السبت، 7 يناير 2012

القسوة لدى صدام حسين...."غزو الكويت"..الجزء الرابع


"راقبوا تصرفنا فاذا حصل هذا لاسمح الله بين قطرين عربيين آخرين سنقف نفس الموقف بل وندعو العرب اذا ما انحرف العراق لاسمح الله عن هذه المبادىء أن يجيشوا عليه الجيوش اذا انحرف وذهب الى قطر عربي واعجبته قوته وأراد أن يطبقها على عربي فمن المشروع ومن المبادىء ومن الأخلاق أن يجيش العرب على العراق جيشوهم ويوقفونه عند حده. فكيف يمكن لنا أن نعيش مع بعضنا ونأمن بعضنا..لأن أهم شيء هو أنك عندما تعمل مع اخرين عملاً مشتركاً سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو عسكرياً أليس يجب أن تكون واثقاً منه بالحد الادنى..أما اذا كنت تسير معه ويدك على مسدسك فهذا يشبه مرافقة عصابات شيكاغو" ......صدام حسين..... جريدة الجمهورية ٢٨ تشرين الثاني ١٩٨٨

المبرر الثالث الحقوق التاريخية
كما تطرقنا في جزء سابق بعد أن برر العراق الغزو بموآمرة نفطية ثم بثورة كويتية طلبت مساندة القوات العراقية ، قدم مبرراً أخر للغزو وهو حق العراق التاريخي في الكويت وتم ذلك بعد أن ضم العراق الكويت بقرار مجلس قيادة الثورة المرقم ٣١٣ بتاريخ ٨/٨/١٩٩٠  والذي تميز عن كافة قرارات مجلس قيادة الثورة للحكم السابق بكون ديباجته كانت طويلة من سبعة صفحات وهو أقرب لكونه خطاب من قرار  , ورد في ذلك القرار "إشارة للمناشدة، الواردة في بيان حكومة الكويت الحرة، المؤقتة، واستناداً إلى التحول العظيم،
الذي حصل في حياة شعبنا، بعد يوم النداء، وإلى دواعي المبادئ والقِيم والمعطيات، التي جاء بها ذلك اليوم الأغر، في الثاني من آب من هذا الشهر، الذي باركه الله، بفاتحة انتصار العرب في قادسيتهم الثانية، ونظراً لما آل إليه الحال، بعد أن تزلزل كيان قارون، وبعد أن انخسفت به وبأعوانه الأرض، وبغية إضعاف أماني الخائبين والأشرار، من خارج وداخل الوطن العربي، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، بإعادة الجزء والفرع إلى الكل والأصل والمنبع، لتصحيح ما جار عليه الدهر، وإلغاء الغبن والحيف، الذي كان قد أصاب العراق في صميم كيانه، قبْل يوم النداء. فقد قرر مجلس قيادة الثورة، إعادة الجزء والفرع، إلى الكل والأصل، بوحدة اندماجية كاملة، أبدية، لا انفصام لها، تسود فيها نفس المفاهيم والقِيم، التي تسود في أجزاء العراق الأخرى، وبما يعزّز وحدة العراق، أرضاً وإنساناً ومياهاً وأجواء إقليمية". 
 بدأ العراق بعد ذلك بحملة دعائية لتبرير ضم الكويت فنشرت عدة كتب بعد اسابيع قليلة من الغزو منها " الهوية العراقية للكويت : دراسة تاريخية واجتماعية "، "نهاية الأنفصال : دراسة تاريخية لعودة الكويت الى العراق" ، و"الكويت عراقية" وبعث وزير الخارجية انذاك طارق عزيز الى الجامعة العربية رسالة أودعت فيها بعد أقل من شهرين من الضم  استعرض فيها الحق التاريخي للعراق في الكويت، نعرضها هنا ثم ومن ثم نحاول التحقق من صحة ما ورد فيها من الناحية التاريخية .
ورد في الرسالة "أن العراق ككيان سياسي ومركز لاكثر من دولة حقيقة معروفة منذ عدة آلاف من السنين وكان العراق طيلة تاريخه الطويل دولة بحرية اشتهرت بأنها مركز للنشاط التجاري الضخم.. وأن القرية الصغيرة التي نشأت في القرنين الماضيين على ضفاف الخليج العربي وسميت ب "الكويت" وهي تسمية عراقية تعني " المستعمرة السكانية الصغيرة" كانت خلال القرن التاسع عشر والى ماهو قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى تابعاً للواء البصرة وجزءًا من العراق بموجب القوانين الأدارية التي سنتها الدولة العثمانية انذاك. وقد قام والي البصرة محسن باشا عام ١٨٩٧ بتبليغ شيخ الكويت مبارك الصباح بقرار السلطان بتعيينه قائممقاما لقضاء الكويت التابع للواء البصرة بعد قتله لاخويه محمد وجراح بدفع من بريطانيا لوقوف الأخيرين بوجه المخطط البريطاني الرامي الى جعل الكويت تابعاً لها وربطه بعجلة نفوذها. وفي عام ١٨٩٩ دفعت بريطانيا شيخ الكويت مبارك الصباح الى توقيع أتفاقية سرية معها لحمايته بالرغم من أنه كان تابعاً للدولة العثمانية ولايحق له توقيع اتفاقيات دولية ، الأمر الذي رفضه السلطان العثماني بقوة ، فعاد مبارك الصباح في عام ١٩٠١ ليعلن ولاءه وتبعيته للدولة العثمانية. ولم تتوقف بريطانيا عن محاولاتها هذه ، فلقد كانت بريطانيا تؤسس قواعد في مناطق متعددة من الخليج العربي لبسط سيطرتها الأستعمارية على هذه المنطقة التي تزايدت قيمتها الأستراتيجية سواء من الناحية السياسية والعسكرية في اطار المنافسة مع الدولة العثمانية أو من الناحية الأقتصادية باعتبارها ممراً تجارياً مهما ولمعرفة البريطانيين بما فيها من خزين نفطي هائل ، ولضمان مصالح الأمبراطورية البريطانية عن طريق أضعاف كل بلدان المنطقة المهمة ، لذلك ركزت نفوذها في الكويت ووضعت من جانبها حدوداً مصطنعة كما فعلت في ما بعد هي وحليفتها فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى حينما تقاسموا النفوذ وفق معاهدة سايكس بيكو ١٩١٧ ، وهكذا أقتطعت جزءا من العراق بطريقة خبيثة استهدفت حرمانه ، وهو البلد العريق بحضارته ، الكبير بسكانه ومساحته ، مع اطلالة الطبيعية ، التي تمتع بها عبر التاريخ ، على مياه الخليج العربي. وبهذه الطريقة الأستعمارية والمصطنعة نشأ ولاول مرة في التاريخ كيان بأسم الكويت تحت السيطرة البريطانية ، وبحدود مصطنعة لا أساس لها لا في التاريخ ولا في الجغرافيا. وقد رفضت الدولة العراقية منذ قيامها عام ١٩٢١ التسليم هذا الكيان المصطنع ، واستمرت الحكومات المتعاقبة في المطالبة بأعادة هذا الجزء المقتطع من العراق اليه ، وانصاف العراق جغرافياً وتاريخيا وبما يضمن مصالحه الأقتصادية والتجارية ويوفر الحماية الضرورية للدفاع عن أمنه الوطني على الرغم من العلاقات الوثيقة التي كانت تربط النظام العراقي حينئذ ببريطانيا. كما وقفت بريطانيا بقوة أمام أي مشروع يقرب بين أبناء الشعب الواحد في العراق والكويت ويجعلهم على اتصال دائم ، حيث رفض مشروع ايصال الماء من شط العرب وانشاء ميناء عراقي في مدينة الكويت وظلت هذه المشاريع تصطدم بالمماطلة والرفض البريطاني منذ عام ١٩٢٣ وحتى أوائل الستينات ، وراحت بريطانيا في ما بعد تضغط على الحكومة العراقية للقبول بالأمر الواقع وعندما أجبرت الحكومة البريطانية رئيس وزراء العراق عام ١٩٣٢ على اجراء مكاتبات مع المعتمد البريطاني في بغداد حول وصف الحدود ، في ضوء مسودة الأتفاقية المقترحة بين الحكومتين العثمانية والتي لم توقع بسبب اندلاع الحرب، رفض مجلس النواب العراقي، بأعتباره السلطة التشريعية وفق الدستور ، المصادقة على تلك المكاتبات. وتصاعدت في الثلاثينات المطالبة الشعبية العراقية بأعادة الكويت الى العراق وتبنت الصحافة الوطنية هذه المطاليب ودعمتها بمقالات ووثائق تاريخية توكد حتمية عودة الكويت الى العراق وقد أشار الوكيل السياسي البريطاني الكولونيل ديكسون في الكويت في رسائله الى المقيم البريطاني في الخليج سنة ١٩٣٣ الى ذلك محذراً من التقارب وداعياً الى أبعد أبناء الكويت عن وطنهم العراق. وفي عام ١٩٤٠ قام حاكم الكويت باستبدال الأدارة العراقية لدائرة البريد في الكويت بأدارة بريطانية ، وتم في عام ١٩٤٥ استبدال مناهج الدراسة والتعليم العراقية المطبقة في مدارس الكويت بمناهج مصرية. وكان الملك غازي ملك العراق الثاني من المتحمسين لضرورة وحدة الكويت مع العراق وقد ابدى رغبته في زيارة الكويت رداً على زيارة الشيخ أحمد الصباح للعراق سنة ١٩٣٢ ألا أن بريطانيا عملت على عدم تشجيع الزيارة والحيلولة دون وصول الكويت والعراق الى أي اتفاق . وفي نيسان ١٩٣٨ أبلغ وزير خارجية العراق انذاك توفيق السويدي سفير بريطانيا في بغداد بيترسون بأن " الأتفاق العثماني البريطاني لسنة ١٩١٣ يعترف بالكويت قضاء تابعاً للواء البصرة وبعد انتقال السيادة على البصرة من الدولة العثمانية الى الدولة العراقية فلا بد أن تشمل تلك السيادة الكويت كما نص عليه اتفاق سنة ١٩١٣ وان العراق لم يعترف بأي تغيير في مركز الكويت ". وفي الكويت لقيت المطالبة الشعبية العراقية بعودة الكويت الى العراق تجاوباً كبيراً من الأهالي حيث نشط الشباب الكويتي في الدعوة للانضمام الى العراق. فقدم مجموعة من احرار الكويت في ايار ١٩٣٨ طلباً الى الحكومة العراقية يدعونها الى تحقيق أمانيهم في عودة الكويت الى العراق. وتشكلت لهذا الغرض كتلة وطنية طالبت شيخ الكويت انذاك أحمد الصباح بوجوب تشكيل مجلس تشريعي يمثل احرار الكويت فوافق مرغماً. وفي أول جلساته عام ١٩٣٨ طالب أعضاوه بعودة الكويت الى العراق الأمر الذي لم يرق لحاكمها فاعلن في ٢١ كانون الأول ١٩٣٨ حل المجلس وملاحقة اعضائه واعتقالهم واضطهادهم. ومع هذا استمر احرار الكويت في المطالبة بالعودة الى العراق وقد ابرقوا الى الملك غازي العديد من البرقيات حيث طالبته احداها التي اذيعت في بغداد في ٧ اذار ١٩٣٩ بتدخل الملك غازي بما نصه "...تاريخنا يؤيد ضم الكويت الى العراق ... نحن نعيش ونموت تحت العلم العراقي.. غازي ساعد اخوتك في الكويت". ووصل الأمر الى اندلاع انتفاضة عارمة نظمها شباب الكويت في ١٠ اذار ١٩٣٩ ضد السلطة الحاكمة في الكويت ، استعمل فيها حاكم الكويت السلاح لتفريقها والقى بعدد كبير من المشاركين في السجن. وقد حاول الملك غازي التدخل لاطلاق سراح المعتقلين وحذر شيخ الكويت بوجوب الكف عن ملاحقة احرار الكويت. وقد تعرض الملك غازي والحكومة العراقية انذاك الى ضغوط بريطانية شديدة للكف عن المطالبة العراقية بضم الكويت ولهذا الغرض التقى السفير البريطاني في بغداد بيترسون عدة مرات وبشكل سري مع الملك غازي قبيل وفاته للضغط عليه كي يكف عن المطالبة بالكويت وبعد فترة قتل الملك غازي في حادث غامض ليلة ٥ نيسان ١٩٣٩ مما يثبت أن بريطانيا كانت وراء مقتله وان تحمسه لعودة الكويت الى العراق كان أحد أسباب تصفيته. وبعد اغتيال الملك غازي سيطر على أعوان بريطانيا على الحكم في العراق . ثم قامت الحرب العالمية الثانية وشهدت السنوات اللاحقة أحداثاً ومتغيرات في العراق وفي المنطقة منها اقامة اسرائيل والحرب العربية-الأسرائيلية والثورة في مصر ، الأمر الذي أستغله المستعمر البريطاني في تركيز نفوذه في الكويت وقطع صلاته الأنسانية والسياسية مع العراق. وفي ٩ اذار نيسان ١٩٥٦ واثناء زيارة سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني الى بغداد لحضور الأجتماع الأستشاري للمجلس الدائم لميثاق بغداد فاتحه رئيس الوزراء نوري السعيد بمسألة انضمام الكويت الى ألا تحاد العربي المزمع أنشأوه فوعد بعرض الموضوع على مجلس الوزراء البريطاني ، وجاء الرد على لسان السفير البريطاني في بغداد مايكل رايت... بأن بريطانيا مستعدة لمنح الكويت الأستقلال ، أما مسألة الأنضمام للاتحاد فللكويت حرية الأختيار... ولاجل أن يضع العراق بريطانيا أمام الأمر الواقع أوفد نائب رئيس الوزراء انذاك توفيق السويدي الى شتورة بلبنان في نيسان ١٩٥٧ حيث يقيم شيخ الكويت عبدالله السالم الصباح للتفاوض معه حول ضرورة دخول الكويت في الأتحاد المرتقب ، ألا أن ذلك لم يسفر عن نتيجة أيجابية. وفي مطلع عام ١٩٥٨ طرح نوري السعيد رئيس وزراء العراق على حلف بغداد ضرورة ضم الكويت الى العراق وذلك في اجتماع حضرته تركيا وايران وباكستان وبريطانيا وحضره كذلك جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا بصفته مراقباً . ولم ينجح ذلك بسبب الموقف البريطاني المعارض. وبعد قيام الأتحاد العربي بين العراق والاردن في ١٤ شباط ١٩٥٨ ، أثار الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء نوري السعيد ووزير خارجية الأتحاد توفيق السويدي مسألة الوحدة مع الكويت مع سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني ، ألا أن الانكليز رفضوا ذلك أيضاً. وعند زيارة شيخ الكويت عبدالله السالم الصباح بغداد في ١٠/٥/١٩٥٨ أثار معه ملك العراق فيصل الثاني ورئيس الحكومة نوري السعيد مسألة انضمام الكويت الى الأتحاد العربي ، وكان جواب شيخ الكويت بأنه لابد أن يستشير الأنكليز ويستطلع رأيهم في ذلك. وفي ٥ حزيران ١٩٥٨ قدمت حكومة الأتحاد مذكرة سرية الى سفارة بريطانيا في بغداد عرضت فيها انضمام الكويت الى ألاتحاد العربي ومما جاء في المذكرة: أن الكويت كانت أرضاً خاضعة لسيادة الدولة العثمانية من الناحية القانونية الدولية ، وكانت قضاءا تابعاً لولاية البصرة ولم تكن هذه السيادة موضع شك أو خلاف سواء من قبل السلطات المحلية الكويتية أو البريطانية ، حتى وان الحكومة البريطانية قد اعترفت ضمنا بذلك في الأتفاقية التركية-البريطانية الموقع عليها في لندن في ٢٩ تموز ١٩١٣ التي تضمنت مادتها السادسة حق شيخ الكويت بممارسة سلطاته الأدارية بصفته قائممقما عثمانيا تابعاً لولاية البصرة.ونتيجة لذلك تولدت لدى الحكومة العراقية وحكومة الأتحاد العربي قناعة بأن بريطانيا كانت وراء وضع العراقيل بوجه تحقيق هذا الهدف الأمر الذي نجم عمه توتر في العلاقات العراقية- البريطانية ومضاعفة العراق لمساعيه وضغوطه على بريطانيا حيث اعدت الحكومة العراقية مذكرة مدعمة بالوثائق والحجج حول ضرورة دخول الكويت في الأتحاد العربي ، وكان مقررا نشر هذه المذكرة في ١٢ تموز ١٩٥٨ ، ألا أن السفير البريطاني طلب تأجيل نشر المذكرة وابلغ وزير خارجية الأتحاد العربي توفيق السويدي موافقة بريطانيا المبدئية على فكرة انضمام الكويت الى الأتحاد العربي على أن تدرس تفاصيل ذلك في اجتماع يعقد في لندن في ٢٤ تموز ١٩٥٩ ما بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية في الأتحاد العربي من ناحية وبين رئيس الوزراء ووزير الخارجية البريطانيين من الناحية الأخرى ، بيد أن قيام ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق حال دون تحقيق ذلك. وفي عام ١٩٦١ قررت بريطانيا اعطاء هذا الكيان المصطنع ما اسمته ب"الأستقلال" فأعلن رئيس وزراء العراق انذاك في ٢٥/٦/١٩٦١ في مؤتمر صحافي .. أن العراق يعتبر الكويت جزءا لايتجزء من اقليمه وأنه لا يعترف باتفاق العلاقة الخاصة بين بريطانيا والكويت الذي وقعه في ١٩ حزيران ١٩٦١ شيخ الكويت عبدالله السالم الصباح مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج أم. جي. ميد. واثر هذا الأعلان حشدت بريطانيا قواتها العسكرية في مواجهة العراق لحماية صنيعتها المسماة دولة الكويت. ولولا الخطأ الذي ارتكبه هاشم جواد وزير خارجية العراق وقتذاك حيث غادر غاضبا اجتماع مجلس الجامعة العربية الذي كان ينظر بدخول ما سمي ب" دولة الكويت" الى الجامعة مما أتاح الفرصة لاتخاذ قرار بضمها الى عضوية الجامعة في ٢٠/٧/١٩٦١. ليبقى هذا الكيان المصطنع خارج الجامعة وبالتالي خارج المنظمات الدولية ، لأن قرار ضم عضو جديد الى الجامعة العربية يجب أن يحظى بموافقة الأعضاء بالاجماع. وقد اصدرت الخارجية العراقية بياناً في ٢١ تموز ١٩٦١ اعتبرت فيه قرار الجامعة العربية المرقم ١٧٧٧-٣٥ بقبول الكويت عضواً في الجامعة العربية انتهاكاً صريحاً لميثاق الجامعة الذي يستلزم الأجماع ، وان العراق يعتبر هذا القرار باطلاً وأنه يؤمن بأن الكويت جزء لايتجزأ من العراق وأنه يسعى الى استرداد هذا الجزء بكل الطرق المشروعة. وقد فشلت حكومة النظام السابق في الكويت في أكثر من محاولة للانضمام الى منظمة الأمم المتحدة بين عام ١٩٦١ وحتى اواخر عام ١٩٦٣. وبعد سقوط النظام السياسي الذي كان قائماً في العراق بين تموز ١٩٥٨ وشباط ١٩٦٣ وفي نهاية عام ١٩٦٣ زار رئيس وزراء حكومة الكويت السابقة بغداد في ظل ظروف سياسية مضطربة في العراق ، وصدر بيان مشترك استند الى مكاتبات عام ١٩٣٢ ، غير أن المجلس الوطني لقيادة الثورة كأعلى سلطة تشريعية في العراق وبموجب الدستور المؤقت لعام ١٩٦٣ لم يصادق على البيان المذكور. ويتضح من هذا العرض التاريخي أن كل الحكومات التي تعاقبت على العراق لم تقتنع أبداً باقتطاع هذا الجزء من أرضه ولم توقع على معاهدة حدود بينه وبين الكيان المصطنع الذي أقيم فيه ولم يصدر أي قانون دستوري في العراق يصف هذه الحدود. وكان هذا هو الوضع القائم عندما قامت ثورة ١٧-٣٠ تموز لعام ١٩٦٨ وقد حرصت حكومة الثورة وبتوجيه من السيد الرئيس صدام حسين على الوصول الى تسوية لهذه المشكلة يتوفر فيها قدر معقول من الحقوق التاريخية للعراق ويزال فيها جزء وأن كان محدوداً من الحيف الذي لحق به منذ بداية هذا القرن. وخلال عقد السبعينات كان العراق هو الذي يبادر في الحديث مع حكام الكويت السابقين من أجل ايجاد مثل هذه التسوية ولكن حكام الكويت السابقين وبتشجيع من حلفائهم من القوى الأجنبية كانوا يصرون على أن يقبل العراق الأجراءات التي فرضها المستعمر البريطاني ، وقد قام وزير خارجية العراق عامي ١٩٧٢ و ١٩٧٣ بزيارات لمدينة الكويت لبحث هذا الموضوع كما قام وزير الداخلية بزيارة لمدينة الكويت لنفس الغرض في ١٦/٥/١٩٧٨ وشكلت عدة لجان ، دون الوصول الى نتيجة. وقد طويت صفحة البحث في هذه المسألة بسبب نشوء الحرب بين ايران والعراق وبعد تحرير الفاو مباشرة واثناء حضورنا مؤتمر قمة الجزائر في ايار ١٩٨٨ بادرت بابلاغ وزير خارجية النظام السابق في الكويت برغبتنا الصادقة في هل هذا الموضوع ألا اننا استغربنا من أن النظام السابق لم يتجاوب مع هذه الرغبة بسرعة ولم يرد علينا حتى بداية شهر تموز ١٩٨٨ عندما زار العراق وزير خارجية النظام السابق وتم الأتفاق على تناول الموضوع من قبل وزيري الخارجية. وقد تأخرت المحادثات بسبب بدء المباحثات العراقية-الأيرانية وانشغالي فيها فقرر السيد الرئيس ايفاد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الى مدينة الكويت في ٦/١٢/١٩٨٨ لحث النظام السابق على معاودة بحث الموضوع وتم الأتفاق على أن يتناوله السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة من جانبنا وولي عهد النظام السابق من جانبه. وبعد فترة زار سعد العبدالله العراق في ٦/٢/١٩٨٩ رداً على زيارة السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وظهر بأنه لم يكن مستعداً للنظر في مطاليب العراق المشروعة حتى في حدها الأدنى المتواضع. وفي ٢٧/٣/١٩٨٩ قام سعود العصيمي وزير الدولة للشؤون الخارجية في النظام السابق بزيارة لبغداد طلب فيها رسمياً تأجيل البحث في المسألة. واثناء زيارة شيخ الكويت لبغداد في شهر أيلول ١٩٨٩ اقترح عليه السيد الرئيس صدام حسين مرة أخرى استئناف البحث في مسألة الحدود وتم الأتفاق على متابعة الموضوع بين السيد نائب رئيس الوزراء الدكتور سعدون حمادي ووزير خارجية النظام السابق . وفعلاً قام الدكتور سعدون حمادي بزيارة لمدينة الكويت في ١٩/١١/١٩٨٩ لبحث الموضوع ، ولم يرد وزير خارجية النظام السابق على تلك الزيارة حتى شهر شباط ١٩٩٠. ومن الجدير بالذكر هنا أن حكام الكويت السابقين استغلوا كل الفترة التي بقيت فيها هذه المسألة معلقة كما استغلوا انشغال العراق بمشاكله الداخلية وشؤون المنطقة ، واخرها الحرب بين العراق وايران التي أستمرت ثماني سنوات ، استغلوها للزحف باتجاه الشمال واقامة مخافر ومنشأت عسكرية ومزارع ومنشأت نفطية .. ففي عام ١٩٦٣ مثلاً كانت نقطة العبور الى البصرة من مدينة الكويت هي المطلاع وكانت جوازات السفر التي تصدرها الحكومة الكويتية السابقة تختم هناك للمغادرة ولكن هذه النقطة زحفت أكثر من سبعين كيلومتراً بأتجاه الشمال لتثبيت أمر واقع على العراق الذي انشغل طيلة الفترة المذكورة بمشاغله الداخلية ومشاكل المنطقة".
بعد هذا العرض لوجهة النظر العراقية سنحاول التحقق من صحة ما ورد في الرسالة

١- تسمية الكويت :
ذكر عبد العزيز الرشيد في كتابه " تاريخ الكويت " عن تسمية الكويت ومن أسسها؟ "سميت بذلك الأسم نسبة الى حصن كان موجوداً فيها ، قيل بناه محمد لصكة بن عريعر زعيم بني خالد وقد أقام فيه أحد عبيده واتخذه مستودعاً للزاد والذخيرة وما يحتاج اليه ، فاذا أراد الغزو شمالاً أو المرعى قريباً من ذلك الحصن تزود بما يريد وانه وهبه لآل الصباح ومن كان معهم عندما نزلوا تلك الأرض ، وقيل أسسه آل الصباح أنفسهم بعد هبة أبن عريعر لهم ما حوله من الأرض . كانت الكويت قبل نزول آل الصباح فيها أرضاً فقيرة لايسكنها الا لفيف من العشائر التابعة لابن عريعر . واول من شد فيها البيوت الحجرية هم آل الصباح الذين اتخذوها مقراً، فالكويت حينئذ لم يحكمها أجنبي عن القوم الذين أسسوها ولم ينفرد بالامر والنهي فيها أحد سواهم."
ووردت إشارة الى أسم الكويت في وصف مرتضى بن علوان وهو رحالة دمشقي ذهب الى الحج عام ١٧٠٩ ودون رحلته في مخطوطة موجودة في مكتبة برلين، بعد عودته الى بلاده عن طريق الأحساء فالكويت ، فالبصرة فالشام ، ودخل الكويت ووصفها ، فقال مرتضى بن علوان " الى أن وصلت في اليوم الخامس الى الحسا فأذا هي بلدة عظيمة البناء ، واسعة الرحاب كثيرة المياه" وفي موضع أخر يقول " وفي ألفاظهم -أي أهل

الحسا- المجمعين عليها أن يسموا المدينة ( الدروازة)، وداخل البلد الكوت ، خرج فلان من الكوت ، ودخل فلان الى الكوت"
ثم يقول "...دخلنا بلداً يقال لها الكويت بالتصغير »وهي« بلد لأبأس بها تشابه الحسا إلا أنها دونها ولكن بعمارتها وأبراجها تشابهها, وكان معنا حج من أهل البصرة فرق عنا من هناك على درب يقال له الجهراء, ومن الكويت إلى البصرة أربعة أيام وفي المركب (البحري) يوماً واحداً لأن مينت (ميناء) البحر على كتف الكويت, وأما الفاكهة والبطيخ وغير ذلك من اللوازم يأتي من البصرة في كل يوم في المركب لأنها أسكلة (ميناء) البحر أقمنا بها يوماً وليلتين وتوجهنا على بركة الله اتجاه النجف الأشرف نهار الأحد عشري (الحادي عشر) الشهر المذكور, وهذه الكويت المذكورة اسمها القرين, ومشينا قبل وصولنا إليها على كنار (شاطيء) البحر ثلاثة أيام والمركب على مسايرتنا والمينة على حدود البلدة من غير فاصلة, وهذه البلدة يأتيها ساير الحبوب من البحر حنطة وغيرها لأن أرضها لاتقبل الزراعة حتى مافيها شيء من النخيل ولاغير شجر أصلاً (أي أنه لاينبت في أرضها أي نوع من الشجر), وأسعارها أرخص من الحسا لكثرة الدفع من البصرة وغيرها...".
هذه المخطوطة قد تقدم تفسيراً أخر لأصل أسم الكويت ، فقد فسر التسمية الأب انستاس ماري الكرملي على أنها تصغير لأسم الكوت التي تعني " في لغة جنوب العراق ، وما جاوره من البلدان في بلاد العرب وفارس ، البيت الذي يبنى على شاكلة القلعة حتى يسهل الدفاع عنه".
ولكن مرتضى بن علوان يقول أن الكويت بالتصغير »وهي« بلد لأبأس بها تشابه الحسا إلا أنها دونها ولكن بعمارتها وأبراجها تشابهها" وقال قبل ذلك عن الحسا " يسمون داخل البلد الكوت ، خرج فلان من الكوت ، ودخل فلان الى الكوت". وكأن الكويت صغرت لأنها أصغر من كوت الحسا وليست لتسمية الكويت علاقة بأكوات العراق خصوصاً اذا علمنا أن هناك اكواتاً عراقية أصغر من الكويت نفسها ككوت الأفرنجين وكوت الزين وكوت بندر ، ولم تصغر ولم يطلق عليها ما أطلق على الكويت ، بل احتفظت بالاسم الذي اعتاد أن يطلقه العراقيون على أمثال هذه المواضع ، ويبدو أنهم لم يعتادوا تصغير مثل هذا اللفظ ، أما الكويت فلأنها تشبه كوت الحسا بعمارتها وابراجها وهي أصغر منها فقد صغر اسمها ، ليدل ذلك التصغير على علاقة المشابهة والمقاربة بينها وبين كوت الحسا ، ويشير الى أن أصل التسمية من شرق الجزيرة العربية لا من العراق.
٢- عن مقتل محمد واخيه الجراح على يدي مبارك ورد في الرسالة أن محمد واخيه الجراح قتلا "بدفع من بريطانيا لوقوف الأخيرين بوجه المخطط البريطاني الرامي الى جعل الكويت تابعاً لها وربطه بعجلة نفوذها". في حين ذكر عبد العزيز الرشيد في كتابه "تاريخ الكويت" إن ملخص أسباب مصرع محمد وجراح على يدي شقيقهم مبارك كانت " احدهما - أن مباركاً كان ذا نفس عالية طموحة الى العلى وذا مطامع يكل الطرف دون غايتها ، ميالاً الى المعامع والحروب فكان لا يمل من الغزو والقتال ولايرغب ألا في الطعن والضرب ، ويصرف في هذا السبيل ما يملكه من قوة ومال. أما أخواه المرحومان فكانا بضد ذلك ، ومن هنا كانا يعاكسانه ويعرقلان مسعاه كلما وجدا فرصة.
ثانيهما - ابعادهما لمبارك وتقريبهما للشيخ يوسف آل ابراهيم والقاء مقاليد الأمور اليه حتى ليخيل للباحث عن الحكم في الكويت اذ ذاك أن الحكم ليوسف لا لهما ، وان مباركاً أجنبي عنهما ليس له من الأمر شيء.
ثالثهما- تضييقهما المالي عليه ورفض حوالاته فيما يسد به عوزه ويقضي حاجته حتى في مصاريفه البيتية. وحتى في غزوته التي يكون هو قائدها بنفسه".
٣- طبيعة العلاقة ما بين الكويت وما بين العثمانيين :
تجاهلت الرسالة كغيرها من المصادر العراقية تاريخ الكويت السياسي السابق لمحاولة العثمانيين ضمها لامبراطوريتهم في القرن التاسع عشر، فتغافلت عن فترة نشوئها الاولى ، فالتاريخ السياسي الموثق للكويت يعود الى عام ١٧٥٢ وهو تاريخ بداية حكم الشيخ صباح بن جابر موسس أمارة الكويت . وهو الذي قام ببناء الأسوار حول القرية الصغيرة التي كان عدد سكانها ، انذاك ، لا يتجاوز الأربعة الأف نسمة . استمر حكم الشيخ صباح الأول مدة ست سنوات ، وجاء من بعده ابنه الشيخ مبارك الذي حكم سنة واحدة تقريباً ، ليخلفه بعد ذلك في عام ١٧٥٦ أخوه الشيخ عبدالله بن الصباح ، الذي استمر حكمه خمسين سنة وتوفي في عام ١٨١٤ ليخلفه ابنه جابر الأول ١٨١٤-١٨٥٩ وبعده ابنه الشيخ صباح الثاني ١٨٥٩- ١٨٦٦ ، ومن ثم ابنه الشيخ عبدالله الثاني ١٨٦٦-١٨٩٢ . ومن بعده الشيخان محمد وجراح أبناء الشيخ صباح الثاني ومن بعدهما الشيخ مبارك بن صباح ١٨٩٦ - ١٩١٥ .
بعد التجاهل لنشأة الكويت وكونها  آمارة أو كيان مستقل نشأ قبل محاولة العثمانيين السيطرة عليها ورد في الرسالة ربما أهم ما في الحجج العراقية عن عراقية الكويت وهو أن الكويت كانت قضاء تابعاً لولاية البصرة زمن العثمانيين وبما أن البصرة جزء من العراق فالكويت جزء من العراق ، وهذه حجة تستخدمها أوساط عراقية واسعة تعتقد بعراقية الكويت وهو منطق عبد الكريم قاسم عندما حاول ضم الكويت .
والسؤال هنا هل فعلاً كانت الكويت قضاء تابع للبصرة ، وما طبيعة العلاقة مع العثمانيين ؟
عند مراجعة لمصادر تاريخية عديدة يتضح أن الكويت عكس ماتدعيه المصادر العراقية لم تكن علاقتها بالبصرة واضحة تماماً ولا يمكن الجزم بأنها كانت مجرد قضاء تابعاً لها، فاهتمام العثمانيين بها ابتدا بعد أن بدأ الأهتمام البريطاني بمحاولة السيطرة على الخليج العربي ، فابتدأ صراع ما بين الأثنين للسيطرة عليها وكان على حكام الكويت في تلك الفترة محاولة اقامة علاقة متوازنة ما بين الأثنين للحفاظ على الحكم قبل أن يميلوا في النهاية الى البريطانيين بعد أن ضعفت الدولة العثمانية يتضح ذلك الأستنتاج من خلال قراءة عدة مصادرففي كتاب رحلة في ارجاء آشور للكاتب بوكنجهام الذي زار الخليج سنة ١٨١٦ وقال في كتابه " هناك كل الاسس والمبررات التي تؤكد أن الكويتيين قد حافظوا دائماً على استقلالهم ، ويحافظون حتى ألان على على سمعتهم ومكانتهم باعتبارهم أكثر سكان دول الخليج ومدنه شجاعة وتطلعاً للحرية " وورد في تقرير مدحت باشا الذي كتب سنة ١٨٧٢ قوله " تبعد الكويت عن البصرة ٦٠ ميلاً بحرياً وهي كائنة على الساحل بالقرب من نجد واهلها مسلمون وفيها ٦٠٠٠ دار ولم تكن تابعة لحكومة ، واراد نامق باشا الحاقها بالبصرة فأبى أهلها ذلك لأنهم تعودوا عدم الأذعان للتكاليف ، والخضوع للحكومات" .
ويقول لوريمر عن حادثة انتقال الوكالة البريطانية من البصرة الى الكويت الى أنها تشير الى عدم خضوعها لارادة البصرة " ونستطيع أن نستنتج من اختيار الكويت مقراً تلجأ اليه الوكالة التي أنسحبت من العراق التركي أن الكويت لم تكن في سنة ١٧٩٣ وباي حال من الأحوال - رغم كل ما يقال- تابعة لتركيا" .
وورد في أحدى الوثائق البريطانية " أن الادعاءات التركية مجرد وهم وخيال ، فلا سيطرة للسلطان على الكويت، اذ قيام الحكام القادرين على حماية مدينة تركية مقابل ثمن يدفع لهم يعني تمكنهم من حماية أنفسهم، واذا كانوا يقدمون للسلطان الأحترام مثل بقية المسلمين فليس معنى هذا وقوعهم تحت سيطرته ، أن مطالب تركيا على مدى السنين لم تود بها ألا الى الغاء صفقات الأراضي التي اشتراها الشيخ من العراق بحجة أنه ليس مواطناً تركياً ولا يحمل الجنسية التركية، فكيف يكون قائمقام من قبل تركيا وهو غير تركي في نظرهم ".
وكذلك سجل كمبال مجموعة الحقائق التي أعتمد عليها في التوصل الى ضعف ادعاء العثمانيين بكون الكويت تابعة لهم وهي : حماية شيوخ الكويت للثائرين على السلطات العثمانية ، عدم وجود حاميات عثمانية على الأراضي الكويتية في أي وقت ، عدم أداء حكام الكويت لأية التزامات مالية للسلطات العثمانية ألا لفترات قصيرة جداً ولظروف طارئة ، الأمر الذي يمكنها معه تجالها ، بل أن العكس كان صحيحاً فقد كانت الدولة العثمانية هي التي تدفع رواتب سنوية لشيوخ الكويت مقابل حماية شط العرب بناء على ترتيب محلي. أما رفع الراية العثمانية فلم ير فيه كمبال صورة من من صورة التبعية ، فالامر لم يكن أكثر من مظهر مظاهر الأحترام الديني لدولة الخلافة الأسلامية" .
وورد أيضاً في كتاب "الكويت تواجهه الأطماع " عن علاقة الكويت بالعثمانيين "وقد ترددت مزاعم الدولة العثمانية عن ارتباط الكويت بها ، وان هذه البلاد جزء من ممتلكاتها اعتماداً على خيال دفعهم الى هذا الظن اذ من المعروف أن الدولة العثمانية لم تتخط الحدود التي وردت في الخرائط ولم تدخل جيوشها الكويت ولم تخضع البلاد للأدارة العثمانية في يوم من الأيام ،وكانت تدار بواسطة أهلها بصورة ثابتة ومستمرة لم توثر فيها أحلام العثمانيين في السيطرة والغلبة. والفترة الوحيدة التي وطئت فيها قدم جندي تركي ارضا كويتية كانت عندما دفعت تركيا بعدد محدود من الجنود الى أرض بوبيان في سنة ١٩٠٢ ولكن هذا الوجود جوبه باعتراض الكويت ، وقوبل بالتحدي ولم يغنموا من وجودهم شيئاً اذ سرعان ما عادوا ادراجهم من أتوا. وقال العثمانيون : أن مبارك الصباح معين بصفة قائمقام من قبل الدولة والواقع أنه نصب نفسه بنفسه أميراً على الكويت خلفاً لمن سبقه من الحكام من أسرته وبايعه أهل الكويت على ذلك ، ولم يطمع في يوم من الأيام بمثل هذا اللقب ولم يسم نفسه به ، وليست هناك أوراق كويتية متداولة داخل البلاد تحمل أسم الشيخ مبارك مقروناً بلقب قائمقام. يقول لوريمر : كان الشيخ مبارك يقول أنه ومن قبله أبوه وجده رفعوا العلم الموجود عليه الهلال رمزاً للاسلام، لا تبعية لتركيا" يرى الكويتيون أن الدولة العثمانية دولة أسلامية كبرى تمثل المسلمين على نطاق واسع ولها الأحترام ويجب أن تبذل المساعدة حين تطلبها ، كانت تلك الدولة على خلاف ذلك لا ترغب ألا في طي هذا البلد الصغير تحت جناحيها والسيطرة عليه وهو الأمر الذي لم تستطع اليه" .
ا- عن معاهدة عام ١٨٩٩
ورد في رسالة طارق عزيز عن هذه المعاهدة "في عام ١٨٩٩ دفعت بريطانيا شيخ الكويت مبارك الصباح الى توقيع أتفاقية سرية معها لحمايته بالرغم من أنه كان تابعاً للدولة العثمانية ولايحق له توقيع اتفاقيات دولية ، الأمر الذي رفضه السلطان العثماني بقوة ، فعاد مبارك الصباح في عام ١٩٠١ ليعلن ولاءه وتبعيته للدولة العثمانية".
كان نص المعاهدة السرية "بسم الله تعالي شأنه. إن الغاية من تحرير الاتفاقية المشرفة هو أتمام التعهد والاتفاق بين الليفانت كولونيل مالكولم جون ميد المقيم السياسي لصاحبة الجلالة بالنيابة عن الحكومة البريطانية كطرف أول وبين الشيخ مبارك ابن صباح شيخ الكويت طرف ثاني بأن الشيخ مبارك ابن صباح بكامل حريته يرغب أن يرتبط ويلزم وارثيه وخلفه في الحكم بأن لا يستقبل أي وكيل أو ممثل لأي سلطة أو حكومة في الكويت أوفي أي مكان أخر من حدود مقاطعته بدون الموافقة المسبقة للحكومة البريطانية . وهو بالإضافة إلي ذلك يلزم نفسه ووارثيه وخلفه في الحكم بأن لا يتنازل أو بيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطي للاستغلال لا غرض كان أي جزء من مقاطعته لأي حكومة أو رعايا أي سلطة بدون الموافقة السابقة لهذه الأغراض من حكومة صاحبة الجلالة.
وهذا الجزء يمتد لأي جزء من المقاطعة التابعة للشيخ المذكور مبارك ابن الشيخ صباح التي قد تقع الآن في حوزة رعايا أي حكومة أخري .
ورمز للصداقة على توقيع هذه الاتفاقية القانونية المشرفة بين اللفتانت كولونيل مالكولم جون ميد المقيم السياسي لصاحبة الجلالة في الخليج الفارسي والشيخ مبارك بن الشيخ صباح. بقوم الطرف الأول بالنيابة عن الحكومة البريطانية والطرف الثاني بالنيابة عن نفسه ووارثية وحلفائه بالتوقيع على هذه الاتفاقية بحضور الشهود في اليوم العاشر من رمضان سنة ١٣١٦ الموافق الثالث والعشرين من كانون الثاني ١٨٩٩ م."
كان هناك عدة دوافع لشيخ الكويت لتوقيع هذه الأتفاقية منها للرد على التحالفات الاقليمية التي اعتبرها موجهة ضده كتحالف الشيخ جاسم آل ثاني أمير قطر مع ابن رشيد ووصول قوات ابن رشيد على مقربة من حدود الكويت , والتهديد العثماني للكويت حيث قامت الدولة العثمانية باحتلال منطقة مطربه وأم المدافع والتي تقع داخل الحدود الكويتية هذا بالإضافة إلي احتلالها لجزر تابعة للكويت وهي جزيرة وربة وبيان وجزء من أم قصر واقامة مراكز عسكرية عليها .
عندما علمت الدولة العثمانية بالاتفاقية السرية التي عقدت عام ١٨٩٩ بين الشيخ مبارك والحكومة البريطانية قامت بحشد قواتها في ولاية البصرة التي يحكمها آنذاك حمدي باشا المعروف عنه تأييده لضم الكويت لولاية البصرة مما أدى الي قيام البريطانين بإرسال سفن حربية إلي الكويت لحمايتها والاحتجاج لدي الدولة العثمانية على مثل هذا الإجراء حيث تراجعت الدولة العثمانية عن مثل هذا الأجراء .
يرد خدوري على الحجج العراقية في كتابه "العراق الجمهوري" بعد أن يستعرض الموقف من أتفاقية ١٨٩٩ ووثيقة ١٩١٣ بين الدولة العثمانية وبريطانيا التي اعترفت فيها بالاتفاقية الأولى قائلاً ولابد عند التحليل الأخير من اعتبار هذه الأتفاقات جميعها خارجة عن الموضوع اذا استعيض عنها بمعاهدات صلح بعد الحرب ، تخلت تركيا بموجبها عن جميع سيادتها على الأراضي التي سلخت بعد الحرب العالمية الأولى. وقد تخلت تركيا في معاهدة سيفر ١٩٢٠ وتكرر ذلك في معاهدة لوزان ١٩٢٣ عن جميع حقوقها وسيادتها على جميع الأراضي التي كانت ملكاً لها خارج الحدود التي نصت عليها هاتان المعاهدتان . والف العراق دولة من ثلاث ولايات سلخت عن تركيا هي الموصل وبغداد والبصرة. غير أن الكويت لم تكن ضمن ولاية البصرة بشكل واضح ، ذلك لأن تركيا كانت قد منحت السلطة التي استولت على الكويت حق السيادة الكاملة. ولما كان العراق من الدول الوراثة فأنه لايجوز له أن يطالب بحق السيادة على أرض لم تتنازل تركيا اليه عنها. ولذلك لم يكن في مقدور عبدالكريم قاسم أن يبرر طلبه بالاستناد الى القانون.، وظلت مطالبته بالكويت تتراوح بين اعتبارات قانونية واخرى تاريخية وسياسية".
ب- عن معاهدة ١٩١٣
وردت في الرسالة اشارة الى معاهدة ١٩١٣ وكانت "في نيسان ١٩٣٨ أبلغ وزير خارجية العراق انذاك توفيق السويدي سفير بريطانيا في بغداد بيترسون بأن " الأتفاق العثماني البريطاني لسنة ١٩١٣ يعترف بالكويت قضاء تابعاً للواء البصرة وبعد انتقال السيادة على البصرة من الدولة العثمانية الى الدولة العراقية فلا بد أن تشمل تلك السيادة الكويت كما نص عليه اتفاق سنة ١٩١٣ وان العراق لم يعترف بأي تغيير في مركز الكويت ".
عند قراءة بنود الاتفاقية يتضح أن أن ما ورد في الرسالة كان غير صحيح فهي وان تعتبر الكويت خاضعة للعثمانيين لكنها تعتبرها قضاء مستقل ولا ترتبط بالبصرة كما أن شيخ الكويت يورث الحكم لاولاده وحددت الأتفاقية حدود الكويت ، نص الأتفاقية كان
"المادة الأولى : مقاطعة الكويت كما هي محددة في المادتين ٥ و-٧ من هذه الأتفاقية تشكل قضاء مستقلاً في الامبراطورية العثمانية.
المادة الثانية : لشيخ الكويت أن يرفع كما كان يفعل في الماضي العلم العثماني بالاضافة الى كلمة الكويت تكتب على أحد أركان العلم اذا أراد ذلك ، وله أن يمارس أدارة مستقلة في المنطقة الاقليمية المحددة بالمادة الخامسة من هذه الأتفاقية . وتمتنع الحكومة الامبراطورية العثمانية عن أي تدخل في شوون الكويت بما في ذلك مسألة الوراثة ومن أي عمل اداري أخر ، وكذلك أي احتلال أو عمل عسكري في المقاطعات التي تنتمي الى الكويت. وفي حالة خلو مقعد الأمارة تعين الحكومة الأمبراطورية العثمانية بمقتضى فرمان شاهاني قائم مقام ليخلف الشيخ الراحل وللباب العالي أن يفوض لدى شيخ الكويت مبعوثاً بقصد حماية مصالح ورعايا مختلف مقاطعات الأمبراطورية.
 المادة الثالثة : تعترف الحكومة الأمبراطورية العثمانية بحيوية الأتفاقات التي عقدها سابقاً شيخ الكويت مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية والمورخة في ٢٣ من يناير ١٨٩٩ وفي ٢٤ من مايو ١٩٠٠ و-٢٨ من فبراير ١٩٠٤ بنصوصها الملحقة بهذه الأتفاقية.
المادة الخامسة استقلال شيخ الكويت يمكن ممارسته في المقاطعات المحددة والتي تكون شبه دائرة تتوسطها دائرة مدينة الكويت ، وخور الزبير في الحد الشمالي والقرين في الحد الجنوبي ، وهذا الخط مشار اليه باللون الأحمر على الخريطة الملحقة بهذه الأتفاقية وجزائر وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وعوهة وكبر وقاروه وام المرادم ، بالاضافة الى الجزر المجاورة والمياه التي تحتويها هذه المنطقة. .
المادة السادسة : القبائل التي تقع داخل الحدود المتفق عليها في المادة التالية يعترف بها على أنها داخلة في تبعية شيخ الكويت الذي يقوم بتحصيل الزكاة كما كان يفعل ذلك في الماضي وله أن يمارس الحقوق الأدارية التي يتمتع بها بصفته قائم مقام عثماني ، ولا يجوز لحكومة الأمبراطورية العثمانية أن تمارس في هذه المناطق أي عمل اداري مستقل عن شيخ الكويت ، وان تمتنع عن اقامة حاميات أو القيام بأي عمل عسكري مهما كان نوعه دون التفاهم قبلا مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية.
المادة السابعة : حدود المقاطعة المشار اليها في المادة السابقة تحدد كالاتي : خط الحدود يبدأ على الساحل عند مصب خور الزبير في الشمال الغربي ويعبر تماماً جنوب أم قصر سفوان وجبل سنام وبمثل الطريقة تترك لولاية البصرة هذه المحلات وآبارها ، وما أن يصل هذا الخط الى الباطن حتى يتبعه في اتجاه الجنوب الغربي الى حفر الباطن الذي يبقى ناحية الكويت ومن هذه النقطة يتجه الخط المذكور نحو الجنوب الشرقي تاركاً آبار الصفاه والقرعة والهبة وبره وانطاع حتى تصل الى البحر بالقرب من جبل منيفة وهذا الخط مشار اليه باللون الأخضر في الخريطة الملحقة بهذه الأتفاقية".
في تحليل ساطع الحصري لهذه الأتفاقية ، في كتابه "البلاد العربية والدولة العثمانية" أوضح أنه وان كانت الأتفاقية قد سلمت ببقاء الكويت تحت السيادة الدولة العثمانية ، ألا أن بقية المواد قد جعلت من هذه السيادة مجرد سيادة رمزية أو أسمية ، فهي تحظر على الدولة العثمانية التدخل في شؤون الكويت الداخلية والخارجية، الأمر الذي لايترك للسيادة العثمانية أي معنى . ثم يختم ساطع الحصري تحليله لهذه الأتفاقية بقوله أنها لم تترك في الكويت أي أثر للسيادة العثمانية سوى كلمة السيادة.
 ٤-تنصل رسالة طارق عزيز من اعتراف نوري السعيد بالكويت
ورد في الرسالة "أجبرت الحكومة البريطانية رئيس وزراء العراق عام ١٩٣٢ على اجراء مكاتبات مع المعتمد البريطاني في بغداد حول وصف الحدود ، في ضوء مسودة الأتفاقية المقترحة بين الحكومتين العثمانية والتي لم توقع بسبب اندلاع الحرب".
كان اعتراف نوري السعيد هو الأعتراف العراقي الأول بالكويت وورد ذلك في رسالة الى المندوب السامي البريطاني السير همفري بتأريخ ٢١ تموز ١٩٣٢ كان نصه:
أظن بأن سعادتكم توافقون على أن الوقت قد حان لتأكيد الحدود الموجودة بين العراق والكويت. ولهذا ، فأنا ارجوا أن تتخذوا الأجراءات الضرورية لأخذ موافقة السلطات المسؤولة في الكويت على تفصيلات الحدود الموجودة بين البلدين : (من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم باتجاه الشمال على طول الباطن الى نقطة تقع جنوبي خط العرض الذي يمر في صفوان مباشرة وثم باتجاه الشرق لتمرجنوبي آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر تاركة هذه المواقع الى العراق , وذلك حتى التقاء خور الزبير بخور عبد الله . اما جزيرة وربة وبوبيان ومسكان وفيلكة وعوهة وكبر وقاروة وأم المرادم فأنها تتبع الى الكويت ) .
ورد الحاكم الكويتي برسالة موجهة الى الحاكم البريطاني في الكويت مؤرخة في ١٠\٨\١٩٣٢ جاء فيها : ( استلمنا بكل سرور رسالتكم السرية في ٩\٨\ ١٩٣٢ وأخذنا علما بمحتوياتها وأستلمنا كذلك ترجمة رسالة مؤرخة في ٢٥\ ٧\١٩٣٢ موجهة من المندوب السامي في العراق الى المقيم السياسي في الخليج (...) وترجمة الرسالة المؤرخة في١٢\٧\١٩٣٢الموجهة من دولة نوري باشا السعيد, رئيس وزراء العراقي اعادة تأكيد بشأن الحدود العراقية الكويتية و لاحظنا كذلك ايضا من رسالة المقيم السياسي في ٣٠\٧\ ١٩٣٢ ان الحدود التي اقترحها رئيس وزراء العراق قد حظيت بموافقة جلالته . عليه نود اعلامكم بأننا نوافق على اعادة تأكيد الحدود القائمة بين العراق والكويت وفق ما هي موصوفة في رسالة رئيس وزراء العراق ).
الشيء الذي لم تذكره الرسالة أن نوري السعيد لم يصدر منه اعلان يبطل فيه هذا الأعتراف بحدود الكويت.
كذلك كما سنرى لاحقاً إن كان العراق يرى أن بريطانيا قد أجبرت نوري السعيد على هذه الرسالة فانها بالتأكيد لم تجبر سلطة البعث الأولى على الموافقة عليها ، فالفقرة الاولى من اتفاق ١٩٦٣ كانت الموافقة على ما ورد في رسالة نوري السعيد عام ١٩٣٢.

 ٥- عن مطالبة الكويتيين الأنضمام الى العراق عام ١٩٣٨ والملك غازي
ورد في رسالة طارق عزيز أن الكويتيين شكلوا كتلة وطنية "طالبت شيخ الكويت انذاك أحمد الصباح بوجوب تشكيل مجلس تشريعي يمثل احرار الكويت فوافق مرغماً. وفي أول جلساته عام ١٩٣٨ طالب أعضاوه بعودة الكويت الى العراق الأمر الذي لم يرق لحاكمها فاعلن في ٢١ كانون الأول ١٩٣٨ حل المجلس وملاحقة اعضائه واعتقالهم واضطهادهم".
في حين ورد الأتي ,عن حركة المجلس في عام ١٩٣٨ , في كتاب الدكتور عبدالله النفيسي " الكويت : الرأي الأخر" " في عام ١٩٣٨ (قبيل الحرب العالمية الثانية) لم تكن ثمة ديمقراطية ولا مشاركة في الحكم والسلطة فحدثت حركة عام ١٩٣٨ التي قاد العمل الوطني فيها فئة التجار الذين كانوا في ذلك الوقت أكثر المواطنين وعياً على واقعهم وعلى متطلبات علاجه . وتعتبر حركة عام ١٩٣٨ أعنف حركة سياسية في تاريخ الكويت الحديث. اذ أنها فضلاً عن شدة وحرارة اندفاعها كانت حركة محددة الأهداف الى حد كبير. فقد كانت مطالبها كالاتي:
١- الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم.
٢- العمل على التخلص من النفوذ الأستعماري المتمثل بمعاهدة ١٨٩٩.
٣- تعديل أتفاقية الزيت على وجه أكثر تحقيقاً للصالح الوطني.
٤- المنادة بالوحدة على الصعيد العربي".
نص رسالة أعضاء حركة ١٩٣٨ لامير الكويت ورد في مذكرات خالد سليمان العدساني وكانت "حضرة صاحب السمو الأمير الجليل أحمد الجابر الصباح ادام الله بقاه يا صاحب السمو ان الاساس الذي بايعتك عليه الأمة لدى اول يوم من توليك الحكم هو (جعل الحكم بينك وبينها على اساس الشورى التي فرضها الاسلام ومشى عليها الخلفاء الراشدون في عصورهم الذهبية). غير ان التساهل الذي حصل من الجانبين ادى الى تناسي هذه القاعدة الاساسية كما ان تطور الاحوال والزمان واجتياز البلاد ظروفا دقيقة بعث المخلصون من رعاياك ان يبادروا اليك بالنصيحة راغبين التفاهم واياك على ما يصلح الامور ويدرأ عنك وعنهم وادي الايام وتقلبات الظروف ويصون لنا كيان بلادنا ويحفظ لنا استقلالنا، غير قاصدين إلا ازالة الشكوى واصلاح الامور من طريق التفاهم مع المخلصين من رعاياك متقدمين اليك بطلب تشكيل مجلس تشريعي مؤلف من احرار البلاد للاشراف على تنظيم امورها. وقد وكلنا املي كتابنا هذا ليفاوضوك على هذا الاساس والله تعالى نسأل ان يوفق الجميع لما فيه صالح البلاد." ٣٠ ربيع الثاني ١٣٥٧هـ جماعتك المخلصين ".
وكما هو واضح من نص الرسالة لا يوجد فيها أي ذكر عن مطالبة بالانضمام للعراق بل على العكس فهي تؤكد على أستقلال الكويت وحفظ كيانها.
كذلك ورد في مذكرات العدساني نص الدستور الذي ساهم أعضاء الحركة في صياغته رفع الى سمو الأمير لتوقيعه، ومن فقراته المهمة ، والتي تناقض ما ورد في رسالة طارق عزيز ، " الكويت ذات سيادة مستقلة أراضيها لا تتجزأ ولا ينزل عن شئ منها وشكل حكمها نيابي".
وورد في الباب الثاني للدستور عن الحاكم "سيادة الحكم لذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح".
وعن دور الملك غازي في دعم الحركة ورد في الرسالة "استمر احرار الكويت في المطالبة بالعودة الى العراق وقد ابرقوا الى الملك غازي العديد من البرقيات حيث طالبته احداها التي اذيعت في بغداد في ٧ اذار ١٩٣٩ بتدخل الملك غازي بما نصه "...تاريخنا يويد ضم الكويت الى العراق ... نحن نعيش ونموت تحت العلم العراقي.. غازي ساعد اخوتك في الكويت". ووصل الأمر الى اندلاع انتفاضة عارمة نظمها شباب الكويت في ١٠ اذار ١٩٣٩ ضد السلطة الحاكمة في الكويت ، استعمل فيها حاكم الكويت السلاح لتفريقها والقى بعدد كبير من المشاركين في السجن. وقد حاول الملك غازي التدخل لاطلاق سراح المعتقلين وحذر شيخ الكويت بوجوب الكف عن ملاحقة احرار الكويت. وقد تعرض الملك غازي والحكومة العراقية انذاك الى ضغوط بريطانية شديدة للكف عن المطالبة العراقية بضم الكويت ولهذا الغرض التقى السفير البريطاني في بغداد بيترسون عدة مرات وبشكل سري مع الملك غازي قبيل وفاته للضغط عليه كي يكف عن المطالبة بالكويت".
أما خالد العدساني في مذكراته فيتحدث عن شكر أعضاء الحركة لدعم الملك لهم ولم يورد ذكر لرغبتم بالانضمام للعراق حيث دون"اذاع راديو قصر الزهور برقية واردة إليه بامضاء خالد العدساني هذا فحواها (حضينا بالدستور أيد الله الملك) فاندهشت لذلك وعلمت أن الذي زورها علي أراد الايقاع بي لدى آل الصباح، فذهبت فوراً إلى مدير البرق والبريد أطلب منه اخباري عن الذي سلمهم البرقية فأفهمني انهم يعرفون الذي سلمها لهم، ولكن البوح باسمه من غير اذن رسمي أمر غير جائز قانونا، فاكتفيت بارسال برقية إلى اذاعة قصر الزهور انبئهم فيها ان البرقية التي وصلتهم باسمي مزورة علي. وفي نفس الليلة اذاعة قصر الزهور اذاعت برقية استغاثة موقعة بـ (سكرتير كتلة الشباب) فيها وصف مؤثر للحيف الذي يقع على الشباب والضغط على الحريات جميعا وما إلى ذلك، وسكرتير كتلة الشباب هو الشاب أحمد زيد السرحان. وفي الصباح ارسل علي الخليفة الصباح مدير الامن علي أنا وأحمد السرحان وهناك تولى فهد السالم أخذ إفادتنا، وقد اقتنعوا بقوة حجتي وأما أحمد فانهم طلبوا منه ارسال برقية ينفي فيها البرقية المنسوبة اليه. وعندئذ برز عبداللطيف الثنيان واعترف لهم انه هو مرسل البرقية لانه (سكرتير كتلة الشباب الفخري) ولما خرج منهم بعثوا اليه يطلبون منه الحضور ثانية وتوقيع اعتراف كتابي بالارسال فلم يذهب وانما ارسل الاعتراف المطلوب. كان الأمير قد انذر المجلسيون بعد برقية عبداللطيف الثنيان التي طيرها الى اذاعة قصر الزهور انه سيمنع المجلس حتى من مناقشة الدستور اذا كانت الامور ستجري على هذا المنوال وقد رأى بعض الأعضاء حيال ذلك ان يرسل المجلس برقية الى اذاعة قصر الزهور في بغداد بما معناه (ان أعضاء المجلس التشريعي يؤملون الوصول مع الأمير الى اتفاق بشأن الدستور لصالح البلاد) والمقصود بهذه البرقية ترضية الأمير لانها بمثابة تنبيه للاذاعة بتوقيف الحملات التي استمرت تشنها على الوضع السئ بالكويت. وقد تردد الأعضاء الآخرين في قبول ارسال مثل تلك البرقية لانها تسد المنفذ الوحيد الذي يأتيهم منه النصر غير ان الأولين اقنعوهم بالالزام. ولما عرض الأمر على الأمير طلب من المجلسيين ان يكذبوا في نفس البرقية جميعا اذاعة قصر الزهور عن تردي الحالة في الكويت ولمح لهم بحل المجلس ما لم يفعلوا ذلك وكان الوسيط في هذا سمو الشيخ عبدالله السالم، غير ان المجلسيين عند ذلك غضبوا واعلنوا انهم عدلوا عن ارسال اية برقية بأي معنى كان الى الاذاعة، فتطورت الحالة واستمرت اذاعة قصر الزهور تذيع البرقيات الحماسية الكثيرة من جميع نواحي العراق الداخلية وكلها تستصرخ الملك الفتى (غازي الأول) طالبة اليه أمر الجيش العراقي بالزحف على الكويت لضمها الى العراق بصفتها اللواء الخامس عشر من ألوية العراق الاقليمية على اثر تبادل برقية برموز اصطلاحية بيننا وبين رفاقنا الموجودين بالبصرة ذهب كل من السيد علي سيد سليمان ومشعان الخضير وخالد العبداللطيف وقاسم الصقر ويوسف العدساني وكاتب هذه السطور في سيارة الى الروضتين حيث التقينا هناك بعبدالله الحمد الصقر وعبداللطيف الثنيان قادمين من البصرة في سيارتهما خصيصا لمقابلتنا، وتغدينا معا وتبادلنا المعلومات والآراء التي تتصل بحوادث الكويت وموقف رجالات العراق وهيئاته العليا من القضية ثم رجع الطرفين كل من حيث اتى وقد طلب رفاقنا في العراق تحرير رسالتي شكر الى رئيس حكومة العراق السيد نوري السعيد وصاحب الجلالة الملك غازي على موقف العراق الطيب من قضية الحرية في الكويت. يوم الثلاثاء في ٩ محرم ١٣٥٨حرر أعضاء المجلس التشريعي الذين حضروا جلسته اليوم الرسالة الآتية: الكويت في يوم ٩ محرم ١٣٥٨حضرة صاحب الجلالة الملك غازي الأول ملك المملكة العراقية ادام الله بقاه السلام عليكم ورحمة الله، وبعد فان اول واجبات أعضاء مجلس الأمة التشريعي وممثلي البلاد الشرعيين ان يرفعوا للسدة الملكية اسمى عواطفهم الطافحة بالشكر والامتنان الخالص للمساعي الجليلة الفعالة المستوحاة من روحكم الهاشمية ونخوتكم العربية لتأييد قضية الكويت العربية ونصرة ابنائها الاحرار في سبيل تحقيق الاماني المشتركة للوصول الى الهدف الاكبر، ابقاكم الله رمزا خالدا لعز العرب وفلاحهم. ويلي ذلك تواقيع ثلاثة عشر عضوا الذين حضروا الجلسة، أما السبعة الباقون فانهم كانوا متغيبين عن الجلسة وبعضهم خارج الكويت".
وورد في مذكرات ناجي شوكت "سيرة وذكريات" رئيس الوزراء الأسبق عن طلب الملك غازي سوق قوة عسكرية لاحتلال الكويت ومن أفشل مشروعه " كان للملك غازي محطة بث لاسلكية يستعملها من قصر الزهور ، وتحيط به عصبة فيها القومي القح ، وفيها الجاسوس الألماني المتردي باللباس القومي ، وفيها السافل الغر ، والظاهر أن هذه الجماعات كانت تؤثر فيه وتوجهه الوجهة التي تريدها . وفي أحدى الليالي المعروفة قرر الملك احتلال الكويت ، فأصدر أوامره الى رئيس أركان الجيش بتنفيذ هذا الأمر بالأحتلال. وفي الوقت نفسه اتصل بمتصرف لواء البصرة علي محمود الشيخ علي هاتفياً ، وطلب اليه أن يسند قطعات الجيش العراقي المرابطة في البصرة لاحتلال الكويت.
كنت ما أزال قائماً بوكالة رئاسة الوزارة لأن نوري السعيد كان ما يزال في لندن ، وفي صبيحة اليوم الثاني الإيعاز ، طلبت للحضور في البلاط الملكي فلما حضرت ، وجدت في غرفة رئيس الديوان رشيد عالي كلا من وزير الدفاع ظه الهاشمي ،ووكيل رئيس أركان الجيش ، فبادرني طه بالكلام قائلاً : أن الملك اتصل برئيس
أركان الجيش وامره أن يحتل الكويت كما طلب من متصرف البصرة تيسير هذا الأحتلال. واضاف طه الى كلامه هذا : ولكننا لم ننفذ الأمر لعلمنا أنه صدر في الأمسيات المعروفة ، وعليك أن تتدارك الأمر وتعالجه.
وصل الملك الى بلاطه بعد الساعة العاشرة. على عادته. فدخلت عليه بعد الإستئذان الأصولي ، فاستقبلني بأدبه المعهود ثم سألني ماذا فعلتم لاحتلال الكويت ؟
قلت له أنك لم تكلمني يا سيدي في هذا الموضوع ، وانما كلمت رئيس أركان الجيش رأساً ، كما اتصلت بمتصرف البصرة هاتفياً وجلالتك تعلم أن الملك مصون غير مسوول. ولاسيما في مثل هذه الأمور الخطيرة ، ورئيس الوزراء ما يزال في لندن من أجل قضية فلسطين وانا بغيابه لا أستطيع أن أقدم على مثل هذا الأجراء الخطر والخطير لأن المسوول الأصلي غائب، فأن كنت مصراً على ما أمرت تنفيذ ما أمرت به ، فأني سأبرق الى لندن حالاً ليعود الى بغداد فوراً ولكن من واجبي أن ألفت نظر جلالتك الى نقطتين هامتين في هذا الموضوع : أولهما أنه ليس من المصلحة أن يستدعى نوري من لندن لأنه قائم بمهمة خطيرة، والثانية أن في الأمكان احتلال الكويت خلال ٢٤ ساعة.
ولكن هل تعتقد جلالتك أن كلاً من بريطانيا وايران والسعودية سيقفون مكتوفي الأيدي ويرحبون بهذا العمل الجسيم ؟ أنهم سينقمون علينا أشد النقمة ويقومون باجراءات لا قبل لنا عليها ، فهل جلالتك مستعد لمحاربة ثلاث دول في آن واحد؟ لم تكن هناك ضرورة لكلام أطول فقد قال جلالته قولاً وجيزاً : طيب لننتظر عودة نوري ولا حاجة للاستعجال. فعدت الى غرفة رئيس الديوان وقصصت على الموجودين ما حدث فأرتاح الجميع وانتهت القضية بسلام والحمد لله".

٦-عن محاولة نوري السعيد ضم الكويت الى العراق
بعد أن تنصلت الرسالة من اعتراف نوري السعيد بالحدود مع الكويت ذكرت أن رئيس الوزراء نوري السعيد "ووزير خارجية الأتحاد توفيق السويدي مسألة الوحدة مع الكويت مع سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني ألا أن الانكليز رفضوا ذلك أيضاً. وعند زيارة شيخ الكويت عبدالله السالم الصباح بغداد في ١٠/٥/١٩٩٥٨ أثار معه ملك العراق فيصل الثاني ورئيس الحكومة نوري السعيد مسألة انضمام الكويت الى الأتحاد العربي ، وكان جواب شيخ الكويت بأنه لابد أن يستشير الأنكليز ويستطلع رأيهم في ذلك"
٧- موقف حزب البعث من مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت
ورد في مذكرات طالب شبيب موقف الحزب ,والذي لم تذكره رسالة طارق عزيز, من مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت حيث قال "انذاك كنت عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الأشتراكي حيث جرى بحث الموضوع واصدرناً قراراً أعلن رسمياً ونشر في الصحافة العربية وتضمن المبدأ التالي : أن الدول العربية كلها أجزاء في وطن عربي واحد ، ويجب أن لا يكون هناك قرار بضم جزء الى جزء بالقوة وبصورة تعسفية. وان قرار التوحيد يجب أن يتم بموافقة كل الأجزاء التي تقرر الوحدة أو التوحيد أو التعاون وان تستند الموافقة الى استفتاء الأرادة الشعبية الحرة بين الأطراف الداخلية فيها ، فنحن ضد قرارات الضم. وهذا ما سار عليه حزب البعث عند استلامه السلطة في العراق، واصبح موقفنا الرسمي المعلن عام ١٩٦٣. كما أن حركات أخرى حليفة أخذت الموقف ذاته مثل حركة القوميين العرب التي استنكرت مطالبة قاسم بالكويت ، ونفت أن يكون لهكذا عمل اية صلة بالوحدة العربية المنشودة".
٨- اعتراف سلطة البعث الاولى بأستقلال الكويت
مرت رسالة طارق عزيز مروراً سريعاً على أتفاقية عام ١٩٦٣ والتي اعترف العراق "باستقلال الكويت وسيادتها التامة على حدودها" ، وحاول التنصل منها "زار رئيس وزراء حكومة الكويت السابقة بغداد في ظل ظروف سياسية مضطربة في العراق ، وصدر بيان مشترك استند الى مكاتبات عام ١٩٣٢ ، غير أن المجلس الوطني لقيادة الثورة كأعلى سلطة تشريعية في العراق وبموجب الدستور الموقت لعام ١٩٦٣ لم يصادق على البيان المذكور".
كان نص البيان والذي اعترف فيه العراق باستقلال الكويت " جرت المباحثات بين الوفدَين، في جو مفعم بالود الأخوي، والتمسك برابطة العروبة، والشعور بأواصر الجوار، وتحسس المصالح المشتركة. وتأكيداً من الوفدَين المجتمعَين عن رغبتهما الراسخة في توطيد العلاقات، لما فيه خير البلدَين، بوحي من الأهداف العربية العليا. وإيماناً بالحاجة لإصلاح ما ران على العلاقات العراقية ـ الكويتية، نتيجة موقف العهد القاسمي البائد تجاه الكويت، قبْل إشراق ثورة الرابع عشر من رمضان المباركة. ويقيناً بما يمليه الواجب القومي، من فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولتَين العربيتَين، تتفق وما بينهما من روابط وعلاقات، ينحسر عنها كل ظل لتلك الجفوة، التي اصطنعها العهد السابق في العراق. وانطلاقاً من إيمان الحكومتَين بذاتية الأمة العربية، وحتمية وحدتها. وبعد أن اطَّلع الجانب العراقي على بيان حكومة الكويت، الذي أُلقي بمجلس الأمة الكويتي، بتاريخ ٩ أبريل ١٩٦٣، والذي تضمن رغبة الكويت في العمل على إنهاء الاتفاقية المعقودة مع بريطانيا، في الوقت المناسب. اتفق الوفدان على ما يلي:
أولاً: تعترف الجمهورية العراقية باستقلال دولة الكويت، وسيادتها التامة، بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق، بتاريخ ٢١ يوليه ١٩٣٢، والذي وافق عليه حاكم الكويت، بكتابه المؤرخ في ١٠ أغسطس ١٩٣٢.
ثانياً: تعمل الحكومتان على توطيد العلاقات الأخوية بين البلدَين الشقيقَين، يحدوهما في ذلك الواجب القومي، والمصالح المشتركة، والتطلع إلى وحدة عربية شاملة.
ثالثاً: تعمل الحكومتان على إقامة تعاون، ثقافي وتجاري واقتصادي، بين البلدَين، وعلى تبادل المعلومات الفنية بينهما. وتحقيقاً لذلك، يتم، فوراً، تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدَين، على مستوى السفراء. وإشهاداً على ذلك، وقّع كلٌّ من رئيسَي الوفدَين على هذا المحضر".
كان هناك خلفية سبقت اعتراف العراق باستقلال الكويت ذكرها محمد حسنين هيكل في كتابه حرب الخليج حيث جرى نقاش بين أعضاء وفد من العراق والرئيس المصري جمال عبد الناصر عن الكويت حيث ذكر "كانت الجلسة مسجلة وقد تم تفريغ محضرها ، وجرى توزيع نسخ منه على قيادة القوات المسلحة ووزارة الخارجية والمخابرات العامة ، وكان الوفد العراقي يحفظ عن ظهر قلب كل الحجج والوقائع التاريخية والوثائق التي تعزز دعاويه ، وكان لجمال عبد الناصر رأي مختلف وقد شرحه على النحو التالي قال: انكم تعلمون بالطبع اننا لنا رأي أخر في هذا الموضوع ، فنحن وقفنا ضد عبد الكريم قاسم عندما أراد أن يضم الكويت ، اننا لم نفعل ذلك عن عداء لعبد الكريم قاسم ،كما قال البعض في العراق وقتها. وانما اتخذنا موقفنا على أسس موضوعية أريد أن اشرحها لكم ألان ، لأن فيها ما لم يكن ممكناً الجهر به علناً في ذلك الوقت" سوف تكون كارثة اذا تحقق للناس في هذه المنطقة أنها تخلصت من الوجود الأنجليزي السافر لكي يبتلعها العالم العربي الواسع. وانا مستعد أن اتفهم بعض دعاواكم ، وقد سمعت وقرأت الكثير من وثائقكم ، ولكني أقول لكم في منتهى الوضوح أن ماتطلبونه فات أوانه بحكم الحقائق العربية والدولية . أن الانجليز لم يعودوا وحدهم في السيطرة على بترول الخليج . وانما هذه السيطرة انتقلت أكثر الى يد الأمريكان، فاذا أراد أحد أن يضم دولة في الخليج على غير رضى أهلها، فيجب أن يعرف سلفاً أنه سيواجه قوة الولايات المتحدة. أن الأتحاد السوفيتي نفسه يسلم للغرب بأهمية بترول الخليج بالنسبة لهم ، وبالتالي يجب أن يعرف أن هذه المعركة فوق طاقتنا. واقول لكم أيضاً أنها ضد مصلحتنا لاننا يجب أن نشجع شعوب الخليج ودوله على الأطمئنان في ظل حركة القومية العربية. أن وجود البترول والثروة المتولدة منه سوف يفرض حدوث تنمية على نطاق أوسع تبرز معه قوة شعبية كبيرة يمكن بالتفاعل معها أن يتحقق نوع من التعاون الوثيق أقوى مائة مرة من الوحدة الدستورية. اننا كنا في وحدة أندماجية مع سوريا ، وكنا بلداً واحداً ، ولكن لأن التفاعل بين الناس لم يحدث ، فان الأنفصال جاء سهلاً"
يذكر أن الأتفاقية لم تصدق من قبل مجلس قيادة الثورة ليس لعدم موافقته عليها ، بل لأن العراق بكامله دخل بعدها في دوامة من الخلافات تسببت بفراغ سياسي لم ينته ألا بعد سقوط حكم حزب البعث في ١٨ تشرين الثاني عام ١٩٦٣ .أن مسألة خضوع اتفاق ما للتصديق أو عدمه يتوقف على نية الأطراف المعنية وهذه تستفاد من الظروف والقرائن وموضوع الأتفاق. ولا يخفى أن المحضر المتفق عليه، لا يرفع حدوداً أو يقيم أخرى مكانها، ولا يعدو بالنسبة لمسألة الحدود كونه تقرير اعتراف بحدود سبق الأتفاق عليها. أن نية الطرفين المتعاقدين العراق والكويت قد انصرفت لتنفيذ هذا المحضر فوراً بعد التوقيع، وللدلالة على ذلك ، فأن معظم بنود المحضر قد تم تنفيذها مثل الأعتراف، وتبادل التمثيل الدبلوماسي ، واقامة اتفاقات تجارية واقتصادية.

السبت، 3 ديسمبر 2011


أرفق هنا وثيقة تتضمن قائمة باسماء القرى التي تمت ازالتها في المرحلة الثانية لتجميع أو تدمير القرى المحذورة أمنياً وهي المرحلة التي سبقت البدء بالعمليات العسكرية "الانفال" لتدمير ما تبقى من تلك القرى .
القرى في هذه القائمة كانت خاضعة لسيطرة الدولة عكس القرى التي تم تدميرها في عمليات الانفال والتي كانت خارج سيطرة النظام وكما تطرقنا الى ذلك في الجزء الرابع من عمليات الأنفال .

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

أخبار قديمة عن غزو الكويت

بعث لي أحد القراء مشكوراً أخبار من صحف عراقية أرفق بعض منها هنا ، وهي خاصة بغزو الكويت ، منها بيانات صادرة عن الحكومة الموقتة عن استجابة العراق لمطلب الحكومة الموقتة بمساعدة "الثوار" وتصريح ناطق من مجلس قيادة الثورة عن أن العراق سينسحب من الكويت وفق جدول زمني محدد لا تجاوباً مع " الجعجعة الفارغة" وانما "التزامنا بمبادئنا وننسجم مع أنفسنا". يعتقد بعض الكتاب أن العراق كان يعتقد أنه يستطيع تشكيل حكومة من الكويتيين تكون خاضعة له ويقوم فعلاً بسحب قواته أو الغالبية العظمى منها ، وهذه البيانات الصادرة عن الحكومة الموقتة وعن مجلس قيادة الثورة تنسجم مع هذا التصور، لكن الخطة تغيرت بعد أن فشل العراق في تشكيل الحكومة وردة الفعل العالمي للغزو ومطالبته بعودة الحكومة الكويتية هي التي أدت الى عدم التزام العراق " بالمبادىء " وعدم انسجامه مع نفسه كما ورد في تصريح الناطق.
الخبر الأخر المرفق هو تصريح ناطق رسمي عن أن اجتماع جدة هو اجتماع بروتكولي ليس ألا، وهو كما سبق أن أشرنا في الجزء الأول من غزو الكويت ، يدل على العراق كان بحاجة للوقت لان استعداد وتجهيزات الحرس لعملية الغزو كانت غير مكتملة، فالعراق كان قد حكم على الاجتماع مسبقاً أنه مجرد اجتماع أولي برتكولي وسيعقبه اجتماع في بغداد الذي سيتم فيه حل كافة المشاكل .
































الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الجمعة، 15 يوليو 2011

اغتيال بالثاليوم..والطرود الملغمة

في فصل اغتيال عادل وصفي تطرقت الى عمليات اغتيال وتصفية لمعارضين أو حاملي وجهات مختلفة لوجهة نظر السلطة نفذتها فرق اغتيال تابعة للمخابرات العراقية سقط الضحايا خلالها صرعى بالرصاص. هناك ضحايا اخرون سقطوا صرعى لسم الثاليوم واخرون اغتيلوا أو جرت محاولة لاغتيالهم بالقنابل.ليس هناك عدداً موثقاً لمحاولات الأغتيال تلك لكن أرفق هنا أكثرها شهرة أو توثيقاً .
مجدي جهاد صالح عضو حزب البعث جناح اليسار قدم طلباً للموافقة على سفره لاصطحاب ابنته الصغيرة لعلاجها في بريطانيا عام ١٩٨٠، وبعد أستدعاه لدائرة الأمن لانجاز المعاملة ، قدم له عصيراً من البرتقال وسلم له جواز السفر وعليه ختم الموافقة بالسفر.
بعد وصوله الى بريطانيا بدأت عليه علامات المرض. حيث ذكر تقرير الطبيب الذي أشرف على علاجه أنه أصيب بالتهاب الكبد ، ثم ظهرت على جسمه تقيحات جلدية اعتقدوا في البداية أنها كانت نتيجة لمرض تسمم الدم من قبل عصيات جرثومية لكن زراعة الدم المختبرية لم تتفق مع ذلك التشخيص. تدهورت حالته الذهنية وتساقط شعره واظهرت فحوصات الدم والبول أن نسبة مادة الثاليوم كانت عالية ورغم أعطاه المادة المضادة لسم الثاليوم فقد أصيب بحالة هيجان وهذيان حتى أصيب بحالة من الاغماء وتوفي كنتيجة لمضاعفات التهاب الرئة والقصبات الهوائية.

سلوى البحراني

استاذة جامعة ألقي القبض عليها كمحاولة للضغط على عائلتها لكي يسلم ابنها ,أحد أعضاء حزب الدعوة نفسه ، وقبل أطلاق سراحها تم تسميم طعامها تدهورت حالتها الصحية بعد ذلك وتساقط شعرها وتوفيت بعد أيام من أطلاق سراحها.

شوكت عقراوي -مهندس كيميائي- خريج جامعة ليدز البريطانية حسب مجلة New Scientist الصدارة عام ١٩٨١ تمكن عقرواي بعد دخوله الى المستشفى في بغداد من الاتصال بها هاتفياً حيث قال لهم '' الحادث الذي دبروه لي لم يقتلني ، لذلك سمموني بالثاليوم بعد دخولي الى المستشفى . أبلغ وداعي للجميع" ..ثم انقطع خط الأتصال.

صالح اليوسفي
سياسي كردي عراقي ووزير سابق وأحد الأعضاء البارزين في الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق. بعد إعلان بيان ١١ اذار سنة ١٩٧٠ تقلد عدداً من المناصب السياسية منها وزير الدولة ونائبا لرئيس جمعية الصداقة والتعاون العراقية السوفيتية ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب الكرد وعضو مجلس السلم والتضامن العراقي وغيرها من المناصب السياسية في العراق . وبعد التوقيع على أتفاقية الجزائر بين العراق وايران في سنة ١٩٧٥ وصل به المطاف ليستقر في مدينة بغداد. وفي شهر أيار من سنة ١٩٧٦ قام اليوسفي بتأسيس الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية. أغتيل اليوسفي بواسطة طرد بريدي مفخخ أرسل إليه في مقر إقامته بمدينة بغداد في ٢٥ حزيران من سنة ١٩٨١.عن حادثة اغتياله ورد في كتاب صالح اليوسفي لزوزان صالح اليوسفي "
في ٢٥ حزيران من سنة ١٩٨١ وفي الساعة الحادية عشرة صباحا جاء ساعي بريد إلى منزل صالح اليوسفي وطرق باب المنزل ففتح اليوسفي الباب فسلمه الساعي طردا على شكل رسالة بريدية ثم بدأ اليوسفي يوقع على مستند التسليم لهذه الرسالة البريدية المسجلة وبعدما ذهب ساعي البريد بثواني انفجر الطرد البريدي. وعلم فيما بعد أن ساعي البريد كان أحد منتسبي مديرية الأمن العامة برتبة مفوض ويعمل في الشعبة الثالثة المخصصة لمكافخة النشاط الكردي وأنه تم تفجير الطرد عن بعد من قبل مجموعة أخرى كانت تنتظر الساعي داخل سيارة نوع بيك آب خلف بيت اليوسفي. بعد الانفجار سقط اليوسفي على الأرض ولكنه ظل واعيا وكانت يده اليمنى التي وقع فيها إيصال التسليم هي أشد ماتضررت ورغم جراحاته كان يحاول النهوض وعجز عن الكلام لشدة الجراح التي أصيب بها بسبب الانفجار. هرعت زوجته وبناته إليه وأخذن زوجته يستنجدن بالمارة وبالجيران الذين تجمعوا بعد سماعهم صوت الانفجار. ثم بادر الجيران إلى إيقاف إحدى السيارات المارة وحملوا اليوسفي بها ومعه زوجته قاصدين مستشفى اليرموك وأدخلوه إلى قسم الطوارئ. وبعد دقائق من دخوله غرفة العمليات, حضرت سيارة خاصة تابعة للأمن وخرج منها بعض الرجال وانتظروا في المستشفى إلى أن تأكدوا من وفاة اليوسفي. وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً أي بعد ساعة من تفجير الطرد الملغم توفي اليوسفي متأثرا بالجراح البالغة التي أصيب بها. بعد وفاته طلبت عائلته من السلطات الموافقة على نقل جثمانه إلى مدينة زاخو وكان ذلك رغبة وتوصية منه وفي حال رفض السلطات ذلك فإن عائلته ستطلب من الجهات الحكومية بنقل جثمانه إلى مدينة كربلاء لدفنه هناك. ولكن السلطات وافقت على طلب العائلتة بدفن جثمان اليوسفي في مدينة زاخو. وسار موكب الجثمان ليلا إلى المدينة مع عائلته وأقربائه ووصلوا إليها فجرا وتمت إجراءات دفنه في ذلك الصباح في مقبرة مدينة زاخو تحت مراقبة شديدة من أفراد الأمن العراقي. وبعد عدة أشهر من اغتيال اليوسفي قررت عائلة اليوسفي ترك مدينة بغداد والسكن في مدينة زاخو".

وورد في كتاب مراقبة حقوق الأنسان Human Rights in Iraq الصادر عام 1990 ، حيث اجرت مقابلة مع سامي شورش وهو كاتب وشاعر كردي ،نائب في البرلمان بعد سقوط النظام ، فقال
" كنت أعمل في راديو في مركز المعلومات الكردي في الأراضي المحررة من عام 1980 الى 1987 . بتأريخ 24 تشرين الثاني 1987 ذهبت الى منطقة ميركه لكتابة قصة عن المعركة هناك. كنت مع الدكتور محمود عثمان وعدنان المفتي ومصطفى محمود واخرين. تناولنا الغداء وشربنا اللبن. بعد ساعة من ذلك قال أحد الرجال أنه يشعر بالمرض وخر على الأرض. نقلناه الى المستوصف حيث ابتدأ بالتقيو واصيب بالشلل لكنه توفي. ثم تمرض شخص ثم ثالث وتوفيا أيضاً. ذهبنا الى مستشفى في المنطقة المحررة حيث فحصنا الطبيب هناك وقال لنا انكم قد سممتم لكنه لا يتوفر لديه أي عقار لمعالجتنا.
كان ذلك هو اليوم التالي لتناولنا الغداء ولم أشعر بأي أعراض بعد، لكن صباح اليوم التالي شعرت بألم في المعدة وفي رجلي. رفاقي الدكتور محمود عثمان ، عدنان المفتي ومصطفى محمود شعروا بنفس الأعراض. ارسلنا الى مستشفى في ايران ، وهي رحلة استغرقت ثلاثة أيام وكانت رحلة شاقة.
كنا مرضى للغاية . آلم المعدة والساق ازداد سوءا لا أستطيع تناول الأكل وابتدأ شعري بالتساقط. . كنت أشعر بدوار مستمر. نقلونا أنا وعدنان ومصطفى الى مستشفى في طهران تابعة الى الحزب الديمقراطي الكردستاني وشخصنا الطبيب هناك بالتسمم بالثاليوم لكنه قال لايتوفر العلاج له في ايران. زارنا شخص من الأمم المتحدة مصطحباً معه طبيب ألماني لمعاينتنا والذي قال أن حالتنا سيئة للغاية واحتمالية بقائنا أحياء ضئيلة أن لم ننقل الى أوربا للعلاج. اعطونا أوراق سفر لكن الأيرانيين لم يسمحوا لنا بالسفر مباشرة. ابقونا لمدة 25 يوم أخرى لكي تزداد حالتنا المرضية سوءا ونموت في أوربا لخلق نوع من الدعاية ضد العراق. عندما وصلت الى لندن كنت غير قادر على المشي وعلى النطق. عولجنا في مستشفى بريدج في لندن.
حيث بقيت اتلقى العلاج لمدة ثلاث اسابيع وكذلك عدنان أما مصطفى فقد استمر علاجه لمدة شهرين حيث احتاج لعملية في الكبد."
ويذكر الكتاب أن طبيباً يعمل لمنظمة العفو الدولية قام بفحص سامي شورش ، عدنان المفتي ومصطفى محمود حيث أكد لها اصابتهم بتسمم بمادة الثاليوم. وعندما نشرت المنظمة تقريرها قام السفير العراقي في بريطانيا في حينها محمد المشاط بتكذيب التقرير قائلاً " أن التقرير هو جزء من سلسلة أكاذيب مختلقة من قبل المنظمة ، في وقت اثبتت عجزها عن التوضيح للراي العام الجرائم المرتكبة من قبل النظام الأيراني وحليفها الكيان الصهيوني".
وورد أيضاً في ذلك الكتاب أيضاً وفاة عراقي أخر ، عبدالله رحيم شريف علي ، بالثاليوم. توفي علي بعد تناول العشاء مع ثلاثة من رجال الأعمال العراقيين قدموا من بغداد حيث زاروا لندن ليوم واحد ولا
يبدوا أنهم قاموا بأي عمل أخر عدا اللقاء بعبد الرحيم.
محاولة اغتيال مصطفى البرزاني

بعد فترة قصيرة من اعلان بيان اذار ١٩٧٠ ظهر تلكؤ من قبل السلطة لتنفيذ ما ورد فيه توج ذلك بمحاولة اغتيال مصطفى البرزاني من خلال جهاز تسجيل ملغم أرسل مع مجموعة من رجال الدين قامت بزيارته .عن تلك المحاولة ورد في كتاب "البارزاني والحركة التحررية الكردية " لمسعود البارزاني "في يوم ١٥ أيلول ١٩٧١ أقبل الى المقر كل من العالمين الدينين عبدالجبار الأعظمي وهو سني المذهب وعبد الحسين الدخيلي وهو شيعي بقصد زيارة البارزاني فاستقبلهما مرحباً محتفياً. وزعم بأنهما قصداه بسبب تردي الاوضاع بين الثورة وبين النظام وبينا له تأثير ذلك
على الرأي العام وانهما جاءا ليعلماه بأنهما سيقومان بحملة بين علماء ألدين
والناس لأجل القيام بمحاولة رأب الصدع ورأيا أن يستمزجا رأي البارزاني في هذه الخطوة.
استحسن البارزاني الفكرة وتحمس لها وشجعهما عليها. كان السائق الذي أقلهما واحداً من موظفي أجهزة المخابرات فانتهز الفرصة بناء على التعليمات التي زود بها واجرى استطلاعاً للمنطقة وعرف بموضع جلوس البارزاني والمداخل والمخارج المؤدية اليه.
وفي يوم ٢٩ أيلول ١٩٧١ أقبل الوفد المنتظر الى حاجي عمران . وفي هذه المرة كانت هناك سيارتان احدهما من طراز تويوتا ستيشن واخرى شفروليت صالون طراز ١٩٦٥ ، أوقف الضابط المسؤول في سيطرة حاجي عمران السيارتين ومنعهما من المرور والاتجاه الى مقر البارزاني الا أن عبد الجبار الأعظمي خرج اليه مهدداً بالشكوى منه لدى البارزاني. فخشى المسؤول العاقبة وافسح للسيارتين السبيل.
في الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم كنت مع
دكتور محمود عند الوالد وكان على مع موعد
لزرق أمبول له. في تلك الأثناء أقبل ضابط المقر وناولني رسالة ذكر فيها بأن الملالي قد وصلوا وهم ينتظرون قدوم البارزاني. قال البارزاني : سأصلي صلاة العصر وسأكون معهم في الخامسة والدقيقة الثلاثين ، قلت للدكتور محمود : إن ذهبت لأستقبال الضيوف فإني سأذهب لأحلق لحيتي وأعود في الخامسة.
كان ادريس غائباً وهو في زيارة لمقرات البيشمركة في زوزك وكريبيش وحسن بك.
في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والخمسين طرق سمعي صدى انفجار عظيم. وتصورت أنه لغم
ديناميت مما كان يستخدم وقتذاك لتفتيت الصخور في الجبال. لكن تلاه رأساً صدى اطلاقات نارية كثيفة فركضت رأساً نحو منزل الوالد متصوراً أنه في المنزل لكني لم أجده فيه.
فتناولت بندقيته واسرعت قاصداً موضع الأستقبال وسألت نهاداً أين الوالد قال قتل. فتهاويت على الأرض وقد خانتني قواي ثم تحاملت على نفسي ونهضت وتوجهت متعقباً مصدر أطلاق النار . والتقيت البيشمركه رسول خدر من حرس الوالد وسألته عنه فأجاب أنه سالم فأطمئن بالاً. على أنه كان جريحاً بشظية من الرمانات المقذوفة.
تبين لي فيما بعد أن البارزاني سبق الموعد الذي
ضربه للقاء وقصد القادمين بعد صلاة العصر مباشرة. ودخل فرحب بهم وجلس ودخل النادل شريف أبن شريف واخذ يضع اقداح الشاي أمام الضيوف ووقف بين العبوة الناسفة التي يحملها ابراهيم الخزاعي أحد العلماء في طيات ثيابه فبات سداً واقياً للبارزاني عندما فجرت العبوة وهكذا وبمعجزة خرج البارزاني سالماً. وقتل في غرفة الأستقبال أربعة من القادمين بشظايا العبوة الناسفة . واصيب الجالسون عن يمينه ويساره وخرج القادرون منهم منهزمين وترك البارزاني الغرفة وهو يهيب بالبيشمركه لاتقتلوا أحداً منهم . ألا أن السائقين أخذا يقذفان الرمانات اليدوية كيفما اتفق بعدما فشلا في الوصول الى سيارة الشوفرليه التي كانت هي الأخرى مفخخة ووضعت صواريخ في موضع المصباحين الخلفيين لاطلاقها على السيارة التي تتعقبها اذا كتب لهم النجاح والفرار بها. وهذا يدل أن خطة الهروب للساقين ، وهما ضباط أمن ، كانت قد أخذت في الحسبان بينما لم يكن هناك ما يشير الى اهتمام بنجاة الملالي. واصيب البارزاني بخدش بسيط من شظية. وجرح قسم من الحراس واذ ذاك لم يعد بالامكان السيطرة على هياج البيشمركه فتعقبوا السالمين.
واعتصم أثنان منهم في المنزل المجاور وبدءا يقومان بالقاء الرمانات اليدوية حتى قضي عليهما. بقي الدكتور محمود يلازم البارزاني الى الأخير وقد سلم هو الاخر ولم يصب بخدش.
وقف البارزاني في الشرفة يصدر أوامره بمنع قتل الهاربين حين أصيب بشظية في خده. وحاول أشعل سيكارة فالتفت
اليه دكتور محمود وقد أخذ بكفه قائلاً : دفع الله عنك السوء. أهذا وقت السيكارة ناشدتك الله أن أنسحب الى موضع آمن.
كان قد أصاب ثيابه نثار من امخاخ القتلة المنفجر. انتهى كل شيء في الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والعشرين بالقضاء على المتآمرين.
بعد أن انفض الجمع انفجرت سيارة التويوتا الموقتة وتطايرت شظاياها في الساحة. ولا ندري ماذا كان سيحل بالناس لو أن الأنفجار لم يتأخر. قتل تسعة من رجال الدين ( عبد الجبار الأعظمي، عبد الوهاب الأعظمي ، عبد الحسين الدخيلي، باقر المظفر ، ابراهيم الخزاعي (حامل آلة التسجيل المفخخة) غازي الدليمي ، أحمد عبدالله ياسين الهيتي ، نوري الحسيني ، أحمد محمد قاسم ) مع السائقين ( سليمان كوخي ومحمد كامل اسماعيل).
واستشهد أثنان من البيشمركه سليم زبير البارزاني ومحمود شريف نزاري. وجرح أربعة عشر اخرون. في الساعة السادسة عصراً عاد ادريس فبعثت رسولاً اليه قبل وصوله لاستقباله بدربند لاحاطته علماً بما
وقع وبسلامة الوالد.
وذاع نبأ المؤامرة بين المواطنين فاقبلوا الى حاجي عمران وابوا ألا أن يشاهدوا البارزاني. وهم شاكرون فضلاً من الله عليهم بسلامته. وفي ليلتها عممنا برقية ألا سائر الفروع والمقرات ومعسكرات البيشمركه نوصيهم بضبط النفس وعدم القيام بأي عمل استفزازي. وجاءتنا برقية من القيادة القطرية العراقية لحزب البعث مهنئة بنجاة البارزاني مزهرة استعدادها الكلي للتعاون معنا في محاولة الكشف عن المدبرين و الضالعين . فأجبناهم أن الذين نفذوا المؤامرة جاووا من بغداد.
ثم بعث رئيس الجمهورية بالدكتور عبد الستار الجواري أحد الوزراء مندوباً للتهنئة وللاعراب عن اسفه الشديد لما حدث موكداً عدم علمه بها مطلقاً. وتألفت لجنة مشتركة لاجراء التحقيق من : حامد العاني وكيل وزارة الداخلية. وحازم القاضي مدير أمن اربيل. والمقدم الركن علاء الجنابي من الأستخبارات العسكرية. وعلي عبدالله والشيخ رضا كولاني مدير شرطة اربيل واحسان شيرزاد ونافذ جلال.
بطبيعة الحال لم يسفر التحقيق عن أي نتيجة للسبب البسيط : أن النظام هو الذي دبر المؤامرة استناداً الى المعلومات التي تزودت بها أجهزة استخبارات الثورة.
اجتمعت قيادتا الحزب والثورة وطلب بعضهم قطع العلاقات مع النظام واستئناف القتال الأ أن البارزاني عارض في ذلك قائلاً " كلا لو بدأنا بالقتال فليكن من أجل كركوك وخانقين وسنجار لا بسببي".
ثم أعيد وزراونا الى بغداد لاستئناف أعمالهم. واقولها للحقيقة أن الأعتداء الذي وقع في 29 أيلول قضى على كل أمل في الحل السلمي وتبين أن المسألة أصبحت مسألة وقت وأن الثقة زالت تماماً.
الأ أن سؤالاً يفرض نفسه هنا. هو هل كان رجال الدين هولاء يعلمون بالمؤامرة ؟ أم أنهم كانوا مجرد أدوات وضحايا؟
في رأيي أنهم كانوا يجهلون ما جاووا في سبيله. وقسم منهم لم يكن لديه أي فكرة غير ما انتدبوا له. ما بات واضحاً فيما بعد أن كلاً من عبدالجبار الأعظمي وعبدالحسين الدخيلي وغازي الدليمي وابراهيم الخزاعي كانوا أما عناصر أمن أو من المتعاونين. لكنهم كانوا يجهلون تفاصيل المؤامرة. أما الخزاعي الذي حمل آلة التسجيل المفخخة فقد تصور أنه يسجل صوت البارزاني والمتحدثين الأخرين ليس ألا. لكن سائقي السيارتين كانا من الضالعين في المؤامرة والمطلعين على أدق تفاصيلها.