الخميس، 13 مارس 2014

ياسر عرفات وصدام حسين ...صورة قديمة


في سبعينيات القرن الماضي كانت علاقة العراق مع منظمة التحرير الفلسطينية متوترة ، ففي عام ١٩٧٠ وعلى الرغم من تواجد القطعات العسكرية العراقية في الأردن فقد وقفت بموقف المتفرج ولم تستجيب للنداءات الفلسطينية للتدخل لوقف هجوم القوات الأردنية ضدها فيما عرف بأحداث ايلول الأسود.ودار العراق ظهره لمنظمة التحرير بانشائه جبهة التحرير العربية التي قادها فلسطينيون يوالونه.
ودعمت بغداد صبري البنا أو أبو نضال والذي كان في البدء ممثلاً لفتح في العراق فتحول الى صلة الوصل الوحيدة بين الفلسطينين المقيمين في العراق والسلطة انذاك وحولوا لحسابه ماكانوا تعهدوه ل "فتح " من معونات واعطوه مزرعة واغدوا عليه أموالاً أخرى سمحت له أن يتحول الى التجارة والأستثمار.  في البداية كانت وظيفة صبري البنا أن يسهل انكار العراق لما حصل في الأردن بل يسر انتقال الحكم العراقي من موقع المتهم الى موقع المدعي ، حيث بدأ يهاجم من بغداد منظمة التحرير لتفريطها وجبنها في المعارك مع الجيش الأردني ,ثم تحول البنا الى بندقية استخدمها النظام ضد فتح.
ورعت بغداد محمد العباس المعروف حركياً ب أبو العباس والذي اشتهر بعملية سفينة اكيلي لارو  الأيطالية في عام ١٩٨٥ ، والذي انشق مبكراًعن الجبهة الشعبية - القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل وتأسيسه جبهة تحرير فلسطين.
ودعمت بغداد جورج حبش الذي أسس جبهة الرفض المناهضة لعرفات وسورية عام ١٩٧٤ وذلك في مؤتمر صحفي عقد في بغداد.  وفي تعهدها التصدي للعمليات "الأستسلامية والتصفوية" قامت جبهة الرفض بهجمات تولاها وديع حداد وكذلك صبري البنا .
وأغلق النظام مكاتب فتح في العراق ونكل بأعضائها واستملك الورشات الصغيرة التي كانت فتح تستعملها لصنع الذخيرة ولغيرها من الإحتياجات.
كان النظام  في العراق يدعم وينسق ويكتل "جبهة الرفض". وينسق مع صحف وأجهزة اعلام يدعمها ويغذيها بالمال. وكان يوصل الخيوط مع القوى المعادية للمقاومة في لبنان إبان الحرب الأهلية ويحوّل موقعه من بيروت الغربية الى بيروت الشرقية ـ الى جونيا، التي كانت تصلها اسلحة عراقية، مثلما كانت تصل الى "جبهة الرفض" لتواجه "جبهة القبول" وتواجه الجيش السوري الذي لعب دوراً هاما في التشكيلة المتناقضة للبنان إبّان تلك الحرب. في هذا الجو المتوتر الذي أحست فيه فتح بضربات نظام البعث العراقي وخاصة بعد اغتيال عدد من كوادرها مثل عزالدين قلق وسعيد حمامي وعلي ناصر ياسين وعدنان حماد ومهاجمة مكاتبها في باكستان، قامت عبر مجلتها المركزية "فلسطين الثورة" بحملة فضح لمواقف العراق المعادية للثورة الفلسطينية".
وكنتيجة لذلك ولتأديب الغيرة سزز "ياسرعرفات" كما ذكر حسن العلوي عن لسان صدام حسين قامت أجهزة المخابرات العراقية باغتيال العراقي عادل وصفي نائب سكرتير تحرير مجلة فلسطين الثورة والذي كان كغيره من المثقفين العراقيين من كتاب وشعراء ورفاق عانوا وتعذبوا بعد أن التحقوا بصفوف فتح.
لكن فتح  ،وبما اعتبر بمثابة طعنة خنجر في ظهر العراقيين الذين التحقوا بها، قامت بتسليم قتلة عادل وصفي بعد أن ألقت القبض عليهم الى النظام العراقي وعادت العلاقات مع فتح وعاد دعم العراق لها.
وربما كاعتراف بالجميل لدعم العراق لفتح انكفأ ياسر عرفات ليزيل سجادة من أمام صدام حسين ليمكنه من المرور أو الجلوس عند زيارته للحرم الشريف أثناء انعقاد المؤتمرالأسلامي في السعودية عام ١٩٨١.


الأربعاء، 12 فبراير 2014

محاولة الجبور


"المعارضة في بلدنا لم تعد معارضة محلية وانما هي معارضة دولية وهي تكون معرضة للاعدام ...بموجب القانون نحن نقول من يتعامل مع قوى خارجية يحكم بالاعدام "  صدام حسين ١٩٨١

في بداية كانون الثاني من عام ١٩٩٠ ألقي القبض على مجموعة  من ضباط  الحرس الجمهوري بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وقد تم إعدام جميع الذين تم اعتقالهم في شهر آب عام ١٩٩٠ وهو ما عرف بمحاولة الجبور لقلب نظام الحكم، وقادها النقيب (سطم غانم الجبوري، وشارك معه النقيب مضحي علي حسين الجبوري) .
ولد النقيب سطم غانم مجذاب في شهر تموز من عام ١٩٦٢  نشأ في قرية سديرة التابعة لقضاء الشرقاط محافظة نينوى وهي قرية ريفية على ضفاف نهر دجلة بمحاذاة جبل مكحول وكان الثالث في عائلة فلاحية من أربع أفراد. أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة القرية والتحق بإعدادية قضاء الشرقاط حيث أكمل الفرع العلمي وتخرج منها سنة ١٩٧٨ التحق بكلية القوة الجوية لدراسة الطيران وبعد ستة اشهر ترك الكلية وعندما فتحت دورة خاصة لأبناء العشائر الجبور التحق بها ليكون ضابطاً  في الحرس الجمهوري وشارك ضمن اللواء المدرع الثاني للتصدي للقوات الإيرانية التي وصلت مشارف طريق العمارة وكان يشغل آمر رعيل استطلاع كتيبة دبابات المجد المدرع. وكرم من قبل آمره المقدم محمد عياش وتطور الأمر إلى تكليفه بواجبات خارج الحرس لاختيار ضباط لرفد الحرس الجمهوري .
نقل من اللواء الثاني حرس جمهوري إلى اللواء الثامن حرس جمهوري بعدها نقل إلى فوج تدريب جهاز المخابرات حيث كان مساعداً آمر فوج.
كانت كتيبته مشاركة في الاستعراض العسكري بعيد تأسيس الجيش العراقي
 وهنا لدت فكرة السادس من كانون  ١٩٩٠ كموعد لتنفيذ عملية الاغتيال والانقلاب على السلطة في الأحتفالات الكبري في بغداد. اعتقل نقيب سطم يوم ٢ كانون الثاني  ١٩٩٠ من كتيبة دبابات المجد واقتيد إلى منطقة الحاكمية في بغداد والخاصة بالمعارضين وأمن الدولة واعتقلت معه مجموعة كبيرة من الضباط والمثقفين ودار التحقيق قصي صدام حسين وسبعاوي إبراهيم الحسن.
ذكر أحد الضباط الجبور والذي أعتقل مع تلك المجموعة أن التحقيق  "جري عادة في وقت متأخر من الليل.والزنزانات ضيقة ومصبوغة باللون الأحمر وعلى الجدران أسماء بالإنكليزية والفارسية والعربية كلمات لرجال ونساء أحياناً واضحة لم أذكر أن هذه الأسماء قد مرت بي سابقاً. أعرف الليل من النهار من خلال التعداد الذي يجري كل يوم. وانه سمع " أصوات ضربات بالسياط وصراخ أنين وتوجعات لأشخاص" وبعد أربعين يوماً من الاعتقال تم استجوابي وسألني المحقق (بصفتي من أبناء عمومة النقيب سطم هل فاتحك النقيب عن ثورة في يوم ما تستهدف إسقاط السلطة) وكانت الإجابة بكلا. (فيما لو كان عرض عليك الفكرة هل كنت ستوافق).(ما هي الموضوعات التي كان يتحدث بها معك).(هل كان لديه طموح بالسلطة) (آخر لقاء لك معه)(هل كان يتعرض لشخص السيد الرئيس في كلامه)؟
عن كيفية اكتشاف تلك المحاولة ذكر مشعان الجبوري في جريدة الأتجاه الأخر أنه استفسر  من حسين وصدام كامل بعد أنشقاقهم عن سلطة الرئيس صدام.
" تحدث صدام كامل عن بداية اكتشاف الرئيس صدام حسين للمحاولة، قائلاً بأنهم كانوا في زيارة إلى مدينة الموصل، وكان يرافق الرئيس صدام حسين، وأثناء تواجدهم هناك، جاءتهم رسالة سرية باليد، مفادها، أن نائب الضابط (مساعد) أحد أفراد الحرس الرئاسي، جاء بنفسه وأبلغ جهاز الأمن الخاص من أنه عضو بمجموعة تخطط لضرب الرئيس صدام وقيادة الدولة خلال استعراض الجيش في ٦ كانون الثاني عام ١٩٩٠ وأن هذا النائب الضابط هو من عشيرة أخرى لكن له أخوان في عشيرة الجبور ويعيش معهم، لذلك وثقوا به وأشركوه معهم بالمحاولة . وكانت الخطة تقتضي تركيب أدوات الإطلاق في بعض الأسلحة الآلية المشاركة في هذا الاستعراض، وأن تقوم هذه المجموعة بإطلاق النار من الدبابات والرشاشات على منصة الرئاسة وقتل من فيها، حيث جرت العادة أن تحضر كل قيادة الحزب والدولة في هذه المناسبة، وأن هذا النائب الضابط ادعى أنه شعر بتأنيب الضمير وقرر الإبلاغ عن هذه المحاولة .
وكان قرار الرئيس صدام أن يستمر النائب الضابط الذي وشى بالمجموعة بالعمل معهم، إلى ما قبل الاستعراض بيوم واحد، وذلك لمعرفة أي شركاء محتملين أو أشخاص سيقدمون يد المساعدة لمجموعة المحاولة، على أن يلغى العرض فيما بعد نهائياً . وفي يوم ٥/ ١/ ١٩٩٠ ألقي القبض على جميع المشاركين في المحاولة، من ضمنهم ضباط استخبارات، ،ضباط أمن، وجميع المشاركين في تدقيق وتفتيش الأسلحة المشاركة في الاستعراض، وقد تمكن شخص آخر من الهروب وهو المرحوم هيجل شبيب الجبوري، وقد قامت السلطات العراقية باحتجاز جميع أفراد اسرته، من نساء وأطفال لإرغامه على تسليم نفسه، وقد تعهد الرئيس صدام لأحد أفراد أسرته (شقيقه الكبير) عبر مندوبين أنه سوف لن يعدم إذا ما سلم نفسه للجهات الأمنية، وكان المرحوم هيجل في طريقه إلى سورية، حيث لحق به شقيقه في أحدى قرى الموصل، وطلب منه العودة وتسليم نفسه من أجل إطلاق سراح العوائل، وصدق هيجل كما حدث لآخرين من قبله ومن بعده، بوعود الرئيس صدام إلا أنه أعدم أيضاً . "
بعد سقوط النظام اتهمت عوائل الضباط الذين أعدموا مشعان الجبوري بانه هو من وشى بهم لدى السلطة ، أما هو فقد أنكر بقيامه بابلاغ السلطة عنهم لكنه ذكر في جريدة الاتجاه الأخر أنهم فعلاً فاتحوه لكنه رد عليهم بحدة وفكر بالابلاغ عنهم لكنه لم يقم بذلك.
كنتيجة لتلك المحاولة اصدرت محكمة الثورة حكمها بتاريخ ٢١  / ٦  /١٩٩٠  على  " كل من هيجل حمد شبيب علي والنقيب سطم غانم مجذاب والنقيب صالح جاسم محمد جرو والملازم خيرالله حميدي محمد مطلق ون. ض حسن نايف عبدالله وحسن مطلك روكان عبد الكافي والنقيب صباح عبدالله حسن جاسم والنقيب ابراهيم أحمد عبدلله والنقيب محمود عبدالله محجوب والنقيب مضحي علي حسين والملازم أول خضر علي جاسم حاوي والملازم مصطفى حاوي عبدالله وفندي طالب سلامة حسين واحمد غربي حسن ون. ض قيس عسكر محمد برجس والنقيب جمال شعلان أحمد ون. ع ح ناصر محمود عمر حسين بالاعدام شنقاً حتى الموت وفق أحكام المادة ١٧٥ / ٢ من ق. ع ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة".
ابلغت محكمة الثورة ديوان الرئاسة بالحكم فكان رد الرئاسة بتوقيع أحمد حسين  بكتابها المرقم ٨٦٨ في ٣٠  / ٦ / ١٩٩٠  أنه " لا ملاحظة لنا بشأن الحكم الصادر بحق المجرمين هيجل حمد شبيب  وجماعته ".
المحاولة الثانية كانت في عام ١٩٩١ حيث ألقي القبض على ٤٠ فرداً من الضباط والمراتب وحكم على ٦ منهم بالاعدام رمياً بالرصاص في يوم ٩ كانون الأول ١٩٩١ وبالسجن الموبد على آخرين . أحد قادة هذه المجوعة كان النقيب محمود شرجي عبدالله الجبوري والذي ولد في عام ١٩٦١ في ناحية العلم التابعة لمحافظة تكريت حيث درس في مدارس الناحية ثم أكمل دراسته الأعدادية في تكريت والتحق بالمعهد الفني العالي في بغداد وفي عام ١٩٨٣ تخرج من كلية الضباط الاحتياط برتبة ملازم ونقل الى الفوج الخامس حرس خاص والذي كان مكلفاً بالحماية المباشرة على القصر الجمهوري . كانت الخطة قائمة على ضرب قاعة الاجتماعات عند اجتماع القيادة وكان النقيب محمود يمتلك المعلومات الكاملة حول مكان اجتماع القيادة وكانت له علاقة مع مساعد آمر فوج الطوارىء في القصر الجمهوري وتمت مفاتحته واوكلت اليه مهمة تعطيل أفواج الطوارىء في القصر الجمهوري وتغيير أوامرها الى ضرب أمكان تواجد القيادة وتولي امرة سرايا الأنذار ضباط من معارفهم.  أكتشفت السلطة الخطة  فالقي القبض على النقيب محمود شرجي والعقيد مزاحم صالح علاوي الجبوري ومجموعة أخرى من الضباط وطرد الجبور من الحرس الخاص والمواقع الرئاسية.
وذكر أحد الضباط أن النقيب محمود قاوم كل صنوف التعذيب وبذلك نجا كثيرون من قبضة الموت.
اتهمت سلطة الرئيس صدام معارضيها سواء كانوا حقيقين أو متخيلين بتهمة العمالة والخيانة للاجنبي فهو كما ذكر في أحدى اللقاءات  "المعارضة في بلدنا لم تعد معارضة محلية وانما هي معارضة دولية " وبالتالي يحكم عليهم بالاعدام . وفق ذلك المنطق أتهمت مجموعة من اليهود بالعمالة لاسرائيل  واتهم الأكراد بالعمالة لايران واسرائيل واتهم الشيعة بالعمالة لايران ولم يسلم البعثيون أنفسهم من تهمة العمالة حيث لصقت بهم تهمة العمالة لسوريا.
ويبدو أن مجموعة الضباط الجبور قد أتهمت بالعمالة للأجنبي أيضاً  فالفقرة ١٧٥ من قانون العقوبات العسكري تحكم بالاعدام للتخابر مع جهة أجنبية ، وهي تهمة كما في حالة اعدام أعضاء حزب البعث عام ١٩٧٩ يصعب تصديقها  لكن دافع تلك المحاولات لازال غامضاً ومدى وحجم العقوبات التي تعرضت لها عشيرة الجبوركنتيجة لتلك المحاولات غير معروف  لنقص الوثائق ويحتاج لدارسة معمقة أخرى عند توفرها.
------------------------------------
ملاحظة اشكر السيد مشعل الجبوري على الوثاثق وعلى المصدر وفكرة الموضوع.