الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة...٣

الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة...٣



"أنا حسين.....وانت حسين.......منو هسه اللي ما يسوه فلسين!"
حسين كامل ....اذار ١٩٩١

انتفاضة كربلاء
عن الانتفاضة في كربلاء ورد في كتاب الانتفاضة الشعبانية في كربلاء لسلمان هادي آل طعمة "روى شاهد عيان إنه تمّ تشييع أخوين كانا قد استشهدا في أرض المعركة بالكويت، وجيء بهما إلى كربلاء، المشيعون دخلوا الصحن الحسيني وهم يهتفون خلف الجنازتين بهتافات دينية ملفتة للنظر، وعند مرورهم بصحن سيدنا العباس حدثت مشادات عنيفة بين رجال الأمن والشرطة من جهة، وبين المواطنين من جهة أخرى، ولدى خروج المشيعين من صحن العباس وعند باب العلقمي (الفرات) هتف أحد المشيعين بسقوط نظام الحكم، فما كان من أحد رجال الأمن إلا وصوّب نحو ذلك الشخص الذي هتف وقام بإطلاق عيارات نارية سقط على إثرها شهيداً، وفي الوقت نفسه أطلق شخص مقابل له رجل الأمن بعيارات نارية فأرداه قتيلاً، فسقط الاثنان ميتين، ومن هنا اتسع ميدان المعركة وبدأ الغضب الجماهيري المثير للشعور، مما أدى إلى إحداث قلق وبلبلة في المدينة.
كان ذلك الحادث إيذاناً ببدء ثورة عارمة حتى لم تعد أخبارها تنطلي على أحد، ولا أكتمك إنها كانت بداية الانتفاضة، فتهيأ الناس للاستعداد للانتفاضة التي بدأت ظهر يوم الثلاثاء."
صادف يوم الثلاثاء الخامس من آذار وكتب عن أحداث ذلك اليوم عباس ناظم في " من مذابح الطاغية " " الأستنفار في كربلاء لم يكن جدياً.... كأن الأجهزة الحكومية تتوقع سقوطها من دون مقاومة.. تتعجل الدبابات والدوريات الراجلة هذا السقوط، فهي قليلة وانتشارها غير منتظم... يحمي مناطق لا فائدة ترجى من حمايتها. الساعة قاربت الثانية ظهراً وانفجرت كربلاء. كانت الأصوات تتقاذفها الأتجاهات.
مجموعات صغيرة غير مسلحة نزلت الى الشوارع تراقب المؤسسات الحكومية المضطربة أو تنتظر فرصة للانقضاض.
البداية في اسقاط المدينة كانت محاصرة مؤسسات الدولة في أطراف المدينة ثم احتلالها، والزحف على الدوائر الأكثر خثورة واهمية والتوغل الى المركز." وذكر سقوط دائرة الماء والمجاري وادارتي النجدة والمرور والوحدة العسكرية الطبية و آليات الشرطة. "الأبنية تساقطت بلا مقاومة أو بمقاومة ضعيفة سرعان ما تنهار.
لم تسقط الدوائر جميعها في اليوم الأول بل تتابع سقوطها حتى فجر اليوم التالي.
انتشرت تحت وابل من رشقات الرشاشات في كثير من أحياء المدينة تظاهرات صاخبة... غاضبة عفوية. لم يوقفها الرصاص الطائش المار فوق الروؤس. وظهرت بأيدي المتظاهرين أسلحة بدائية...سكاكين... خناجر، قامات ( نوع من السيوف الكربلائية) وكرب ( عصي عريضة مأخوذة من رؤوس النخل) كان يعاقب حاملوا بعضها قبل الانتفاضة بالسجن مدة سنة.
استمرت الجموع تبحث عن أسلحة أكثر تقدماً للحاق بزملائهم الذين حاصروا المقرات الحزبية والمخابراتية. جموع أخرى مسلحة زحفت راجلة الى الروضتين العباسية والحسينية مستهدفة الدبابات اليتيمة التي لم تطلق حتى تلك اللحظة قذفية واحدة. وكان من اليسير أسر أطقمها واخذهم الى الأواوين المغلقة للروضة العباسية التي أصبحت منذ الآن السجن الوحيد لأعداء الانتفاضة.
أن سيطرة رجال الانتفاضة على الروضتين المقدستين، وهما مركز المدينة، أتاح لهم توجيه الرجال نحو المراكز البعثية التي لم تسقط بعد...
توفرت لهم وسيلة تكنولوجية لنقل أوامر القيادة الى سائر القيادات الفرعية، وهي وجود سماعات كهربائية ضخمة فوق المنائر الأربعة للروضتين...
تبث منها أهم بيانات وتعليمات الانتفاضة. كان عمل السماعات حتى ذلك الوقت، الأذان والقرآن والتسابيح والادعية، وتبليغ الاهالي عمن يتوفاه الله منها، صارت، منذ يوم الثلاثاء الأذاعة الداخلية لانتفاضة شعبان في كربلاء، كانت بيانات الانتفاضة الاولى تنفيساً عما أناخ فوق الصدور من أدران الحقبة الماضية. الكبت ...الانغلاق، التكميم، التسكيت، طحن الحناجر، حبس الشفاه... الختم على العقول.
انطلقت البيانات تترنم بالحرية وتكافؤ الفرص والرفاه الأجتماعي... واستغلال ثروات العراق لصالح الشعب وشتم الطاغية وايام حكمه وعصابة العوجة والفساد والمحسوبية والمنسوبية والرشوة والجريمة المنظمة وغلاء الأسعار وتهور القيادات البعثية والصفوة المتثعلبة التي عطلت الحرث والنسل.
وجهت الأذاعة السكان الى مايفعلونه والى ما لا يفعلونه، وتبحث والرجال المسلحين على مصادر الخطر المتمثلة بخروقات الحرس الجمهوري لتحصينات المدينة.
المقرات الحزبية كانت أكذوبة صنعتها محطات اذاعته بعد سقوط انتفاضة شعبان، أن جميع من ظل يرتجف داخل هذه المقرات...كان يتفاوض لتوهب له الحياة...لقاء شتم الطاغية...أو مقابل دشداشة بدل البدلة الخاكي دليل التهمة...ومن قتل في المقرات نتيجة تبادل أطلاق النار في الساعات الأولى لبدء الانتفاضة صار فيما بعد بطلاً قومياً منح الأوسمة والنياشين لخوضه غمار قتال بطولي هو في الحقيقة لم يخضه...!
الفارون البعثيون اصبحوا بالمئات... أخفتهم بيوت أقاربهم،وكانوا يتنقلون خفية من بيت الى بيت، وكان هدف الجميع الوصول الى فرق الحرس الجمهوري في منطقة بحيرة الرزازة في الغرب... وبساتين قرية الوند على طريق بغداد في الشمال. أستخدموا في فرارهم مختلف أنواع أزياء التنكر التي اتقنوها تمام الاتقان، أزياء نسائية، ملابس رجال الدين، بدلات عمال، أردية شعبية، بل أصبحت وثائق المرور المؤثرة في تلك الأيام العصائب الخضراء المشدودة على الروؤس ( شعار الانتفاضة).
انتشرت، في اليوم الأول للانتفاضة، السيطرات المسلحة للمليشيات الشعبية. اغلقت المدينة من كل منافذها، تسلحت الشوارع والازقة بالاسلحة المتوفرة القليلة حينئذ. وبالتدريج شددت قبضة الانتفاضة على المدينة باستثناء مراكز قليلة لم يستسلم مسلحوها خوفاً من الأعدام الفوري. لكن تقاطرت أفواج المستسلمين على الروضة العباسية كذلك لم تنقطع أفواج المقبوض عليهم في الشوارع والمنازل وطرق الهرب الأخرى من بساتين وصحار وابنية مهجورة."
كان رجال الانتفاضة يبحثون عن رجلين الأول محافظ كربلاء غازي محمد علي الديراوي الذي وصفه بكونه قد عاش حياته " زير نساء" .
وذكر قصة المحافظ مع المواطن طالب عبيد روكان المسعودي الذي كان يفتخر بانه أهدى قادسية صدام ثلاثة اشقاء وولدين شقيقين وقال عنه " أصبح معروفاً على نطاق واسع في المحافظة ، زاره محافظ كربلاء السابق خليل ابراهيم بعد استشهاد شقيقه الثالث. قدم تعازيه بأسم الطاغية ثم استلم غازي الديراوي منصبه محافظاً لكربلاء . لم ينس الكربلائيون للديرواي انجازين كبيرين خلال حقبة استلام منصبه، وهما الوحيدين طوال خمس سنوات، أولهما شراء بدالة حديثة للمحافظة أقام لها بالفعل مبنى من أربعة أدوار. وما أن أشرف المبنى على الأنتهاء، والبدالة في طريقها الى العراق على ظهر سفينة قادمة من فرنسا حتى قرر المحافظ اهداءها بأسم الكربلائيين الى مدينة الفاو المحررة!
وابقى للكربلائيين بدالتهم القديمة منذ العهد الملكي.
وثانيهما أن الديراوي، بوصفه مواطناً من محافظة البصرة، وقضاء الدير مسقط رأسه حيث يقع قصره الذي كلف ثلاثة ملايين دينار عراقي بسعر منتصف الثمانينات، فقد اتسع صدره وفتح ذراعيه للمهاجرين البصراويين نتيجة القصف الأيراني. استقبل في محافظة كربلاء بعد عملية فرز دقيقة أشرف شخصياً على اختيار اسمائها ٥٠٠ ساقطة من ساقطات البصرة. أسكنهن في شقق حديثة في حي البناء الجاهز. والحق بهن بعد ذلك ٦٠٠ امراة ساقطة أخرى أسكنهن في كابينات مخصصة للدعارة في بحيرة الرزازة. ووفر في المنطقة سبعة محلات لبيع الخمور لزبائنهن.
فاز التجار البصراويون بأكثر مناقصاته وشجعهم على الأقامة في كربلاء.
حاتم زهير المحيسن، أحد هولاء التجار، صديقه وخليله وانيسه في جلساته الداعرة.
اشترى ثلاثة بساتين. وعند شراء البستان الرابع صار جاراً للمواطن طالب عبيد روكان المسعودي. مضت الأيام، والجاران في علاقة ود ووئام.
ويوماً وصله طلب لحضور محكمة!
وقف أمام القاضي الذي بادره مؤنباً:
- أنك متجاوز على بستان جارك حاتم زهير المحيسن بمساحة ثلاثة دونمات..
قدم المحيسن خرائط مزورة...وشيء من بركات الديراوي...
صدر الحكم بأعادة الحق الى صاحبه...وازالة التجاوز!
كان المواطن طالب المسعودي قد بنى على أرض التجاوز منزلاً من طابقين بمساحة ٥٠٠ متر مربع تسكنه عائلته وارامل اشقائه واطفالهم وارملة أحدى ولديه وطفلاها، صرف على الدار كل مكرمة الطاغية لقاء أستشهاد اخوته وولديه.
أمل بأن يجد جهة محايدة تسمع شكواه. كتب عرائض للحزب. وذهب شاكياً لديوان الرئاسة، وقدم التماساً الى مجلس الوزراء. وطلب رحمة المجلس الوطني ورجا تدخل وزارة الزراعة.
ثم كتب يائساً الى الصحف:
" أني المواطن العراقي طالب عبيد روكان المسعودي...قدمت الى قادسيتكم ثلاثة أخوة وولدين...وورثت بستاني هذا عن أبي عام ١٩٦١، وورثه أبي عن جدي عام ١٩٤٥... وهو لنا ( فلاحة ملاجة) وقانون المغارسة العراقي ثبته لنا منذ الأربعينات بحدوده ومساحته قبل ادعاء حاتم زهير المحيسن...هو لنا لا يزعجنا في ملكيته سنتيمتراً واحداً أي مخلوق.ظهر لنا من افرازات قادسيتكم هذا المخلوق، في شخص غازي الديراوي...نازعنا أياه بغير وجه حق. استخدم نفوذه وسطوته لاستقطاع جزء منه، لالحاقها ببستان صديقه مكان نزواته وشهواته، ونهض العدل العراقي يقول كلمة معصوب العينين، معتمداً على خرائط مزورة يعلم أنها من صنع مزورين...
أيها السادة:
ابقوا لي بستاني وداري، فهما لشهداء أحياء في قادسيتكم، وهم لاحياء أموات في عدالتكم!"
بعد ٢٤ ساعة من صدور الحكم، وصله انذار من الديراوي يطلب منه اخلاء المنزل وتسليم الأرض لصاحبها ( القانوني).
بعد ثلاثة أيام، دخلت جرافات المحافظة البستان، فهدمت الدار والاثاث ما زال يشغل غرفه، وصور الشهداء اخوته وولديه معلقة على الجدران!
كان " المنحرف الغدار" في عرف السلطة، المواطن طالب المسعودي، يلهث متعباً مرهقاً، يتصبب عرقاً وهو يحفر الخندق مع الثوار يردد كالمهووس:
-هذا قبر الديراوي!
-هنا سأدفن غازي..
-سأخنق أبن محمد علي في هذا المكان...
- المحافظ الزنيم ...هذا يومه...
- أبن (....) سأقطع (.....) واعلقه في رقبته!"
في هذه الأثناء كان المنتفضين يبحثون عن المحافظ " كانت معركة مبنى المحافظة قصيرة. هدفها القبض على الديراوي. فتش الثوار مبنى المحافظة غرفة بعد غرفة.. نزلوا سردابها يبحثون عنه بين أكداس الملفات، بعدها صعدوا الى مكتبه في الدور الثاني، احرقوا غرفته الداعرة ذات الضوء الاحمر. ملجأ نزواته وخلواته المتهتكة. امتد الحريق الى مكتبه ثم الى المكاتب المجاورة وخلال ساعة اندلعت النيران في المبنى كله.
سارع الثوار الى قصر المحافظ وحاصروه. القصر مبنى مستطيل الشكل من دور واحد. تحوطه أربعة أبراج حراسة. أقيم في بستان كبير. اغتصب من صاحبه " باقر الددة" الذي سفر خارج العراق بدعوى أنه من التبعية الأيرانية، الطلقات
المنطلقة من أورقة القصر لم تدع مجالاً للشك في أن المحافظ يحزم أمره استعداداً للفرار.
ضيق الثوار الخناق على القصر. اصابوا عدداً من حراسه، اقتحموه من كل جانب. وخاب الضن في الديراوي هذه المرة أيضاً لم يجدوه. احرقوا قصره وعادوا الى مواقعهم."
الرجل الثاني الذي كان رجال الانتفاضة يبحثون عنه هو مجيد الدليمي مدير شرطة المحافظة حيث ذكر " كان التفتيش عنه في اليوم الأول للانتفاضة أكثر أهمية من التفتيش عن الديراوي، حيث وضعت مكافأة قيمة لمن يصطحبه حياً أو ميتاً الى الروضة العباسية.
والرجل قدم لكربلاء والكربلائيين ما لم يقدمه شرطة آخر في تاريخ المدينة.
كان يأمر ضباطه في نهاية كل اجتماع خلال سنوات عمله بالمحافظة ، واكثرهم من تكريت والمنطقة الشمالية:
- اعتدوا على الكربلائيات...أنكحوهن..اغتصبوهن لا تبقوا على عذراء في المدينة أبداً!
والدليمي رتب أسواق كربلاء لصالحه بحيث تصب في جيبه أكثر اتاوات التجار الصغار والكبار، نادراً لا يعرف القصابون والبقالون والصاغة وباعة الخضار والخياطون والسماكة وغيرهم منزله...وهو لم يدخل الكويت كالذين دخلوا ونهبوا بعد غزوها.
لكنه جلس على مكتبه في المحافظة. ووصلته عشر شاحنات محملة بالاغراض والاجهزة وثلاث سيارات خاصة، احداها نوع مرسيدس جامبو، فكان رأسه ثميناً لو تدحرج أمام قادة الانتفاضة.!"
تمكن الأثنان ,المحافظ ومدير الشرطة ,من الهرب بعد التنقل من بيت الى بيت.
وورد أيضاً في نفس الكتاب ما حصل لرجل من رجال السلطة الذين سجنوا في الحضرة العباسية " بلغ عمر الانتفاضة خمس ساعات. كان الصحن المقدس على غير عادته. يقف مئات المواطنين على باب قبلة الروضة العباسية بين صفين. يتفرجون على المقبوض عليهم من رجال السلطة، يضربونهم...يرفسونهم ويبصقون عليهم. يمنع رجال مسلحون الأعتداء عليهم. صرخات النساءعلى أشدها تطالب باخراج أسماء معينة من الزنزانات. تلوح بالسكاكين والعصي.
امراة في الخمسين من عمرها تقف بين الصفوف المتراصة تلوح بيد هاون نحاسية وسكين كبيرة يلمع نصلها على ضوء الكشافات العالية للمنارتين.
العلوية أم صادق تطلب أسماً من بين جميع هذه الأسماء المطلوبة...وتصرخ:
- أبو خولة..
ضاع صوتها بين حناجر هاتفة ومجلجلة مرتفعة:
أبو خولة...أبو خولة...
نادت مرة تلو أخرى بصوت مهزوم متراجع....سكتت برهة تجر انفاسها المتعبة...لكنها استمرت تلوح بيد الهاون والسكين!
رفعت عقيرتها عالياً. قادت مجموعة تهتف معها:
- أبو خولة.
اختفت كل الأسماء المطلوبة. ظل أسم واحد تردده الألسن الغاضبة:
-أبو خولة!
تدافعت الصفوف باتجاه الغرف التي صارت زنزانات لرجال السلطة حاول الثوار ردها الى أماكنها من دون جدوى.
استمرت الهتافات تعلو:
- أبو خولة...أبو خولة...!
أحس الثوار عندها أن زمام الأمور سيفلت من أيديهم.
صاح احدهم:
-اخرجوا أبا خولة!
عرف صادق أبن أم صادق الحرب قنابل واشلاء وخناقاً والماً..حين بلغ سن الجندية ودع أمه واخواته الخمس. فكر في قرارة نفسه أنه سوف لن يعود.
عاد سالماً الى أمه العلوية. ولأنه وحيدها تشبثت به ومنعت رجوعه الى الجبهة...جبهة الحرب الأيرانية- العراقية.
-أماه..! أنه الأعدام..!
قال لها يخوفها من منعه..
أصرت على موقفها. قالت وبيدها فأس:
- سنرى كيف يصلك الأعدام!
حفرت بمساعدة بناتها الخمس حفرة عميقة في أحدى غرف المنزل.
اعدت في أسفلها غرفة أشبه بكهف صغير مؤثث.
اسندتها بلوحات خشبية ليظل سقفها ثابتاً.
وعندما أنسحبت وحدته من المحمرة جر صادق فلوله ودخل حفرته لمدة سبع سنوات.
وقبل نهاية الحرب بأربعة شهور وشى به أحد الجيران.
احيل الى لجنة الاعدامات بالمحافظة برئاسة أبي خولة. وقبل الأعدام عذب تعذيباً شديداً وحشياً لم يتحمله فشتم الطاغية.
أبلغ معذبوه اللجنة بما اقترف.
قررت اللجنة سمل عينيه وقطع أذنيه ولسانه وجهازه الذكري ويده اليمنى وهو حي ثم اطلقت على رأسه رصاصة الرحمة. أخذ ثمنها من أمه العلوية أم صادق.
وقف عبد الستار الجنابي ( أبو خولة) وجهاً لوجه أمام أم صادق الأرملة الثكلى..
مكتوف اليدين أشعث الشعر، زائغ العينين، خائر القوى. عاجلته ام صادق بيد الهاون على رأسه. لكنها أصابت كتفه!
غرزت سكينها في صدره!
جثا على ركبتيه. وقفت الصفوف على شكل حلقة، تضربه، ترفسه، تطعنه.
وحين سقط على ظهره...اعتورته القامات والسكاكين والعصي...حتى مات!!
وهو لم يمت في الكويت!
ثوان فاصلة كانت بينه وبين القنبلة التي انفجرت خلفه.
وصل أبو خولة الكويت بعد احتلالها مسؤولاً عن قاطع الجيش الشعبي لمحافظة كربلاء بصفته عضو شعبة. كانت منطقة الصليبيخات ضمن اختصاص مسؤولياته. وزع رجاله على ثلاث مدارس ومبنى بريد واتصالات الصليبيخات. كان نظيفاً عفيفاً نشر عفته بين بيوت الصليبيخيات!
فرض نظافته على رجاله. أمسى دقيقاً في تفحص مضاجعهم وجيوبهم يعرف رجاله تماماً ماذا يفعل الجنابي في الصليبيخيات.
أجرى مسحاً شاملاً على البيوت. حدد الخالية منها ثم حدد السيارات الواقفة أمام البيوت يعلوها التراب. اكتشف بفراسته اللصوصية أن السيارات المتربة...مالكها خارج الكويت!
وفي مفهوم الجنابي أنه هارب يستحق الأستيلاء على سيارته، قام بالسطو على البيوت الخالية من أصحابها.
ابتدأ بفيلا كبيرة تقع أمام الثانوية التي اتخذها مقراً له. صاحبها يدعى صياح أبو شيبه يعمل موظفاً كبيراً لدى الحكومة الكويتية أتى الجنابي على ممتلكاتها كلها.
من الأثاث والاجهزة الكهربائية والفرش والستائر والديكورات والتحف والبومات الصور وكنز من الذهب لا يقدر بثمن...وادوات مكياج زوجته الشابة. ولو كان أبو شيبه موجوداً في فلته لاستولى على ملابسه الداخلية.
شاركت أم خولة زوجها في كسر أبواب المنازل وحملها بالشاحنات ترك لها مسؤولية أدارة المسروقات النسائية . ويوماً ذهب للتفتيش على مقهى قريب يقع عند الأشارة الضوئية بجانب بريد الصليبيخات. تركه ليركب سيارته ..وانفجرت سيارتان مفخختان أمام المقهى. قتل الأنفجار خمسين جندياً عراقياً. نجا الجنابي بمعجزة... لتتلقفه سكين العلوية أم صادق!"

وذكر أمثلة أخرى عن معاملة بعض الثوار لرجال السلطة " أوقف الثوار مفوض الأمن وليد جلال الأعظمي في حي الأسرة. أرادوا اعدامه. تقدم منهم ثائر آخر يدعى خزعل صبيح السوداني، وقال لهم كذباً:
-اتركوه لي، فهو حصتي. هذا قاتل أخي.
تركوه له. ذهب به الى البيت بعد أن انقذه. ابقاه عنده الى يوم احتلال الحرس الجمهوري للمدينة. أخذ الثائر الى جهة مجهولة واعيد المفوض الى وظيفته.
ثائران من أسرة آل طعمة الكربلائية المعروفة ساعدا الشيخ عبداللطيف الدارمي على الهرب الى مأمنه. وعندما عاد مع الحرس الجمهوري بلغ عنهما واعدما."
من المباني الأخرى التي اتجه لها المنتفضون كانت شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي في كربلاء فذكر في كتابه "شعبة الصمود والمبنى المجاور ( مقر الجيش الشعبي) بنيا ليكونا قلعتين. والسردابان فيهما ترسانة أسلحة تكفي ثوار كربلاء من المقاومة شهرين. حينما اندلعت الاتنفاضة ارسلت تعزيزات حكومية للمبنيين عززت روح المقاومة فيهما. حوصر المبنيان من الساعة الثانية ظهراً أول أيام الانتفاضة.
الحارس منصور كاظم بنيه انيطت به مهمة نقل الرصاص والقذائف من سرداب مبنى شعبة الصمود الى السطح والنوافذ. الحزبيون في الشعبة سدوا الثغرات في كل المبنى موقتاً. يقود المقاومة أعضاء فرع وشعب وفرق. زادت تعزيزات الثوار بعد ازدياد الرصاص الكثيف المنهمر. قلت همة المحاصرين في المقاومة.
وعند الفجر قرووا الأنسحاب. وقف الحارس منصور كاظم بنيه ورفيقه المحاسب في الشعبة عند الحائط الخلفي للمبنى.
شبكا أيديهما يعينان الحزبيين على الصعود والتشبث بنهاية السور العالي ثم القفز الى الساحة الخلفية تحت غطاء وافر من الرصاص.
نجح الثوار في الوصول الى المبنى. أصاب رصاصهم عدداً من الفارين. بدأوا يطلقون النار عليهم قرب الحائط. اقتربوا منهم أكثر.
أصبح أطلاق النار يصلهم مباشر... في هذه اللحظة، كان منصور كاظم قد عبر السور بقيت ساقه متأرجحة باتجاه الثوار... نجحوا في اصابتها برصاصة، وسقط محاسب الشعبة بعدة رصاصات، وصل الحارس منصور الى بيت أخيه في حي البناء الجاهز.
احتل الحرس الجمهوري حي البناء الجاهز. اعتبر كل مدني مصاب من الثوار أخرجوه من المنزل معصوب العينين بين صرخاته وتوسلاته.
وماكان يتندر به زملاوه من أن الطاغية سيمنحه وساماً لاخلاصه وتفانيه صارحقيقة. فقد رد اعتباره ومنحت عائلته ثلاث أنواط شجاعة وراتباً كبيراً ومنزلاً وسيارة، أما هو فقد رقد في مقبرة كربلاء، وفي جسده رصاصتان:
واحدة "ثورية" في الساق، والاخرى "جمهورية" في الرأس."
أما بالنسبة لمقر الجيش الشعبي فورد في الكتاب " حوصر مقر الجيش الشعبي من جميع الجهات. تسلق الثوار مبنى شعبة الصمود بعد تحريره. والمباني المجاورة. أطلاق النار مستمر بين الطرفين. لم يهدأ ليلاً. واستمر فجراً. وعند العاشرة صباحاً اقتربت دبابة ترفع العلم الأخضر شعار انتفاضة شعبان. وجهت فوهتها نحو المقر واطلقت حممها على ارجائه. استسلم المحاصرون بعد أن فقدوا خمسة عشر رجلاً. اذاعت محطة الانتفاضة بيانات تبشر الكربلائيين بسقوط مبنى شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي وتطلب التوجه اليهما للحصول على الاسلحة.
دخلت كربلاء السردابين بلا سلاح. وخرجت منهما مسلحة بشتى أنواع الأسلحة. بيانات الانتفاضة تصرخ متوسلة من الروضة العباسية بتسليم الأسلحة التي لا يستفيد منها اصحابها بهدف تدعيم السواتر حول المدينة.  وبيان بعد بيان تختفي رشاشة أثر رشاشة!"
وذكر أمثلة في الكتاب عن حدوث حالات سرقة ونهب وتصفية لعداوات قديمة  في الأيام الثلاثة الأولى للانتفاضة.
ولتكملة حدث الانتفاضة ذكر سلمان آل طعمة في كتابه "الانتفاضة الشعبانية في كربلاء" انظمت الى التظاهرات جموع شتى من الجماهير بعد أن وصلت الأخبار عن طريق الأشخاص والسيارات إلى كافة أحياء المدينة "واتجهت نحو دائرة الأمن، ودائرة المخابرات الواقعتين في شارع الوحدة العربية (طريق كربلاء ـ المسيب)، أما دائرة الأمن فقد تصدى الحرس لمحاولة منع دخول المتظاهرين، فاشتبكوا معهم في معركة ضارية، وبعد القصف المكثف سلَّم موظفوها وحرسها الأسلحة للمتظاهرين المجاهدين، فدمروا أبواب السجون، لكن قسماً من الرفاق الحزبيين ظلوا يقاومون، وانتهت مقاومتهم لعدم وجود ذخيرة لديهم فقتل من قتل، والقسم الآخر رمى السلاح جانباً وسلم نفسه وأعدم بعد ذلك، أخرجت السجلات من دائرة الأمن بعد أن أحرق بعضها، في حين اتجه قسم من المعارضين إلى دائرة المخابرات التي بقيت عرضة للمقاومة والضرب العنيف بالأسلحة الفتاكة، حتى فرَّ قسم منهم عن طريق بساتين (فدان السادة) ، والبعض الآخر قتل في الحال، استمر الضرب المكثف لمدة ثلاثة أيام (الثلاثاء ـ الأربعاء ـ الخميس) حتى سقطت المدينة بين أيدي الثوار".
دون عباس ناظم مشاعر الناس في كربلاء في تلك الفترة "فرح غامر وسعادة لا توصف. التظاهرات التي ظلت تخرج تهتف بكل حناجرها:
-لا تقرير بعد اليوم...
-لا ظلم بعد اليوم...
-لا طاغية بعد اليوم...
يعلن المتظاهرون أهازيجهم باللهجة العراقية المحببة، يصعد الهتاف على كتف صاحبه ثم يهتف. ويردد الجميع الأهزوجة نفسها.
أذن سيزول الطاغية من غير رجعة. لا جار يكتب عن جاره بعد الآن. لا أخ يخاف من أخيه، لا أب يخاف على حياة وحيده. لا أسرة تهدد بفقدان معيلها، لا رب أسرة يهدد بحرمانه من أسرته.
سارت الحياة ليس كمثيلتها في أيام البعث.
أسعار المواد الغذائية انخفضت الى الحدود الدنيا التي لم تشهدها قبل ذلك. البضائع المختفية في مخازن وزارة التجارة بهدف رفع اسعارها ظهرت وبيعت بالاسواق، بل أن الكربلائيين قاموا بخطوة لم يخطوها منذ أن استلم حزب البعث السلطة عام ١٩٦٨، ومنعه الشعائر الحسينية في عاشوراء. فقد قرروا أعادة هذه الشعائر الى أوج عزها في غير أوانها. صدحت اذاعتهم المحلية بأصوات المقرئين بالردات الحسينية الممنوعة، واكثرهم علقوا على أعواد المشانق. عرى الكربلائيون صدورهم المكمومة ، لطموها، وراحوا يبكون على الحسين، يبكونه لأول مرة منذ عقود. ذاك البكاء الممنوع. والحرقة المحبوسة. 
هذا موعدهم مع الحرية. تختص الكربلائيين. تلثم شفاههم. يشمون نسائمها العليلة. يلطمون. يبكون. يضحكون. يتنفسون. ينهبون. يحرقون. يقتلون. يقفزون بين عوالي الهواء. ينزلون فارغي الأيدي من نفحات الهواء. هذه الحرية."
من جانب السلطة فقد ورد في برقية من أمن كربلاء بعنوان تظاهرات معادية " بتأريخ ٣/٣/ ١٩٩١ في الساعة ١١ صباحاً أتناء مرور تشييع لشهيدين في المعركة في مربع مابين الأمام الحسين والعباس، تجمع عدد غفير من الناس خلف الجنازة مرددين شعارات دينية والذي أدى الى أطلاق نار بينهم وبين رجال الأمن الذين اصبوا اصابات طفيفة. بالرغم من ذلك فقد تم السيطرة على هذه الحالة بالقبض على بعض المشتبه بهم من قبل مديرية أمن كربلاء" 
وورد في تقرير الى الرفيقة رئيسة الأتحاد العام لنساء العراق من عضوة الأتحاد في كربلاء
" حوادث الشغب قامت في محافظتنا ظهر يوم ١٩٩١/٣/٥ بعد مغادرتي مقر فرع الأتحاد بربع ساعة كانت قد اندلعت وامام مبنى المحافظة حركة شديدة يقودها مجرمون من خارج الحدود بالاستعانة بالذين هربوا من أداء الواجب المقدس في قواتنا المسلحة. وشاركهم أيضاً ذوي النفوس المريضة والذين يعانون عقد مختلفة. كان أول ما قام به الأشرار هو حرق مبنى المحافظة والتجنيد والشرطة والمحكمة والاحوال المدنية، حيث أنها جميعاً متقاربة توجهوا بعد ذلك الى مقر فرع الحزب. هجموا على مقرات الشعب الحزبية التي استمرت فيها المقاومة ليلة كاملة خاصة شعبة الصمود والتي استشهد فيها عضو قيادة الفرع."
ورفع تقرير الى أمين سر قيادة فرع الأمن القومي أسماء المشتركين في حوادث الشغب والغوغاء في محافظة كربلاء وهم من أهلها، ومهنهم كانت مابين تاجر، طالب، فلاح، عامل ومنهم شيوعيون.


انتفاضة ميسان
كتب الدكتور طالب الجليلي في سلسلة مقالات "أوراق على رصيف الذاكرة" نشرت على موقع الحوار المتمدن عن معايشته للانتفاضة في العمارة عندما كان جراحاً للكسور فيها "كانت المدينة قد اتخمت بالجنود الذين يتجمعون في كراج المدينة الموحد .. افترش الجنود أرصفة الشارع العام وصار البعض منهم يبيعون بنادقهم بأثمان بخسة من اجل جمع أجرة حافلات لنقلهم الى مدنهم البعيدة .... بدأ الجنود بشتم صدام .. سرت إشاعات بأن غداً وفي العاشرة صباحاً سوف تنطلق مظاهرة ضد السلطة ..
وصلت اخبار تفيد بأن البصرة وقضاء الحي وناحية الفهود وسوق الشيوخ قد سقطت في ايدي المتظاهرين !! حين حل الظلام ليوم ٢ آذار كانت اصوات الإطلاقات النارية تزداد وكان الرصاص المذنب يطرز سماء المدينة ..!!
كان الأهل يحتفلون بعودة أبنائهم من الكويت سالمين فيطلقون الرصاص !!
وكان الجنود المهزومين يطلقون الرصاص في الهواء جزعاً وغضباً ولهواً وسخرية !! سرت في المدينة حمى شراء البنادق من الجنود البائسين ، طمعاً وتحسباً لما هو ات وما يخبئه المجهول من مخاطر ..كل ذلك كان يجري امام أعين رموز السلطة والحزب الذين كانوا مصابين بحالة من الحيرة والتخبط والخوف مما هو ات.. !! 
أصاب المدينة شلل تام وتوقفت ساعة الزمن وما عادت عقاربها تسير .. كثرت الدعايات ومن ضمنها اخبار عن هروب رموز السلطة وقياداتها المركزية وعوائلهم خارج العراق .. تزاحم الناس على محطات الوقود وكل منهم يحمل عبوات صغيرة عله يملأها بالنفط، ولكن هيهات فقد فرغت الخزانات .. لكننا كنا نشاهد بأم أعيننا سيارات الحمل الصغيرة تدخل المحطات وتملأ البراميل لتأخذها الى بيوت المسؤولين والاعضاء الكبار في الحزب والتي لم تنطفئ فيها المولدات الكهربائية !!! 
في الصباح حاولت السلطة ان تمتص الغضب المتصاعد فوفرت جزءاً من الحافلات الحكومية لنقل الجنود خارج المدينة والى مدنهم لكنها توقفت في ظل الارتباك والفوضى وحالات التذمر .. جمع الحزب قوة من الحزبيين وعناصر الشرطة والأمن واتجهوا بهم الى الناصرية لإخماد الانتفاضة هناك .. فحدث فراغاً امنياً واضحاً .. مرت الساعة العاشرة ولم تخرج المظاهرة !! 
كانت حالة الاحتقان والترقب واضحة في الشارع .. كنت ترى تجمعات هنا وهناك ولكن لم يكن غير التساؤل والحيرة وتداول الاخبار والترقب ..طوال ثلاثين عاما ونيف استطاعت السلطة ان تمزق اي تنظيم معاد او مختلف معها شر تمزيق ، وكل من يدع ان هناك تنطيم او حركة سياسية او جماهيرية او حتى مجموعات كانت متواجدة في وسط العراق وجنوبه كانت حاضرة في تلك الساعات الحرجة والمصيرية فانه مجاف للحقيقة او واهم .. اللهم ما عدا تلك المجاميع المسلحة في بقايا الاهوار والقرى الحدودية .. اما في المدينة فقد يكون بعض الافراد قد تسللوا محاولين تشكيل تنظيمات على وجه السرعة لملأ الفراغ واستغلال ما يمكن استغلاله من غياب السلطة والارتباك الحاصل .. اما عامة الشعب قد كان هناك مرجلاً من الغضب والحقد يفور في الأنفس مصدره الاساسي حالة الشعور بالخيبة والذل التي اعقبت خسارة الجيش وانكساره بسبب تلك السياسة الحمقاء للسلطة وقيادته مضافا اليها الحالة الاجتماعية المتردية وفقدان الخدمات الكامل والجوع والمرض والحرمان والقهر والقمع اللامحدود لتلك السلطة ورموزها التي القت بالعراق في تلك الحروب العبثية واستهتارها بارواح وعقول العراقيين وإذلالهم.
حين قاربت الشمس وقت الغروب ازدادت اصوات اطلاق الرصاص كثافة .. كان الجو مشحوناً وراح مركز المدينة يخلو من الجنود والمارة .. اقترح علي خالي ان اغلق العيادة ونعود الى البيت .. حين اقتربنا من الكراج القديم في حي المحمودية سمعت صوت انفجار قذيفة ..!! قلت لخالي : لقد تطور الامر .. هذا ليس اطلاق رصاص !! ..ما ان تجاوزنا تمثال تسواهن حتى لاحظنا ان حي الماجدية في وضع غير طبيعي .. كان قرص الشمس بمواجهتنا وقد احمر وقد لامس الإفق فاسبغ على الكون لوناً احمراً..لاحظت ان سيارة شرطة النجدة المرابطة في ساحة الماجدية قد تحركت بسرعة جنونية وكاد الشرطي ان يسقط منها وهو يهم بالركوب .. اجتازتنا بسرعة وهي تعود الى مركز المدينة .. واجهنا شاب بعمر يقل عن العشرين وهو يركض وكأنه يبحث عن شخص ما .. كان يغطي صدره صف رصاص وبيده بندقية كلاشنكوف .. بدا لي وجهه غاضباً ومترباً !! 
كان على الرصيف بعض الرجال وكانو يشيرون نحو جهة ما وكأنهم يدلونه عليها ..من هنا من هنا..اصوات رصاص كثيف وصراخ بدا كأنه عراك كان ينطلق من جهة الملعب ..حين اجتزت الساحة لاحت لي على الرصيف امرأة تعودت ان اشتري منها الحليب وكانت تهم بحمل طستها ومحتوياته من قدور اللبن !! توقفت قربها وسألتها مستفسرا عما يحدث.. 
أجابت بدهشة ورعب : يمه !! شو هؤلاء يقولون يسقط صدام!!!
مع ان كل المعطيات تشير الى ان هناك ولادة لأحداث كبيرة سوف تجري الا ان تتحول التوقعات الى واقع حاد كهذا الذي سمعته من بائعة اللبن فذلك أمر يستدعي خليطاً من الرهبة والفرحة المعجونة بالخوف والرعب !!
اجتزت جسر المشرح .. لاح لي الباب النظامي لحامية العمارة العسكرية وكان يفصلني عنها الشارع فقط .. كان الباب مغلقاً والسكون يخيم عليها .. حين اقتربت من مقتربات الجسر اليوغسلافي لاحظت نزول عربة مدرعة وهي تتجه نحو الماجدية!! وصلت الجسر الذي لم يتبقى منه غير رصيفه الأيمن والذي لا يستوعب عرضه اكثر من سيارة واحدة .. تنحيت جانبا لكي اتحاشى رتل من سيارات عسكرية حديثة تسير بسرعة جنونية وفوهات البنادق تبرز من شبابيك أبوابها !! 
كانت تلك عربات قيادة وترافقها عربات حماية وكان يبدو عليها علامات الهروب باتجاه بغداد!!
اجتزت الجسر وألقيت نظرة على مستشفى صدام الذي كان يقع على يمين الجسر ..كان الهدوء لا يزال يخيم عليه .. وصلت بيتي الذي لا يبعد كثيرا عن المستشفى ويقع في حي ٢٨ نيسان!! دخلنا مسرعين .. كان صوت الرصاص كعادته يأت متقطعاً وكما اعتدنا عليه منذ وقف اطلاق النار قبل ثلاثة ايام ..
انطلقت الانتفاضة .. 
هكذا اخبرت عائلتي ثم ذهبت الى المستشفى .. كان الليل قد خيم على المدينة وكانت الشوارع خالية من البشر وكان الظلام يخيم بشكل مرعب والسكينة تمزقها اصوات الرصاص الذي صار يزداد كثافة في الجانب الشرقي لدجلة ويرسم خطوطا حمراء في في فضائها الكالح. كان كل شيء هادئاً في المستشفى لكن القلق والتساؤل مرسوماً على عيون المنتسبين ... اتجهت مباشرة الى المصعد وركضت متسلقاً الى الطابق الخامس ومن هناك القيت نظرة عبر الشباك الى الجانب الشرقي من المدينة .. ااااه .. انها تحترق !!
بناية المحافظة تحترق ...نزلت مسرعاً .. كنت اجتاز دكات المصعد مضاعفا قفزاتي.. دخلت على المدير .. أمسكت بذراعه وانا اخبره بان المدينة قد اشتعلت !! 
كان قد سمع شيئاً لكنه قفز معي وتسلقنا المصعد مرة اخرى ..
ااه احترقت مديرية الأمن .. احترقت شعبة حطين .. المحافظة لا زالت تخترق .. اصوات الرصاص والمذنبات الحمراء تمزق الليل المظلم ...انها الانتفاضة ..!!
بدى لنا الشارع العام في الجانب الغربي فارغاً .. لاحت لنا من بعيد حرائق على جانبي الطريق .. كانت السيطرات تشعل اطارات مستهلكة للدلالة والدفئ في ذلك البرد القارس .. فجأة اجتاحتني رغبة فضولية بالذهاب نحو تلك الحرائق !! 
كنت تواقاً ومستعجلاً لمعرفة ما يدور في المدينة !!
حاول المدير ان يقنعني بعدم الذهاب خوفاً علي وحين يأس من ذلك نصحني بأن استغل عجلة اسعاف. الادعاء بأني ابحث عن جرحى من اجل اسعافهم اقنعت صباح السائق بان يقلني الى هناك .. كان ذلك السائق الشاب حاضراً دائماً وكنا نسميه سائق المهمات الصعبة ..كان لا يتردد امام اي واجب يكلف به ..
اشعل صباح دلالة الإسعاف الحمراء مع الضوء الواطئ لمصابيح العجلة الأمامية وسلكنا الشارع الرئيسي المؤدي الى جسر الجمهورية .. لم يكن لدينا أية تفاصيل عما يجري سوى تلك المذنبات الحمراء التي كانت تطرز ليل المدينة وسماؤها المظلمة واصوات الاطلاقات التي أخذت تتخللها من حين لآخر انفجارات تدل على ان القاذفات قد دخلت العراك الجاري.!! 
تبين لنا لاحقاً انها معركة بين أفراد مديرية الأمن وشباب الانتفاضة التي كان يقودها مباشرة وبنفسه الشيخ أحمد العبادي !!
كنا نسير ببطئ وكأننا نبحث عن شيء .. ما ان اقتربنا من الإطارات المشتعلة حتى انطلقت نحونا رشقة رصاص الكلاشنكوف وأحسسنا باختراقها جوانب الإسعاف !! رافق ذلك هجوم مجموعة من الشباب الملثمين وهم يكبرون : الله اكبر قف الله اكبر ..رأيت احدهم يسقط وتسلق الآخرون عجلتنا من جانبيها وهم يدقون بأيديهم على أبوابها .. اطل احدهم علينا من جهتي وما ان دقق بوجهي حتى صرخ بإسمي وتناول رأسي وهو يقبله ويصرخ بفرح دكتور انتفاضة .. ثورة .. يسقط صدام حسين !! 
سوف يغيب جاسم ولن يتركوا له أثراً .. كنت قد عالجته في القادسية الثانية !! 
وقد صنف من المعوقين وهو يحمل ساقاً مشوهة وهاهو الان مع مجموعة من شباب العمارات المجاورة!! 
لم اتذكره في ظل ذلك الجو المشحون ..كان يصرخ بكلمات وجمل متلاحقة .. دكتور لقد سقطت البصرة وقد وصلنا الثوار قبل ساعة..!! كفى لقد شبعنا من إهانة المخابرات والأمن .. انها نهايتهم .. فتحت الباب الجانبية وادخلوا الشاب الذي اصابوه رفاقه باطلاقة في رقبته .!! 
جلست بجانبه وانا اضغط باصابعي على نافورة الدم التي انبثقت من جرحه وسارعنا بالعودة الى المستشفى..تجمع حوله عدد كبير من المنتسبين وكأنهم يشاهدوا جريحا للمرة الاولى ...كان اول عراقي يثور ضد النظام ويصل الى المستشفى حياً!! 
نقل الجريح على وجه السرعة الى صالة العمليات وبقينا متجمعين في صالة الطوارئ
استمرت اصوات الرصاص والقذائف تهز ذلك الليل المترع بالحيرة والأسرار .. تجاوزت الساعة منتصف الليل ولم يصل جريح او قتيل الى مستشفانا .. تصاعدت حالة القلق من المجهول .. قررت ان اذهب الى البيت.. اتخذت من الأزقة والفروع الخلفية طريقاً لي .. استوقفتني مجموعة من الشباب الملثمين وهم يحملون بنادق الكلاشنكوف .. قبل يوم كان حزب البعث قد وزع افراده وحسب مناطقهم وقطاعاتهم لكي يستهدفوا اي تحرك معاد او تمرد .. واليوم انتشر شباب الانتفاضة أيضاً في المحلات والقواطع .. سألت نفسي! لمن تعود هذه المجموعة ؟! ساورني القلق .. اردت ان أعود ادراجي لكن احدهم تعرف علي !! حين عرفته ضحكت وشتمته !! كان الشاب من ابناء الصابئة!! 
اما الثلاثة الآخرون فقد كانوا من البعثيين ذوي الدرجات الدنيا .. كانوا من ضمن تلك المجاميع الحزبية المنتشرة في المدينة اثناء القصف ... سألت احدهم وكان من منتسبي الصحة ومن معارفي: مالذي سوف تفعلون وقد بدأت الانتفاضة؟! 
قال ضاحكا : سوف نحرك العقرب للوراء بمقدار ١٨٠ درجة ونصرخ مع الجموع : الله اكبر .. 
التفت للصابئي مستفسرا ففهم تساؤلي وقال: سيدنا سوف اهتف: علي اوياك مشماني !! ( مشماني = مسلم باللغة المندائية )... ضحكنا وتركتهم في دوامتهم ...تناقلت اذاعاتهم اخبار الانتفاضة في البصرة والناصرية والحي .. ثم !! بدأت تلك الإذاعات تطلق عليها تسمية المتمردون !! 
اذارانه الفجر الاول الذي يعقب الانتفاضة .. كثافة في اطلاق الرصاص وصراخ !! وفوضى..!! بكرت في الذهاب مشيا الى المستشفى.. في الشارع انهم يركضون!!
نساء ورجالا .. اااه ! حليب نيدو !! زيت .. معجون طماطا.. 
كان احد مخازن المواد الغذائية في الشارع المتعامد مع شارعنا .. كان الناس يركضون وهم يحملون تلك المواد فرحين.. انه الجوع والحرمان!! 
فتحت المخازن الكبرى وراح الناس يستبدلون الخبز الاسود المخلوط بالنوا المجروش وعلف الحيوانات بالطحين الابيض.. يرادف ذلك راحت عجلات الايفا والزيل التي يقودها شباب الانتفاضة توزع في الشوارع بنادق الكلاشنكوف وقاذفات ال ر ب ج على شباب المدينة .. 
كان الشيخ الشاب احمد العبادي قد قاد الشباب المنتفض في الليلة الماضية وقد فتح عمامته وطواها حول خصره وهو يقاتل ببندقيته .. هاجم مديرية الأمن وفي معركة شرسة كانت هي الوحيدة داخل المدينة اسقط المديرية وحرر المعتقلين فيها ..
اما اول هجوم كان هو الشرارة الاولى للانتفاضة فقد كان عصر اليوم الماضي على مركز شرطة الماجدية ..تلتها معركة قصيرة مع قوة للأمن في مدخل شارع بغداد. 
ثم اقتحم الشباب بناية المحافظة .. معارك اخرى مع بعض قيادات الحزب في حي المعلمين القديم . وما ان انبلج الفجر حتى كانت مدينة العمارة قد سقطت بيد الثوار .. كانت القوة التي ارسلت لدعم السلطة في الناصرية قد عادت ادراجها بعد ان يأست من دخول محافظة ذي قار التي سقطت كلها بيد الثوار وحين اقتربت من مدينة العمارة واجهتها مقاومة الثوار .. كانت تلك القوة تضم معظم قيادات الحزب والأمن والمخابرات ..وفي مفرق الكحلاء تشتت القوة وراحوا أفراداً وجماعات يتسللون الى المدينة والقرى المجاورة وهم يحتمون بشيوخ العشائر وبيوتات السادة وراح قادتهم الكبار يحتمون في مضيف السيد ناموك الهاشمي بعد ان هاجموا ذلك المضيف يوماً وأعدموا كبير ابناء السيد فقط لانه كان قد احيا ليلة عاشوراء مخالفاً المنع الصادر من السلطة ..! 
في المدينة اتخذ من جامع النجارين في السوق الكبير مقرا لقيادة الانتفاضة وبقيادة الشيخ الشاب احمد العبادي .. 
هناك تم تجميع كل من القي عليه القبض من ضباط الجيش والأمن والمخابرات وبعض القادة الحزبيين الكبار وحتى الضباط الاطباء من منتسبي المستشفيات العسكرية الثلاثة الموجودة في المدينة ! 
هناك وفي جامع النجارين سوف يستضيفهم الشيخ احمد العبادي ويكرمهم ويلبسهم الملابس المدنية ويتكفل باطعامهم حيث صواني القيمر والخبز الحار ينقلها لهم ابناء المدينة معززين مكرمين ... كان سعدون الحلاق ابن المدينة والموظف المدني في مستشفى العمارة العسكري وفياً لاعمامه ضباط وأطباء المستشفى ... عشرة عمرها عشرات السنين .. كان حلاقاً وخادماً لهم يجلب لهم ما يحتاجونه ويطلبونه من المدينة من طعام و ( شراب !!) وكانوا لا يبخلون عليه بشيء مما يشتري لهم ...
لم يفارقهم سعدون .. كان يجلس عند قدمي الشيخ ويقص عليه كل الاخبار الجيدة والمواقف الانسانية التي اتصف بها أعمامه .. كان ينفي عنهم كل الادعائات السيئة التي يحكيها عنهم بعض العامة !! 
سعدون الحلاق هذا كان اول من سوف يعدمه هشام صباح الفخري حين اقتحم الجيش المدينة واستباحها .. سوف يقيده ويوقفه على حافة دجلة ويعدم وتلقى جثته في النهر ليصير وليمة لاسماك النهر واعشابه !
كان الارتباك واضحاً في ممرات المستشفى وردهاتها .. لا يوجد احد من المنتسبين لم ينتمي الى حزب البعث الا افراد معدودين ، وحتى هؤلاء كانت تربطهم علاقات وثيقة بكبار المسؤولين وكانوا شبه معفيين من الانتماء للحزب .. نعم اصبح الانتماء ليس انتماء عقائديا بشكل مطلق بل هو اما لكي يحمي صاحبه من الملاحقة وأما ان يكون منتم لحزب معارض وقد ( اسقط سياسياً في دوائر الأمن واضطر مكرهاً للانتماء) وبذا ظل يحمل حقداً وكرهاً لنفسه وللحزب القائد .. او كان منتم ولكنه ينتظر اليوم الذي يجد ان الحزب قد قضي عليه او تعرض الى نكسة كبيرة ...كان هناك المنتمون للحزب ومن الذين شاركوا بأذية الاخرين وقد يكونوا قد ذبحوا البعض بتقاريرهم ورصدهم ومراقبتهم بل كانوا ادوات ووكلاء للامن والمخابرات وجاهزين لأذية الاخرين والصعود على أكتافهم لتحقيق مصالحهم الخاصة ... و هاهي الثورة وهاهي ساعة الحساب !!! 
ها هو الشعب يثور ضد السلطة التي لم يتصور احد انها سوف تنهار بتلك السهولة وتكشف عن نمر من ورق كان الناس يحسبون له حساب .. وها هو الثأر يخرج من بطن الارض مارداً اعمى سوف يضرب يميناً وشمالاً .. كيف السبيل الى توضيح كل تلك الامور وتقسيم المجتمع الى بعثي حقيقي وبعثي ( مستبعث) وعدو للبعث ؟! 
امام لغة الرصاص ...؟! 
من هم القادة ومن هو فولتير او لينين او جيفارا او عبد الكريم قاسم او محمد باقر الصدر ؟! من هو القائد ومن هو المرجع ؟!
شباب يحمل الكلاشنكوف والراجمة والقاذفة ورصاص يلعلع ولا إذاعة تستمع لها ولا سماعة جامع تنقل لك خبرا ولا تلفاز ولا تلفون ... بينك وبين الحياة او الموت مسافة أمتار فقط !! وانت امام قتيل او جريح تلفضه سيارة نقل ومعه مجموعة ملثمة تحمل السلاح ونصرخ بك ان تحيي الميت او تعالج الجريح الذي ان مات بين يديك لا تعرف ماذا سيكون مصيرك ؟؟!
وللتاريخ سوف لن تبدر من تلك الانتفاضة في مدينة العمارة العنقاء أية حالة انتقام او ثأر سوى حالتين او ثلاثة فرديات وثلاث حالات في مدينة المجر بعد ان سحقت قذائف مدافعه وطائراته البيوت على ساكنيها .. اما ما قام به عزت الدوري وهشام الفخري واللجنة المشتركة من قتل وتنكيل فتلك قصة اخرى" ...
ويستمر الدكتور في تدوين حلقات مذكراته " الموت .. لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر...
البقاء لله !!
لم اجد غير تلك الكلمات أقولها في وجه ذلك الشاب وانا أتوقف عن الاستمرار بمنح تلك الطفلة قبلة الحياة !! 
نظر في وجهي طويلا بصمت!! 
التفت نحو طفلته ذات الجدائل الشقراء وهي ممددة في السرير ..
كانت تبدو وكأنها تغط في نوم عميق..
عاد ينظر في وجهي .. 
قال : قل غيرها !! 
دكتور هل ماتت طفلتي؟! 
اعدت كلامي: البقاء لله .. 
قال : وك يا ألله هذا؟! 
كان يحمل في كتفه سلاحاً على شكل أنبوبة سوداء.. تركنا راكضاً وهو يقول : سوف أهجم بيوت البعثيين ...!!! 
كانت مدينة المجر الكبير قد شهدت في ذلك الصباح أحداثا دامية .. زحفت الجموع على مقر الحزب .. كان الحزبيون متمترسين واصابعهم على الزناد.. نزل مسؤول الحزب خ غ ليتكلم مع المتجمعين .. كانوا من ابناء المدينة .. طلب منهم التفرق .. نصحهم بعدم التجمع لكي لا تسحقهم دبابات الجيش القادم من البصرة ..هوجمت الفرقة الحزبية أصيب خ غ بصلية في مرفقه الأيمن ..في الجانب الاخر قام الرفيق الفلسطيني نائب مدير معمل قصب السكر برمي المتظاهرين بمدفع الهاون .. سقط الكثير من ابناء المدينة بين جريح وقتيل .. جن جنون ابناء المدينة ..قتل الرفيق ي... نقل الى داره .. قامت زوجته بدفنه في حديقة المنزل .. !! 
القي القبض على عضو الفرع وثلاثة آخرين .. جيء بهم الى الجامع ..لم يفتك بهم الشيخ قائد الانتفاضة !! 
طلب منهم ان يختاروا شيخ عشيرة او سيد لكي يحميهم .. قال لهم لا استطيع حمايتكم .. لم يحسنوا الاختيار .. ربما كانوا مرتبكين لكنهم أخطئوا الاختيار ...حين بدأ الجيش بقصف المدينة بالمدافع والدبابات وكثرت اعداد الضحايا .. راح المقاتلون الى حامي الرفاق وأخذوهم عنوة واعدموهم !! 
لو كان سيد او شيخ عشيرة لما تجرأ المنتفضون على عدم احترام ( دخيل) الشيخ او السيد احتراماً ام خشية ومهما كانت الظروف والأسباب !!
لجأ البعض من قادة الحزب الى بيت الرفيق سيد ف .. حاول شباب الانتفاضة بكل طريقة ان يأخذوا الرفاق ( كانوا من خارج المحافظة ) من السيد .. لكنه امتنع !!
الح عليهم خوفهم ورعبهم ان يجبروا السيد ف بنقلهم الى مضيف السيد ناموك ..ارتدوا ملابس نسوة واستقلوا سيارة فولكا اقلتهم الى مضيف السيد ناموك الذي اعدموا ابنه بالأمس بتهمة اقامة شعائر عشرة عاشوراء مخالفا منع السلطة!! 
والغريب ان أولئك القادة الرفاق اشتكوا الرفيق سيد ف الى القيادة واتهموه بالطائفية لدى قياداتهم وكادوا ان يعدموه بعد سحق الانتفاضة..!!!
وقد رمى احدهم قدمه باطلاقة من مسدسه وادعى انه أصيب في المعركة بعد اقتحام الجيش للمدينة !!!
تحت ضغط العشائر او تفاديا لحالات ثأر في المستقبل او كان يتصرف وفق ما أملته عليه المبادئ التي امن بها استضاف الشيخ احمد العبادي الملقى عليهم القبض من قادة الحزب والمخابرات وضباط الجيش ومنع الاعتداء عليهم بل سلم ابناء المحافظة الى عشائرهم وابدى العناية والحماية بالذين كانوا من اهالي المحافظات الغربية وبغداد .. بل حتى اكساهم وظلوا امنين لحين اقتحام الجيش للمدينة... في المستشفى لا زالت اعداد الجرحى والشهداء في تزايد.. هاجم الشباب المنتفض الفيلق الرابع .. حدثت معركة شرسة انتهت بسقوط الفيلق ..كنا كخلية .. . حضر عدد من شباب الانتفاضة وقادتها .. كانوا يلبون كل طلباتنا بكل أدب وغيرة واحترام .. منعوا التعرض لأي بعثي من المنتسبين ..... طلبنا منهم ان يحموا مخازن الأدوية والتجهيزات الطبية للمحافظة والتي بدأ الغوغاء بنهبها .. أخذوا يلاحقون السراق وخلال ساعات جلبوا الكثير منها بسيارات حمل وألقوها في المستشفى..".
من جانب السلطة فقد ورد عن الأحداث في العمارة في تقرير الى رئيسة الأتحاد العام لنساء العراق من أحدى عضواته بتأريخ ١٩٩١/٣/٢٢
"بتاريخ ١٩٩١/٣/٢ وفي تمام الساعة السادسة مساء قامت فئة....في محافظة نيسان باعمال الشغب ... وكانت الأنطلاقة من محلة العروبة والقادسية ثم بدأت تتسع وتتوجه الى المحلات والاحياء في كافة المحافظة حيث غطت كل الأحياء السكنية. قاموا باطلاق العيارات النارية وجرفت معها الشباب والحاقدين والمندسين.
وشاركت أطراف أخرى منها
١. عوائل المعدومين من حزب الدعوة
٢. العوائل ذات الاصول الأيرانية
٣. الهاربين والمتخلفين.
٤. بعض العوائل من السادة
٥. الجنود المنسحبين من جبهات القتال حيث كانوا باعداد كبيرة جداً . وقد جرفت هذه التظاهرات معها أعداد كبيرة من العسكريين في الكراجات لأن الثقل العسكري من القوات المسلحة التي أنسحبت على أثر قرار الانسحاب كان كبيراً جداً حيث لم تكفي لهم الكراجات والشوارع.
البعض منهم قام ببيع سلاحه في سبيل الوصول الى عائلته وبأي وسيلة. بالاضافة الى الوضع النفسي المنهار للبعض منهم مما أدى الى مشاركة البعض منهم مع هولاء.
بالاضافة الى الأستيلاء على أسلحة البعض الأخر حيث قاموا بوضع مجاميع منهم في السيطرات العسكرية تأخذ أسلحة العسكريين العائدين من دبابات وبنادق وهاونات.
ثم قاموا بالهجوم على كافة المقرات الحزبية والجماهيرية ودوائر الشرطة والأمن والدوائر الرسمية والمحلات الأهلية ودور الرفاق.
بالاضافة الى تدمير وحرق كافة السجلات والوثائق الرسمية والنفوس والاضابير. واستقلوا كافة السيارات وكتبوا عليها شعارات معادية وحتى كتبوا عليها أرقام أسلامية. واخذوا الجوامع مقرات لهم وكان يقودهم سيد أحمد وعمره ٢٥ سنة. ووضعوا كاسيتات في المسجلات وفي السماعات فيها لطم على الأمام الحسين. واستغلوا المواطن بأن القائد والحزب حسبما يقولون قد حرمكم من اللطم والطبخ للأمام الحسين فهذا يومكم والاغلبية تلطم معهم.
واستغلوا كافة الجوامع كمقرات لهم الجامع الرئيسي ( مقرهم) في سوق النجاريين. ورفعت صور خميني والحكيم ، وفي كل ليلة يطلقون العيارات النارية حتى الصباح.
قاموا بتوزيع الخبز في داخل أكياس على المواطنيين وتوزيع الطحين. وقد رفعت تقرير مفصل الى الرفيق أمين سر شعبة العمارة للحزب يوم ٣/١٠ يتضمن أسماء المخربين حوالي ٨٠ مخرب وبعد تطهير المدينة يوم ٣/٩ من هولاء .
كانوا يتصفون بما يلي
١. أنهم غير منتظمين بشكل منتظم.
٢. تسودهم الفوضى والاضطرابات
٣. عدم وجود قيادة موحدة
٤. أغلبهم شباب وبعمر أقل من ٢٠ سنة

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة...٢

الانتفاضة الشعبانية...اذار ١٩٩١/ صفحة الغدر والخيانة...٢



"أود أن أذكر هنا أن التعليمات الى المقاتلين طيلة وجودي في النجف هو أن يكون الرمي بكثافة على المخربين سواء كانوا نساء أو أطفال أو رجال وقتلهم"
من اجابة لعبد الحسن راهي فرعون عضو القيادة القطرية أمين سر مكتب تنظيم الفرات في محاكمته بتهمة التقصير في واجباته الحزبية أثناء الانتفاضة ١٩٩١.

انتفاضة النجف
دون كنعان مكية في كتابه " القسوة والصمت" مقابلة مع ضابط من أهالي النجف شرح فيها تفاصيل الانتفاضة فيها "وصلت الأخبار بأن بعض الفتيان كانوا يخططون لتظاهرة ضد النظام في اليوم التالي وسط المدينة، في منطقة الميدان قرب السوق الكبير. في وقت متقدم من صباح اليوم التالي خرجت مستكشفاً لأرى ما كان يجري. أخبرني أثنان من الفتيان أن التظاهرة أرجئت الى الساعة ٢٣٠ من بعد ظهر اليوم التالي ( أي ٣ اذار). كان ذلك هو الوقت المقرر لتجمع الناس. لماذا أجلوا التظاهرة؟ كانت قوات الأمن قد علمت بالاستعدادات الجارية. كان الجميع على علم بالتظاهرة. حزنت كثيراً حين سمعت أن الموعد قد تأجل. وأكد ذلك قناعتي أن شيئاً لن يحدث في هذه المدينة. لكن حاجز الخوف كان يتداعى. كان بوسعك أن ترى ذلك في الشوارع. كيف ذلك؟ رأيت مثلاً سائق تاكسي يصرخ لاعناً صدام من نافذة سيارته. أمام حشد كبير من الناس بصق احدهم على صورة صدام. كان ذلك مذهلاً، غير أني بقيت غير واثق.
كانت الاشاعة تردد أن التظاهرة في النجف سوف تبدأ انطلاقاً من النفق في ساحة الميدان وتسير نحو الأتجاه المواجه للسوق الكبير وصحن المقام المقدس. كنت هناك في تمام الساعة ٢٬٣٠ بعيد ظهيرة الأحد في ٣ اذار متحدثاً مع صديق من بغداد، وهذا ما رأيت:
شبان تتراوح اعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، لا أكثر. في الواقع كان ينبغي أن أقول أن اعمار أكثر المحتشدين كانت تتراوح بين خمس عشرة والثماني عشرة سنة. شباب، قدموا مندفعين جماعة من الأزقة والشوارع الخلفية ، من عقد خانية من شارع الخورنق ومن شارع السدير الذي دمر جزئياً. بعض المجموعات قدمت عدواً من شارع الصادق ومن عقد عبد عبطان. كانوا جميعاً يندفعون راكضين من كل هذه الازقة الجانبية باتجاه الميدان.
كانت كل مجموعة تتألف من حوالي مئة شخص في أكثر تقدير يحملون جميعهم الهراوات والسيوف ( القامات). كان أثنان أو ثلاثة منهم يحملون مسدسات. أذكر أن احدهم كان من طراز وبلي. جميعهم يهتفون منشدين " صدام شيل ايدك، شعب النجف مايريدك". كما جعلوا يهتفون أيضاً " ماكو ولي ألا علي، نريد حاكم جعفري".
كان رجال الأمن على مقربة من الصحن. بدأوا يطلقون الرصاص في الهواء من السوق الكبير باتجاه الميدان. هكذا أظن اخرجوا من الصحن، حيث اعتقدوا أساساً أن التظاهرة ستتجه هناك. واول من قتل من رجال الأمن كان حزبياً يدعى راضي عبد الشهيد. اطلقت عليه النار بواسطة مسدس. في شارع الرسول قتل الضابط علي الحسين، كما قتل خمسة أو ستة متظاهرين.
غير أن توافد الشبان استمر. فجأة انعطفوا نحو شارعي زين العابدين والصادق، وهذا لم يكن يتوقعه رجال الأمن. من مئة تضخم العدد الى ألف. كانوا كلهم نجفيين، شباناً من عائلات مرموقة ثرية ومرفهة. كان آباوهم تجاراً ، صاغة، بائعي سجاد أو اصحاب معارض للسيارات وما يشبه ذلك. لم يكونوا من الموظفين الحكوميين. كان في مقدوري روية علامات السعادة مكتوبة في وجوههم.
اتجهت التظاهرة بعد ذلك نحو صحن المقام المقدس. كان يرابط هناك عدد كبير من رجال الأمن، آلاف منهم ألا أن معظمهم كان يراقب فقط منتظراً ما ستؤول اليه الأمور. توجه الشبان في هذا الحين باقدام ثابتة مباشرة نحو الصحن. عندما رأى رجال الأمن هذا لاذوا بالفرار. جرى عراك عند بوابة مدخل الصحن الرئيسية وقتل عدد من رجال الأمن. قتل العديد من الشبان عند البوابة. حين تمت لهم السيطرة على الصحن كان قد سقط منهم ما بين العشرين والثلاثين شاباً، وعدد من رجال الأمن. قرابة المغيب كان المقام وفناوه قد أصبح كلياً تحت سيطرة المنتفضين.
أنهم يدعونها الانتفاضة. لكني أوكد لك أن المسألة برمتها كانت تظاهرة عفوية. أن رفاق صدام مسؤولون عن تحويلها الى شيء أخر. ما أن انتهت معركة السيطرة على أقدس الجوامع الشيعية، حتى تحول اهتمام الثوار الى مبنى مركز قيادة الشرطة الرئيسي. هناك استمر القتال طوال الليل. كان شباب النجف يقصفون المبنى مستخدمين مدافع من عيار ٨٢ مل كانت خلفتها وحدات القدس التابعة للحرس الجمهوري. وحوالي الساعة الرابعة والنصف من صباح الأثنين ٤ اذار انهارت كل مقاومة الشرطة داخل المبنى، واندفعت حشود الثوار الى الداخل واحرقت الأوراق والملفات كلها. جرت محاولة لإيقاف التخريب، لكنها كانت عديمة الفائدة.
دمر كل شيء سجلات السيارات وصكوك الأملاك وملفات الشرطة ومحاظر الدعاوى القضائية.
هذه الرواية عن بداية الانتفاضة في النجف يوافق عليها مشاركون آخرون. انطلقت مجموعة واحدة من النجفيين الذكور ، وكان عددها حوالي الستين شاباً من الجنود السابقين أو الفارين من الجندية. كانوا كلهم من الأقارب أو الأصدقاء الحميمين ومن الحي نفسه. ازداد الستون واصبحوا ستمئة في غضون ساعات بعد اندلاع القتال حول الصحن. كانوا يتصرفون من دون أي مرجعية. اقتحمت كرة الثلج هذه ستة مراكز للشرطة وللبعثيين موقعة بهم عددا كبيراً من الأصابات. ويبدو أنهم قتلوا كل الذين قاوموهم ولم يعفوا ألا عن الجنود والشرطيين الذين استسلموا من غير قتال أو الذين اعلنوا تبديل ولائهم."
وعن تتمة ماحصل في الانتفاضة في النجف بعد السيطرة على مديرية شرطة النجف ورد في "النجف.. نظرة إلى وقائع انتفاضة شعبان عام ١٤١١هـ" للدكتور وليد الحلي "استولت مجموعة اخرى على قوات الجيش الشعبي، التي كانت تستخدم المدارس كمواقع لها" ...أحد المشاركين الاساسيين وصف المعركة التي استعرت طوال ساعتين حول مدرسة ثانوية كما وردت في كتاب كنعان مكية " القسوة والصمت" " لو كان في مقدورك أن تشاهد المنظر. واكد لك وأقسم بالقرآن أنه لم يجر شيء كهذا منذ أيام الثورة الأسلامية في ايران. كانوا يمطروننا بالرصاص. نفذت قنابلنا اليدوية وبدأنا نصرخ " قناني البنزين! احضروا قناني البنزين!" حضرت لنا النسوة مزيج قنابل المولتوف داخل قنينات البيبسي كولا. وضعت خطة جماعية قيد العمل، وكانت النسوة يزغردن ويعتنين بالجرحى، وينقلوهم الى المجاورة. في نهاية الأمر اقتحمنا المكان، تسلقنا الجدران كالديدان، وهجمنا من كل حدب وصوب."
ويستمر الدكتور الحلي في سرد وقائع انتفاضة النجف"ثم بدأت مراكز النظام تسقط الواحدة تلو الأخرى ... وتجمع عدد من قوات الجيش والأمن والبعثيين في جامع الطوسي فهاجمهم الثوار وطردوهم من الجامع، وتمركزوا بعدها في الإدارة المحلية للنجف قرب كليه الفقه، وبعد معركة حامية تمكن الثوار من السيطرة عليها. وبعدها اخذت قوات النظام التجمع في المنطقة الواقعة بعد ساحة ثورة العشرين قرب مستشفى حي السعد باتجاه مديرية الأمن المقابلة لحي الاسكان. وبدأ الثوار بمحاصرتهم ولكنهم لم يهجموا عليهم مساءً، حيث اعدوا لهم العدة طيلة ليلة الاثنين، حتى إذا بزغ فجر يوم ١٧ شعبان/ ٤ آذار هجم الثوار على افراد السلطة المتحصنين ببناية غرفة التجارة والبنايات المجاورة لها، وبعد معركة شرسة وغير متكافئة بالأسلحة، تمكن الثوار من السيطرة على الأبنية الواحدة تلو الأخرى بداية ببناية غرفة تجارة النجف ثم الابنية المجاورة لها، وبعدها بناية حزب البعث الملاصقة لمحكمة النجف ... وقبل أذان صلاة الظهر ليوم الاثنين، تمّ تحرير الأبنية من قوى النظام وتم اسر عدد منهم، وتكبدت السلطة عشرات القتلى والجرحى في هذه المعارك. وانطلقت مجموعة اخرى من محاصرة مديرية امن النجف، وتمكنوا بعد نصف ساعة من المقاومة من دخولها والسيطرة عليها، واطلق سراح المعتقلين المعارضين للسلطة فيها، وشوهدت آثار التعذيب والحرمان عليهم .. وحصل الثوار على وثائق واشرطة فديو تبيّن شراسة تعذيب النظام . وقامت مجموعة اخرى من الثوار بالاستيلاء على مبنى محافظة النجف ... وعند حلول الساعة الثالثة من عصر يوم الاثنين ١٧ شعبان/ ٤ آذار، كانت كل مدينة النجف وضواحيها قد حررت من قبل الثوار. وبدأت مجاميع الثوار التنسيق فيما بينها لإدارة شؤون المدينة المحررة، ومطاردة الفارين من اجهزة الأمن وحزب البعث، الذين تمكن عدد منهم من تشكيل جيوب للنظام في داخل المدينة. ورفع الثوار الأعلام الخضراء فوق العمارات، واخذوا في بث الاعلانات والبيانات من مآذن ضريح الإمام علي (عليه السلام)، وعبر مآذن المساجد، وبدأت مجاميع مجاهدة على الفور بالسير نحو مدينة الكوفة فحرّروها واحكموا السيطرة عليها، وتمت السيطرة على مدينة الكفل، وخان النص، وابي صخير والمشخاب وبقية اقضية ونواحي محافظة النجف الأشرف ...ومع بزوغ شمس يوم الثلاثاء ١٨ شعبان اصبحت محافظة النجف كلها تحت سيطرة الثوار. واستهدف الثوار في بداية عملهم اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعذبين في سجون ومعتقلات النظام في النجف ... وبعد البحث عن السجون، وجد سجن تحت مرقد الصحابي كميل بن زياد – تحت الأرض – في منطقة الحنانة بالنجف، ولم يستطع الثوار معرفة الطريق المؤدي لباب السجن، إلاَّ بعد ان احضر المهندس الذي يعرف بتفصيل بنائه ... تبيّن ان باب الدخول إلى السجن يبعد عدّة مئات من الأمتار عنه ... وبعدما فتح السجن، وجد مجموعة من السجناء شاحبة وجوههم ولحاهم طويلة كانوا لا يعرفون النهار من الليل ولا عمّا يجري في العراق والعالم ... وكان احدهم يسأل عن الرئيس احمد حسن البكر، فقيل له انه نحي من السلطة من قبل صدام قبل اكثر من عشرة اعوام !! ووجدت سجون في بحر النجف، وسجون ومعتقلات للأمن في اكثر من عشرة مقرات للأمن في مناطق محافظة النجف." 

يبدو أن المنتفضين في النجف طلبوا رأي أو مساندة المرجع الخوئي فاصدرفتوى وبيان , الفتوى كانت " بسم الله الرحمن الرحيم ابنائي العراقيين الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على نعمه وآلائه والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه محمد وعترته الأطهار. وبعد لاشك فى أن الحفاظ على بيضة الإسلام ومراعات مقدساته أمر واجب على كل مسلم وإنني بدوري إذ ادعو الله تبارك وتعالى أن يوفقكم لمافيه صلاح الأمة الإسلامية أهيب بكم أن تكونوا مثالا صالحا للقيم الإسلامية الرفيعة برعاية الأحكام الشرعية رعاية دقيقة في كل أعمالكم وجعل الله تبارك وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر عنكم فعليكم الحفاظ على ممتلكات الناس وأموالهم وكذلك جميع المؤسسات العامة لأنها ملك الجميع والحرمات منها حرمات الجميع .
كما أهيب بكم بدفن جميع الجثث الملقاة في الشوارع ووفق الموازين الشرعية وعدم المثلة بأحد فإنها ليست من أخلاقنا الإسلامية وعدم التسرع فى اتخاذ القرارات الفردية غير المدروسة والتي تتنافى والأحكام الشرعية والمصالح العامه حفظكم الله ورعاكم ووفقكم لما يجب ويرضى إنه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . الخوئي في /١٨/شعبان/١٤١١ـهـ"
أما البيان فكان " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وبعد، فان البلاد تمر هذه الايام بمرحلة عصيبة تحتاج فيها إلى حفظ النظام واستتباب الأمن والاستقرار والاشراف على الأمور العامة والشؤون الدينية والاجتماعية تحاشياً من خروج المصالح العام عن الإدارة الصحيحة إلى التسيّب والضياع. من اجل ذلك نجد ان المصلحة العامة للمجتمع تقتضي منّا تعيين لجنة عليا تقوم بالاشراف على ادارة شؤونه كلّها بحيث يمثل رأيها رأينا وما يصدر منها يصدر منّا.وقد اخترنا لذلك نخبة من اصحاب الفضيلة العلماء المذكورة اسماؤهم ادناه ممن نعتمد على كفاءتهم وحسن تدبيرهم فعلى ابنائنا المؤمنين اتباعهم واطاعتهم والانصياع إلى اوامرهم وارشادهم ومساعدتهم في انجاز هذه المهمة. نسأل الله عزّ وجل ان يوفقهم لاداء الخدمة العامة التي ترضيه سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعمة الوكيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ١- السيد محيي الدين الغريفي. ٢- السيد محمد رضا الموسوي الخلخالي. ٣- السيد جعفر بحر العلوم. ٤- السيد عز الدين بحر العلوم. ٥- السيد محمد رضا الخرسان. ٦- السيد محمد السبزواري.٧- الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي. ٨- السيد محمد تقي الخوئي. النجف الأشرف في العشرين من شعبان المعظم سنة ١٤١١هـ . ملحوظة: تقرر اضافة السيد محمد صالح السيد عبد الرسول الخرسان إلى اللجنة المذكورة اعلاه في ٢١ شعبان ١٤١١هـ. توقيع: ابو القاسم الخوئي النجف الاشرف ٢١ شعبان ١٤١١هـ".

عن ظروف تشكيل هذه اللجنة ودورها في الانتفاضة ورد في حديث الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي  وكان من أعضاء اللجنة آنفة الذكر وورد في سلسلة "القيادة الاسلامية في العراق" لعباس وعبدالهادي الزيدي"بعد أن انطلقت الانتفاضة في النجف أرسل السيد الخوئي الى مجموعة من العلماء والفضلاء كالسيد علاء بحر العلوم والسيد عز الدين بحر العلوم والسيد محمد رضا الخلخالي والسيد جعفر بحر العلوم وأنا والسيد محمد ابن السيد عبد الأعلى السبزواري وغيرهم. اجتمعنا في مكان خاص بالسيد الخوئي فقال لنا : أولادي أحب أن أحدِّثكم بحديث، أنتم كما ترون البلد دخلت فيه عناصر (من غير المنتفضين، من غير المجاهدين) بعض العناصر من السجناء وحصلت منهم اعتداءات (سرقات) على بعض المحلات، فصارت فوضى فلا بد أن نوقفها، فماذا ترون، نترك الأمر ونترك الناس تقاتل بعضها بعضاً، وتكون علينا لعنة الله والملائكة والتاريخ الى يوم يبعثون، أو نتحرك بالقدر الذي نستطيع؟، أما أنا فأصارحكم بكل صراحة، أنا عاجز وحتى صلاتي من جلوس، فإذا يسألني الله تعالى يوم القيامة عن هذا الموقف أقول له: إلهي، إن هؤلاء أثق بهم واخترتهم من أجل إصلاح البلد، لهذا اخترتكم وليس عندي غير هذا، والمسئولية أمام الله ألقيها على عواتقكم.فقسم استجاب، وقسم اعتذر ببعض الاعتذارات كالسيد علي البعاج والسيد محمد رضا الحكيم والسيد علاء بحر العلوم وغيرهم، ووافق الآخرون، فقال السيد الخوئي: يُكتب كتاب ويُنشر بالبلد حتى نستعد لتهدأة الوضع العام. فوافقنا ووقَّعْنا على ذلك، فأصبح السيد الخوئي بمثابة القيادة العامة وكلما استجد أمر راجعناه. ثم أرسل السيد الخوئي الى المحافظات بيانه الذي أصدره، كما أوعز الى كافة المحافظات المنتفضة باختيار أشخاص كفوءين لإدارة شؤونهم الاقتصادية والأمنية. أما في النجف فقد اخترنا عددا من الضباط فتم تعيينهم شبه قادة عسكريين (قسم منهم الآن خارج العراق وآخرون عادوا)، فكانت مهمتهم حفظ البلد والاشراف على توزيع الحصة التموينية وحفظ ومراقبة الأمن العام، وقام هؤلاء الضباط بتجنيد مجاميع من الشباب لمنع الفوضى وتنظيم توزيع الوقود وحراسة المصارف. وخلال تولينا مهمتنا حصلت بعض التصرفات العشوائية عندما اعتقل بعض منتسبي أمن النظام الذين كانوا يتهمون بقتل واعتقال بعض أبناء النجف، فحُبسوا في مدرسة الامام الحكيم وقام البعض بقتلهم من دون موافقتنا، وقد امتعض السيد الخوئي من ذلك وقال: إن هؤلاء لم تثبت إدانتهم، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته. كما حصلت مشاكل ومضايقات عند محطات تعبئة الوقود بسبب التزاحم لشحته. كنا نجتمع تلك الأيام في منزل السيد الخوئي في حي (السعد) ولم تكن اجتماعاتنا ذات طابع رسمي وإنما كأخوان نتشاور فيما بيننا منذ الصباح وحتى الغروب. وكلما طرأ أمر تجتمع اللجنة وتقرر.الانتفاضة كانت مفاجأة لنا فلم نكن مستعدين لها، ولم تكن عندنا القوة الكافية (الأسلحة) أما الأسلحة التي كانت بيد المنتفضين فقد حصلوا عليها من الحامية العسكرية، كما عانينا من التعتيم الإعلامي الذي أضرَّ بنا كثيراً، وأنا أجزم لك أن ما كان يجري في كربلاء لا نعلم به في النجف، وما كان يجري في النجف لا تعلم به البصرة أو العمارة، ما عدا الرسل الذين كانوا يحملون وصايا منا أو من السيد الخوئي، وهذا لم يكن كافياً. أما على مستوى الاستعداد الفعلي فلم نكن كذلك لحدث الانتفاضة. السيد الخوئي بدوره وبصفته الأبوية لم يكن يحب أن ينفرد بالقرار فأرسل الى السيد السبزواري وبعض وجهاء النجف فأبلغهم بالموقف، وأننا إذا لم نستعد فإن النجف ستصبح في فوضى، فاستجاب السيد السبزواري وأصدر مرسوم (بيان) وتمَّ توزيعه، وكان الأشخاص الذين اختارهم هم نفس أعضاء اللجنة التي اختارها السيد الخوئي. جاءت مجاميع من محافظة كربلاء الى السيد الخوئي فخوَّلهم إدارة شؤون محافظتهم وأن يضعوا أيديهم على المصالح العامة. لم يكن عندنا أي تفكير للقيام بخطوات لتهيأة جيش للزحف الى بغداد، نعم كان هذا المستوى من التفكير يردده بعض الشباب المتحمسين لا أكثر."
 يتضح من الفتوى والبيان الذي أصدره الخوئي أنه لم يبين فيه موقفه من النظام ومن الانتفاضة ضد النظام ورئيسه  حيث لم يرد ذكر له ولها في الأثنينكما أن "اللجنة التي تشكلت لم يكن في تفكيرها توسيع الانتفاضة أو اتخاذ قرارات على الصعيد السياسي نظراً لغموض الموقف، فكانت اللجنة مجرد تسيير أعمال على صعيد الأمن والممتلكات وتوفير الحاجيات الضرورية لا أكثر ، ولم تكن هناك رؤية سياسية واضحة أو تخطيط مرحلي لما بعد الانتفاضة".
على الأغلب أن موقف  الخوئي من الانتفاضة والسلطة عكس أسس مدرسته الفقهية التي استندت على الأبتعاد عن السياسة وكانت على النقيض من مدرسة الأمام الخميني القائمة على ولاية الفقيه.
أما بالنسبة للسيد محمد الصدر فقد ذكرالسيد محمد اليعقوبي في كتابه " الصدر الثاني كما أعرفه" " أن السيد لم يكن معروفاً اجتماعياً أو حوزوياً بشكل واضح وان كان أسمه لم يغب عن ذهن الواعين وان غاب شخصه عقداً من الزمان" وذكر اليعقوبي " ذهبت الى الصحن الشريف واطلعت على الوضع عن كثب فوجدت أن فرصة السيد في ممارسة دور قيادي بعيدة فقد كان الأتجاه العام نحو السيد الخوئي ولايمكن تجاوزه أو تحييده واصبح القرار فعلاً بيد مكتب السيد الخوئي وبالذات السيد محمد تقي الخوئي ومارس شيئاً من ذلك خلال أيام الانتفاضة واخبرت السيد بذلك وقلت له باختصار أن دور العلماء يتسم بالحذر الشديد بانتظار انجلاء الموقف".
بالنسبة لرواية السلطة عن انتفاضة النجف فقد ورد في افادة رائد أمن النجف في المحكمة الخاصة بمحاكمة عبد الحسن راهي فرعون ,عضو القيادة القطرية أمين سر مكتب تنظيم الفرات,بتهمة التقصير في واجباته الحزبية أثناء الانتفاضة " حدثت كتابات في شارع الأطباء ضد الحزب والثورة كما وردت معلومات للمديرية مفادها أن تظاهرة ستخرج في الساعة الثانية من يوم ٩١/٣/٢ تظاهرة معادية ألا أنها أجلت الى اليوم الثاني وهو يوم ٩١/٣/٣ علماً أن مجموع ضباط الأمن ومنتسبي الأمن لا يتعدى في حينه الثلاثون بين ضابط ومنتسب وتم التصدي في باب الصحن من قبل الأمن والشرطة والجهاز الحزبي المتواجد على أمل أن يتم القضاء عليها ألا أنهم لم يتمكنوا بسبب استشهاد أغلب منتسبي مديرية الأمن والاجهزة الأخرى.".
وتعطي افادة مدير أمن النجف في نفس المحكمة تفاصيل أخرى عن الانتفاضة فيها حيث ذكر " قبل وصول القتال الى الفرع كان القتال يدور قرب الحضرة حيث بداءت الأحداث واعمال الشغب في الساعة ٢ ظهراً من يوم ٩١/٣/٣ حيث انطلقت أعمال الشغب من المنطقة المحيطة بالصحن الحيدري وكانت المنطقة مطوقة من قبل منتسبي جهاز الأمن والشرطة وبعض الرفاق الحزبيين وقد حدثت مواجهات بين تلك الاجهزة والمخربين وراح ضحيتها كثير من الشهداء والجرحى من منتسبي جهاز الأمن حوالي ١١ شهيد. وبنفس الوقت حدث هجوم على مديرية الشرطة التي تقع على الطريق المودي الى الصحن وفرع الحزب والمحافظة ومديرية الأمن بقصد عزل القوة الموجودة قرب الصحن عن المقرات الأخرى المذكورة، ولكثرة التظاهرات حيث أصبحت قريبة من مديرية الأمن فأخذ مع منتسبيه بالدفاع عن مديرية الأمن، واستمر الحال الى اليوم الثاني حيث امتلك المخربين أسلحة وامدادات جديدة، وبعد ذلك سمع من شخص يجهل أسمه بأن المقرات العسكرية سلمت الى المخربين وان مديرية الشرطة أصبحت بيد المخربين أيضاً.
وفي هذا الأثناء شن هجوم كثيف من قبل المخربين على شعبة القائد صدام الذي كان فيها مقاتلين من محافظة بابل والذي تم سحبهم من قبل المتهم عضو القيادة السابق عبد الحسن راهي فرعون . واستمر الحال بالهجوم على مديرية الأمن حيث أخذت تقصف بالدبابات والهاونات التي استولى عليها المخربون وكان المتهم انذاك ومعه أمين سر الفرع والمحافظ والرفيق طه الحديثي ومدير أدارة المكتب واحد العاملين في ذاتية الفرع وشاهد دبابتين قد اتجهت نحو الفرع وكذلك مجموعة من السيارات التي تحمل المخربين وخروج تظاهرات كثيرة ولمعرفته بضعف القوة الموجودة داخل الفرع فقد أرسل أحد ضباط مديريته الى عضو القيادة السابق لغرض اخباره بالقدوم الى مقر مديريتنا لحمايته مع الرفاق آنفي الذكر أو الذهاب اليهم في الفرع ليكون الدفاع موجه من مكان واحد وليس من مكانين.
وارسل معه مفوض، وعاد المفوض واخبره بأن الرائد بقي مع المتهم عضو القيادة السابق ليشرح له الموقف ، كما أخبره المفوض بأن عضو القيادة السابق عد طلب منه بوجوب أنسحاب قوة الأمن الى الفرع. وعلى أثر ذلك تم اتخاذ الاجراءات الأمنية في مديرية الأمن حيث تم حرق المخابرات والامور السرية والعادية المتعلقة بالمديرية خوفاً من وقوعها بيد المخربين ومن ثم تأمين الطريق لانسحاب منتسبيها الى قيادة الفرع بناء على طلب المتهم وعند وصوله الى الفرع شاهد المتهم يجلس في أحدى الغرف المحصنة واستفسر المتهم منه فيما اذا سقطت شعبة القائد صدام أم لا، فاجبته بكلمة نعم سقطت وسقطت مديرية الشرطة أيضاً. فحدثت مدانشة وخرج وشاهد الوضع من نفس بناية الفرع وبعد أستطلاعه على الموقف شخصياً أمر بالانسحاب وفعلاً تم انسحابهم باتجاه الكوفة ومعهم المتهم وبعض الرفاق الحزبيين المتواجدين في الفرع واثناء ذلك اعترضتهم سيطرة للمخربين وتم آبادة السيطرة من قبل منتسبي الأمن عندها دخلوا الى طريق زراعي فرعي لغرض الأتجاه الى الحلة لعدم أمكانية الدخول الى الكوفة".
وعن مقاتلي الجيش الشعبي الذين وصلوا من الحلة الى النجف ورد في افادة مدير عام في ديوان الرئاسة في المحكمة " بعد أحداث الشغب طلب من أمين سر فرع بابل للحزب القائد ارسال قوة لمعالجة الموقف في محافظة النجف وطلب حضوره الى فرع النجف للحزب وقد تم أحضار ١١٧ رفيق وعند وصول المقاتلين ليلاً وكان يصحبهم رئيس أركان قيادة منطقة الفرات الأوسط للجيش الشعبي وعضو فرع بابل وفي صباح اليوم التالي تم زج القوة في المنطقة وطلب المتهم من رئيس الأركان أن تكون مهمته اصطحاب القوة وتطهير المنطقة ابتداء من مقر شعبة القائد الى ساحة ثورة العشرين والتوجه الى طريق أبي صخير. حجم الواجب لايتناسب مع حجم القوة ولم تكن
هناك خطة وضعت مما أدى الى الألتفاف على القوة من قبل المخربين ونتيجة لذلك تم استشهاد الكثير منهم واصابة الاخرين".
أما عبد الحسن راهي فرعون فكانت اجابته في المحكمة الخاصة عن أنتفاضة النجف " توجهت الى النجف يوم ١٩٩١/٣/٢ وفي الطريق اعلمني معاون مدير مخابرات المنطقة من أن المخربين قد سيطروا على مدينة النجف واصلت سيري ودخلت المدينة ثم قيادة الفرع فوجدت الرفاق وعدد قليل من المقاتلين لا يتعدى عشرون أو خمسة عشر مقاتل من مركز التدريب. ارسلت الرفاق الى بابل والمثنى وكربلاء والقادسية وقضاء أبي صخير لجلب مقاتلين واعلمت القيادة بالوضع ولم يصلني مقاتلين ألا مدينة الحلة ليلاً وفي الصباح ارسلتهم مع رئيس أركان المنطقة وضباط أمن قيادة المنطقة من ضمنهم أخي للقتال في مدينة النجف بعد أن رسمنا الخطة واستطاعوا في البداية التقدم وقتل قسم من المخربين لكنهم بعد أن استطاعوا المخربون الأستيلاء على الأسلحة من معسكرات الجيش والجيش الشعبي أنسحبوا قرب الشعبة ثم سيطر عليها المخربون بعد أن نكهت قواهم ووصلنا عدد منهم الى الفرع واعلمونا بالحالة. لم اتخذ قرار الأنسحاب من النجف ألا بعد أن حاولت لمدة يومين من القتال للسيطرة على الوضع ومحاولة الحصول على المقاتلين وبعد أن أيقنت من سقوط كافة المقرات والشرطة والامن وبعد أن استولى المخربون على الثلاث دبابات التي ارسلت لمساعدتنا واخذوا يضربون المقرات بها وبعد أن أخبرني مدير الأمن أن مديريته قد سقطت وهي آخر مقر لنا. ثم وصلت تظاهرة من الكوفة للمخربين وتم ضربها من قبلنا ثم مظاهرة وصلت من النجف قرب فندق النجف أو قرب مقر الجيش الشعبي -الشعبة الطلابية. ونصبوا سيطرات في الشوارع المحيطة بالفرع ومن اسطح المنازل حيث كنا نطلق النار عليهم من الصباح الباكر وانسحبنا في الساعة الثالثة ألا ثلث من عصر يوم ٣/٣ بعد أن اشبكنا وتخلصنا من القوة المعادية المحيطة بالفرع.
واود أن أذكر هنا أن التعليمات الى المقاتلين طيلة وجودي في النجف هو أن يكون الرمي بكثافة على المخربين سواء كانوا نساء أو أطفال أو رجال وقتلهم."
وكان عبد الحسن راهي فرعون قد رفع الى صدام حسين رسالة بتأريخ ١٩٩١/٣/٢٩ ذكر فيها "عدد الذين استشهدوا أثناء القتال معنا في مدينة النجف بتأريخ ٣-٤ /١٩٩١/٣
١. أعضاء قيادة فرع: ٢
٢. أعضاء قيادة شعبة: ١٣
٣. أعضاء قيادة فرقة: ٢٥
٤. أعضاء مرشحين: ٣٧
٥. أنصار ومؤيدون : ٨ واعداد من الجرحى والمفقودين."

وورد في تقرير لعضو قيادة فرع الأمن القومي بتأريخ ١٩٩١/٣/١٨ ذكر لاسماء الذين قادوا "الغوغائيين" في النجف الأشرف كان منهم طالب في كلية طب الكوفة، مدير مستشفى النجف، ضابط أمن في النجف وشيوعي هارب. 
بالنسبة الى الانتفاضة خارج مدينة النجف فقد ورد في تقرير رئيسة شعبة غماس الى صدام حسين

"بدأت المعارضة في محافظة النجف وامتدت الى المناطق المجاورة مثل " الكفل والعباسيات والكوفة وقضاء المناذرة والحيرة والمشخاب والشامية والمهناوية وغماس" في يوم ١٩٩١/٣/٣ ، بدأت المعارضة في غماس بقيادة ناصر حسين العليلي الهارب من الخدمة العسكرية لمدة ١٢ سنة والمتخفي بين عشيرة العليلي في غماس مع مجموعة من الهاربين. ولكن تصدت لهم قيادة الحزب في غماس وفروا هاربين أمام الناس، وفي يوم ١٩٩١/٣/٥ جاءت لهم المساعدة من النجف والمشخاب وجاءت المظاهرة بشكل وحشي وبشع ويحملون الأسلحة مثل الفأس والحربة والسيف والمكوار والبنادق والرشاشات والرمانات والقاذفات ويرددون كلمة الله أكبر الجهاد، الجهاد وهتافات أخرى مثلاً ماكو ولي ألا علي ونريد حاكم جعفري. ثم بدأ الهجوم بحرق وسلب كافة الدوائر الرسمية والمنظمات الحزبية والجماهيرية ومهاجمة مخازن الحبوب والتمور والمطاحن وتبعثر المواد الغذائية في الشوارع وكذلك البنزين والنفط. ثم بدأ بعد ذلك الهجوم على بيوت الرفاق. "

انتفاضة الحلة
في مقابلة مع جريدة الصباح بتأريخ ٢٠١٣/٣/١٣ سرد السيد زيد جواد حسن وتوت أحداث الانتفاضة في الحلة "شهد يوم الأثنين الموافق الثالث من شهر اذار من ذلك العام وعند الساعة الواحدة من بعد الظهر انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة من خلال مجموعة من الشباب كانوا يتخذون من بيت السيد جواد حسن وتوت في حي نادر مقراً لهم، انطلقت المجموعة المؤلفة من سبعة أفراد من البيت المذكور باتجاه تقاطع المشتل الذي كان مليئاً بالاجهزة الأمنية من قوات طوارى وقوات جيش شعبي وعناصر أمنية،
انضم اليهم في الطريق الكثير من المواطنين الناقمين على النظام . ويقول السيد وتوت، كنا وقتها نهتف باسقاط رأس السلطة وسرعان ما تعرضنا الى طلق ناري كثيف من مختلف الأسلحة وسقط بيننا عدد من الشهداء، لكننا تمكنا من هزيمة القوة الموجودة في المنطقة من خلال سبع بنادق سبق وان جلبتها من وحدتي العسكرية، كوني كنت ضابطاً برتبة رائد . سبق انطلاق المجموعة توزيع قصاصات ورق قبل يوم من أنطلاقها على عدد مناطق مختلفة في مدينة الحلة مثل الجامعين والجديدة وشارع أربعين وباب المشهد.
وفي اليوم الثاني دخلنا في معركة شرسة مع فوج مغاوير كان تابعاً للفرقة الرابعة عند منطقة جسر الهنود وانتصرنا في تلك المعركة وتمكنا من الحصول على أسلحة كبيرة خفيفة وثقيلة ، استخدمت في المعارك التي شهدتها المدينة."
وعن المعركة مع فوج المغاوير ورد في كتاب "الانتفاضة الشعبانية في الحلة " لعبد الرضا عوض " بعد أن استقرت سرية المغاوير التابعة للواء التاسع والعشرين- الفرقة الرابعة في مدرسة الأمام الصادق قرب جسر الهنود 
وكانت قد قدمت في نفس اليوم من الموصل، أراد المنتفضون أن يعملوا مكيدة تقلل من عزيمة أفراد اللواء القتالية، فتبرع أحد الصبيان الذي لا يزيد عمره آنذاك على ثلاث عشرة سنة وهو أحمد كاظم حبيب وتوت في تشغيل وسحب أحدى سيارات الايفا وكانت محملة بمدفعين وصناديق عتاد مختلف. نجح في تشغيل السيارة وقادها وفتحت النيران عليها ولم تقف السيارة ألا بعد أن ارتطمت في جدار مسكن وفي موضع آمن . أنزل الجميع المدفعين ونصب احدهما باتجاه مدرسة الصادق حيث قوة المغاوير، وتمكن زيد وتوت ومجموعة من الذين معه من استهداف المدرسة بصاروخين. أحدث هذا رعباً وانهياراً في صفوف أفراد السرية وبعد اشتباك بمختلف الأسلحة أعلنوا الأستسلام وكان عددهم يزيد على اربعمئة جندي. أطلق سراح البعض منهم واقتيد اخرون الى معتقل استحدثه الثوار فجأة."
" ثم توجه المنتفضون لتحرير سجن الحلة. بدأت المعركة الساعة التاسعة والنصف ليلاً يوم ٣ اذار . وقد اتخذت أدارة السجن تدبيرات أستحكامية تعوق فتح الباب الرئيس وذلك بوضع شاحنة خلفه مما جعل فتحه من الخارج غير ممكن.
فالتف المنتفضون من جهة مهلة الجديدة واستخدام أحدى الدور المجاورة للسجن. فتسلقوا سطح الدار وتمكنوا من أحداث فتحة في أحد الجدران بواسطة قذيفة RBG7 ، وبعد أحداث الفتحة تمكنت مجموعة من السجناء من الخروج وقامت تلك المجموعة بفتح الباب الرئيس الذي خرج منه السجناء كافة وهم محملون بامتعتهم ويقدر عددهم ب ١٢٠٠ سجين وكان المعول عليه من هذه العملية هو اصطفاف السجناء مع الانتفاضة لكن هذا لم يحدث. تمكن المنتفضون من الأستيلاء على مبنى المحافظة والقائممقامية وامن البلدة يوم ٤ اذار ."
"لم تقتصر الانتفاضة على مدينة الحلة، اذ لحقتها مدن وقرى كثيرة مثل الكفل والقاسم والشوملي، والمدحتية ومن ثم الطليعة وهي مدينة تقع أقصى جنوب المحافظة باتجاه محافظة الديوانية".
في الوقت الذي كانت فيه الانتفاضة تشتعل في الصوب الكبير من الحلة فلقد كان عبد الحسن راهي فرعون جانب السلطة في صوبها الصغير بعد وصوله لها بعد انسحابه من النجف.
حيث ورد في افادة أحد البعثيين في المحكمة الخاصة بمحاكمة عبد الحسن "مساء يوم ١٩٩١/٣/٥ وفي حدود الساعة السابعة مساء أبلغ الرفيق طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية الرفيق عبد الحسن راهي فرعون " غدا سأتوجه لتحرير مدينة النجف وسوف يبقى في الحلة لواء من الفرقة الرابعة وفوج من أفواج الحرس الخاص وعليك يا رفيق عبد الحسن أن تلتقي بالفرع المسؤولين بالمحافظة وبآمر اللواء وآمر فرج الحرس الخاص وتضع خطة للسيطرة على المدينة والبدء بتفتيش مناطقها منطقة بعد أخرى وان يتم تفتيش كل بيت في كل منطقة. وقد أبلغ الرفيق طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية هذا الأمر في مقر شعبة نبوخذنصر في مدينة الحلة ( ولم يبادر بعقد هذا الأجتماع)."
وكان قد ورد في تقرير اللجنة التحقيقية مع عبد الحسن راهي فرعون
" لم يعمل بتوجيهات السيد نائب رئيس الجمهورية الرفيق طه ياسين رمضان عند لقاءه بالحلة حول وضع خطة للمواجهة والمحافظة على الأمن رغم تأكيد الرفاق عليه باهمية ذلك بعد مغادرة السيد نائب رئيس الجمهورية الى مكان آخر."
وورد في افادة عبد الحسن راهي فرعون في المحكمة الخاصة
"بعد قصفها وبقاء لواء ١٢٠ مقاتل فيها وفوج لا أعرف عدده ( أو وحدة عسكرية صغيرة) وحسب الخطط مع الرفيق طه ياسين وعند اجتماعي صباحاً مع الرفيق مسوول الحلة ومع آمر اللواء العسكري بعد أن كان بيتي في مقر المكتب ( اذ أخبرت الرفيق طه ياسين رمضان ليلاً بسقوط كربلاء). وضعنا الخطة حسب الأتفاق لتفتيش الصوب الكبير فأخبرني الرفيق علي السعدون مسؤول الفرع وكذلك آمر اللواء أن المخربين سيطروا على الصوب الكبير بعد خروج الفرقة العسكرية ولا تستطيع دخوله الان فاتخذنا خطة بوضع فوج حراسات لحماية جسر حمورابي ومنع المخربين من عبوره وزج مقاتلي اللواء باتجاه جسر الهنود لصد هجمات المخربين الذين اخذوا يصلون من الطريق السياحي بأتجاه الفرع. وصلني آمر الفوج وهو جريح واخبرني أن المخربين عبروا جسر حمورابي واستولوا على القوة الموجودة ثم في حوالي الساعة الحادية عشر والنصف تقريبا وصلني أمر اللواء واخبرني أن المخربين قد استولوا على منطقته في الصوب الصغير قرب الفرع ولم يستطع اخلاء الجرحى والشهداء.
وان المواضع الموجودة بعيدة عنه ليس فيها اتصال وهي مطوقة من قبل المخربين وكان الرفيق علي السعدون موجود عندي. أصبح الراي بعد شرح الموقف أن يخلص هو المواضع وان نفتح نحن الطريق حيث أصبح العدو خلفنا وان نقف خارج المدينة وذهبت الى بغداد وقدمت رسالة الى الرفيق سكرتير السيد الرئيس بالحالة ثم التحقت مع القوة التي وصلت الحلة."
أما عن هوية من شارك في انتفاضة محافظة بابل فقد ورد في تقرير أخباري من أحد المواطنين بتأريخ ١٩٩١/٣/٢٠
ذكر فيه أسماء ٢٠ من "الغوغائيين" في ناحية المدحتية في محافظة بابل " أردت أن أسرد اسمائهم لكي يتسنى للحزب التعرف عليهم ومن ثم انزال القصاص العادل بهم وانه على أتم الأستعداد للأشتراك في القبض عليهم. وفي نفس التقرير ذكر ملاحظة أن عددهم يصل الى ١٥٠ مخرب وسلاحهم هو بنادق وكلاشنكوف، قاذفات، رباعية واحدة، واحادية واحدة" والكل كانوا من سكنة المنطقة.وكذلك كتب نصير متقدم بتأريخ ١٩٩١/٣/١٧ من القاعدة الثالثة قاطع سعد الثاني أسماء عناصر "مخربة" من منطقته في محافظة بابل ناحية القاسم ولديه أدلة ما تثبت اشتراك تلك العناصر بالتخريب."
كان رد قيادة الفرع " التحقيق مع المذكور أعلاه من قبل الجهات الأمنية لأنه كان من ضمنهم" وتم أحالة التقرير الى وزارة الداخلية ومديرية الأمن العامة.

الانتفاضة في واسط
يبدو أن الانتفاضة في محافظة واسط كانت قصيرة ربما استمرت يوم أو أقل فقد ورد في جريدة الصباح الصادرة في يوم ٢٠١٤/٣/٢٩ لقاء مع أحد قادة الانتفاضة الشعبانية في واسط سلام حسين ابراهيم حيث قال " ان الانتفاضة الشعبانية التي انطلقت واخمدت في اليوم نفسه . منوها انني وبرفقة اشقائي ووالدي ووالدتي تمكنا من اشعال فتيل ثورة الانتفاضة الشعبانية في مدينة الكوت بعد ان اعلن الجيش العراقي انسحابه من دولة الكويت منكسرا جراء خوضه معركة غير متكافئة تكنولوجيا، مشيرا الى انني واخوتي قمنا بتشجيع الشباب للخروج من منازلهم والمشاركة في الانتفاضة، فيما كانت والدتي تطلق الزغاريد وتزف البشرى بانتصار الشعب على الطاغية وبزوغ فجر الحرية، إذ لبى شباب المنظمة تلك الدعوات والتحقوا بركب الثوار.
واضاف اننا لم نقم باعمال دموية كما هي اعمال البعثيين وازلام النظام الصدامي، لكننا قمنا بتجريد البعثيين من اسلحتهم واهانتهم كلاميا ليكونوا عبرة لغيرهم، مشيرا الى ان الثورة لم تستمر الا ليوم واحد بعد ان فرضت قوات الجيش العراقي طوقا امنيا على مشارف المدينة الشمالية وتوجيه الصواريخ والقاذفات صوب المدينة،الامر الذي دعا شباب الانتفاضة للخروج من المدينة خوفا على الاهالي من تهور تلك القوات."
وورد في نفس الصحيفة " فقدت اغلب العوائل اولادها لمشاركتهم في الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت واخمدت في اليوم نفسه فضلا عن تشريد مئات العوائل، فيما تشير الاحصائيات التي اعدتها احدى منظمات المجتمع المدني بان حصيلة شهدائها اكثر من ١٥٠ شابا وشابة وتم اعتقال اكثر من ٢٠٠ شخص وتهديم العشرات من المنازل".
وكما ذكرنا سابقاً فقد ورد في كتاب "المنازلة الكبرى وقائدها " لحميد سعيد، عبدالجبار محسن وعبد الأمير معلة " على رواية الفريق الركن علاء الدين الجنابي جاءت الأشارة الاولى من مدينة الحي، عن طريق أمر قاعدة أبي عبيدة في الكوت، حيث جرى تسلل من قبل مجموعة أيرانية مسلحة قادمة من اهوار ميسان واتجهت نحو مدينة الكوت، والتحق بها بعض الهاربين من الخدمة وفلول حزب الدعوة، وبدأوا بالرمي على مقر الشعبة الحزبية البعثية في مدينة النعمانية والمقرات الأدارية فيها، وقد أصدر آمر قاعدة أبي عبيدة أمراً بتسليح منتسبي القاعدة وسد جميع النوافذ تحسباً لأي طارىء ومنع خروج ودخول الأشخاص للقاعدة، والتنسيق مع كتيبة الانذار والسيطرة السادسة ومع كتيبة مقاومة الطائرات الموجودة لحمايتها حدث هذا في الساعة الثامنة وثماني دقائق من صباح يوم ١٩٩١/٣/١ وقد عرضت هذه المعلومات على انظار السيد الرئيس القائد العام للقوات المسلحة في الساعة التاسعة وخمس وخمسين دقيقة في صباح اليوم نفسه."
وورد في موضع أخر من الكتاب " في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم ١٩٩١/٣/٢ عرضت معلومات أمام السيد الرئيس جاءتنا من الخلية الجوية في الكوت تفيد بأنه في الخامسة وخمس واربعين دقيقة من المساء نفسه ، تمت السيطرة من جانب قواتنا بشكل تام على مدينة الحي وطرد العناصر المخربة منها وعودة الأدارات اليها. ولم تكمل عملية تطهير منطقة شرق الحي ومنطقة البشائر ولم يسمح لقوة قاعدة أبو عبيدة بالتوجه الى منطقة شرق الحي ألا صباح اليوم التالي لتطهير المنطقة المذكورة."