الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

عدد قديم من جريدة الجمهورية- عن مصرع العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرة




أرفق هنا عدد قديم من جريدة الجمهورية فيه لقاء مع من ادعى أنه قاتل العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرة .

السبت، 5 ديسمبر 2009

القسوة لدى صدام حسين..."دولاب الدم"... الجزء الثاني


"في صيغنا القانونية والاجرائية والعملية وتكوين الحزب وتكوين القادة، ينبغي أن تكون هناك أستحالة مادية تمنع الردة من التكون. ولا يكفي أن تكون التعبئة العقائدية صحيحة، وانما ينبغي أن تحمي الثورة بسياج من الاستحالة المادية ، في صيغ عديدة ، وفي كافة الميادين. ولناخذ شاهداً من التاريخ .....جاء عمر بن الخطاب بستة أشخاص قبل أن يموت ، وقال لهم ادخلوا هذه الغرفة ، واختاروا واحداً من بينكم ، وقال للمقداد بن الأسود اذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هولاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم ..
واحظر عبدالله بن عمر ، ولاشي له من الأمر وقم على رؤوسهم، فان اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وابى واحد فخذ رأسه بالسيف وان اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وابى أثنان فاضرب رأسيهما ، فان رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكموا عبدالله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم ، فان لم يرضوا حكم عبدالله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس....
...وهكذا نجد أن قراءة التاريخ تعاوننا في وضع المنهج الصحيح."

صدام حسين.. المؤآمرة الخيانية تحليل أولي والدروس المستخلصة ..أب ١٩٧٩

رئيس الوزراء - عبد الرزاق النايف
من الرمادي كان بمنصب معاون مدير الأستخبارات العسكرية قبل انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ عين بعده رئيساً للوزراء لمدة اسبوعين حيث أقصي من منصبه ونفي الى خارج البلاد.
قللت الرواية الرسمية ,بعد ابعاده عن منصبه , من دوره في انقلاب عام ١٩٦٨ واظهرته بمظهر المتطفل الذي اضطر البعثيون على القبول بإشراكه في الأنقلاب وليس كمساهم أساس فقد ذكر أمير اسكندر في كتابه "صدام حسين مناضلاً ومفكراً وانسانا"
"كل شئ اصبح منتهيا الان الخطة جاهزة للتنفيذ الرفاق مستعدون.ساعة الصفر تحددت والاوامر على وشك ان تصدر من القيادة بالبدء في التنفيذ بعد ساعات قليلة.
ولكن جرس الباب يدق ويذهب احمد حسن البكر ليرى من يدق الباب في هذه اللحظة الشديدة الحرج والخطورة ثم يعود لهم بعد برهة وقد بدأ على وجهه القلق العنيف والتعب النفسي البالغ حاملا بيده رسالة طرحها امام اعضاء القيادة المجتمعين وهو يقول :اسمعوا هذه الرسالة التي جاء بها (احمد مخلص) الضابط بالاستخبارات العسكرية:
(اخي ابو هيثم) بلغني انكم ستقومون بثورة بعد ساعات تمنياتي لكم بالتوفيق واتمنى ايضا ان اشارككم...التوقيع عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية.
واسقط في يدهم دارت رؤوسهم ومادت الارض من تحت اقدامهم وكأن كرة الحديد قد مستهم وبدا أن كل شئ قد صار الان قبض الريح كل الامال الكبيرة تتقوض في لحظة . كل الخطط والترتيبات والنضالات الطويلة باتت هشيما تذروه الرياح بل ان الكارثة تلوح شيئا فشيئا اكبر وافدح ان الحزب كله اصبح في هذه الساعة مهددا تهديدا خطيرا بالتصفية الشاملة فضلا بطبيعة الحال عن ان الجالسين هنا الان سوف يواجهون بعد لحظات عقوبة الاعدام.
ونهض بعض الرفاق من اماكنهم واخذوا يمشون في الغرفة جيئة وذهابا. وكانهم يتحركون في قفص حديدي صغير وانطلق واحد منهم وقد بدت امامه النهاية المفجعة واضحة وضوح السطور القليلة الحاسمة التي حملتها الرسالة صارخا في وجه الاخرين مدينا تلك التحالفات – التي كان يوافق عليها منذ لحظة – والتي ادت الى هذه النهايات المدمرة واعتبر التحالف مع (الداوود) امر لواء الحرس الجمهوري هو الذي قاد الى افشاء اسرار الثورة وافضى الى هذه الكارثة.
ولكن الان؟ ليست هذه الساعة ساعة لوم او ندم والعجز في النهاية لا يليق برجال يوشكون على القيام بثورة لابد من مخرج ولكن من يقود الى المخرج؟
تكلم صدام حسين واوقف المناقشات التي تولول بعبارات اللوم والندم وقال في حسم مطلوب ومفتقد في تلك اللحظة : انا اقترح ان نقبل مشاركته.ونظر اليه الجميع وقد عقدت الدهشة السنتهم ولكنه – كمن يتلو قرارا اكمل :
اقترح ان يذهب اليه الرفيق احمد حسن البكر ومعه حردان التكريتي وصالح مهدي عماش او اثنان منهما ويقولون له :نحن نقبل حياك الله...وما كنا نتصور من قبل انك تريد تشاركنا ويعرضان عليه الموقع الذي يرضيه بعد الثورة فيما عدا رئاسة الجمهورية.
ولكن بشرط هو تصفيته فورا اثناء الدخول الى كتيبة الدبابات او بعد ذلك!.انني اذ اقترح هذا فانني ادرك بانه ماكان من الممكن ان نفعله لو ان هذا الرجل قد شاركنا العمل وفق صيغة طبيعية ولو كنا متاكدين من وطنيته وانه يريد المشاركة لانقاذ الشعب وانما فرض علينا"
وعكس ما ورد في الرواية الرسمية ذكر ابراهيم الداوود أمر الحرس الجمهوري انذاك أن النايف كان حاضراً لاول اجتماع تم فيه مفاتحة الداوود للمشاركة بالانقلاب حيث ذكر
"اتصل بي سعيد صليبي قائد موقع بغداد، وهو من منطقتنا اي من الأنبار، وقال انهم تلقوا خروفاً من منطقة الرمادي ويريدونني ان اشاركهم العشاء. سألته عن الحاضرين فقال: "انت وعبدالرزاق النايف وكمال جميل عبود وهو آمر فوج. ذهبنا وما ان دخلت حتى فوجئت بوجود احمد حسن البكر وحردان التكريتي وصالح مهدي عماش. أنا سألت عن الحاضرين لأتفادى احتمال وجود هذا النوع من الناس.
استقبلني البكر بالعتاب الودي، قائلاً: "انت رجل بلا وفاء لا تسأل عنا". كان يشير الى انه كان استاذاً في الكلية العسكرية يوم كنت تلميذاً. اجبته: "يا ابو هيثم انا وانت لا نلتقي. انت في خط وانا في آخر ولا شيء يجمعنا". وتناولنا العشاء فطلب سعيد صليبي ان نجلس بشكل معين انا وعبدالرزاق النايف إلى يميني وكمال جميل إلى يساري. وفي المقابل جلس البكر وحردان وعماش. وقال الصليبي: تفاهموا.
فقلت: "على ماذا نتفاهم؟".
قال البكر: "بعد أحداث البصرة أصدر الشيوعيون ضدك حكماً بالإعدام. الناصريون ضربوك مرتين ولو نجحوا لقصونا (ذبحونا) نحن وأنتم. نحن لا نريد شيئاً. أنتم أقوياء وفي السلطة. أنتم تحموننا ونحن ننقل إليكم ما يجري في الشارع". قلت له: "أنتم اخطأتم في ١٩٦٣ الشعب يكرهكم. قتلتم وذبحتم. وممارسات قصر النهاية لا تزال في ذاكرة الناس. لا أحد يحبكم".
قال البكر: "نحن اخطأنا فعلاً ونريد أن نكفر عما فعلناه".
قلت له هل تقسم بالقرآن على ما تقول، فأجاب: "اقسم بالقرآن وبالطلاق أيضاً".
قال: "أنا وحردان وعماش نعترف باخطائنا ونقسم. نحن لا علاقة لنا بحزب البعث ونريد العمل كمواطنين ونتعاون معكم للتكفير عن سيئاتنا".
طلبت من الصليبي أن يحضر القرآن. وهكذا أقسم البكر ورفيقاه.
قلت لحردان: "أنت لك سمعة غير طيبة إذا تعاونت معي سأتحمل عبء سمعتك".
أنا تألمت من صلاح عمر العلي لأنه قال انني اقسمت وحنثت بقسمي. الحقيقة أن الثلاثة أقسموا وحنثوا بقسمهم. في ذلك العشاء لم تكن هناك فكرة لإطاحة عبدالرحمن عارف. كانوا يعرفون أن لا فرصة لنجاح أي عملية تغيير من دون موافقة الحرس الجمهوري. وان الحرس ستكون له الكلمة الفصل في حال مقتل الرئيس لا سمح الله أو وفاته. وكانوا يعرفون أيضاً انني لست في وارد القبول بأي علاقة مع الشيوعيين وان الباب موصد بيني وبين الناصريين. طرحوا فكرة اللقاء كوطنيين. يمكن القول إن فكرة التعاون كانت من باب الاستعداد للمفاجآت.
كنا نقيم عشاء شهرياً. نجلس ونتبادل المعلومات ونتحدث في أوضاع البلد. كنا نلتقي في بيت مولود مخلص بناء على اقتراح حردان التكريتي. كان يحضر العشاء خمسة فقط البكر وحردان وعماش والنايف وأنا.
الحلقة تضم خمسة أنا والنايف والبكر وحردان التكريتي وعماش. قبل أكثر من شهر من موعد العملية اجتمعنا في منزل مولود مخلص. وأذكر ان حردان ذهب للاتيان بكباب للأكل، وان البكر ناداه مرتين يوصيه بأن يضعوا شيئاً من الجوز مع الكباب. ـ كان ينفي علاقته بالحزب. اقسموا بالقرآن فصدقتهم. - قرر الحاضرون أن أكون أنا رئيساً للجمهورية. فكرت للحظات ثم قلت لهم أنا عمري ٣٦ عاماً ولا أزال شاباً وأنا عسكري ولست سياسياً محترفاً واعتذرت. وقلت: "أنا اتنازل لأبي هيثم (البكر) شرط ألا يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة في الوقت نفسه. أي رئيس جمهورية فقط". بعدها عرضوا عليّ رئاسة الوزراء فقلت إذا لم أقبل الأولى فكيف أقبل الثانية. عندها اتفق أن أكون وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة. إذا تم اختيار البكر رئيساً للجمهورية وأنا وزير الدفاع. طرح البكر فكرة أن يكون هو أيضاً رئيساً للوزراء. عارض النايف وقال له أنت عليك صفة بعثية والأمر سيعقد علاقتنا مع سورية التي يمر نفطنا في أراضيها. كما عارض النايف اسناد المنصب إلى عماش أو حردان التكريتي للأسباب نفسها. وهكذا لم يبق إلا النايف، فتقرر أن يكون رئيساً للوزراء. طلب حردان أن يكون رئيساً للأركان فعارضت. أمضى النايف أسبوعين يحاول أن يقنعني حتى وافقت. أما عماش فقد اتفق أن يكون وزيراً للداخلية. هكذا توزعت المناصب بين الخمسة على أن يعتبر الأربعة أيضاً نواباً لرئيس الجمهورية وهو البكر. هكذا تم الاتفاق على مجلس قيادة الثورة. أنا اخترت موعد ١٧ لأنني اتفاءل به. ابني أركان ولد في ١٧ أيلول (سبتمبر). اعتبر هذا التاريخ مباركاً. اخترت ١٧ تموز وكان ليل الأربعاء - الخميس".
بعد أبعاد النايف الى الخارج حاول النظام اغتياله عدة مرات عنها ذكر مايلي في مذكراته
"حاول الحكم التكريتي البعثي القائم في بغداد اغتيالي عدة مرات... وبدأت محاولاتهم هذه في حزيران (يونيو) عام ١٩٦٩ حيث كنت اقيم في جنيف...
اكدت لي زوجتي ان جميع اصدقائي المخلصين نصحوها بأن تطلب مني ترك جنيف لأن هناك مؤامرة تدبر لاغتيالي والتخلص مني... وكان أحد ضباطي الذين اعتمد عليهم في بغداد يؤكد على هذه الناحية وهو المرحوم الشهيد النقيب الركن عبدالوهاب الداود وزميله الشهيد المرحوم النقيب الركن رياض محمد شكري المفتي وقد اعدما من قبل محكمة صدام التي شكلها برئاسة الجزار طه الجزراوي.
وصل الى جنيف المحامي جاسم مخلص وهو من أقارب حردان التكريتي المهم ان جاسم الرجل فور وصوله الى المطار يوم ٢ تموز ١٩٦٩ طلبنا في التلفون من المطار وقال بالحرف الواحد: "لازم تترك جنيف فوراً... لقد علمت من حردان التكريتي، وكان وزيراً للدفاع، بأن صدام التكريتي أرسل فرقة من عصابته لقتلك... فيجب ان تغادر فوراً... وقال انه مغادر الى فيينا ولا يستطيع البقاء في جنيف... وحذر كثيراً.
وقبل ان اغلق سماعة التليفون سألته: "قال لك حردان سبب اقدامهم على ذلك؟"، فأجاب من دون تردد "أخي هؤلاء مجرمون وعاثوا في البلاد فساداً والفوضى والظلم والقهر تسود البلاد... وحتى حردان سيقتلونه وهو يعرف ذلك جيداً ولا يقدر ان يفعل شيئاً لنفسه"..
وفي عام ١٩٧٢ اقترب الرصاص من رئيس الوزراء المنفي عبدالرزاق النايف. فتح باب شقته في لندن فأمطره المسلحون بالرصاص. اسعفه الحظ ونجا لكن الرصاصات أصابت زوجته لمياء.
عن حادث اغتياله ذكر نجله علي في مقابلة مع صحيفة الحياة "في ٩ تموز (يوليو) ١٩٧٨ تعرض لاطلاق النار وتوفي فجر اليوم التالي بعدما كان توفى سريرياً عقب الحادث مباشرة. يومها كانت المرة الوحيدة التي نقيم فيها في شقة خلال زيارة إلى لندن.
ما سبب الزيارة؟
- نحن وصلنا إلى لندن في الأول من تموز ١٩٧٨. والدي وصل في السابع منه آتياً من عمّان. أمضيت مع أبي يوماً جميلاً زرنا خلاله متحف الشمع ومنتزهاً للأطفال. في اليوم التالي لم أره. خرج صباحاً وعاد متأخراً في حدود العاشرة ليلاً. ابلغ والدتي أنه ذاهب لتناول العشاء فأصرت على مرافقته.كان العشاء مع (...) مسؤول المخابرات العراقية، واعتقد أنه كان في نادي "سبورتينغ" واقتصر على الثلاثة. ربما وجود المسؤول العراقي هو ما يفسر قلق والدتي وإصرارها على الحضور.في ٩ تموز، التاسعة صباحاً، قبلني والدي وقال لي أنا خارج وأعود في الحادية عشرة. طلبت منه أن يصطحبني إلى مكان معين فوعدني بذلك لدى عودته. في الساعة الثانية عشرة اتصل وقال إنه آت إلى المنزل.
"في الرابعة بعد الظهر وكنا لا نزال في انتظاره وفيما كنت أشاهد التلفزيون، قطع التلفزيون البرنامج لتقديم خبر عاجل وظهر فندق "انتركونتيننتال" ورجال الشرطة يتمشون أمامه. وسمعت ان اطلاق نار حصل وان المستر عبدالرزاق اصيب. نظرت إلى والدتي فلاحظت أنها لم تعرف ماذا يجري. كانت انكليزيتها ضعيفة. سألتني ما بي، فقلت لها انهم يتحدثون عن اصابة شخص اسمه عبدالرزاق. فجأة ضربت والدتي على رأسها واصيبت بنوع من الانهيار. طلبت مني الاتصال بالشرطة للتحدث معهم. اتصلت وقلت لهم ان شخصاً اسمه عبدالرزاق تعرض لإطلاق نار فمن هو. بعد تردد أكد الضابط وقوع الحادث وطلب مني ابلاغ والدتي أن والدي في مستشفى سانت ماريز. سألته أين اصيب فأجابني في كتفه. نزلنا بسرعة واستقلينا تاكسي إلى المستشفى. شاهدت والدتي سيارة اسعاف وراح المصورون يلتقطون لي الصور وأنا أبكي. كنت في العاشرة. الصحافيون لا يرحمون. حضر محقق من اسكوتلنديارد وأخرج أمامنا الجواز الأردني الديبلوماسي الذي كان يحمله والدي ومكتوب فيه دولة عبدالرزاق النايف.
هل عرفت والدتك بمن كان والدك سيلتقي في الفندق؟
- نعم ذهب للقاء عبدالحميد الخربيط (سفير سابق للعراق ظهر في حياتنا في ١٩٧٥ هو وشقيقه عبدالكريم الخربيط) والمسؤول العراقي. كنا نرى الخربيط مرات عدة في السنة وكان يزعم أنه يسعى إلى ترتيب العلاقات بين السلطة ووالدي. كان يفترض أن يكون الخربيط حاضراً لكن عندما سأل والدي عنه في الفندق أجابوه أنه غادر. عندها التقى المسؤول العراقي في غرفته.كل ما نعرفه أن المسؤول العراقي نزل مع والدي إلى بهو الفندق مودعاً وعاد إلى غرفته. فور خروج والدي من الفندق كان القاتل بانتظاره وعاجله برصاصات عدة.
ما اسم القاتل؟
- خالد أحمد. عراقي. سجن لمدة ٢٥ عاماً. البواب أمسك القاتل. أما المسؤول العراقي فقد غادر لندن ولم يظهر اسمه في التحقيقات. بالتأكيد جاء بجواز ديبلوماسي واسم مستعار.قلت انني توجهت مع والدتي إلى المستشفى، وبعد توسلات تمكنا من رؤية والدي وكان المشهد مؤلماً.
أين دفن والدك؟
- في مقبرة سحاب على طريق العراق".
سئل الرئيس من قبل المحقق الفدرالي عن اغتيال النايف ودور السلطة في ذلك " عندما قيل لصدام إن بعض الأفراد يعتقدون أنه تم قتل نايف من قبل قوات الأمن العراقية، قال «إن الله قتل نايف. فقد بدأ نايف في العمل ضد البلاد. لقد ذهب إلى إيران وقابل بارزاني في شمال العراق، وحسب المعلومات التي توافرت لدينا، فقد قابل موشى ديان، (وزير الدفاع الإسرائيلي). وقد كان ينظر إلى مثل هذه التصرفات على أنها تصرفات مشينة. وبالنسبة لمن قتله، فإن ذلك أمر آخر. فالله وحده هو الذي يعلم». وعندما تم توجيه سؤال إلى صدام عما إذا كان يعلم من قتل نايف، قال «لقد قلت لك إن الله وحده هو الذي يعلم». وعندما تم الضغط عليه أكثر ليجيب عن هذا السؤال، قال «لقد قلت لك بصورة واضحة تماما». وقال صدام فيما يتعلق بمصير داود «ربما يكون ما زال حيا، لكنه لم يكن خائنا. فلم يتم تسجيل شيء ضده». وعندما سئل صدام عن تصرف الحكومة العراقية فيما يتعلق بنايف، قال صدام «لست متأكدا لكنني أعتقد أننا حذرناه. لا أتذكر». وبعد ذلك سئل صدام عما إذا كان قد ألقي القبض على نايف وسجنه ومعاقبته بدلا من نفيه، وأن بعض الأشخاص يعتقدون أنه كانت هناك أوامر بقتله.
فأجاب صدام على ذلك بقوله: «ما يعتقده الناس شيء آخر، لكنني أعطيتك إجابتي».
كما يبدو من هذا الحوار لم ينف الرئيس دور العراق في اغتياله بل على العكس فهو يقدم تفسيراً لبقاء الداوود حي واغتيال النايف فالاول "لم يسجل شيئا ضده" والثاني "كانت تصرفاته مشينة".
كانت اجابة السيد النائب على نفس السوال , في اجتماع حزبي عقد بعد فترة قصيرة من اغتيال النايف , واضحة تماماً عن من قتله حيث أجاب بعد أن قهقه "حنه اللي چتلناه".

رشيد مصلح من مواليد تكريت بعد أن أنهى دراسته الأولية في تكريت انتقل الى بغداد ثم دخل الكلية العسكرية ليتخرج منها ضابطاً وظل يعمل في مختلف الوحدات حتى وصل الى رتبة لواء.عين بمنصب الحاكم العسكري عام ١٩٦٣ وساهم مع عبد السلام عارف بمحاربة الحرس القومي. عذب بقسوة وأهين في قصر النهاية حيث ذكر عبد الكريم فرحان في كتابه " حصاد ثورة" "نودي على طاهر يحيى ورشيد مصلح وبعد نصف ساعة نودي على نافع وفتح الحارس باب زنزانتنا ومضى نافع يتبع الحارس لم أستطع النوم وكنت اتوقع أن استدعى أيضاً وجاء نافع بعد أن تقدم الليل وسألته لماذا طلبوكم ..قال كان التلفزيون مفتوحاً وظهرت على شاشته راقصة مصرية جاءت للعراق بمناسبة ثورة ١٧ تموز فطلب ناظم كزار من طاهر يحيى ورشيد مصلح أن يرقصا مثلها..ثم قال لي أرقص أنت أيضاً ..قال نافع أجبته لا أعرف الرقص وإنما ساقرا لكم نشيدا باللغة الالمانية وقرأت النشيد."
فضل رشيد مصلح الموت على استمرار التعذيب فظهر أمام شاشة التلفزيون عام ١٩٧٠ معترفا بالتجسس لصالح العدو ليعدم بعد ذلك.

نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع - حردان التكريتي: ولد في تكريت عام ١٩٢٦. من اوائل البعثيين واحد المنفذين لأنقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣ والاطاحة بحكم عبد الكريم قاسم حيث تولى منصب قائد القوة الجوية. وهو احد المشتركين والمخططين الرئيسيين لأنقلاب ١٧ تموز عام ١٩٦٨ وتسلم حزب البعث السلطة ثانية . عين بعدها عضوا لمجلس قيادة الثورة ووزيرا للدفاع ورئيسا لاركان الجيش العراقي.
عرف حردان بالشجاعة وبالطموح بين الحزبيين ويبدو أن البكر كان يهابه حيث ذكر تايه عبد الكريم وزير النفط الأسبق في مقابلة مع قناة البغدادية
"أذكر أن فى احد الأيام فى اجتماع القيادة ذكر الرئيس البكر رحمه الله قال اننى اخشى من حردان التكريتي، أخشى أن انام فى القصر وحدى، وارجو من اعضاء القيادة أن ينام معى بالقصر وكنت أحد الأثنين الذين ناموا معه، وفى الصباح قلت له ساخذ ملابس قال : لا ربما احتاجكم" خوف البكر دفعه الى التجسس على مكالمات حردان كما ذكر الدكتور فخري قدوري في كتابه "هكذا عرفت البكر وصدام"
"كان البكر يرحب وقوفاً بالقادمين الى مكتبه ، ثم يجلس أمام منضدته التي تتواجد عليها هواتف عديدة ينشغل أحياناً بالمكالمات عبرها. واسترعى انتباهي وجود هاتف تحت جانب من منضدته. ولولا رن جرس هذا الهاتف أحيانا لما انتبهت لوجوده بتاتا. كنت ألاحظ مطالبة البكر الحاضرين التوقف عن الحديث حين يرن جرس هذا الهاتف . يرفع السماعة بهدوء ويضعها على أذنه مركزا على الأستماع للكلام وقتا طويلا دون أن ينبز ببنت شفة، ثم يعود ويضع السماعة على الهاتف بهدوء مماثل. تكرر هذا المشهد مرات عدة حين مقابلتي البكر في مكتبه ، ثم علمت بعدها أنه كان يتصنت على مكالمات حردان التكريتي الهاتفية.اللافت هو أن حردان كان على علم بعملية التصنت على مكالماته الهاتفية ومراقبة تحركاته. ومما أذكره اغتنام حردان أحدى جلسات مجلس الوزراء التي كان يترأسها بنفسه ليناشد الوزراء بأسلوب المداعبة كي يأخذوا حذرهم من الأعتقاد أن الهواتف الحكومية السرية هي سرية فعلا! ثم تطلع الى الوزراء وعلى وجه ابتسامة عريضة ساخرة".لم يبق حردان في مراكزه فترة طويلة ، فقد جرى أعفاوه من جميع مناصبه وعين سفيراً في أسبانيا في ١٥ تشرين الأول عام ١٩٧٠ ولم يلتحق بمنصبه حيث رفض الامتثال للقرار، وعاد إلى بغداد، ولكنه وضع في المطار في طائرة متجهة إلى الجزائر. وربما كتحذير لحردان من الأنخراط بعمل ضد البكر وصدام تم تسميم زوجته وهي في طريقها اليه حيث ذكر في مذكراته "بعد تسفيري الى الجزائر أخبروها أن عليها أن تلتحق بي في الجزائر ، ويجب عليها أن تقضي عمرها كله هنا ، وامروها بمغادرة العراق خلال ثلاثة أيام فقط ، وامتثلت للاوامر ، وحجزت مكانا في الطائرة العراقية التي كانت ستتوجه الى هنا، وفي المطار طالبوها بشهادة التطعيم ضد الكوليرا ولم تكن هي تحمل مثل ذلك ، فاجبروها على التلقيح.
ولكن ماذا كانت المادة التي لقحوها بها ؟ لقد كانت مادة قاتلة لم تعش بعدها ألا ساعتين فقط، حيث لفظت انفاسها الأخيرة على متن الطائرة. وحولها أولادي الستة الذين شاهدوا وفاتها لحظة بلحظة".
سرد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الكويت عملية اغتيال حردان التكريتي بتقرير رفعه الى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ ٣١/٣/١٩٧١ ذكر فيه "اغتيل هنا في الكويت، صباح أمس، حردان التكريتي، نائب الرئيس العراقي السابق، على مسافة نصف ميل من سفارتنا.
أحس حردان التكريتي بآلام في المعدة فتم تحديد ميعاد صباح أمس مع اختصاصي مشهور في المستشفى الأميري. ذهب مع حردان إلى المستشفى مدحت جمعة، سفير العراق في الكويت، وكانا في السيارة السفارة الرسمية، يقودها السائق الرسمي.عندما وصلت السيارة إلى مدخل المستشفى، تقدم نحوها شخص يرتدي بذلة غربية جميلة، وفتح الباب الخلفي ليخرج حردان. وعندما بدا حردان يخرج ووضع رجله اليمنى على الأرض وانحنى برأسه، اخرج الرجل مسدسا، وأطلق النار مرتين مباشرة في رأس حردان وعندما وقع حردان أطلق الرجل طلقتين نحو قلبه وطلقة الخامسة نحو معدته…".
"السفير لم يصب "… السفير مدحت جمعة،الذي كان يجلس إلى جوار حردان لم يصب بأذى. هرب القاتل ومعه أربعة رجال ويحمل بعضهم بنادق كلاشنكوف.
أطلق أحدهم النار على رجل شرطة طاردهم فأصابه في قدمه. وأطلق آخر النار على مواطن مدني طاردهم فأصابه في رجله.وكان هناك رجل يتحدث في هاتف عام،واعتقد الجناة انه يستدعي الشرطة،فأطلق أحدهم النار عليه فأصابه في يده ورجله.
واتجه الجناة نحو سيارة "فيات" كانت تقف على مسافة مائة قدم من المدخل المستشفى.وفي طرقهم رموا بعض أسلحتهم.عندما دخلوا كلهم السيارة، فشلو في إدارة محركها لسبب ما فأسرعوا بالخروج منها تاركين بندقية كلاشنكوف داخلها، واتجهوا نحو شاحنة في الطريق واجبروا سائقها على تركها،هربوا بها، ثم تركوها على مسافة أربعة شوارع من المستشفى واختفوا.
وأصبح واضحا أن ما حدث كان خطة دقيقة، وأنها نفذت كما حدد لها. وأن الجناة لا بد أن يكونوا خططوا لهربهم من الكويت. وعلى أي حال بدأت الشرطة الكويتية في التحقيق واعتقلت بعض الناس…".

صالح مهدي عماش ولد في بغداد عام ١٩١٤ وعاش في الأعظمية ,دخل الكلية العسكرية ليتخرج منها ضابطا. انخرط في صفوف حزب البعث بالتنسيق مع أحمد حسن البكر، ساهم في الأعداد لانقلاب عام ١٩٦٣ وتولى حقيبة وزارة الدفاع، وبعد انقلاب عارف على البعث اختير عضوا في القيادة السرية للبعث، وكان له دورا في ألتهيئة لانقلاب عام ١٩٦٨.

وبعد الأنقلاب عين عماش بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية برتبة فريق ركن.وكما عرضنا في الجزء الأول كان عماش هو الأحق بمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة لكن البكر قام بتلك المناورة التي رواها صلاح عمر العلي وذلك باتهام عماش بالتامر ليتم تمرير ترشيح وأنتخاب قريبه صدام حسين لذلك المنصب.
وكما ذكر جواد هاشم في كتابه " مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام "حتى جمال عبد الناصر كان مستغرباً لتعيين صدام في هذا المنصب بدلاً من عماش حيث ذكر
"سألني عن صدام حسين كثيراً، وعن صحة الإشاعة التي مفادها أن صداماً لم يكن مرشحاً لأن يكون نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وأن المرشح كان صالح مهدي عماش، فكيف حصل أمر اختيار صدام؟ وهل هذه بوادر خلافات في القيادة العراقية، أم مناورات جديدة لأحمد حسن البكر باعتباره قريباً لصدام؟
ذُهلت، كيف يعرف عبد الناصر هذه التفاصيل الدقيقة عن اختيار صدام لمنصب النائب دون عماش الذي كان مرشحاً لذلك المنصب فعلاً، في حين لم يعرف أن من سيقابله هو جواد هاشم وليس حازم جواد؟
قلت له إن معلوماتي هي أن اختيار صدام حسين لمنصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كان قد تم في الأيام الأولى للثورة، ولم يكن صالح عماش مرشحاً. قلت ذلك مع أنني كنت أعرف أن الحقيقة هي عكس ذلك.
الحقيقة أن صالح مهدي عماش، كان قد رُشح لمنصب نائب الرئيس، وأن موضوع اختيار النائب كان مدرجاً على جدول أعمال القيادة، وكان يؤجَّل بحث الأمر في كل اجتماع منعاً لبعض الحساسيات التي قد يثيرها العسكريون من أعضاء القيادة، وخاصة حردان التكريتي.
وقد أكد لي، في حينه، أحد أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، أن صالح مهدي عماش، قد أُوفد إلى الأردن لتفقد القطعات العسكرية العراقية هنالك. وقد استغل البكر وصدام غيابه، وبحثت القيادة أمر اختيار النائب، وتم التصويت «ديمقراطيا»، وفاز صدام حسين.
كانت تلك الحقيقة التي أنكرتها لعبد الناصر، ولكن يبدو أن معلوماته كانت دقيقة حول هذا الموضوع إلى حد بعيد. وقد علق قائلاً: «إن اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أمر يعود إلى الإخوة في العراق، ولكن الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش، وبلطجي».

"وعلى الرغم من عماش لم يعين في منصب النائب ، فأنه لم يبد أي تذمر علني بالرغم من أنه كان عضواً في القيادتين القومية والقطرية للحزب ، وعضواً في مجلس الثورة، ونائباً لرئيس الوزراء ومن أقدم الحزبيين ضمن تلك المجموعة القيادية. وقد سألته مرة عن سبب تعيين صدام بمنصب النائب ، فحاول عماش التبرير بأن الأمر تم في أطار القيادة الجماعية ومتطلبات المرحلة ، من دون أن ينتقص من قدر صدام وكفاءته ، بل بالعكس ، أكد لي أنه ملتزم بما يراه الحزب وانه لا مانع لديه حتى لو عينه الحزب عريفاً في الجيش. ولكن كما اتضح فيما بعدئذ، فقد بقي عماش متألماً من تلك المناورة ، وكان يعرف تماماً ما سيحدث بالعراق لو انفرد صدام بالحكم".
بعد اقصاء النايف والداوود بقي ثلاثة أشخاص يمثلون عقبة في وصول صدام الى المركز الأول وهم حردان وعماش والبكر. وساهم البكر نفسه في أبعاد حردان وعماش حيث صدر قرار مجلس قيادة الثورة في ٣ نيسان بتعيين كل من عماش وحردان بمنصب نائب رئيس الجمهورية واعفائهما من مناصبهم الأخرى ( وزارة الدفاع ووزارة الداخلية). وبعد اعفاء حردان من جميع مناصبه في تشرين الاول عام ١٩٧٠ ومن ثم اغتياله عام ١٩٧١ كما عرضنا أعلاه جاء دور عماش .
حيث اعفي من جميع مناصبه في أيلول ١٩٧١ وعين سفيرا في الخارج . وذكر جواد هاشم في مذكراته " للصداقة التي تربطني بعماش، فقد ذهبت لزيارته في داره ، واصطحبني عماش الى حديقة الدار وكأنه يخشى الكلام داخلها . استفسرت منه في الحديقة عن أسباب اعفائه ، فقال وهو في حالة عصبية بالحرف الواحد : هذه مناورة من صدام التكريتي لأنه يريد أن ينفرد بحكم العراق. وسوف أقولها صراحة لك يادكتور جواد ، لو انفرد صدام بالحكم فستسيل الدماء انهاراً. أنه شخص دموي خطير ، رئيس عصابة لا أكثر ولا أقل.
ولكن اطمئن ، فأنني سأعود الى العراق بعد أشهر قليلة بمنصب رئيس الوزراء وهذا اتفاق بيني وبين البكر. وعند مغادرتي الدار قال عماش : تذكر هذا الكلام واحفظه سراً بيننا. لو حكم صدام العراق فأن الدماء ستسيل انهاراً!!
وقد اثبتت الأيام صحة ما توقعه عماش حول صدام ، وليس ما توقعه حول عودته الى العراق رئيساً للوزراء".
وفي عام ١٩٧٩ بعد أن أفلح السيد النائب من الوصول الى سدة الحكم وبعد أن تمت عملية تصفية ثلث القيادة القطرية تحدث الرئيس عن عماش وحردان فقال
"كيف بنا لو نرجع الى عام ١٩٦٨ واعوام ١٩٦٩ ، ١٩٧٠, ١٩٧١ ، حيث كان وراء كل واحد من المتآمرين والمغامرين داخل الحزب والثورة جنوده من الرجعيين واليميين والمشبوهين من خارج الحزب ، وهم في الحسابات التقليدية أقوى من الحزب. فصالح عماش كان قوة لا يستهان بها بالحسابات التقليدية ، لأنه كان فريق أول ركن ونائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية ، وعضواً في القيادة القومية ألا أن الشجاعة كانت تنقصه، فلو كان شجاعاً ربما كان أخذ الحكم رغم وجود صدام حسين وطه الجزراوي وعزة الدوري والرفاق الأخرين..لكن حردان كان شجاعاً ، ألا أنه بلا غطاء داخل الحزب ، ولو كان لديه غطاء من داخل الحزب ربما كان أخذ الحكم"...

عن ردة فعل عماش على هذا الحديث الذي طبع ووصل له قال صلاح عمر العلي في حديث مع جريدة الحياة
"كان صدام حاقداً عليه. قبل وفاة عماش بنحو عامين تحدث صدام إلى الكادر الحزبي، وقال إن عماش حزبي لكنه جبان، في حين إن حردان التكريتي غير حزبي لكنه شجاع. طبع الحديث في كراس صغير ووصل إلى الشخص المعني. كتب عماش رسالة إلى القيادة القومية لحزب البعث قال فيها: هل ترضى القيادة القومية أن يكون أحد أعضائها موصوفاً بالجبن. فإذا كانت تعتقد بصحة التهمة يجب أن تتخذ قراراً بفصله. وبعث برسالة إلى القيادة القطرية يعترض فيها على الكلام ويطلب التصحيح.
رداً على ذلك، استدعى صدام قيادات سابقة من مجلس قيادة الثورة وقيادة الحزب في ١٩٦٣ لتقويم عماش، وكنت بين المدعوين. طلب صدام من الحاضرين تقويم عماش الذي قال أيضاً في رسالته: هل يصح أن توجه تهمة الجبن إلى من كان مسؤولاً عن المكتب العسكري في الحزب في ١٩٦٣ حين تسلَّم البعثيون السلطة ثم خسروها. كان صدام يصر على أن عماش لم يكن مسؤولاً عن المكتب العسكري في ١٩٦٣. كان بين الحاضرين شخص يدعى محسن الشيخ راضي، وهو كان عضواً في القيادة القطرية في ١٩٦٣ ومن البارزين وما يزال حياً ويقيم في العراق. تحدث أعضاء في القيادة القطرية التي باتت بزعامة صدام، فشنوا هجوماً عنيفاً على عماش. وحين وجه السؤال إلى محسن الشيخ راضي رد مؤكداً أن عماش كان مسؤول المكتب العسكري في القيادة وأنصف الرجل. طبعاً كانت جرأة منه. ذلك أن قول الحقيقة كان عملية شاقة يمكن أن تدفع صدام إلى ارتكاب أي حماقة يمكن المرء أن يتصورها.
نظر صدام إلى عماش كخطر محتمل وراح يقلل من شأنه وعيّنه سفيراً في فنلندا، وهي دولة ذات دور محدود، إلى أن استدعي إلى الجبهة ومات مسموماً.
كيف قتل عماش؟
يقول المقربون جداً إن تشريح جثته أكد أنه قضى مسموماً. والقصة هي الآتية: استدعي عماش إلى بغداد للمشاركة في ما كان يسمى المعايشة، أي إرسال عدد من السفراء إلى الجبهات خلال الحرب العراقية - الإيرانية. طبعاً لا يحتاج عماش إلى مثل هذه المعايشة، فهو عسكري كبير ومعروف، أمضى سنوات طويلة في الجيش. وعلى رغم ذلك أشركوه في الدورة وأمضى بين شهرين وثلاثة أشهر ثم عاد إلى فنلندا. بعد عودته بدأ يعاني مشكلات صحية وتوفي خلال فترة قصيرة، علماً أنه كان رياضياً ولم يكن يعاني من أي مرض. المقربون يجزمون أنه مات مسموماً.

العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرة قائد معركة وزارة الدفاع في ٨ شباط وعضو مجلس الثورة والمكتب العسكري , عن حادث مصرعه ذكر حازم جواد في مقابلة معه في جريدة الحياة في ٩/٢/٢٠٠٤
"هذه الجريمة لا تقبل الجدل فهي كانت مرتبة, والسبب في ذلك, واذكرها للمرة الاولى, انني كنت طرفاً فيها.
ففي احد ايام اواخر سنة ١٩٦٨, وصل الى بغداد الصديق طلعت صدقي السوري الاصل, وكان يشغل في ذلك الوقت مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية العربية المتحدة, وكان بيته ومقره قريبين من بيت الرئيس عبدالناصر, وكان مبعوثاً للاستطلاع او لكتابة تقرير, وهو صديق شخصي لي ويعرف عبدالستار عبداللطيف منذ ايام ثورة ١٤ تموز وثورة ١٤ رمضان, وله علاقات ايضاً مع صالح مهدي عماش والبكر وعلي صالح السعدي, وعلى رغم انه شخصية ناصرية الا ان له علاقة متشابكة مع البعث العراقي, هي علاقة ود ان لم تكن علاقة تعاطف. دعاه عبدالستار عبداللطيف, الذي كان متقاعداً في ذلك الوقت, الى عشاء في الساعة السابعة والنصف. وكان من المدعوين انا وعبدالكريم مصطفى نصرة وضابط او اثنان من معارفه. نصرة معروف بين اصدقائه وزملائه بدقته في المواعيد الى درجة عجيبة, فاذا كان موعده في السابعة, فلا يمكن ان يأتي بعدها بدقيقة او قبلها بدقيقة, وهو يسكن قريباً من بيتي, فأنا كنت اسكن في المنصور وهو في مدينة اليرموك. وكان من المفروض ان يمر علي, ونذهب الى الجانب الشرقي من بغداد الى بيت عبدالستار عبداللطيف, وعند الساعة السابعة بالضبط تلقيت هاتفاً من عبدالستار عبداللطيف يتوسلني كي اذهب الى فندق بغداد لجلب طلعت صدقي الى داره, ويبدو انه لم تكن هناك سيارة رسمية مخصصة لطلعت صدقي, قلت له وماذا عن عبدالكريم؟
قال اترك له خبراً عند السيدة الوالدة ليتوجه مباشرة الى هنا. حاولت الاتصال به مرتين وثلاثاً ولم يكن هناك اي رد منه, عندها تركت له رسالة عند امي, ان يلحق بنا.
ذهبت الى فندق بغداد واخذت معي طلعت صدقي, وتوجهنا بعدها الى بيت عبدالستار عبداللطيف الكائن في منطقة الصليخ المشهورة, وبدأنا نتسامر مع بقية المدعوين والآخرين, وفجأة انتبهنا الى ان عبدالكريم تأخر على غير عادته, فاتصلنا به في بيته الا ان الهاتف بقي يرن ولا من يجيب. فاتصلنا بأمي نسألها ان كان قد جاء, فقالت لا, وبقينا الى حد الساعة العاشرة ننتظره ليأتي ويتعشى معنا, ولكن الهاتف ما زال يرنّ بلا جواب, عندها اعتقدنا ان شيئاً ما قد حدث قطعاً.
تناولنا العشاء وغادرنا بيت عبدالستار بحدود الساعة الثانية عشرة, على امل ان نفهم في اليوم التالي ما حدث لعبدالكريم ودعاه الى الغياب. عاد معي طلعت لأوصله في طريقي الى فندق بغداد, وصلنا الى ساحة التحرير المشهورة, واذا بها محتلة من قبل عدد من المدنيين ورجال الشرطة والجيش وقد اختلط الحابل بالنابل, وكأن هناك مسيرة او تظاهرة. حتى تلك اللحظة كنت لا أزال معروفاً واسمي متداولاً, فوقفت لأنهم لم يسمحوا للسيارة بالمرور الى ساحة التحرير, سألت اثنين او ثلاثة مدنيين وقلت لهم انا فلان, ما الخبر؟ فقالوا ألم تعلم يا سيدي؟ قلت لا, فأجابوا: الليلة سيتم اعدام مجموعة من جواسيس اسرائيل, وستعرض جثثهم في ساحة التحرير, ولذلك فالطريق الوحيد هو ان تسلك شارع ابو نواس. استغربت وقلت ما هي قصة هؤلاء الجواسيس, اما طلعت صدقي فقد اصفرّ وجهه ولم يكن مرتاحاً للعملية, وكانت لديه حركة مشهورة عندما تخطر له فكرة او كذا كان يضرب على جبينه, ففي تلك اللحظة ضرب على جبينه بيده بشكل عجيب, فقلت له ما الامر, فقال بدأت الان اقلق على صديقك. طبعاً طلعت كان امضى حياته في الاستخبارات المصرية, وفي المكتب الثاني السوري, قلت له ولماذا؟
قال قلبي يقول لي ذلك, فأنتم تقولون عن هذا الرجل انه مضبوط المواعيد, واتفقتما ان يمر عليك, فما هو الهدف من هذا التوقيت؟ فقلت له ان هذه مجرد ظنون. على كل حال اوصلته, وذهبت انا الى البيت. في صباح اليوم التالي اتصل بي احد الاصدقاء هو الضابط عزيز شهاب وهو صديق قديم لعبدالكريم نصرة وللاسرة, وقال البقية بحياتك, عبدالكريم نصرة قُتل... فقلت له اعوذ بالله هل تتكلم بصدق؟ قال نعم. لقد اتصلت بي اخته في الصباح, وانا سأمر عليك.
اخذتني المفاجأة, من الذي يريد قتله, وفوراً ربطت المسألة مع حادثة البارحة. اذاعة بغداد والتلفزيون باشرا منذ الصباح الباكر بالحديث عن اعدام ١٠ او ١٢ بينهم عدد من اليهود وجنود واصحاب مخابز, وهناك معلومات علمتها متأخراً من احد منظمي هذه العملية هو السيد علي رضا, ان هذه كانت كلها تمثيلية, وان هؤلاء كانوا معتقلين لدى عبدالرزاق النايف ايام عبدالرحمن عارف, وقيد التحقيق. استدعوهم من الاستخبارات العسكرية الى قصر النهاية, وبعد ذلك قاموا بهذه التمثيلية والغرض منها كما قال لي علي رضا الارهاب فقط.
كلّمت صديقاً او اثنين من اصدقاء عبدالكريم في وزارة الدفاع, وذهبت الى بيته. كان البيت مغلقاً, والشرطة العادية تتولى الامر, اي ليس الاستخبارات او اجهزة اخرى علماً ان الرجل شخصية بارزة من شخصيات حزب البعث وكان معتقلاً طيلة فترة عبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف, وعُذب وهو كان بطل محاولة الخامس من ايلول ١٩٦٤ التي القي القبض فيها على صدام, فهو كان الرقم واحد. لم نستطع ان نفهم شيئاً, ولكن عرفنا من احد افراد عائلته ان الدخول ممنوع, وان الدولة وضعت يدها على البيت وان المغدور كان مصاباً بأكثر من طعنة بالسكين.
كان رئيس التنظيم العسكري الذي يتبع الفرع البعثي المؤيد لسورية بعد الانشقاق, وان احمد حسن البكر وصدام, بذلا معه جهوداً كبيرة قبيل ١٧ تموز لينضم اليهما, وكان عنيداً ويرفض عروضهما, ويقول لهما "انا لا اشتغل معكما او مع عماش وغيره, انا حزبي حقيقي". شاع الخبر في بغداد. نظمنا له تشييعاً في اليوم التالي وقراءة فاتحة في جمعية الاداب الاسلامية, وجاء ممثلون عن السلك العسكري العراقي, فقط غاب البعثي الرسمي الحكومي, اذ لم يأت احد منهم. الغريب انه اطلقت اشاعة في اليوم التالي في وزارة الدفاع وعلى عموم الحزب الرسمي ان عبدالكريم مصطفى نصرة كان رجلاً مخادعاً للحزب وللجميع وشاذاً جنسياً, وكان معه احد الصبيان عندما قتل, ويبدو ان هذا الصبي هو الذي طعنه وقتله وهرب بسيارته, لأن سيارة عبدالكريم لم تكن موجودة. طبعاً هذه عملية خسيسة, فهو كان في الجيش ولم يثر احد هذا الموضوع ولم نكن نسمع عنه هذه السمعة عندما كان في الخدمة العسكرية.
كان نصرت أحيل الى التقاعد منذ ايام عبدالسلام عارف, اي بعد عملية ٥ ايلول ١٩٦٤ اذ اعتقلوه واحالوه الى التقاعد.
وخرج الجميع من السجن قبله. عذبوه تعذيباً شديداً للبوح بأسرار التنظيم, وصمد صموداً عجيباً وغريباً, حتى انه كان يسحل, اذ يربط بسيارة جيب وتجره على طريق قناة الجيش, وكان ذلك في عهد عبدالسلام عارف, ورفض اعطاء اي كلمة, وكان صموده رمزاً لجميع البعثيين, لم يعترف مثل الآخرين كصدام الذي كشف ان الدراسة التي ضُبطت عنده وضعناها في القاهرة انا وطالب شبيب.
وماذا عن الولد؟
- كانت اشاعة, وكنا نرد عليها بانها كذبة وافتراء. وفجأة قالوا امسكنا القاتل, وظهر على التلفزيون بعدما ضجت بغداد, بعد خمسة ايام من الحادث اذيع بيان يقول, ان القاتل اعتُقل في مدينة النجف ومعه سيارة عبدالكريم نصرة. وظهر شاب صغير, لم يتعرف عليه اي من المقربين من عبدالكريم نصرة, وادعى انه خادم نصرة, وانه قتله, ولمح الى شذوذه الجنسي, وانه كان على خلاف معه وطمع بسيارته. كان واضحاً ان الامر مرتب, واضطروا الى اعلان هذا البيان. والاذاعة السورية فتحت النار على بغداد بعدما اثارت قصة نصرة ضجة. وبقي هذا الولد معتقلاً بانتظار تقديمه الى محاكمة عادية, ثم اختفت آثاره. لم يقدم الى محاكمة ولم يُعرف شيء عن مصيره, وانقطعت اخباره الى اليوم".


طاهر يحيى التكريتي ضابط تولى رئاسة أركان الجيش بعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣. شارك عبد السلام عارف في ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣ في السيطرة على الحكم والانقلاب على حزب البعث.أصبح رئيساً للوزراء في ٢٠ تشرين الثاني ١٩٦٣ لغاية ٣ أيلول ١٩٦٥ . أعيد تعيينه رئيساً للوزراء في ١٠ تموز ١٩٦٧ . أعتقل في تموز ١٩٦٨ بعد انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ .
عنه كتب أحمد الحبوبي في كتابه "أشخاص كما عرفتهم" "اعتقل طاهر يحيي في معتقل الفضيلية في بغداد وضيق عليه في المعتقل وعومل معاملة سيئة وكان معه في المعتقل مجموعة كبيرة من السياسيين ومن اتجاهات مختلفة منهم محمد صديق شنشل وعبد الكريم فرحان،خير الدين حسيب،أديب الجادر،مالك دوهان الحسن،ود.شامل السامرائي وآخرون...وينقل الدكتور رحيم الكبيسي الذي كان معه في المعتقل ان طاهر يحيي غضب غضبا شديدا عندما بلغه ان أهله أو عائلته تتوسط له عند البكر...
وعند أول مقابله له مع زوجته منعها من الاتصال بالبكر أو بغيره للتوسط له من اجل إطلاق سراحه أو التخفيف عنه...كما ذكر الكبيسي ان طاهر يحيي نقل لهم نبوءة عبد السلام عارف من انه سيأتي يوم يعتقلهم البكر ويضعهم في السجن وذلك عندما ذهب طاهر يحيي وبعض الضباط إلى عبد السلام عارف للتوسط من اجل إطلاق احمد حسن البكر عندما اعتقل بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها البعث في ٥/٩/١٩٦٤..ويقول طاهر يحيي وفعلا هذا هو اليوم الذي تنبأ به عبد السلام عارف...
واتعب الانقلابيون أنفسهم من اجل الحصول على أدلة تدين طاهر يحيي بالفساد أو الرشوة ولم يوفقوا...فقد اعتقلوا(عبد الواحد زكي)المدير المفوض لشركة الكوكا كولا وراحوا يعذبونه من اجل ان يقر ويعترف بأنه رشا طاهر يحيي من اجل تمشية معاملات الكوكا كولا ولم يعترف الرجل لأنه فعلا لم يدفع رشوة لطاهر يحيي حتى مات تحت التعذيب...ثم نقل طاهر يحيي إلى معتقل قصر النهاية وهناك كانوا يعقدون جلسات للتسلية على المعتقلين ويتفننون في استعمال الوسائل من اجل التسلية...ولم يسلم طاهر يحيي من جلسات الأنس هذه فكان يؤتي به ويربط حوله وسطه حزام ليبدو وكأنه راقصة ويطلبون منه الرقص...ثم كلفوه بتنظيف المراحيض زيادة في الإهانة والإذلال وقد احتمل كثيرا وصبر وقضى وقتا طويلا في قصر النهاية وساءت صحته وزادت شكواه من مرض عينيه حتى كاد يفقد بصره...
وأطلق سراحه فاعتكف بداره لا يبرحها وكانت المراقبة على داره شديدة وعندما تضطره الضرورة للخروج تتبعه سيارة إلى حيث يذهب وتحصي عليه تحركاته وسكناته ولم يزره احد من أصدقائه أو معارفه عدا بعض أقربائه واخذ بصره يضعف وأراد ان يعالج عينيه خارج العراق فمنع من السفر فعلق على المنع بقوله:سبحان الله حتى(الشراميط)تسافر إلى خارج العراق وأنا ممنوع من السفر من اجل العلاج...وانطوي يكابد علته الجسدية والنفسية حتى فارق الحياة رحمه الله..."

اللواء الركن عبد العزيز العقيلي ,
من الموصل تخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان ثم رشح لكلية الأركان في انكلترا التي تخرج منها بتفوق. درس في كلية الحقوق عام ١٩٥١ عين معلماً في كلية الأركان ثم مديراً لشعبة المناورات في مديرية التدريب وبعد ذلك رئيساً لاركان الفرقة الأولى في الديوانية.عين قائداً للفرقة الأولى بعد انقلاب ١٤ تموز ١٩٥٨ حيث كان ضمن مجموعة الضباط الأحرار.
أثر نجاح انقلاب شباط ١٩٦٣ رقي الى رتبة لواء وعين مديراً عاماً للموانىء العراقية ثم استقال من منصبه وعاد اليه بعد الأنقلاب المضاد في ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣ وبقي في منصبه حتى أيلول ١٩٦٥ حيث عين وزيراً للدفاع في وزارة عبد الرحمن البزاز وبقي في هذا المنصب حتى وفاة الرئيس عبد السلام محمد عارف واثر اختيار عبد الرحمن عارف لرئاسة الجمهورية اعتزل السلطة.
عنه كتب جليل العطية في كتابه "فندق السعادة" "أعتقل في تشرين الأول ١٩٦٨ وتحمل شتى صنوف والوان التعذيب حتى قدم الى ما يسمى بمحكمة الثورة مع ثمانية عشر من رفاقه ممن كان يطلق عليهم أسم زمرة العقيلي وفي الحادي عشر من حزيران ١٩٧٠ حكم عليه بالاعدام..
ونقل الى سجن أبي غريب في جناح الأحكام الشاقة وبعد أن أمضى فيه خمس سنوات قاسية صدر أمر في نيسان ١٩٧٥ بخفض الحكم الى الموبد. وظل يعاني من العذاب حتى اذا تسلم صدام حسين السلطة (الكرسي الأول) زاد التعذيب.
وفي أب ١٩٨٠ نقلته مخابرات النظام الى أحد أوكارها المجهولة لفترة شهر تقريباً واعادته مسموماً الى سجن أبي غريب الأحكام الخاصة وقد بدت عليه أثار مرض خبيث ، وراحت صحته تتدهور يوماً بعد يوم أخر ، بحيث راح جلده يتساقط ويتقيح ، ثم تعطل جهازه الهضمي بسبب انغلاق المريء وتضال وزنه بشكل رهيب الى ما يقرب أربعين كيلوغراماً ثم فقد بصره ونطقه وظل في زنزانته التي لا تتجاوز مساحتها المترين طولاً والمتر عرضاً..
ورفضت أدارة السجن تقديم أي علاج له، كما رفضت محاولات أسرته لعرضه على طبيب من خارج السجن، وكان يقوم على خدمته رفيقان له من السجناء حتى وفاته..
ويكمل عنه جليل العطية "جمعتني بالعقيلي حجرة ضيقة في قصر النهاية عدة أيام من كانون الأول ١٩٦٨ . لم تكن بيننا معرفة مسبقة كان يبدو شاحباً ، وقد أطلق لحيته وبعد ساعات زال تردده. انسجمنا وفتح الرجل لي قلبه الكبير .. وسرعان ما تغيرت الصورة الغائمة التي كنت أحملها له عن بعد.
انطلق يتحدث عن السياسة والفكر ، وكان يكثر من تلاوة القران الكريم ويودي الصلاة في أوقاتها ويطيل السجود.
عندما استدعي ل (حفلة التعذيب)- أول مرة أثناء وجودي-
لم يآرق لي جفن ، جيء به بعد ساعات، واثار التعذيب الوحشي واضحة على معظم جسده النحيل.. وحاول أن ينام فلم يوفق.. وفتح المصحف ، وبدت معالم السرور على وجهه واطلعني على الأية التي منحته الثبات والصمود ، فاذا هي (والذين صبروا على ربهم يتوكلون ) ( العنكبوت: ٥٩).
كان أخر عهدي به أنني التقيت به ذات صباح في الرواق المودي الى المرافق الصحية ..
كان قد نحل كثيرا . وزاد شحوبه بشكل مرعب.. همس في أذني
- انتبه الجماعة سيغرقون العراق بانهار من الدم!
-أهرب أن استطعت الى الخارج"...
"عندما اعتلى صدام الكرسي الأول كان العقيلي
١- محكوماً بالسجن الموبد قبل أربع سنوات.
٢- مقيما بصفة دائمة ومنذ اثنتي عشرة سنة في معتقلات وسجون النظام
دون أن يتمكن من الأتصال باحد أو العكس..
فلماذا جرعة السم الذي أدت به الى الوفاة بعد عذاب وتعذيب شديدين؟
حدثني وزير سابق أن صداماً أطلع في أحدى الليالي على محضر تحقيق مع العقيلي فلم يرقه ، وكان قد قدم لتوه من سهرة صاخبة امضاها في مطعم فاروق- أحد أماكنه المفضلة أيامئذ، فاستدعاه ليحقق معه بنفسه .. واثناء احتدام المناقشة وجه أتهاماً للعقيلي فعالجه هذا بالبصاق على وجهه!
فأقسم صدام على تصفية هذا "المصلاوي" العنيد".

فؤاد الركابي ولد في الناصرية عام ١٩٣١تخرج في كلية الهندسة جامعة بغداد . وهو مؤسس حزب البعث في العراق وقد مثل الحزب كوزير للاعمار بعد انقلاب عام ١٩٥٨.
ترك الحزب عام ١٩٦٢ وفي عام ١٩٦٨ أعتقل وحكم عليه بالسجن بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة .
وصف حاله في السجن خالد علي الصالح في كتابه " على طريق النوايا الطيبة " حيث ذكر
" شاهدته من بعيد وكان في حالة سيئة ، يقوم بكل بكل طاقته يدفع عربة محملة بالقمامة من مكان الى أخر ، فرثيت لحالنا جميعاً. وقد علمت فيما بعد أنه على هذا الحال من فترة طويلة ، وأي تراخ منه تنهال على جسده السياط".
"جلبوا فؤاد ليربط واقفاً على قدميه على باب الزنزانة التي أقبع فيها.وبعد أن ذهبوا قمت من مكاني وتطلعت من خلال الفتحة في أعلى الباب، ومع الحبال التي تشد الضحية تأكدت أن الذي يقف أمام الباب مشبوحاً هو فؤاد الركابي ، أول أمين سر لحزب البعث العربي الأشتراكي في العراق، وأول وزير بعثي في حكومة ثورة ١٤ تموز. فقلت له كيف حالك يا فؤاد؟ فقال من ؟ خالد، فلم أستطع أن أرد عليه فقد خنقتني عبرتي حيث تدفقت دموعي مع دموعه.قال أنني عطشان فهل تستطيع أن تعطني جرعة من الماء. فلم أجد من وسيلة تستطيع أن تنفذ من ألكوة أعلى الباب سوى ملعقة الطعام التي كانت لدي ، فدلقت فيها قطرات لاكثر من مرة لأصبها في فم فواد مباشرة حيث لا يستطيع أن يستخدم يديه المربوطتين. ثم روى لي ما تعرض له من تعذيب لكي يقول لهم بأنه جاسوس. والان اعادوا عليه دورة التعذيب لكي يوقع أمام قاضي التحقيق الذي جلبوه الى قصر النهاية ، على اعتراف قاموا بكتابته بالشكل الذي يريدون كاعتراف من فواد بأنه جاسوس.
وعندما رفض التوقيع ، بدأت دورة جديدة من التعذيب. وبقي فؤاد على هذا الحالة لمدة يومين وكنت أعطيه قطرات من الماء واحياناً قطعة من الرقي حيث اقتسمها بيني وبينه".
"لم يخطر ببالي أبداً أن هذا الشخص المشبوح بالحبل أمام الباب كان منذ عشر سنين أميناً لسر الحزب الذي خرج من عباءته هولاء ، وانا القابع خلف هذا الباب في زنزانة أقرب الى القبر منها الى أي فضاء أخر ، وبأمر من ؟
بأمر من شارك في عمل ( محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم) خططت له قيادة كان فؤاد الركابي أمين سرها وكنت أنا مسؤول بغداد وقمنا بتكليف مجموعة من المنتمين الى هذا الحزب بتنفيذ ما خططنا له.وكان بين أولئك الذين نفذوا من يقف اليوم على رأس هولاء الذين يفعلون بنا وبغيرنا من خلق الله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت . ولماذا
وبدون أي ذنب ألا لأ ننا اخترنا طريقاً، فقط، طريقاً لا غير، غير طريقهم. ولا أدري ؟
هل هو ذنب اقترفناه نسدد ألان كفارته".
"اخذوا فؤاد الى مكان أخر وبعد نحو شهرين أو أكثر رأيت المنظر نفسه الذي رأيت فيه فؤاد لأول مرة في قصر النهاية ، حيث كان يدفع عربة محملة بالقمامة ، وعلمت ممن كان في هذا المكان أنه بقي على حاله هذه لفترة طويلة".
بالرغم من اصدار تعميم على منتسبي الحزب بعد الحكم عليه بأنه لم تثبت عليه تهمة التجسس وسوف يطلق سراحه فقد تم اغتياله حيث كلف سجين بقتله مقابل وعد باطلاق سراحه فهاجمه بسكين زودته به أدارة السجن ونقل الركابي الى المستشفى ويقال أنه لم يسعف وترك مسجى على النقالة ليموت بأمر من صدام حسين.

عبد الرحمن البزاز
أستاذ قانون. حصل على البكلوريوس في القانون من كلية الحقوق ببغداد ، ثم أكمل دراسته العليا في جامعة لندن. كان أحد المويدين لحركة رشيد عالي الكيلاني، حيث سجن بعد فشل انقلابها في ايار ١٩٤١.
عين في نهاية الحرب العالمية الثانية عميداً لكلية الحقوق ، وبقي في ذلك المنصب حتى عام ١٩٥٦ ، حيث اعفي من منصبه لاحتجاجه على موقف الحكومة العراقية السلبي من العدوان الثلاثي على مصر.
أعيد تعيينه بعد انقلاب ١٤ تموز ١٩٥٨ عميداً لكلية الحقوق حتى اذار ١٩٥٩ ليعتقل بعد اختلافه مع حكومة عبد الكريم قاسم.
وعند الأفراج عنه غادر الى القاهرة وبقي فيها لاجئاً سياسياً حتى شباط ١٩٦٣ ، حيث عين سفيراً في مصر ثم سفيراً في بريطانيا.
خلال الفترة ١٩٦٤-١٩٦٥ انتخب سكرتيراً عاماً لمنظمة اوبك اضافة الى منصبه سفيراً للعراق. عين في ٦ أيلول ١٩٦٥ نائباً لرئيس الوزراء
وبعد اسبوعين تقريباً تولى منصب رئيس الوزراء ، وبهذا أصبح أول رئيس وزراء مدني عراقي منذ عام ١٩٥٨، واستمر في منصبه حتى بعد وفاة عبد السلام محمد عارف وتعيين شقيقه عبد الرحمن محمد عارف رئيساً للجمهورية.
استقال في ٦ أب ١٩٦٦ من رئاسة الوزراء نتيجة للضغوط التي مارسها الجيش لإزاحته بعدما حاول التقليص من نفوذ الموسسة العسكرية وامتيازاتها ، وخلق جو من الديمقراطية والأدارة المدنية في البلاد.
أعتقل بعد انقلاب عام ١٩٦٨ بفترة وجيزة في ٢٤ كانون الثاني ١٩٦٩ بتهمة التامر على السلطة وحكم عليه بالسجن مدة ١٥ سنة ، وقد تعرض للتعذيب الشديد في سجنه بقصر النهاية
وفي عام ١٩٧٠ أفرج عنه لأسباب مرضية ليغادر الى لندن حيث توفي هناك عام ١٩٧١.


وزير الخارجية ناصر الحاني قتل في عام ١٩٦٨ :ولد عام ١٩٢٠ في عانة في الأنبار. درس في جامعات بغداد والقاهرة ولندن حيث حصل على الدكتوراة من بريطانيا .
تقلد مناصب تعليمية ودبلوماسية عديدة أهمها أستاذ مساعد في جامعة بغداد، ثم ملحق ثقافي بسفارة العراق بواشنطن ، وسفير العراق في كل من لبنان وواشنطن. عينه عبد الرزاق النايف وزيرا للخارجية بعد انقلاب ١٩٦٨ بعد تنحية النايف عينه البكر مستشارا في القصر الجمهوري .
عن مصرعه ذكر حازم جواد "كان البكر يتظاهر امام الحاني بأنه هو المهدد من قبل "الاولاد" كما كان يسميهم, ويقصد صدام ومجموعته في العلاقات العامة, الذين هم ناظم كزار وعلي رضا ومحمد فاضل وسعدون شاكر وطاهر محمد امين وغيرهم. كان البكر عندما يأتيه الحاني الى غرفته ليتكلم في موضوع ما, يأخذه الى حدائق القصر ويقول له "أخشى ان يسمعنا الاولاد ويؤذوك". ويبدو ان الحاني كان مطمئناً الى رئيس الجمهورية, الى ان ذهب ثلاثة من مكتب العلاقات العامة واقتادوه في احدى الليالي وقتلوه ورموا جثته في احد شوارع بغداد في مكان محاذ لقناة الجيش, وسببت هذه الحادثة صاعقة لأهل بغداد, ليس لنوعية الدكتور الحاني وانما فقط لبداية ممارسات هذا النظام, لأنهم ادعوا في بياناتهم ان ١٧ تموز انقلاب ابيض او ثورة بيضاء, ثم ان المعروف عن الحاني انه شخص ديبلوماسي وليست له يد في العمل السياسي والتآمري اليومي. قد تكون عليه سمعة وارتباطات اخرى لا يعلمها الا هو والله, ولكن المعروف عنه انه من السلك الديبلوماسي العراقي وتعاون مع عبدالكريم قاسم وتعاون مع بعث ١٩٦٣".
عن سبب مصرعه ذكر جليل العطية في كتابه فندق السعادة "رفض تعيينات أشخاص لا كفاءة ولا شهادات عندهم . كما رفض تدخل صدام وامثاله - ممن لا مناصب رسمية لهم في شوون وزارته. ولم يجد الحاني مفراً من الشكوى الى البكر. اشتكى لديه من تدخل صدام ...وشرح له كل شيء.
تدخل البكر لصالح الحاني.. مما أغضب صدام وجهاز مخابراته.
ثم تكررت الحوادث.. حوادث الأنتهاكات والتجاوزات. وتكرر تدخل رئيس الجمهورية. حنق صدام على الحاني وتوعده بعقاب أثيم..
وعندما قام صدام بتنحية النايف والداود بعد ١٣ يوماً فقط من تشكيل النايف حكومته.. اشترط على البكر عدم استيزار الحاني..
غير أن البكر قرر الأحتفاظ بالحاني كمستشار شخصي له . وعندما باشر الرجل عمله في القصر الجمهوري أحس أن شبح صدام حسين مازال موجوداً.. أنه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة..
كان البكر يستشير الحاني.. وكان الحاني مخلصاًصريحاً في نصح رئيسه..
ووصلت الأخبار الى صدام حسين من الجواسيس الذين زرعهم في القصر الجمهوري ...عندما أحس صدام أن الحاني يقف حجر عثرة في طريق طموحاته قرر تصفيته ..ولم يجد صعوبة في رسم الخطة..
أوعز الى أحدى الصحف اللبنانية أن تنشر مقالاً عنيفاً ضد النظام العراقي وتتهم قادته بأنهم عملاء للاستعمار.. وان الواسطة بين الأستعمار والنظام هو مستشار رئيس الجمهورية: ناصر الحاني!
وفور نشر المقال ووصول الجريدة الى بغداد، ألقي القبض على الحاني.
وتولى ناظم كزار تعذيبه باشراف صدام حسين شخصياً.
اتفق صدام مع كزار على تصفية ناصر الحاني وقذف جثته في أحدى الشوارع الخالية في منطقة قناة الجيش".

وزير الخارجية عبد الكريم الشيخلي قتل في عام ١٩٨٠
رفيق صدام لاكثر من عشرين سنة ساهم في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم وسجن مع الرئيس وهربا معا من السجن في أوائل الستينات. كان عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث وعضو في مجلس قيادة الثورة عام ١٩٦٨ . عين وزيراً للخارجية في ٣٠ تموز من العام نفسه وقيل أنه ساهم بتهريب قتلة حردان التكريتي الى الكويت، اعفي من منصبه في أيلول ١٩٧١ ، حيث عين ممثلا دائماً للعراق في الأمم المتحدة. استدعي في شباط ١٩٧٨ الى بغداد للتشاور ثم أعتقل وحكم عليه بالسجن مدة ٦ سنوات بتهمة التامر، ثم أفرج عنه بعد فترة. وفي نيسان ١٩٨٠ قتل برصاصة في رأسه وهو في طريقه الى دائرة الكهرباء في منطقة الأعظمية في حين لاذ الجناة بالفرار.
ذكر حسن العلوي في كتابه "العراق دولة المنظمة السرية" مساهمة الشيخلي في التحقيق مع المعتقلين في قصر النهاية حيث ذكر" في عام ١٩٨٠ زرت مدرساً كان يقدم دروساً خصوصية لولدي في الفيزياء بمناسبة أطلاق سراحه من الأعتقال وكان قد اختفى عام ١٩٧٠ فجأة ولم يعثر على أثر له.وعلمت من شقيقه انذاك أن الشرطة السرية ألقت عليه القبض وهو يصلي في جامع براثا في منتصف الطريق بين الكرخ والكاظمية فحدثني عن يومياته في معتقل قصر النهاية الذي أمضى فيه ثلاث سنوات وامضى السبع الباقية في معتقل أخر ، قائلاً ( في ليلة ١٣ رمضان عام ١٩٧٠ استدعاني عبد الكريم الشيخلي وزير الخارجية للمثول أمامه في هيئة التحقيق وقد وجدته لاول مرة ودياً للغاية خلافاً لتصرفاته معي في أوقات سابقة وقد نهض من مكانه فتصورته سيجلس الى جانبي لكنه أخرج من ثلاجته قنينة ويسكي وصب كأساً وقدمه لي فشكرته على ذلك معتذراً.
قال اشرب.

قلت أنا مسلم كما تعلم فاعذرني.
قال وهل نحن كفار خذ واشرب.
قلت أن الله يمنعني من ذلك.
قال وانا أمرك على ذلك
.قلت معاذ الله أن أخالف أمر الله.
قال اذا لم تشرب هذا فستشرب شيئاً أخر.
لكنني أصررت على موقفي ، فنادى شخصاً يدعى صبحي - وكان هذا من قساة هيئة التحقيق ومن مساعدي ناظم كزار وقد أعدم معه في عام ١٩٧٣- فقال له خذه وتبولوا في فمه فاخرجني الى باحة السجن واجتمع أربعة أشخاص ففتحوا فمي وانا ملقى على الأرض وبالوا فيه فتقدم الوزير قائلاً لي
يبدو أن هذا هو شرابكم المفضل."

وزير الخارجية مرتضى الحديثي قتل في السجن في عام ١٩٨٠ .
ولد في حديثة عام ١٩٤١ عضو القيادة القطرية لحزب البعث وعضو مجلس قيادة الثورة
من تموز ١٩٦٨ . شغل منصب وزير العمل والشوون الأجتماعية من اذار ١٩٧٠ لغاية
تشرين الأول ١٩٧١. ، وعين وزيراً للخارجية بعد الشيخلي حتى حزيران ١٩٧٤ ، حيث اعفي من جميع مناصبه وعين سفيراً في موسكو ، ثم في أسبانيا ، أستدعي في تموز ١٩٧٩ الى بغداد لحضور موتمر للسفراء ولكنه أعتقل بتهمة التامر وحكم عليه بالسجن قتل في السجن مسموماً وسلمت جثته لزوجته وكان وزنها ٣٠ كيلو غراماً في عام ١٩٨٠.


القسوة لدى صدام حسين...... " دولاب الدم"...الجزء الأول
القسوة لدى صدام حسين...... " دولاب الدم"….الجزء الأخير

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

رسالة من لمياء النايف إلى صدام:عمر الظالم أقصر من عمر الزهور

احتفظ عبدالرزاق النايف في حقائبه بنص الرسالة التي وجهتها زوجته لمياء إلى السيد النائب صدام حسين بعد اصابتها في محاولة اغتيال زوجها في لندن في 17 شباط (فبراير) 1972، وهنا نص الرسالة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
مستشفى "ميدلسيكس"، لندن في 25/2/1972
إلى السيد صدام حسين التكريتي
كان بودي أن اكتب رسالتي هذه بعد الحادث الذي تعرضت له وزوجي مباشرة، ولكن اصابتي اعاقتني عن ذلك وحيث أن صحتي الآن جيدة جداً والحمد لله، لذا فإنني أسطر لك هذه الرسالة باعتبارك الحاكم الفعلي في العراق ولا أوجهها إلى أي مسؤول آخر، حيث انني أعلم جيداً أن كافة مسؤوليكم من أحمد البكر (رئيس جمهورية) إلى أصغر الرفاق لا حول لهم ولا قوة وما هم إلا دمى شطرنج تتحرك باسماء رمزية ولا تنطق ولا تعبر عن مراكزها الحقيقية فعلاً.
تعلم يا حضرة الرئيس الفعلي كما يعلم الشعب العراقي الكريم أن زوجي السيد عبدالرزاق النايف هو القائد الفعلي والحقيقي لثورة السابع عشر من تموز البيضاء، حيث خطط لها مع اخوانه وزملائه الأحرار حتى تكللت بالنصر والنجاح، وكان الشعب العراقي يحدوه أمل واحد هو أن تضع هذه الثورة حداً للمآسي التي حدثت في الماضي والتي ليس لها صفة خاصة أو عامة لذكرها الآن. وتعلم أيضاً أنه هو الذي نصّب رئيسكم الحالي رئيساً للجمهورية دون أن يكون له أي دور يستحق الذكر في ثورة 17 تموز وذلك بعد أن قطعتم العهود والوعود وأقسمتم له بالسلاح وبالشرف العسكري بأنكم ستعتبرون بدروس الماضي القريب وما جرته الحزبية الضيقة العمياء على البلاد من كوارث وارزاء. كانت تأكيداتكم وايمانكم توحي بأنكم ستنهجون نهجاً جديداً وتنفذون بصدق وامانة واخلاص ما جاء في البيان الأول للثورة، واضعين أمامكم مصلحة البلاد العليا والأمة العربية فوق كل اعتبار، غير أنه ومع شديد الأسف خنتم عهودكم ونقضتم ايمانكم بالشرف واغرتكم السلطة بعد أن عدتم من عزلتكم القاسية إلى الحكم، فقمتم بانقلابكم الملطخ بالخزي والعار والمجلل بالخيانة والغدر اللئيم والمنافي لجميع القيم الإنسانية والاخلاق العربية والإسلامية حيث اعتقلتم زوجي وهو ضيف عليكم عندما كان يتناول طعام الغداء على مائدتكم وهو أعزل من السلاح وعدتم بعدها إلى أساليبكم البغيضة في التعسف والاستهتار وسفك الدماء تماماً كما فعلتم في عام 1963 إن لم نقل أعنف منها، وتصرفتم بأموال الدولة والشعب وملأتم مناصب الدولة بكل من هب ودب من المراهقين والفاشلين في الحياة باسم الحزبية.
في آب 1969 قدم زوجي مذكرة إلى رئيسكم طالب فيها محاكمته علناً بعد أن وجهتم إليه تهماً شتى وقد رد عليكم بمذكرته وطلب تشكيل محكمة خاصة لإظهار الحق وازهاق الباطل، فلماذا لم تلتفتوا إلى طلبه العادل والشرعي ذلك؟!
لم يكن ذلك بإمكانكم حيث أن كل ما جاء في مذكرته كان حقائق دامغة ليس باستطاعتكم إنكارها فسكتم سكوت الشيطان الأخرس عن الحق.
وجاء كانون الثاني (يناير) 1970 وفوجئ العالم بإعدامكم مئات الأشـــخاص خلال 48 ساعة وبمحاكمة صورية وكانت مناسبة لاصـــدار حكم الإعـــدام على زوجي رمياً بالرصاص ومصادرة أمواله، ولما كنت أنا شخصياً أول من عارضته في التعاون معكم وجلبكم إلى الحكم، فقد رأيت أن أريح ضميري فاستنكرت بشدة هذه المجازر البشرية التي راح ضحيتها خيرة ضباط بلادي وزهرة شبابها.
انني كمواطنة عراقية لا اطالب الدولة أن تتغاضى عن محاكمة من يتآمر عليها، وان من حق كل حاكم أن يحمي حكمه ولكن من واجبه أن يتقيد في دفاعه هذا بحدود العدالة والقانون ويسمح للمتهم بحق الدفاع عن نفسه ويصون له هذا الحق، ولكن ما جرى حتى الآن في العراق كان سلسلة من المجازر البشرية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ولم يتصور إنسان القرن العشرين ان من الممكن أن تقع في عصره. هذه محاكمات أبشع من محاكمات محاكم التفتيش وشملت تلك المحاكمات الصورية والقتل سراً في السجون كافة الفئات والعناصر الوطنية وقد مرغتم سمعة البلاد في الأوحال نتيجة الاتهامات الباطلة التي وجهتموها لجميع رجالات البلاد المخلصين الذين رفضوا التعاون معكم ولم تكتفوا بهذا الحد، فقد بدأت عصاباتكم تطارد الأبرياء من دون ذنب أو جريمة وهم داخل البلاد وخارجها.
أرجو أن تتذكر يا حضرة الحاكم بأمره وأنت تأمر اتباعك بقتل الأبرياء أن الحاكم الظالم يعد مشنقته بنفسه، فهل نسيت نهاية عبدالكريم قاسم حيث جاءت بسبب أحكام الإعدام التي أصدرها ولم تكن تلك الأحكام بقسوة احكامكم ولم يتبع أساليبكم الوحشية في مطاردة الأحرار والأبرياء ومحاولة قتلهم اينما كانوا. كما اذكر اتباعك القتلة بنهاية زملائهم الذين أطاعوك في حوادث الاغتيالات، فكنت تقضي عليهم بعد أن ينفذوا ما تأمر به من جرائم ومقتل العديد من اتباعك في حوادث سيارات مفتعلة ليست بعيدة عن أذهان شعبنا حيث أن الشعب العراقي الذي لم يغفر لعبدالكريم قاسم إعداماته لن يغفر لكم هذه المجازر ولن ينساها وسيثأر لشهدائه ولو بعد حين، واستشهد بالآية الكريمة: "وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين" صدق الله العظيم.
انني كامرأة عراقية مخلصة لبلدي أنصحكم أن تفيقوا من سكرة هذا الطغيان وتعودوا إلى رشدكم لأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق تدوم إلى قيام الساعة، أما إذا تصورت يا صدام أن أعواد المشانق هي أعمدة المصابيح التي تنير لك طريق حكمك فليرحمك الله... فإن عمر الظالم أقصر من عمر الزهور.
إن العمل الوحشي الذي قام به عدد من أفراد عصابتك التي تعيث في البلاد فساداً ضدنا يوم 18 شباط (فبراير) 1972 ونحن بعيدون عن البلاد آلاف الأميال، إن دل على شيء، فإنما يدل على الوحشية والهمجية وعدم الوفاء، فتصور نفسك وزوجتك وأطفالك خارج العراق وبنفس موقفنا الذي نحن فيه وتفاجؤون بسيل الرصاص الغادر فماذا كنت ستقول؟! ولكن الحمد لله ان الله معنا وسيبقى مع الحق دائماً.
لقد كنتم سابقاً أنت وأتباعك خارج العراق يوماً ما فما مسكم أحد بأذى، بل كنتم معززين مكرمين حتى رجوعكم للعراق، وكان بإمكان زوجي أن يطاردكم بحكم كونه المسؤول الأول عن الأمن في البلاد ويوقع بكم، ولكنه لم يفعل ذلك، وعلى العكس، كان يرعى مصالح عائلاتكم وأقاربكم في داخل البلاد. انني لا أريد أن اذكرك بما فعله معكم وكيف ساعدكم وكان يحميكم ويعطف عليكم، وأنا شخصياً لم أكن أصدق لولا انني رأيت بعيني مستندات تثبت لي ذلك. فكان وفاؤكم له رصاصاً غادراً بينما الجواسيس والعملاء والخونة الحقيقيون الذين ادنتوهم أنتم بأنفسكم أول الأمر تعاد لهم حقوقهم وتلغى قرارات حجز وتجميد الأموال الصادرة بحقهم ويعودون معززين مكرمين، فهنيئاً لكم أيها الثوريون!!!
ولا بد لي من تذكيرك بأن الباعث على هذه الرسالة يا سيد صدام هو النصح، فلعلك تعود إلى طريق الحق والصواب وتفارق طريق الغواية ولا بد أن تعلم أن لا بد لهذا الليل من آخر وان هذه الغمة التي خيمت على العراق ستنقشع إن عاجلاً أو آجلاً وسيؤخذ الظالمون بالنواصي والإقدام حيث لا ينفع الندم، ولات ساعة مندم ولقد عرف الشعب العراقي ألوان الطغيان وشهد عدداً من الطغـــاة، ولكن مصيرهم كان جميعاً المهاوي السحيقة تلاحقهم اللعنة إلى أبد الآبدين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وختاماً لا بد لي من القول ان توجيه الرصاص على امرأة بريئة لغرض قتلها لا يتفق مطلقاً مع شهامة ونخوة شعبنا العربي، ولكن ما العمل وكل ما استطيع أن أعبر عنه الآن اقتدي بقول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وان أنت أكرمت اللئيم تمردا
لمياء النايف
مديرة مدرسة سابقاً
زوجة عبدالرزاق النايف
رئيس وزراء العراق السابق".
رسالة من لمياء النايف إلى صدام:عمر الظالم أقصر من عمر الزهور