الجمعة، 14 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية...٧ اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لضم الكويت..١

 

هذا التسجيل يعود تأريخه ليوم ١٩٩٠/٨/٧ ترأس فيه صدام حسين اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية. يبدأ التسجيل بطلب الرئيس ببلورة موقف قانوني من احتمال مقاطعة تركيا والسعودية للعراق ومنع تصدير النفط من قبلهم نتيجة لصدور قرار مجلس الأمن ٦٦١ (٦ أب ١٩٩٠)، أي قبل يوم واحد من تأريخ هذا الاجتماع، والذي فرض حظرًا اقتصاديًا شاملًا على العراق، وطالب الدول الأعضاء بالامتناع عن أي تبادلات تجارية معه، باستثناء السلع الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية. في هذا الاجتماع أشار طارق عزيز إلى رسالة بعثها الرئيس صدام إلى غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك، بعد الغزو يعاتب فيها الاتحاد السوفيتي على موقفه تجاه العراق بعد غزوه للكويت، والجواب كان مطالبتهم للعراق بتنفيذ قرار مجلس الأمن ٦٦٠ والذي طالب العراق بالانسحاب من الكويت. وتطرق طارق عزيز إلى مقابلة الرئيس صدام بالقائم بالأعمال الأمريكي جوزيف ولسن في ١٩٩٠/٨/٦، والذي فوجئ بلقائه بالرئيس. وخلاصة ما ورد في اللقاء، والذي نشرت محضره وسائل الإعلام العراقية فيما بعد، أن العراق لن يضر بمصالح الولايات المتحدة، وأن العراق لن يهاجم السعودية. وأعاد الرئيس قوله إنه لم يخدع حسني مبارك، وأن ما قاله هو أنه لن يستخدم القوة قبل انعقاد مؤتمر جدة فقط، ولم يقل إنه لن يستخدمها مطلقاً. وهذا انتقاد وجهه حسني مبارك للرئيس، وحسب ما قيل عن ذلك اللقاء أن الرئيس أخذ حسني مبارك جانباً وقال له ذلك من دون وجود أحد غيرهم. ومبارك شدد أنها ليست الحقيقة وأن صدام خدعه. ما هي الحقيقة؟ أعتقد لن نستطيع معرفتها، إذ لا يوجد تسجيل يؤكد أو ينفي ما قاله الرئيس. وتخميني أنها كانت خدعة مقصودة لطمأنة الكويتيين ومنعهم من طلب مساعدة عسكرية قبل الغزو كما حدث في زمن عبد الكريم قاسم. وفي لقائه مع القائم بالأعمال الأمريكي، ذكر طارق عزيز أن صدام قال له إنهم إن استخدموا القوة العسكرية ضد العراق فإنهم سيهزمون. درجة الوهم والغرور لدى الرئيس وصلت إلى حد قوله للقائم بالأعمال الأمريكي إن الأمريكان، أقوى دولة في العالم، وبعد فترة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي، سيُطردون من منطقة الشرق الأوسط كلها! وهو وهم وقع فيه الرئيس وردده طوال الأشهر الستة التي سبقت المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، ويبدو من التسجيل أنه كان مقتنعاً به منذ بداية الغزو إن لم يكن قبله. وذكر طارق عزيز أن أقصى ما استطاع العراق فعله دبلوماسياً للتصدي للقرار ٦٦١، قرار المقاطعة الاقتصادية الشامل، هو أن كلمة "العدوان" رُفعت من نص القرار، وأن القرار صدر بالنص الأمريكي المقدم. وذكر الرئيس أنه سيسمح للكويتيين الراغبين بالمغادرة بالخروج، وأنه سيستبدلهم بـ"ولد مدينة صدام" حسب قوله، وأنه سيقول للعراقيين بعد فترة: "اصبروا، وستنالون الكثير من الخيرات"، وحتى "المتوفون منهم سيحصلون على شيء". وهو وهم آخر وقع فيه، إذ تصور أن الأمريكان سيسمحون له بالحصول على ثروات الكويت. واستمر الرئيس في حديثه الواهم، قائلاً إن الرغبة الإنسانية في العداء تقل بمرور الزمن، وبالتالي لن يكون هناك رد عسكري على احتلاله للكويت. وتصور أن الرد العسكري سيكون عبر الطائرات فقط، وأن هناك سيكون رد فعل شعبي عربي إذا حصل الرد العسكري على العراق، وأن دول الخليج ستنهار كلها. وعن ادعاء العراق أنه ابتدأ بسحب قواته، ذكر حسين كامل أنه كان يحرك القوات نحو العراق لكنها كانت تستدير وتعود للكويت، وهو انتقاد وجهته الولايات المتحدة للعراق معتبرة أنه غير صادق بادعائه الانسحاب من الكويت. وهنا طلب الرئيس منه التوقف عن ذلك، لأن العراق — حسب تعبيره — "ما لازم يجذب" وأنه عندما يقول شيئاً لابد أن يطبقه. وأنا أستمع لحديثه، بدت صفة أخرى من صفات شخصية صدام حسين، وهي التناقض؛ فالعراق "لازم ما يجذب"، ولكن كيف يمكن وصف ادعاء العراق بوقوع انقلاب في الكويت من قبل حكومة وهمية أصدرت لمدة ستة أيام بيانات — كان العراق وعلى الأكثر الرئيس نفسه كاتبها — بغير أنها سلسلة أكاذيب؟ وذكر الرئيس في الاجتماع فكرته من محاولة ربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من فلسطين كمعركة إعلامية. وذكر للمجتمعين أنه يؤمن بـ اندماج كامل للكويت في العراق "وينشال كل شي من السجل" بعد تحديد حدود الكويت برقعة صغيرة. وأن الحكومة الكويتية المؤقتة ستطلب "عودة الجزء إلى الكل"، وكان كلامه بصيغة بيان سيصدر باسم الحكومة المؤقتة. ثم قال إن مجلس قيادة الثورة سيوافق على طلب الحكومة المؤقتة. ومن خلال هذا التسجيل يتضح كيف كانت قرارات مجلس قيادة الثورة تصدر: الرئيس يتحدث بصوت عالٍ عما يدور بخلده وعلى المجلس الموافقة — "وهذا هو" حسب قوله. حتى أخطر قرار واجهته الدولة العراقية في تاريخها الحديث، القرار الكارثي، كان قراراً فردياً فكر به ونفذته قواته، وما على مجلسه إلا الموافقة على تبعاته. وبعد حديثه عن اندماج الكويت، كل ما سمح لمجلس قيادة ثورته وقيادته القطرية بالحديث عنه بخصوص الكويت هو أشكال التوحد فقط. ثم تحدث طه ياسين رمضان فردد ما قاله رئيسه. ويبدو من نهاية التسجيل أن صدام تركهم يتحدثون فيما بينهم! وكأنه غير مهتم بما سيقولونه!

الأحد، 2 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ٦. ١٩٧٨، ياسر عرفات خزي. .طيح الله حظه، جماعة باريس احنا كلنالهم أكتلوهم.



يعود تاريخ هذا التسجيل إلى أيلول ١٩٧٨، خلال اجتماعٍ مع مكتب الثقافة والإعلام.
المتحدث الأول فيه هو طارق عزيز، ثم تلاه في الحديث النائب صدام حسين.

في بداية التسجيل تحدث طارق عزيز عن صراع حزب البعث مع ياسر عرفات في تلك الفترة، السبعينات. ووصف قيادة منظمة التحرير بالرجعية وبأنها ماشية في خط التسوية. واشار طارق عزيز في التسجيل الى أن العراق كان رافضاً لخيار التسوية، أو ناطوط حسب وصفه.
وكخلفيةٍ لما دار في هذا التسجيل، لا بد من الإشارة إلى أن حزب البعث كان قد رفع   شعار أن القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، واتخذ من علم فلسطين علمًا للحزب، غير أن هذا الشعار وُضع على المحكّ عندما شنّ الجيش الأردني هجومًا على المقاومة الفلسطينية في أيلول ١٩٧٠.

كان لدى العراق في تلك الفترة نحو ١٧ ألف جندي ومئة دبابة متمركزة في المنطقة التي دارت فيها المعارك، إلا أن الجيش العراقي لم يتدخل رغم ضغط الشارع والقاعدة البعثية، بل إنه فتح الطريق أمام الجيش الأردني لتنفيذ عملية على خط انسحاب المقاومة نحو الشمال.

وقد خلق هذا الموقف، كما اعترف التقرير القطري الثامن، "وضعًا خطيرًا ومشاعر متناقضة داخل حزب البعث"، إذ لم تستطع القاعدة الحزبية تقبّل التفاوت الفاضح بين الضجة الإعلامية الداعمة للفلسطينيين والموقف العملي المتخاذل على الأرض.

ولأن القضية الفلسطينية قضية مركزية، لم يترك حزب البعث، بفرعيه السوري والعراقي، المجال للفلسطينيين لتقرير مصيرهم بأنفسهم. فقد أسّس النظام السوري منظمة الصاعقة الموالية له، بينما أنشأ النظام العراقي جبهة التحرير العربية التابعة له. كما دعم العراق جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس، إضافةً إلى دعمه أبو نضال (صبري البنا)، الذي كان يشغل منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في بغداد.

بعد حرب تشرين ١٩٧٣، شهدت الساحة الفلسطينية انقسامًا واضحًا، إذ بدا أن ياسر عرفات يميل إلى خيار التفاوض لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية. وقد أدى هذا التوجه إلى انشقاق عدة فصائل عن منظمة التحرير، التفت حول ما عُرف بـ جبهة الرفض، الرافضة لأي تفاوض مع إسرائيل. ومن أبرز شخصيات هذه الجبهة وديع حداد وجورج حبش وأبو نضال، الذي كان مقيمًا في بغداد آنذاك. 

نشبت إثر ذلك تصفيات داخلية بين هذه الفصائل المتناحرة. ويُشير التسجيل  إلى حادثة اغتيال سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. ويبدو من التسجيل أن أبو نضال أبلغ السلطات العراقية بعملية الاغتيال التي نفذتها جماعته، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد أبلغهم قبل تنفيذ العملية أو بعدها.

لم يكتفِ العراق بدعم الفصائل المناهضة لحركة فتح، بل أغلق مكاتب فتح في بغداد وقطع المساعدات عنها. وردّت فتح على ذلك بشنّ هجمات ضد المصالح العراقية، من أبرزها اقتحام السفارة العراقية في باريس في تموز/ ١٩٧٨، حين اقتحم فلسطينيان السفارة واحتجزا السفير العراقي لمدة ثماني ساعات قبل أن يستسلما للشرطة الفرنسية.
ويُظهر التسجيل أن صدام حسين، الذي كان نائبًا للرئيس في تلك الفترة، أصدر تعليمات لحرس السفارة بقتل المهاجمين بعد استسلامهم للشرطة الفرنسية ، فقام أحد الحرس باطلاق النار فجرح أحد المهاجمين وقتل شرطي فرنسي مما أدى إلى تدخل الشرطة الفرنسية التي قتلت أحد الحراس العراقيين . كما يتضح من التسجيل أن صدام كان على خلاف حاد مع ياسر عرفات، ووصفه بعبارات قاسية مثل "الخزي" و"طيّح الله حظّه".
ويبدو كذلك أن العراق ردّ على منظمة التحرير الفلسطينية بعد هذه الأحداث عبر جماعة أبو نضال، التي نفذت اغتيال عزّ الدين قلق، ممثل منظمة التحرير في باريس، بعد نحو شهر من حادثة اقتحام السفارة العراقية هناك.