الخميس، 29 أكتوبر 2009

دفن النائب الوحدة مع سوريا باغتيال دعاتها...ماجد السامرائي * صحيفة «الشرق الأوسط»

دفن النائب الوحدة مع سوريا باغتيال دعاتها
أثارت في نفسي مقالة الزميل الصحفي السوري (جان اليكسان) المنشورة في صحيفة «الشرق الأوسط» عدد يوم 2003/5/26، الكثير من شجون وهموم الماضي، وأتوقع ان صحف وقنوات الإعلام في العراق والعالم العربي ستحتاج في الفترة المقبلة ولسنوات غير قليلة، فتح ملفات وملاحق كثيرة تتكشف من خلالها أسرار الصفحات السياسية والأمنية لصدام حسين وعصابته ضد معارضيه في حزب البعث أو الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وضدّ المواطنين خدمة لسلطته وزعامته الفردية الدكتاتورية. فقد نشرت ما بين يناير (كانون الثاني) 1991 وابريل (نيسان) 2003 قصص محدودة لا تحمل أسراراً بقدر ما كانت تمثل انطباعات لتجارب شخصية شجاعة لمعارضين كانوا جزءاً من نظام صدام تحملوا عقبات تلك المعارضة، ويتوقع للشهادات الجديدة أن تكون إثارتها أكثر مما تتركه الهياكل العظمية الصامتة التي يزاح عنها اليوم تراب الآلام الحزينة، وتحمل قصصاً تتجاوز أساطير الدكتاتوريات العالمية. لقد أعادت مقالة الزميل الصحفي للذاكرة حديث الوحدة السورية ـ العراقية المغتالة، التي ظلت طي الكتمان، ولا ندري أسباب عدم كشفها من قبل الاخوة السوريين لحد اللحظة، وقد يكون الظرف الحالي مناسباً لكشف ملابساتها، حين أعدم صدام على مذبحها ثلثي اعضاء القيادة البعثية، وكانت تلك المجزرة شاهداً على اغتيال صدام حسين للديمقراطية داخل حزب البعث باغتيال دعاتها، لكونها كانت تعيق تفرده بالسلطة من دون رقيب.
لقد سبق لي المشاركة في قيادة الوفد الحزبي والشعبي العراقي الذي زار دمشق، في أوائل أبريل عام 79، تنفيذاً لقرار مشترك بين القيادتين السورية والعراقية بهدف استطلاع أجواء التقارب بين الكوادر الرسمية والبعثية، ومعرفة استعداد المواطنين لقبول الوحدة بين البلدين تمهيداً للوصول إلى قرار الاتفاق حولها وإعلانها.
وقد حل وفدنا الحزبي والشعبي في دمشق مرحّباً به من قبل (الرفاق) السوريين الحالمين بذلك الهدف القومي النبيل، ولم نكن نحن في العراق، ولا حتى من قابلونا، يعلمون نوايا القيادتين السورية والعراقية.
قضينا ثلاثة أيام في دمشق، اكتشفنا خلالها نحن المثقفين السوريين والعراقيين في لقاءات مفتوحة في مقاهيها ونواديها ومطاعمها، صدق المشاعر العروبية لدى أبناء سوريا، وكان أمل الجميع إنجاز ذلك الهدف التاريخي خلال أيام. لكن الصدمة التي صعقنا بها بعد عودتنا من الزيارة ولقائنا مع (النائب صدام حسين)، حين طلب من كل واحد منا الحديث عن انطباعاته حول توجهات (الرفاق السوريين) تجاه تحقيق ميثاق الوحدة الثنائية. وقد تحدثت عن انطباعاتي حول صدق النوايا السورية، وكانت عيون (السيد النائب) تحوم لاستثارة من يعطي انطباعاً مغايراً يعزز التوجه الذي كان يخفيه أمامنا قبل ذهابنا إلى دمشق، فعقب مسؤول أحد المنظمات الشعبية، حينذاك، بانطباع كان غريباً وغير واقعي بالنسبة لي ولغيري من المشاركين بالوفد، ولم نكن نعلم انه كان مبيتاً، فقال بحماسة مصطنعة (الرفيق النائب: السوريون لا يريدون الوحدة مع العراق، ولذلك أرى التوقف عن مواصلة الحوار). ابتسم صدام، وقال: «هذه هي الحقيقة، لكن بعض الرفاق حالمون ولا يعرفون ما يريده «حافظ أسد». وكان دائماً ما يطلق اسم الرئيس السوري الراحل من دون (أل التعريف)». وتصادف انه بعد عدة ايام من ذلك الحدث، شاركت في اجتماع لمكتب الثقافة والإعلام الذي حرص صدام حسين على إدارة اجتماعاته والاشراف الشخصي المباشر على جميع الأنشطة الثقافية، بعد عزل وسجن مسؤوله السابق عضو القيادة القومية عبد الخالق السامرائي، وحرص على متابعة جميع المقالات التي يكتبها (أعضاء المكتب ومشاركوه) لجريدة الحزب الداخلية، وأُبعدوا بعد ذلك جميعاً من هذا النشاط. وتصادف ان كتبت مقالة فكرية سياسية حول (أسبقية الوحدة على الاشتراكية)، وبعد حديثه في مقدمة الجلسة عن تطورات مباحثات الوحدة السورية العراقية، وشكوكه في صدقية واندفاع (الرئيس الراحل حافظ الأسد) انتقل إلى الموضوع الثقافي فقال «أثارني مقال للرفيق ماجد يحلم فيه بتحقيق الوحدة العربية قبل الاشتراكية، ويتجاهل فيه خطواتنا الاشتراكية ودورنا القائد في بنائها، وأريد منه أن يقنعنا بوجهة نظره هذه..». قال هذا التعقيب، وفي عينيه علامات تشير إلى ما كنت أنا وغيري من الحاضرين يعرفون ما يقصده حين يريد إسقاط أيّة فكرة مخالفة لرأيه، ولا تعزز زعامته الفردية، وإسقاط صاحبها بعد ذلك. وبعد سماعه المبرمج لبعض الآراء التي تعلمت فن مجاراة توجهاته داخل الاجتماعات القيادية لدرجة توجيه اتهامات تودي بصاحبها إلى السجن أو الموت. أصابني ذعر وقلق شديد على ما يمكن أن يصيبني بعد ذلك الاجتماع، علماً بأنني طرحت فكرة قومية شائعة في ذلك الوقت، وبعد عودتي إلى مكتبي في العمل بساعات، تلقيت مكالمة هاتفية من مرافقه الشخصي (صباح مرزا) يطلب مني إعادة صياغة حديث (سيادته) الذي سيصلني، ليتحول إلى كراس يوزع على الحزبيين ثم يطبع وينشر، وفي مقدمته تلميحات حول فكرتي المقصودة، وتلك كانت نوعاً من العقوبة المهذبة التي ارتضيتها، وقد طبع الكراس ونشر تحت عنوان (هل يمكن تطبيق الاشتراكية في بلد واحد ؟). ثم حذرني (طارق عزيز) في لقاء معه بعد أيام، بضرورة التوقف عن طرح مثل هذه الأفكار داخل الحزب، أو في وسائل الإعلام، حيث ذكرني بمصير عبد الخالق السامرائي الذي كنت أعمل معه في المكتب الثقافي قبل اعتقاله بتهمة التآمر على صدام حسين، وقال (ألم تتعظ من تلك التجربة؟). ولم تمر أيام حتى صدر قرار بتعييني سفيراً للعراق في ليبيا. وقد يتصور البعض إن تلك كانت مكافأة، لكن الواقع السياسي يقول خلاف ذلك، حيث تم وبوقت مبكر تنفيذ سياسة مبرمجة تستهدف إبعاد الكوادر البعثية عن دوائر التأثير، أو البطش بهم، حين تعرف توجهاتهم الديمقراطية داخل الحزب، أو سعيهم لتحقيق سياسة الحوار والانفتاح مع القوى والأحزاب الوطنية العراقية، وكان الهدف من كل ذلك هو تأمين سلامة مخطط انفراد صدام حسين وعصابته بالحكم.
* سفير عراقي سابق

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

القسوة لدى صدام حسين.... "إغتيال عادل وصفي".....

كالطريدة..
قافز من خندقٍ، ملتجيء للملجأ العشرين، مذعوراً من الشبهةِ، لم يرسم مسار الطلقة المسعور، لم يتعب من الحقدِ علي الفاشيست، لم يكتب قصيدة.
كالطريدة..
يتهاوى برصاصِ "البعثِ" في منعطف الشارع ، ما كان لهُ العمر الذي يسمحُ بالأوهام ــ قد كانت لهُ ثمّة أحلام عن الآتي ــ ولم يلقَ النهايات السعيدة.
كالطريدة..
قبضَ الجلادُ روحاً عذبةَ النبضِ ووَجهاً دائم البسمةِ كالطفل.. وأهدى فرحة الطغاةِ يتماً والمشاوير أذى، أعطى الفلسطيني "عزالدين" ثان، ثُمَّ أعطى نخل البصرة في الصبحِ شهيده
كالطريدة..
ينتهي "عادل وصفي" ميِّتاً في أسرِ بيروت التي كان لهُ فيها اسمهُ الحزبي
دعواهُ مع العالم والناس.. دعواهُ عن الدنيا الجديدة
ثُمَّ مــاذا؟
ثُمَّ مــاذا؟
ما الذي أكتبهُ عن موتِ "عــادل"؟
ما الذي يجمعنا في موتِ "عادل"؟
ما الذي أبقى لنا "عـادل" مِن آثارِ "عادل"؟
: زوجتهُ تبكي
: إبنةٌ تلعب في السهو
: أخا زوجه في الأحد الماضي
: عراقاً لن يراهُ أبدا
: بعض نداءاتٍ الى الثورة
: صمتاً في القياداتِ التي " تأسفُ " للحادث
: عذاب الأهلِ والأصحاب
مــاذا..
ثُمَّ مــاذا؟
عن موتٍ ما.. لا يكون الموتُ موتاً عابراً ما دامَ هذا القاتلُ الواضحُ كاللؤمِ هنا ما بيننا
ما دامت الثورة لم تأتِ.. وما دامَ سكوت الكونِ "رسمياً"
وما دامت له الزوجة والطفلة والأخت البعيدة
كالطريدة..
كان قد جَرَّ خيبات السنين وانتهى اللاجيء ما بين خيام اللاجئين
ولأن السلطةَ المسعورةَ الأسنانِ نذلة ولأنَّ البعث ــ أعني دولة البعثِ التي تقتلُ من بغدادَ
لا يعرفُ حداً فاصلاً ما بينَ قناصٍ وطفلة
ولأنَّ الظرفَ "يستدعي" السكوت
فدعوا "عــادل" في صمتٍ يموت. ... وليـد جمعة.... بيروت ٢٠/٦/١٩٧٩

"عندما رحل الصحفيون العراقيون مع المقاومة الفلسطينية من الأردن الى لبنان رحل معهم صحفي عراقي يدعى عادل وصفي يعمل في مجلة فلسطين الثورة التي تصدرها منظمة فتح ولم يكن هذا الشاب معروفا على مستوى واسع ، ولم يكن له دور في نشاط المعارضة العراقية ، لكن ذلك لم يمنع فرقة ألاغتيال في السفارة العراقية ببيروت من اغتيال عادل وصفي فاقسم السيد ياسر عرفات في اجتماع حاشد على الثأر له من قاتيله.
وفي بغداد سئل صدام حسين عن جدوى اغتيال هذا الصحفي الذي أصبح اسماً تتداوله الصحافة العربية والعالمية مما يسيء الى سمعة العراق فأجاب صدام وببرود عجيب أعتقد أن الرفيق برزان عالج موضوعه وليس المقصود هو وانما لجر أذن الغيرة سز ياسر عرفات."...............من كتاب "أسوار الطين" لحسن العلوي..
نقل ضابط مخابرات عراقي عن برزان التكريتي عندما كان بمنصب رئاسة المخابرات قوله "يكفينا فخراً أن المعارض الموجود في واحدة من مقاهي باريس أو براغ ، عندما يحاول أن ينتقدنا يلتفت يميناً أو شمالاً خوفاً من وجود ضابط مخابرات بجانبه" وهو وصف دقيق لتأثير نشاط فرق المخابرات العراقية على من هرب من البلد في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. لم تقم المخابرات العراقية بمهمة المراقبة فقط بل قامت بمهمة تصفية واغتيال ضحايا عدة توزعوا في أكثر من بلد في العالم رافقها في أغلب الأحيان صمتاً شبه مطبق عالميا و عربيا على عمليات الاغتيال تلك.
احد الضحايا كان عادل وصفي وهو من مواليد بغداد وخريج كلية السياسة والاقتصاد ,التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ليصبح نائبا لتحرير مجلة فلسطين الثورة التي كانت تصدر من بيروت التي سكن وتزوج عادل فيها من امراة فلسطينية. عن حدث اغتياله كتب مؤيد الراوي " في الساعة العاشرة واربعين دقيقة من ٢٠/٦/١٩٧٩ وفي وضح النهار، قتلوا عادل وصفي. كنت نائما حين أيقظتني زوجتي بالنواح. ومع أن القتلَ والدمَ كان يحيط بنا في بيروت وهيَ تخوضُ الحرب الأهلية حتى التخمة، لم أصدق النبأ. لقد اعتدت أمام عاصفة الموت أن أخدع نفسي وأدافع عنها من هجمة ألمٍ غير مطاق؛ أطوِّلُ استيعاب الكارثة، أتغطى بها رويداً، متدفئاً بحماها حتى أهذي، وحتى تبدو الحقيقة مثل الحلم. لكن العاصفة ستأتي مهما تَحَصَنتَ بالوهم وستخرِّب دارَكَ في كل الأحوال، وستجابه في النهاية حقيقة موت شخص عزيز عليك بعد أن خفّ ثقلها الذي أحنى منكبيك. لقد إنحنى ظهري ومال رأسي وارتجفتْ البرودة فيَّ عندما تيقنتُ من موتِ هذا العزيز: عادل وصفي.
لم أتذكر في ذلك الوقت وأنا أواجه موت عادل المخفف سوى مرثية كلكامش عندما فقدَ أنكيدو، وأنا ممتليءٌ بالحقدِ وغاضبٌ حتى الإعياء، ليس ضد القدر وإنما ضد عراقيين حملوا الجريمة من بغداد الى بيروت ليزرعوها في قلب فتى صافي النوايا لم يرَ من الدنيا إلاّ بَهجتها وجهها الجميل.
كنت أحب عادل. كنا نقيضين.
هو كالصفحة البيضاء و كالماء الهادئ في بحيرة، وأنا أحفرُ في المجهول، وأتعارض مع نفسي، وأشكك في حياتي مثل عقرب سيلد فيحاول الخروج من حلقة نار أُدخلَ فيها. أنا الفوضوي لا أملك حتى حاضري، وهو المنظم الذي يقيس حياته بالدقائق: هذا التنظيم الصارم للزمن رصده قَتلة عادل وصفي.
كان كلّ يوم يصل المجلة التي يعمل فيهافي تمام الحادية عشرة. هكذا ظفروا به قَـتلة البعث، من النظام العراقي، وأسكتوا قلبه برصاصة، وفقدت صديقا كنت أتأمل به، وأستغرب من رصانته وتوازنه بحيث أنني سألته يوماً : يا خالد ـ وكان اسمه المستعار ـ أية سماوات تريدها أن تسقط لتتبدل سحنتك وتعرف أنك غريب في هذا العالم، والعدالة التي تأمل بتحقيقها مجرد أ وهام؟ ولكنني عرفت بعد موته أن الكثيرين، خاصة أولئكَ العراقيون الذين هربوا من نار النظام الى جحيم بيروت، قد أحبوه لأنهم وجدوا فيه نقيضهم أيضاً،عندما أبصروا في مرآته صورة وجوههم وقد أُختزِلتْ منها أعشاب الخوف والمذلة. كان عادل وصفي حالماً، ويوحي للآخرين بالحلم، كما لو أنه استيقظ من النوم تواً ليحدثك عن أشياء صغيرة وليطرحَ عليك أسئلة قلما تخطر في بالك. يضحك بسحنته الهادئة وملامحه الواضحة وبعواطفه العميقة المتدفقة. كان شاعراً دون أن يكتب الشعر بالكلمات. كان متأملاً ومتذكراً، محتشداً بالمشاعر، لما يحيط به ولما تركه خلفه وما يأمل به. كان عراقياً صميمياً، بمعنى أنه كان يَحملُ ذاكرةً غير مؤذية عن البلاد وعن الناس. كان رجلآً من المدينة ـ من بغداد ـ وقد تعلقَ بنهرها وبشروق شمسها أو بمغيبها خلف أشجارٍ على ضفاف دجلة. تعلقَ بحياة الجامعة التي درس فيها، وهو يتذكر أسماء الأصدقاء والأحبة و يأمل في العودة يوماً الى العراق ليحدثهم بروح عامرة عن زمن مضى.
لست أدري لِمَ وكيف ترك البلاد، وأية مصاعب مع "البعث" دفعته الى الحدود لكي يلتحق بالحركة الفلسطينية. لكنني في حواري معه كنت أكتشف في كل مرةٍ روحه السمحة ونقاءة الداخلي ودعابته البريئة وتعارضه مع نظام البعث الذي كان يَصِفهُ من دون أوصافٍ كثيرة؛ بأنه مجرد نظام غير صالح.. كان يجعلني أن أفكرَ بأنه ليسَ من هذا الزمان، وهو أقرب الى الأمير مشكين في روايه ديستويفسكي في براءته وفي التعبير عن عواطفه بشكل مباشر. في الساعة العاشرة واربعين دقيقة من يوم ٢٠/٦/١٩٧٩ نزل عادل وصفي من شقته في بيروت بعد أن قبَّل طفلتيه لمى وسناء وودع زوجته عطاف ثمّ اتخذ طريقه في شارع الفاكهاني الى مجلة "فلسطين الثورة" التي كان أحد سكرتيري تحريرها. كان مقر المجلة لا يبعد عن داره اكثر من ٤٠٠ متر.
شارعٌ مزدحم بالناس وبالحوانيت والباعةِ، وبمكاتب المنظمات الفلسطينية. كنا نسميه "الشارع الأخير" لإنكفاء المقاومة الفلسطينية بسبب الحرب الأهلية والحصار السوري في هذا الشارع الضيق. ولم يكن يفكر أحد بمخاوف التهديد وانعدام الأمن في هذه البقعة الصديقة. ولكن يبدو أن القتلة من فرق الإغتيالات للنظام العراقي كانت أكثر دراية ودربة وفناً للقيام بعملها، فقد درست وتدربت ووُضعت في خدمتها كافة الأمكانيات المعلوماتية والمادية والتسليحية، وخاصة عبر ذراعها جبهة التحرير العربية ومخبرين في حزب البعث اللبناني بالإضافة الى عيونها ومنفذي أوامرها من المتسللين الى المنظمات والهيئات المتواجدة في المنطقة.
في منتصف الطريق بين داره وبين مكان عمله ـ مجلة فلسطين الثورة ـ في الشارع المزدحم بالناس والباعة والمقاتلين والنساء والأطفال، وبالحوانيت والمقاهي، وبمكاتب المقاومة الفلسطينية أوقف شخص ما عادل وصفي على الرصيف الأيسرـ كما سرد شهود عيان ـ طالباً منه بأدب جم أن يشعل له سيكارته. وعندما فعل ذلك عادل مقترباً منه أخرج ذلك الشخص مسدساً بكاتم صوتٍ فأطلق الرصاص مباشرة نحو قلبه. كان القاتل قد ابتعد واتخذ طريقه بين زحمة الناس لينفذ من زقاق قريب الى سيارة تنتظره، فيما تهاوى عادل وسقط بطيئاً على الأرض. لم يعرف الذين شاهدوا سقوطه للتو حقيقة الأمر إلاّ بعد أن شخبَ الدمُ ولوّن القميصَ وسال على الأرض.
في هذه البقعة التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية حدث الهرج والصياح والبحث عن القاتل ، لكن القاتل ابتعد واختفى في مكان ما من بيروت. إلآّ أن الناس الذين عرفوا القتيل بأنه خالد العراقي "عادل وصفي" سكرتير مجلة فلسطين الثورة نشروا الخبر في مكاتب المقاومة الفلسطينية. وبدأت أكثر من جهة، وأكثر من جهاز أمني لفصائل المقاومة البحث عن القتلةِ، وتكللت المساعي بعد زمن قصير بمداهمة وكرهم في منطقة الروشة وإلقاء القبض على معظم أفراد فرقة الإغتيال والحصول على اعترافات ووثائق تؤكد الجريمة التي اقترفوها، فضلاً عن اعترافهم بقائمة من الأسماء كانت على لائحة الإغتيال من عراقيين وفلسطينيين. ويعود الفضل الأكبر في توفير هذه المعلومات الأولية الى جهاز الأمن الطلابي لمنظمة فتح الذي كشف وكر المخابرات العراقية وألقى القبض على أفرادها. وبعد أن افتضحت أسرار الشبكة المخابراتية الإرهابية المكلفة من قبل نظام البعث العراقي اودع القتلة في سجن المقاومة. وقامت أجهزة الأمن الفلسطينية بالتوسع في التحقيق معهم، لكنها سترت فيما بعد معلومات ضافية حصلت عليها من الإعترافات.
كان ينبغي اعلان اسماء القتلة والجرائم السابقة التي ارتكبوها، وعلاقتهم العملية بالسفارة العراقية في بيروت وبدور شعبة المخابرات في السفارة، وبعائدية هذه الفرقة المكلفة بالإغتيالات، ومن هي الجهة والشخص الذي أناط بهم في العراق هذه المهمة. ولست أدري كيف جرت الأمور فيما بعد وبأي اتفاق وتفاهم جرى تسفير وتسليم القتلة المعتقلين للنظام العراقي من قبل المقاومة الفلسطينية.
لكن الأمر كان بمثابة طعنة خنجر من الخلف في صدور العراقيين الذين أعطوا ضحايا كثيرة في سبيل المقاومة الفلسطينية. جرت عملية اغتيال عادل وصفي الذي شغل منصب أحد سكرتيري التحرير لـمجلة "فلسطين الثورة" في جو من تأزم العلاقة بين منظمة فتح والنظام العراقي. وكان النظام البعثي قد أغلق مكاتب فتح في العراق ونكل بأعضائها واستملك الورشات الصغيرة التي كانت فتح تستعملها لصنع الذخيرة ولغيرها من الإحتياجات.
ودعمت أجهزة المخابرات العراقية جماعة أبو نضال المنشق من منظمة فتح، ومكنتها من اداء دور تخريبي في صفوف المقاومة. كان النظام البعثي في العراق يدعم وينسق ويكتل ما سمي آنذاك بـ"جبهة الرفض". وينسق مع صحف وأجهزة اعلام يدعمها ويغذيها بالمال. وكان يوصل الخيوط مع القوى المعادية للمقاومة في لبنان إبان الحرب الأهلية ويحوّل موقعه من بيروت الغربية الى بيروت الشرقية ـ الى جونيا، التي كانت تصلها اسلحة عراقية، مثلما كانت تصل الى "جبهة الرفض" لتواجه "جبهة القبول" وتواجه الجيش السوري الذي لعب دوراً هاما في التشكيلة المتناقضة للبنان إبّان تلك الحرب. في هذا الجو المتوتر الذي أحست فيه فتح بضربات نظام البعث العراقي وخاصة بعد اغتيال عدد من كوادرها مثل عزالدين قلق وسعيد حمامي وعلي ناصر ياسين وعدنان حماد ومهاجمة مكاتبها في باكستان، قامت عبر مجلتها المركزية "فلسطين الثورة" بحملة فضح لمواقف البعث العراقي المعادية للثورة الفلسطينية".
اغتيال عادل أثار اهتماما أعلامياً لم يدم طويلا بمهمات تصفية والغاء الأخرين التي قامت بها السلطة في ذلك الحين. أنكرت السلطة دورها في عملية الاغتيال تلك ببيان صدر باسم نعيم حداد. وفي نفس الوقت تقريباً سئل الرئيس عن تلك العملية فقال كما ورد في كتاب أسرار الطين لحسن العلوي "أجاب صدام وببرود عجيب أعتقد أن الرفيق برزان عالج موضوعه وليس المقصود هو وانما لجر أذن الغيرة سز ياسر عرفات."...............
بالاضافة الى عادل وصفي ذكر مؤيد الراوي في مقالته ضحايا اخرين تم اغتيالهم من عناصر المخابرات العراقية في لبنان منهم
"١- ـ تحسين الشيخلي "يحيى" من تجمع الشيوعيين الثوريين.
٢- مطر لازم. أُغتيل في منتصف السبعينيات في الجنوب اللبناني بين النبطية والروم. كان قائد فصيل في فتح ، قتل بيد عناصر من جبهة التحرير العربية المشكلة من قبل النظام العراقي. وكانت هذه الجبهة واجهة فلسطينية لعناصر المخابرات العراقية.
٣- عبد الجبار عبدالله، إختطفته عناصر المخابرات العراقية في بداية الثمانينيات وحَجَزَتْهُ داخل السفارة العراقية، ثم فجروا جثته على عمود كهرباء في منطقة السفارة العراقية.
٤- أبو سلام (مجهول الإسم) تمّ اغتياله في العام ١٩٧٨ في صيدا، وكان يجاهر بمعارضته للنظام ويدعوا الى الكفاح المسلح في العراق.
٥-اغتيال ثلاثة اكراد احدهم يدعى غازي، أجهل أسماءهم الكاملة. دَبرتْ لهم المخابرات العراقية اجتماعا صوريا مع ما اسموه معارضة عراقية فتم ذبحهم وتقطيعهم في الشقة التي دعيوا إليها، ووضعوا في أكياس، ثم أُلقيَ بهم في وادي أبو جميل حيث تسكنه أقلية كردية. وقد كتبوا على الأكياس عبارة : لا تتهموا أحداً.
وكان الأكراد الثلاثة ينشطون بين التجمعات اليسارية ومع المعارضة العراقية ويقيمون علاقات جيدة مع القيادة المركزية آنذاك، فيما يحاولون إقامة علاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، بعد أن استطاع النظام العراقي من استمالة جميل محو مسؤول الحزب في لبنان آنذاك الى جانبه".
لم يكن نشاط فرق الأغتيلات التابعة للمخابرات العراقية قاصراً على بيروت ولبنان فقط بل طالت الأغتيلات الضحايا في أكثر من بلد في العالم , شملت قائمة الأغتيالات تلك :١- حردان التكريتي عضو سابق في مجلس قيادة الثورة ومساهم أساسي في انقلاب ١٩٦٨ اغتيل في الكويت عام ١٩٧١وسنعرض لمحة عنه في فصل أخر.٢-اية الله حسن الشيرازي ولد في النجف حوالي عام ١٩٣٣. انتقلت عائلته عندما كان صغيراً الى كربلاء حيث درس العلوم الحديثة والدينية أيضاً. تتلمذ على يدي والده اية الله مهدي الشيرازي وعلى يدي شقيقه الأكبر سيد محمد شيرازي. كان الشيرازي شاعرا ومتبحراً بالادب العربي اضافة الى كونه مجتهد ديني.ألقي القبض عليه عام ١٩٦٩ لانتقاده السلطة علانية وعذب في السجن حيث بقى مسجونا لتسعة شهور.أبعد الى خارج العراق عام ١٩٧٠ حيث مارس العمل السياسي ذي الصبغة الأسلامية. درس واسس في عدة حوزات منها الحوزة الزينبية في سوريا حوزة الأمام المهدي في لبنان والحوزة الهاشمية في سيراليون.له مولفات دينية عديدة. اغتيل في بيروت في ٢/٥/١٩٨٠عندما كان متوجهاً إلى مدرسة الإمام المهدي في منطقة برج البراجنة، للمشاركة في مجلس الفاتحة الذي أقامه هو على روح المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى وقبل وصوله إلى مجلس الفاتحة، وبينما هو في الطريق تم اغتياله على يد مجموعة مسلحة حيث توفي على الفور فيما لاذ الجناة بالفرار.
٣- توفيق رشدي أستاذ الفلسفة في جامعة عدن اغتيل عام ١٩٧٩
٤- سهيل محمد السلمان اغتيل في دبي عام ١٩٨١ شاهد عملية الأغتيال شرطي كان متواجداً في المنطقة قام بملاحقة الفاعل حتى قبض عليه و تبين أنه عراقي الجنسية يحمل جواز سفر دبلوماسي .
٥- رئيس الوزراء السابق عبد الرزاق النايف اغتيل في لندن عام ١٩٧٨وسنتطرق الى ذلك في فصل أخر .

٦- نعمة مهدي محمد وسامي عبد المهدي كانا من طلاب كلية الهندسة التكنولوجية في جامعة كراجي بالباكستان وقد اختطف الطالبين بعد خروجهما من الامتحان النهائي للحصول على شهادة الماجستير في اذار من عام ١٩٨٧ , عثر على جثثهم مقطوعة الرأس بالقرب من القنصلية العراقية.

٦- اياد حبش أغتيل في ايطاليا عام ١٩٨٦ بقذفه من شرفة أحدى الفنادق.

٧- ماجد عبد الكريم حسين ضابط مخابرات سابق اغتيل في السويد عام ١٩٨٥ . تمت عملية الأغتيال باستدراجه الى شقة من قبل امراة داخل الشقة كان رجلان على الأقل بانتظاره حيث قاما بقتله و من ثم تقطيعه الى ٤٨ قطعة ووضعه في حقيبتي سفر, وعثر على الحقيبتين بعد مرور شهرين على حادثة القتل.

٨- محمد مهدي الحكيم اغتيل في السودان في عام ١٩٨٨ .
ولد في النجف عام ١٩٣٥ والده هو اية الله محسن الحكيم المرجع الشيعي الأعلى في فترة الستينات. وصل الى مرتبة مجتهد وساهم في تأسيس جماعة العلماء وكذلك أسس كلية أصول ألدين في بغداد حيث ألقى فيها محاضرات عن الاقتصاد الأسلامي. ساعد والده في تنفيذ مهماته كنقل وجهة نظر المرجع الى الحكومة والى المجتمع الشيعي في العراق. ألقي القبض عليه وعذب عام ١٩٦٩بعد أن أُجبر، أمين عاصمة بغداد السابق، مدحت الحاج سري، على الإدلاء بشهادته من على شاشة التلفزيون، بأنه يعمل في شبكة تجسس مع محمد مهدي الحكيم . هاجرالعراق بعد أطلاق سراحه وتوجه الى الباكستان.عينه اية الله الصدر عام ١٩٧١ كممثل روحي له في دبي حيث استقر فيها حتى عام ١٩٨٠ حيث توجه الى لندن حيث أسس بمساعدة جماعة العلماء منظمة خيرية ومركز شيعي وهو أهل البيت و أسس لجنة رعاية المهجرين العراقيين . بارك تاسيس المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق برئاسة شقيقه محمد باقر الحكيم عام ١٩٨٢ لكنه لم يشارك فيه.
في ١٧ /١/١٩٨٨ اغتيل في الخرطوم أثناء حضوره لمؤتمر الجبهة الوطنية ألاسلامية من قبل أشخاص هربوا في سيارة تابعة للسفارة العراقية. صنف الرجل مع مفكري الشيعة المعتدلين من الذين لايؤيدون قيام دولة الفقيه ويرون دور رجل الدين محصور باسداء النصح والمشورة.

٩-الشيخ طالب السهيل اغتيل في بيروت عام ١٩٩٤.

عمليات الأغتيال تلك ترسم صورة لتحول العراق بل العالم باكمله للعراقيين في تلك الفترة الى علبة ضيقة ، صامتة ، فكأن هناك أشباح تقف أمام كل باب ونافذة تحصي النظرات والانفاس قبل الكلمات.
احساس الخوف من كابوس المراقبة والموت لم يقتصر على العراق بل امتد نتيجة لعمليات الأغتيال تلك، الى أنحاء العالم فكان الهروب من العراق ,في تلك الفترة, الى المنفى في النهاية هو مجرد شكل مخفف من الخوف.

مصادر وملاحظات عن عمليات الأنفال

قمت باضافة صورة لضحية من ضحايا الأنفال أخذت أتناء تنقيب أحدى المقابر الجماعية للاكراد في جنوب العراق الى "عمليات الأنفال البطولية "...الجزء الثاني تبدو الضحية وكانها تصرخ بألم لحظة تنفيذ الأعدام.

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

اجتماع قاعة الخلد ١٩٧٩ ...مرة أخرى

أعتقد أن الجزء الأخير عن "تدمير حزب البعث" بحاجة الى مراجعة سأقوم بها عندما تسنح الفرصة لذلك. حتى ذلك الحين سأقوم باضافة مقاطع من الأجتماع الأستثنائي لحزب البعث الى ذلك الجزء .
المقطع الأول يظهر فيه محي عبد الحسين مشهدي وكأنه يقرأ من ورقة رغم أن الورقة التي كان يقرأ منها قد أخذت منه في بداية الأجتماع .
اضافة الى ذلك يبدا محي في هذا المقطع قائلا "من طرح " ثم يغيرها بعد ثوان الى "أنا من طرحت".. في حين أن الرواية التي روجت أنه هو قد وقف وطلب من البكر أن يعيد النظر في موقفه من الأستقالة.. أي في فترة أقل من أسبوع نسى محي أنه هو قد اعترض على الاستقالة.. هذا المقطع يؤيد من يعتقد بأن محي لقن على هذه الاعترافات لذلك نسي ما حدث باسبوع واحد واحتاج الى قراءة الاعترافات من ورقة وكما ظهر في هذا المقطع القصير احتاج الى قرأتها ثلاثة مرات.

المقطع الثاني يبدو كأنه محاولة من الرئيس للاجابة عن تساول لم يطرح في القاعة لكنه في ذهن من يشاهد تلك الاعترافات.. وهو أن المبالغ التي ذكرها محي كانت مبالغ تافهة لرشوة أشخاص كانت ميزانية الدولة التي تحت تصرفهم تعد بملايين الدنانير. وكما يبدو من الشريط أن الرئيس انتبه لتلك النقطة فكأنه أوحى لمحي باحكام روايته عن خيانة الباقي من الرفاق وبدا الرئيس كأنه يساعد محي في الأجابة عن هذا السؤال.. خصوصا بعد أن أجابه محي أنه من مبلغ رشوة تافه مقداره ٣٠٠ دينار يقوم الراشي باعطاء رشوة من ذلك المبلغ قدره ٥٠ الى مئة دينار واقامة دعوات شرب بجزء من الباقي وليبقى مبلغ تافه أقل من ١٠٠ دينار هي حصة المرتشي الاول وهو بدرجة وزير يقنع بهذا المبلغ "الرشوة" لكي يشارك بتلك المؤامرة بعد ذلك الحوار بينه وبين الرئيس ,ذكر محي أن المبالغ ازدات ورغم ذلك كانت المبالغ لاتزال في نظري قليلة لرشوة من كان بمناصب "المتامرين".