩٩٠/٨/٧ ترأس فيه صدام حسين اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية. يبدأ التسجيل بطلب الرئيس ببلورة موقف قانوني من احتمال مقاطعة تركيا والسعودية للعراق ومنع تصدير النفط من قبلهم نتيجة لصدور قرار مجلس الأمن ٦٦١ (٦ أب ١٩٩٠)، أي قبل يوم واحد من تأريخ هذا الاجتماع، والذي فرض حظرًا اقتصاديًا شاملًا على العراق، وطالب الدول الأعضاء بالامتناع عن أي تبادلات تجارية معه، باستثناء السلع الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية. في هذا الاجتماع أشار طارق عزيز إلى رسالة بعثها الرئيس صدام إلى غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك، بعد الغزو يعاتب فيها الاتحاد السوفيتي على موقفه تجاه العراق بعد غزوه للكويت، والجواب كان مطالبتهم للعراق بتنفيذ قرار مجلس الأمن ٦٦٠ والذي طالب العراق بالانسحاب من الكويت. وتطرق طارق عزيز إلى مقابلة الرئيس صدام بالقائم بالأعمال الأمريكي جوزيف ولسن في ١٩٩٠/٨/٦، والذي فوجئ بلقائه بالرئيس. وخلاصة ما ورد في اللقاء، والذي نشرت محضره وسائل الإعلام العراقية فيما بعد، أن العراق لن يضر بمصالح الولايات المتحدة، وأن العراق لن يهاجم السعودية. وأعاد الرئيس قوله إنه لم يخدع حسني مبارك، وأن ما قاله هو أنه لن يستخدم القوة قبل انعقاد مؤتمر جدة فقط، ولم يقل إنه لن يستخدمها مطلقاً. وهذا انتقاد وجهه حسني مبارك للرئيس، وحسب ما قيل عن ذلك اللقاء أن الرئيس أخذ حسني مبارك جانباً وقال له ذلك من دون وجود أحد غيرهم. ومبارك شدد أنها ليست الحقيقة وأن صدام خدعه. ما هي الحقيقة؟ أعتقد لن نستطيع معرفتها، إذ لا يوجد تسجيل يؤكد أو ينفي ما قاله الرئيس. وتخميني أنها كانت خدعة مقصودة لطمأنة الكويتيين ومنعهم من طلب مساعدة عسكرية قبل الغزو كما حدث في زمن عبد الكريم قاسم. وفي لقائه مع القائم بالأعمال الأمريكي، ذكر طارق عزيز أن صدام قال له إنهم إن استخدموا القوة العسكرية ضد العراق فإنهم سيهزمون. درجة الوهم والغرور لدى الرئيس وصلت إلى حد قوله للقائم بالأعمال الأمريكي إن الأمريكان، أقوى دولة في العالم، وبعد فترة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي، سيُطردون من منطقة الشرق الأوسط كلها! وهو وهم وقع فيه الرئيس وردده طوال الأشهر الستة التي سبقت المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، ويبدو من التسجيل أنه كان مقتنعاً به منذ بداية الغزو إن لم يكن قبله. وذكر طارق عزيز أن أقصى ما استطاع العراق فعله دبلوماسياً للتصدي للقرار ٦٦١، قرار المقاطعة الاقتصادية الشامل، هو أن كلمة "العدوان" رُفعت من نص القرار، وأن القرار صدر بالنص الأمريكي المقدم. وذكر الرئيس أنه سيسمح للكويتيين الراغبين بالمغادرة بالخروج، وأنه سيستبدلهم بـ"ولد مدينة صدام" حسب قوله، وأنه سيقول للعراقيين بعد فترة: "اصبروا، وستنالون الكثير من الخيرات"، وحتى "المتوفون منهم سيحصلون على شيء". وهو وهم آخر وقع فيه، إذ تصور أن الأمريكان سيسمحون له بالحصول على ثروات الكويت. واستمر الرئيس في حديثه الواهم، قائلاً إن الرغبة الإنسانية في العداء تقل بمرور الزمن، وبالتالي لن يكون هناك رد عسكري على احتلاله للكويت. وتصور أن الرد العسكري سيكون عبر الطائرات فقط، وأن هناك سيكون رد فعل شعبي عربي إذا حصل الرد العسكري على العراق، وأن دول الخليج ستنهار كلها. وعن ادعاء العراق أنه ابتدأ بسحب قواته، ذكر حسين كامل أنه كان يحرك القوات نحو العراق لكنها كانت تستدير وتعود للكويت، وهو انتقاد وجهته الولايات المتحدة للعراق معتبرة أنه غير صادق بادعائه الانسحاب من الكويت. وهنا طلب الرئيس منه التوقف عن ذلك، لأن العراق — حسب تعبيره — "ما لازم يجذب" وأنه عندما يقول شيئاً لابد أن يطبقه. وأنا أستمع لحديثه، بدت صفة أخرى من صفات شخصية صدام حسين، وهي التناقض؛ فالعراق "لازم ما يجذب"، ولكن كيف يمكن وصف ادعاء العراق بوقوع انقلاب في الكويت من قبل حكومة وهمية أصدرت لمدة ستة أيام بيانات — كان العراق وعلى الأكثر الرئيس نفسه كاتبها — بغير أنها سلسلة أكاذيب؟ وذكر الرئيس في الاجتماع فكرته من محاولة ربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من فلسطين كمعركة إعلامية. وذكر للمجتمعين أنه يؤمن بـ اندماج كامل للكويت في العراق "وينشال كل شي من السجل" بعد تحديد حدود الكويت برقعة صغيرة. وأن الحكومة الكويتية المؤقتة ستطلب "عودة الجزء إلى الكل"، وكان كلامه بصيغة بيان سيصدر باسم الحكومة المؤقتة. ثم قال إن مجلس قيادة الثورة سيوافق على طلب الحكومة المؤقتة. ومن خلال هذا التسجيل يتضح كيف كانت قرارات مجلس قيادة الثورة تصدر: الرئيس يتحدث بصوت عالٍ عما يدور بخلده وعلى المجلس الموافقة — "وهذا هو" حسب قوله. حتى أخطر قرار واجهته الدولة العراقية في تاريخها الحديث، القرار الكارثي، كان قراراً فردياً فكر به ونفذته قواته، وما على مجلسه إلا الموافقة على تبعاته. وبعد حديثه عن اندماج الكويت، كل ما سمح لمجلس قيادة ثورته وقيادته القطرية بالحديث عنه بخصوص الكويت هو أشكال التوحد فقط. ثم تحدث طه ياسين رمضان فردد ما قاله رئيسه. ويبدو من نهاية التسجيل أن صدام تركهم يتحدثون فيما بينهم! وكأنه غير مهتم بما سيقولونه!