كتب الصحفي المصري مصطفى أمين مقالة تحت عنوان "أنتحار" عن انشقاقات حزب البعث وخلافاته في عام ١٩٦٣ نشرت في أخبار اليوم أرفقها هنا
" الذي يحدث في العراق وسوريا من طرد ونفي وضرب وانقلابات وصراع ليس هو نهاية عدد من زعماء البعثيين وانما هو نهاية للحزب كله. فالحزب الذي كان يدعي أنه حزب أيديولوجي قائم على العقائد والمبادىء ، لايعترف بالاشخاص , أثبت أنه حزب أشخاص لا هم لهم ألا تولي السلطة بأي ثمن وبأي طريق ولهذا فان الذي حدث في هذا الأسبوع هو عملية أنتحار !
أن البعثيين بدأوا بالقاء الصواريخ والقنابل على أبناء بلدهم وانتهوا الى أن يوجهوها الى أنفسهم ويطلقوها على روسهم !
ولم يحدث في تاريخ احزاب العالم أن حزباً بهدل نفسه كما فعل حزب البعثيين بنفسه ولم يحدث أن حزباً ضرب بعضه بالقنابل والصواريخ كما فعل البعثيون ،ولم يحدث أن حزباً نجح في تحطيم نفسه بهذه السرعة وبهذه الكفاءة وبهذا التصميم!
فما السر في هذا ؟
السر أن زعيم الحزب ميشيل عفلق هو رجل بلا شخصية ولا أرادة ولا رأي وليست فيه من صفات الزعيم صفة واحدة وليس له عمود فقري ليصلب طوله في صراع أو ليثبت في معركة أو ليقود جماعة في صراع ، ومن أجل هذا أصبح حزب البعث عدة احزاب في حزب واحد وهو يوهم كل فريق أنه معه.
ويحاول أن يلعب بكل طائفة حتى تحول الحزب الى حيوان بعدة رووس فيها المفترس وفيها الأليف ، منها الجريء ومنها الجبان فيها المفكر وفيها المجنون. وهكذا ترى أن الجسم الواحد يتقدم ويتراجع ، وينقض ويتقهقر ويظهر وينزوي ، وهو في الحقيقة لا يتحرك من مكانه!
ولم يكن هذا الذي حدث مفاجأة للذين عرفوا حقيقة هذا الحزب ولكنها مفاجأة لمن خدعوا أنفسهم وضللوها عندما بهرتهم الكلمات غير المفهومة والشعارات الغامضة والعبارات المليئة بالاحاجي والالغاز!
لو أنهم اطلوا بروسهم ليروا ما خلف الواجهات لراوا حقيقة هذا الحزب الذي لا يجمعه مبدأ ولا تربطه عقيدة ، وانما هو قيادة جمعت عدداً من المراهقين السياسين والمغامرين السطحيين والنصابين والحالمين واستطاعت هذه المجموعة أن تغرر بعدد من البسطاء السطحيين الذين يتصورون أن كل ما يفهمون هو فلسفة وكل ما يجهلون هو سياسة عليا وكل كلام مشوش هو عمق ونظريات وابحاث!
ولكن ما كادت هذه القيادة تخرج الى النور حتى بدت عارية للناس وبدت انتهازيتها وتفاهتها وعدم ايمانهم بأي قيمة أو خلق أو مبدأ أو عقيدة!
وراحوا يغدرون ببعضهم ويفتكون ببعضهم ويتآمرون ضد بعضهم.
وكان كل هذا يحدث خلف الستار المسدل وفي الأجتماعات الخفية ولكن ما لبثوا أن جعلوا المعركة علنية وتبادل العقائديون المخدوعون القنابل والصواريخ بدلاً من الحجج والافكار والفلسفات !
ولا نعرف كم يطول هذا الصراع فقد يتحول من العلن الى الخفاء من جديد.
ولكنه سيعود مرة أخرى الى العلن ، فان الصراع سوف يستمر لأنه صراع شخصي من أجل السلطة لا من أجل الشعب ومن أجل الحكم لا من أجل المبادىء وهو صراع في غابة أكثر مما هو خلاف بين أعضاء حزب!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق