أحد المتامرين الذين ورد اسمهم في الأجتماع الأستثنائي.. احسان السامرائي نفى وجود موامرة ويبدو أنه عوقب لانتقادات كان ذكرها حسبت عليه...
مسؤول بعثي سابق يروي قصة اعتقاله وسجنه: صدام قال لي «هل تريد أن تعرف سبب اعتقالك؟ لقد سموك صدام البصرة»
إحسان السامرائي يقول إن انتقاداته لأسلوب عمل البعث أدخلته في مشاكل مع النظام
البصرة: بيتر سليفين* اصعب اللحظات بالنسبة لإحسان وفيق السامرائي، الذي كان مسؤولا بارزا في حزب البعث بمدينة البصرة، كانت في يوليو (تموز) 1979 عندما القي القبض عليه وامر بالاعتراف، رغم انه لم يبلغ بالجريمة التي كان مطلوبا منه الاعتراف بارتكابها. يتذكر إحسان انه كان يقف مذهولا مع رفاقه القادة في حزب البعث الذين لم يدركوا في ذلك الوقت ان حملة صدام حسين للتطهير بغرض التخلص من خصومه لم تبدأ بعد.
دخل بصورة مفاجئة ضابط بأحد اجهزة الامن وهو يقتاد شخصا معصوب العينين وقال ان هذا الشخص ايضا «لم يعترف بذنبه». قال السامرائي انه سمع الاوامر بقتل الشخص المعصوب العينين «اطلقوا الرصاص عليه». ثم شاهد الحارس وهو يوجه بندقيته الكلاشنيكوف الى عنق المعتقل. شعر السامرائي بالدم والبارود على وجهه وقال ان الحراس اعدموا ثلاثة اشخاص خلال ثلاث دقائق. عند ذلك ابلغ الضابط في جهاز الامن بقية المعتقلين قبل إعادتهم الى زنزاناتهم بأنهم سيواجهون نفس المصير اذا رفضوا الاعتراف.
لم يتوقع إحسان السامرائي، الذي كان يؤمن بقوة بأفكار حزب البعث، ان يكون هذا مصيره خصوصا انه انخرط في صفوف الحزب منذ ان كان طالبا في المرحلة المتوسطة عام 1956. وعندما وقع انقلاب 1958 على الحكم الملكي كان السامرائي مراهقا، وكان في بداية العقد الثاني من عمره عندما اعتقل عام 1963 مع مجموعة تابعة لحزب البعث حاولت الاستيلاء على محطة البث الاذاعي في مدينة البصرة خلال اعمال المقاومة ضد الحكومة العسكرية التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت.
التقى السامرائي في السجن صدام حسين الذي شاع في ذلك الوقت تورطه في محاولة لاغتيال الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم. لم تكن ظروف الاعتقال في ذلك الوقت قاسية وكان المعتقلون يناقشون السياسة باستمرار. اما السامرائي، فقد ابدى اهتماما بوجوده الى جانب البعثي الشاب الذي كان متهما بالتورط في محاولة لاغتيال رئيس البلاد. صدام من جانبه كان يتذكر الاسماء وابدى اهتماما خاصا بالكوادر الدنيا في اوساط الناشطين البعثيين.
يتذكر السامرائي قائلا ان صدام ، الذي اصبح نائبا للرئيس، قد خصه بهدية ارسلها له مع نادل خلال مؤتمر لحزب البعث عقد في السبعينات. يقول السامرائي ان الرسالة وراء تلك الهدية كانت واضحة وهي انه (السامرائي) يعتبر شخصا مفضلا بالنسبة لصدام وانه يجب ان يشعر بالفخر ازاء اهتمام صدام به خصوصا انه اصبح شخصا مهما في الدولة. ويضيف السامرائي ان الهدية كانت ايضا بمثابة رسالة للآخرين كي يصوتوا لصالح صدام. ويقول السامرائي ان التعامل بينه وبين صدام بات مختلفا تماما بعد ذلك بعد ان بدأ صدام ينظر اليه بصورة مختلفة عما كان عليه الحال في السابق، اذ يعتقد السامرائي ان صدام حسين يعاني من ازدواج الشخصية. كان السامرائي قائدا للواء عسكري بمدينة البصرة عندما استولى البعثيون على السلطة عام 1968. وخلال فترة الـ11 عاما التالية حتى اعتقاله تقلد عدة مناصب في حزب البعث على المستوى المحلي وحصل على عدة ألقاب لكنه يشعر بالحرج في ما يبدو في سردها الآن. كان السامرائي عضوا في المجلس الحاكم ورئيسا لتحرير الصحيفة الرئيسية بمدينة البصرة ومسؤولا عن تحرير مجلة رئيسية فضلا عن كونه مديرا لمحطة البث الاذاعي بالمدينة ونائب قائد ميليشيات حزب البعث، حيث كان مسؤولا عن الاستخبارات. وكان السامرائي شخصية بارزة بالفعل على مستوى المدينة.
ويقول سكان البصرة الذين يتذكرون السامرائي انه كان شخصا مهابا وكان مسموحاً له بالإطلاع على وثائق وملفات سرية وعلى صلة وثيقة بقيادة الحزب في بغداد. كما انه لا ينكر انه كان جزءا من جهاز الحزب الذي كان معروفا بوحشيته وقسوته، لكنه اشار الى انه ظل باستمرار يحاول النأي بنفسه عن التجاوزات التي يرتكبها جهاز الحزب. وفي واقع الامر يعتقد السامرائي ان سجنه عام 1979 كان بسبب شكاوى تقدم بها حول خط الحزب. وأضاف قائلا انه كان من الصعب عليه الموازنة بين مشاعره الحقيقية وواجباته. ويقول انه فكر في التخلي عن دوره الحزبي والسفر الى ألمانيا الشرقية سابقا لإجراء دراسة متقدمة في الادب، لكنه لم يواصل دراسته. ويرى انه في ذلك الوقت على وجه التحديد بدأ يشعر بوجود هوة واسعة بين الشعارات المرفوعة والواقع وبين المثل وما امكن انجازه بالفعل.
وفي عام 1977 شكا السامرائي من أن المتحف الجديد لحزب البعث في بغداد كان يولي اهمية زائدة للاحداث التي تجري في العاصمة ووسط العراق على حساب المناطق الاخرى، وطالب بأن تكون مدينة البصرة ممثلة ايضا وقدم الكثير من مآثر الجنوب واعماله البطولية. ووصلت آراء السامرائي الى احمد حسن البكر، الذي كان رئيسا للعراق في ذلك الوقت، ووافق فيما يبدو على ما ورد فيها من نقاط، الا ان صدام، الذي كان وقتذاك الرجل الثاني في العراق، استدعى إحسان السامرائي الى مكتبه، فمن الواضح ان البكر ابلغ صدام بتخصيص مكان للبصرة في المتحف، لكنه ابدى غضبا تجاه هذه الفكرة. وطبقا لاعتقاد السامرائي، فإن صدام شعر بأن ثمة تحدياً لسلطته. اعتبر السامرائي ما حدث بعد ذلك بمثابة نقطة تحول في مهنته، فصدام عندما يشعر بما يضايقه فإنه يختزن هذه الشعور ويحمله الى الابد. ودخل السامرائي مع صدام في نزاعا اخر، فقد كتب له مطلع عام 1978 خطابا اورد فيه انه من «المخجل» ان يوزع الحزب معلومات مشبوهة واردة من مخبر حول عضو قيادي في الحزب، بل ان السامرائي هدد بالاستقالة وقضى الاسبوع التالي معتكفا في بيته. وقال السامرائي ان مسؤولين في الحزب ارسلوا من بغداد لحمله على العدول عن رأيه، لكنه قال لهم انه يعارض في الاساس مثل هذه «التكتيكات القمعية» وابلغهم بأن «استخدام المخبرين والابتزاز وتكتيكات الضغوط اسلوب فاشي»، بيد ان هذه العبارة صارت ملتصقة به وكأنها ادانة له.
واصبح صدام رئيسا للعراق في 16 يوليو (تموز) 1979، وبعد اربعة ايام تلقى السامرائي وزملاء له في البصرة تعليمات بالتوجه ليلا الى بغداد للمشاركة في اجتماع حزبي طارئ، ووصلوا الى العاصمة ليجدوا خليطا من المشاركين بينهم ضباط عسكريون وأعضاء قياديون في الحزب وزعماء عشائر. ودخلت قاعة الاجتماعات مجموعة من الجنود وأحاطت بالمشاركين قبل ان يظهر صدام ويبدأ في إلقاء خطاب حول وجود «مخطط يستهدف الحزب والعراق». اعتقد السامرائي ان الامر لا يعدو ان يكون مجرد عبارات لا معنى لها تستخدم فقط للاستهلاك في مثل هذه المناسبات، إلا ان صدام بدأ في قراءة اسماء من قائمة كانت معه. واقتاد الجنود من داخل القاعة كل من ورد اسمه في قائمة صدام.
قرأ صدام اسم السامرائي واقتيد الاخير معصوب العينين الى مبنى في بغداد تعرض فيه المعتقلون للضرب ووصفوا بأنهم «خونة»، بل طلب منهم. «الاعتراف» دون اي نقاش. إلا ان المعتقلين لم تكن لديهم ادنى فكرة عما هو مطلوب منهم الاعتراف به.
وبدأت الإعدامات في الطابق الاول من ذلك المبنى خلال الليلة الاولى او الثانية، فقد تم جمع حوالي 40 معتقلا من زنزاناتهم وبعد إعدام اول معتقل جرى اقتياد اثنين آخرين من وسط المجموعة ليواجها نفس المصير. نصيب السامرائي من المحاكمة بعد حوالي اسبوعين كان دقيقة واحدة لم توجه له خلالها اي تهمة رسمية ولم يكن هناك دفاع في المحكمة، بل لم يعرض اي سبب لاعتقاله، اذ ان كل ما حدث هو ان مسؤولا في المحكمة وجه اليه سؤالا حول ما اذا كان مذنبا ام لا، ليجيب السامرائي بأنه غير مذنب. اخرج السامرائي ورفاقه من قاعة المحكمة وعندما اعيدوا تليت قرارات المحكمة على المتهمين وحكم على السامرائي بالسجن 10 سنوات.
ولا يزال السامرائي يجد الكلام عن السنوات التي قضاها خلف القضبان صعبا، اذ لا يزال يتذكر المعاملة السيئة والضرب والازدحام والحبس الانفرادي الذي كان تعذيبا نفسيا بالفعل تلقى السامرائي زيارة بعد ستة شهور من بداية فترة سجنه ونقل الى مكتب وهو معصوب العينين وكان مصغيا عندما اوضح له الشخص الذي اقتاده من زنزانته الى المكتب المذكور انه يملك سلطة تسمح له بقتله ان دعا الامر. وخلال حديثه مع هذا الشخص دخل شخص آخر الى المكتب والسامرائي لا يزال معصوب العينين، إلا انه تمكن من معرفة صوت الشخص الذي دخل المكتب؟ انه صوت صدام حسين الذي سأله قائلا: هل تريد ان تعرف ما هي خيانتك وسبب اعتقالك؟، رد السامرائي بالايجاب، ثم قال صدام حسين: «علمنا ان الناس ينادونك بصدام البصرة». ثم واصل صدام قائلا «اتهمتنا بأننا فاشيون»، ورد السامرائي قائلا: «اذا كنت خائنا اقتلوني»، ثم قال صدام: «هل تريد ان تموت؟». وأجاب السامرائي بنعم، إلا ان صدام رد عليه قائلا انه سيضعه في السجن الى الابد الى ان يتساقط رأسه شعرة شعرة، مؤكدا له انه بذلك سيقتله كل يوم طيلة السنوات التي سيظل خلالها خلف القضبان. واختتم صدام حديثه للسامرائي قائلا: «اود ان اقول لك شيئا.... كنت اشعر تجاهك بالارتياح في السابق، لكنك خنتنا واتهمتنا وهذا ربما يتسبب في قطع لسانك».
اطلق سراح السامرائي في 28 ابريل (نيسان) 1983 بموجب عفو بمناسبة عيد ميلاد صدام، وارسل بعد ذلك الى البصرة حيث حظر من السفر خارجها او التحرك بعيدا عن منزله. وبسبب شعوره بأنه فنان اكثر من كونه سياسياً، بدا السامرائي يكتب باستمرار وكل ما يأمل فيه الآن هو النشر والسفر، ويقترح ان يجتمع كتاب وفنانو العراق الذين عانوا من القمع والرقابة على مدى ربع قرن تقريبا في سفينة كبيرة اشبه بسفينة نوح للقيام برحلة حول العالم لمدة ستة شهور. ويقول السامرائي: «نريد ان نشعر بشيء من الخلاص والتحرر، نريد حرية التعبير.... نريد ان تتحدث النساء... ولكن سؤالي هو حتى اذا امكن تحقيق هذا الحلم، هل يمكن ان نرى الاشياء بصورة مختلفة؟ مات الكثير من الاصدقاء.... هذه محنتنا وما نشعر ازاءه بالحزن. نريد فقط ان ننسى هذا الكابوس».
* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
إحسان السامرائي يقول إن انتقاداته لأسلوب عمل البعث أدخلته في مشاكل مع النظام
البصرة: بيتر سليفين* اصعب اللحظات بالنسبة لإحسان وفيق السامرائي، الذي كان مسؤولا بارزا في حزب البعث بمدينة البصرة، كانت في يوليو (تموز) 1979 عندما القي القبض عليه وامر بالاعتراف، رغم انه لم يبلغ بالجريمة التي كان مطلوبا منه الاعتراف بارتكابها. يتذكر إحسان انه كان يقف مذهولا مع رفاقه القادة في حزب البعث الذين لم يدركوا في ذلك الوقت ان حملة صدام حسين للتطهير بغرض التخلص من خصومه لم تبدأ بعد.
دخل بصورة مفاجئة ضابط بأحد اجهزة الامن وهو يقتاد شخصا معصوب العينين وقال ان هذا الشخص ايضا «لم يعترف بذنبه». قال السامرائي انه سمع الاوامر بقتل الشخص المعصوب العينين «اطلقوا الرصاص عليه». ثم شاهد الحارس وهو يوجه بندقيته الكلاشنيكوف الى عنق المعتقل. شعر السامرائي بالدم والبارود على وجهه وقال ان الحراس اعدموا ثلاثة اشخاص خلال ثلاث دقائق. عند ذلك ابلغ الضابط في جهاز الامن بقية المعتقلين قبل إعادتهم الى زنزاناتهم بأنهم سيواجهون نفس المصير اذا رفضوا الاعتراف.
لم يتوقع إحسان السامرائي، الذي كان يؤمن بقوة بأفكار حزب البعث، ان يكون هذا مصيره خصوصا انه انخرط في صفوف الحزب منذ ان كان طالبا في المرحلة المتوسطة عام 1956. وعندما وقع انقلاب 1958 على الحكم الملكي كان السامرائي مراهقا، وكان في بداية العقد الثاني من عمره عندما اعتقل عام 1963 مع مجموعة تابعة لحزب البعث حاولت الاستيلاء على محطة البث الاذاعي في مدينة البصرة خلال اعمال المقاومة ضد الحكومة العسكرية التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت.
التقى السامرائي في السجن صدام حسين الذي شاع في ذلك الوقت تورطه في محاولة لاغتيال الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم. لم تكن ظروف الاعتقال في ذلك الوقت قاسية وكان المعتقلون يناقشون السياسة باستمرار. اما السامرائي، فقد ابدى اهتماما بوجوده الى جانب البعثي الشاب الذي كان متهما بالتورط في محاولة لاغتيال رئيس البلاد. صدام من جانبه كان يتذكر الاسماء وابدى اهتماما خاصا بالكوادر الدنيا في اوساط الناشطين البعثيين.
يتذكر السامرائي قائلا ان صدام ، الذي اصبح نائبا للرئيس، قد خصه بهدية ارسلها له مع نادل خلال مؤتمر لحزب البعث عقد في السبعينات. يقول السامرائي ان الرسالة وراء تلك الهدية كانت واضحة وهي انه (السامرائي) يعتبر شخصا مفضلا بالنسبة لصدام وانه يجب ان يشعر بالفخر ازاء اهتمام صدام به خصوصا انه اصبح شخصا مهما في الدولة. ويضيف السامرائي ان الهدية كانت ايضا بمثابة رسالة للآخرين كي يصوتوا لصالح صدام. ويقول السامرائي ان التعامل بينه وبين صدام بات مختلفا تماما بعد ذلك بعد ان بدأ صدام ينظر اليه بصورة مختلفة عما كان عليه الحال في السابق، اذ يعتقد السامرائي ان صدام حسين يعاني من ازدواج الشخصية. كان السامرائي قائدا للواء عسكري بمدينة البصرة عندما استولى البعثيون على السلطة عام 1968. وخلال فترة الـ11 عاما التالية حتى اعتقاله تقلد عدة مناصب في حزب البعث على المستوى المحلي وحصل على عدة ألقاب لكنه يشعر بالحرج في ما يبدو في سردها الآن. كان السامرائي عضوا في المجلس الحاكم ورئيسا لتحرير الصحيفة الرئيسية بمدينة البصرة ومسؤولا عن تحرير مجلة رئيسية فضلا عن كونه مديرا لمحطة البث الاذاعي بالمدينة ونائب قائد ميليشيات حزب البعث، حيث كان مسؤولا عن الاستخبارات. وكان السامرائي شخصية بارزة بالفعل على مستوى المدينة.
ويقول سكان البصرة الذين يتذكرون السامرائي انه كان شخصا مهابا وكان مسموحاً له بالإطلاع على وثائق وملفات سرية وعلى صلة وثيقة بقيادة الحزب في بغداد. كما انه لا ينكر انه كان جزءا من جهاز الحزب الذي كان معروفا بوحشيته وقسوته، لكنه اشار الى انه ظل باستمرار يحاول النأي بنفسه عن التجاوزات التي يرتكبها جهاز الحزب. وفي واقع الامر يعتقد السامرائي ان سجنه عام 1979 كان بسبب شكاوى تقدم بها حول خط الحزب. وأضاف قائلا انه كان من الصعب عليه الموازنة بين مشاعره الحقيقية وواجباته. ويقول انه فكر في التخلي عن دوره الحزبي والسفر الى ألمانيا الشرقية سابقا لإجراء دراسة متقدمة في الادب، لكنه لم يواصل دراسته. ويرى انه في ذلك الوقت على وجه التحديد بدأ يشعر بوجود هوة واسعة بين الشعارات المرفوعة والواقع وبين المثل وما امكن انجازه بالفعل.
وفي عام 1977 شكا السامرائي من أن المتحف الجديد لحزب البعث في بغداد كان يولي اهمية زائدة للاحداث التي تجري في العاصمة ووسط العراق على حساب المناطق الاخرى، وطالب بأن تكون مدينة البصرة ممثلة ايضا وقدم الكثير من مآثر الجنوب واعماله البطولية. ووصلت آراء السامرائي الى احمد حسن البكر، الذي كان رئيسا للعراق في ذلك الوقت، ووافق فيما يبدو على ما ورد فيها من نقاط، الا ان صدام، الذي كان وقتذاك الرجل الثاني في العراق، استدعى إحسان السامرائي الى مكتبه، فمن الواضح ان البكر ابلغ صدام بتخصيص مكان للبصرة في المتحف، لكنه ابدى غضبا تجاه هذه الفكرة. وطبقا لاعتقاد السامرائي، فإن صدام شعر بأن ثمة تحدياً لسلطته. اعتبر السامرائي ما حدث بعد ذلك بمثابة نقطة تحول في مهنته، فصدام عندما يشعر بما يضايقه فإنه يختزن هذه الشعور ويحمله الى الابد. ودخل السامرائي مع صدام في نزاعا اخر، فقد كتب له مطلع عام 1978 خطابا اورد فيه انه من «المخجل» ان يوزع الحزب معلومات مشبوهة واردة من مخبر حول عضو قيادي في الحزب، بل ان السامرائي هدد بالاستقالة وقضى الاسبوع التالي معتكفا في بيته. وقال السامرائي ان مسؤولين في الحزب ارسلوا من بغداد لحمله على العدول عن رأيه، لكنه قال لهم انه يعارض في الاساس مثل هذه «التكتيكات القمعية» وابلغهم بأن «استخدام المخبرين والابتزاز وتكتيكات الضغوط اسلوب فاشي»، بيد ان هذه العبارة صارت ملتصقة به وكأنها ادانة له.
واصبح صدام رئيسا للعراق في 16 يوليو (تموز) 1979، وبعد اربعة ايام تلقى السامرائي وزملاء له في البصرة تعليمات بالتوجه ليلا الى بغداد للمشاركة في اجتماع حزبي طارئ، ووصلوا الى العاصمة ليجدوا خليطا من المشاركين بينهم ضباط عسكريون وأعضاء قياديون في الحزب وزعماء عشائر. ودخلت قاعة الاجتماعات مجموعة من الجنود وأحاطت بالمشاركين قبل ان يظهر صدام ويبدأ في إلقاء خطاب حول وجود «مخطط يستهدف الحزب والعراق». اعتقد السامرائي ان الامر لا يعدو ان يكون مجرد عبارات لا معنى لها تستخدم فقط للاستهلاك في مثل هذه المناسبات، إلا ان صدام بدأ في قراءة اسماء من قائمة كانت معه. واقتاد الجنود من داخل القاعة كل من ورد اسمه في قائمة صدام.
قرأ صدام اسم السامرائي واقتيد الاخير معصوب العينين الى مبنى في بغداد تعرض فيه المعتقلون للضرب ووصفوا بأنهم «خونة»، بل طلب منهم. «الاعتراف» دون اي نقاش. إلا ان المعتقلين لم تكن لديهم ادنى فكرة عما هو مطلوب منهم الاعتراف به.
وبدأت الإعدامات في الطابق الاول من ذلك المبنى خلال الليلة الاولى او الثانية، فقد تم جمع حوالي 40 معتقلا من زنزاناتهم وبعد إعدام اول معتقل جرى اقتياد اثنين آخرين من وسط المجموعة ليواجها نفس المصير. نصيب السامرائي من المحاكمة بعد حوالي اسبوعين كان دقيقة واحدة لم توجه له خلالها اي تهمة رسمية ولم يكن هناك دفاع في المحكمة، بل لم يعرض اي سبب لاعتقاله، اذ ان كل ما حدث هو ان مسؤولا في المحكمة وجه اليه سؤالا حول ما اذا كان مذنبا ام لا، ليجيب السامرائي بأنه غير مذنب. اخرج السامرائي ورفاقه من قاعة المحكمة وعندما اعيدوا تليت قرارات المحكمة على المتهمين وحكم على السامرائي بالسجن 10 سنوات.
ولا يزال السامرائي يجد الكلام عن السنوات التي قضاها خلف القضبان صعبا، اذ لا يزال يتذكر المعاملة السيئة والضرب والازدحام والحبس الانفرادي الذي كان تعذيبا نفسيا بالفعل تلقى السامرائي زيارة بعد ستة شهور من بداية فترة سجنه ونقل الى مكتب وهو معصوب العينين وكان مصغيا عندما اوضح له الشخص الذي اقتاده من زنزانته الى المكتب المذكور انه يملك سلطة تسمح له بقتله ان دعا الامر. وخلال حديثه مع هذا الشخص دخل شخص آخر الى المكتب والسامرائي لا يزال معصوب العينين، إلا انه تمكن من معرفة صوت الشخص الذي دخل المكتب؟ انه صوت صدام حسين الذي سأله قائلا: هل تريد ان تعرف ما هي خيانتك وسبب اعتقالك؟، رد السامرائي بالايجاب، ثم قال صدام حسين: «علمنا ان الناس ينادونك بصدام البصرة». ثم واصل صدام قائلا «اتهمتنا بأننا فاشيون»، ورد السامرائي قائلا: «اذا كنت خائنا اقتلوني»، ثم قال صدام: «هل تريد ان تموت؟». وأجاب السامرائي بنعم، إلا ان صدام رد عليه قائلا انه سيضعه في السجن الى الابد الى ان يتساقط رأسه شعرة شعرة، مؤكدا له انه بذلك سيقتله كل يوم طيلة السنوات التي سيظل خلالها خلف القضبان. واختتم صدام حديثه للسامرائي قائلا: «اود ان اقول لك شيئا.... كنت اشعر تجاهك بالارتياح في السابق، لكنك خنتنا واتهمتنا وهذا ربما يتسبب في قطع لسانك».
اطلق سراح السامرائي في 28 ابريل (نيسان) 1983 بموجب عفو بمناسبة عيد ميلاد صدام، وارسل بعد ذلك الى البصرة حيث حظر من السفر خارجها او التحرك بعيدا عن منزله. وبسبب شعوره بأنه فنان اكثر من كونه سياسياً، بدا السامرائي يكتب باستمرار وكل ما يأمل فيه الآن هو النشر والسفر، ويقترح ان يجتمع كتاب وفنانو العراق الذين عانوا من القمع والرقابة على مدى ربع قرن تقريبا في سفينة كبيرة اشبه بسفينة نوح للقيام برحلة حول العالم لمدة ستة شهور. ويقول السامرائي: «نريد ان نشعر بشيء من الخلاص والتحرر، نريد حرية التعبير.... نريد ان تتحدث النساء... ولكن سؤالي هو حتى اذا امكن تحقيق هذا الحلم، هل يمكن ان نرى الاشياء بصورة مختلفة؟ مات الكثير من الاصدقاء.... هذه محنتنا وما نشعر ازاءه بالحزن. نريد فقط ان ننسى هذا الكابوس».
* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
"تدمير حزب البعث"...الجزء الأول http://saddamscruelty.blogspot.com/2009/02/blog-post_7822.html
الجزء الأخير عن "تدمير حزب البعث" http://saddamscruelty.blogspot.com/2009/02/blog-post_370.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق