الخميس، 25 ديسمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ١١ . اجتماع مع القيادة القومية بعد حركة ناظم كزار

 



يعود تاريخ هذا التسجيل إلى عام ١٩٧٣، وقد عُقد بعد فترة قصيرة من حركة ناظم كزار ضد النظام. وهو اجتماع جمع النائب صدام حسين مع القيادة القومية، وقد ورد خلاله ذكر اسمين هما شبلي العيسمي وعلي غنام.

يبدأ التسجيل بصوت النائب صدام حسين، وقد بدا منفعلاً، إذ استعرض عددًا من الأحداث التي عدّها انتصارات لـ«الثورة» ضد الاستعمار، واعتبر حركة ناظم كزار طعنة غادرة من الخلف استهدفت «الثورة» والحزب، ثم أعلن أنه سيجيب عن الأسئلة من دون رتوش. في بداية التسجيل، حمّل صدام حسين ناظم كزار مسؤولية عدد من الحوادث التي وقعت في السبعينات، من بينها: تفجيرات في المنطقة الشمالية، إرسال أسلحة إلى باكستان، حيث قامت السلطات هناك باقتحام السفارة العراقية ومصادرة الأسلحة، محاولة اغتيال مجموعة من المعارضين في القاهرة عبر إرسال ٢٩ عنصرًا من الأمن، ألقت السلطات المصرية القبض عليهم، قتل عدد من اليهود، اختفاء بعض الأشخاص من قبائل الكاكائية في خانقين. وذكر صدام أن أجهزة أمنية أخرى تشير إلى أن ناظم كزار هو من نفّذ تلك الأعمال. وللمرة الأولى، أقرّ مسؤول في الدولة، ممثلًا بصدام حسين، بأن جهة حكومية، هي جهاز الأمن، قامت بقتل يهود من دون توجيه تهمة محددة لهم. وأُرجّح أن حالات اختفاء يهود في السبعينات، الذين لم تعرف عائلاتهم مصيرهم، مثل المحامي يعقوب عبد العزيز، كانت نتيجة تصفيات نفّذها جهاز الأمن. وأضاف النائب أنه، ورغم كل هذه الحوادث، لم يُتخذ قرار بإقصاء ناظم كزار من منصبه، وهو ما اعتبره الدافع الأساسي لقيامه بحركته. التسجيل طويل (نحو ساعة ونصف)، ولتسهيل الأمر على المستمع، فإن ما ذكره نائب مجلس قيادة الثورة عن حادثة ناظم كزار يتطابق تقريبًا مع ما ورد في البيان الرسمي الصادر آنذاك، والذي شرح تفاصيل تلك الحركة. وباختصار، قال صدام حسين إن ناظم كزار استدرج كلاً من: سعدون غيدان (وزير الداخلية آنذاك)، حماد شهاب (وزير الدفاع)، عدنان شريف ( قائد الحرس الجمهوري)، إلى مقرّ كان خاضعًا لسيطرة مدير الأمن العام ناظم كزار. كما أرسل مجموعة أمنية لاغتيال الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، اللذين كانا متوجهين إلى المطار مع عدد من الوزراء لاستقبال الرئيس عند عودته من بلغاريا، إلا أن تأخر طائرة الرئيس حال دون تنفيذ العملية. وذكر صدام أنه بعد اكتشاف اختفاء وزيري الداخلية والدفاع وعدنان شريف، تم إصدار برقية بإلقاء القبض على ناظم كزار، وأخرى تطالب الحزب بالنزول إلى الشارع، إضافة إلى تبليغ القطعات العسكرية ببرقية منفصلة. وحسب ما ورد على لسان صدام حسين والناطق الرسمي، فإن محمد فاضل كان على علم بالحادث، وقد أخبر عبد الخالق السامرائي بذلك. ووفق الروايتين، كان محمد فاضل مشتركًا في التخطيط مع ناظم كزار ويعلم بكامل تفاصيل العملية، في حين علم عبد الخالق السامرائي بها عند وقوعها لكنه لم يبلغ القيادة. ومن هنا، يُخيَّل لي أن صدام حسين هو من كتب البيان الرسمي، نظرًا للتطابق التام بين الروايتين. وبرّر صدام حسين قيام ناظم كزار بالعملية بشعوره بأنه سيفقد منصبه. كما ذكر أن ما سُمّي بـ«اللجنة التحقيقية الثانية» التابعة للأمن ضمّت شعبة أسسها ناظم كزار، جلب لها أشخاصًا من الشقاوات وأصحاب السوابق، من بينهم شخص كان متعاونًا مع لجنة عمار علوش التي قامت بتعذيب الشيوعيين عام ١٩٦٣. لا يكشف هذا الشريط شيئًا جديدًا عن حركة ناظم كزار، كونه تسجيلًا لاجتماع مع القيادة القومية، ومن غير المتوقع أن يفصح فيه صدام حسين عمّا قد يسيء إليه. توجد رأيان في تفسير تلك الحادثة: الأول، أنها كانت بالفعل من تخطيط ناظم كزار. والثاني، عبّر عنه كل من تايه عبد الكريم وطالب الحمداني في لقائهما مع الدكتور حميد عبد الله، حيث حملا صدام حسين ‏مسؤولية حركة ناظم كزار . ذكر تايه عبد الكريم أنه بعد إلقاء القبض على ناظم كزار وجلبه إلى القصر الجمهوري، قال الرئيس أحمد حسن البكر للحرس: «خذوه إلى عمه»، في إشارة إلى صدام حسين، واعتبر ذلك دليلاً على أن البكر كان يشك في وقوف صدام خلف العملية. كما ذكر طالب الحمداني أنه قبل أيام من الحادثة، حضر كل من ناظم كزار ومحمد فاضل وصدام حسين إلى ديالى، ما جعله يشك في تعاونهم معًا لتنفيذ العملية. وبرأيهم، كان هناك صراع على السلطة والنفوذ بين أحمد حسن البكر وصدام حسين، وأن صدام حاول التخلص من البكر، لكن العملية فشلت. للأسف، لا يجيب الشريط عن هذا السؤال الحاسم، لأنه تسجيل لاجتماع القيادة القومية، ولم يفصح فيه صدام حسين عمّا قد يثير الشك حوله. لكن أهمية هذا الشريط تكمن في نقطتين أساسيتين: أولًا: تحريض صدام حسين القيادة القومية على اتخاذ قرار ضد عبد الخالق السامرائي، ويبدو أنه كان يحمل ضغينة شديدة تجاهه. فقد وصفه بأنه «فيلسوف التعبئة» والشخص الذي قاد عملية الشحن الأيديولوجي لأشهر طويلة، ثم انتقده لعدم حضوره الاجتماعات. وقال صدام إن عبد الخالق ارتكب «جريمة قانونية وحزبية» تستوجب الإعدام قبل الجندي وقبل ضابط الصف وقبل عنصر الأمن الصغير الذي شارك في العملية، ليس فقط لعدم تبليغه عن ناظم كزار، بل لأنه كان يجب أن يقمع التآمر. كما انتقد تخفيف الحكم الصادر بحقه، ثم عاد بعد دقائق ليحمّل القيادتين القطرية والقومية مسؤولية عدم محاسبته وعدم فصله من الحزب.وقال أن عبد الخالق كان يمارس عملاً تخريبياً داخل الحزب. وأعتقد أنه لولا تدخل بعض أعضاء القيادة القومية، لكان صدام حسين قد أمر بإعدام عبد الخالق السامرائي في تلك الحادثة، لكنه اكتفى بسجنه، إلى أن أُعيد فتح ملفه لاحقًا، ليُعدم بعد اتهامه بالعمل مع مجموعة عدنان الحمداني عام ١٩٧٩. ثانيًا: يكشف التسجيل أن ناظم كزار قام بتسجيل صور في أوضاع خاصة وغير أخلاقية، لا لأشخاص غير عراقيين فقط، بل شملت أيضًا أعضاء في مديرية الأمن وكبار موظفي الدولة والقوات المسلحة، وادعى صدام حسين أنه فوجئ بذلك. ويؤكد هذا الاعتراف أن أسلوب تسجيل وابتزاز الشخصيات داخل الدولة العراقية كان قد بدأ في تلك الفترة واستمر بعدها، وهو ما أشار إليه كثيرون لاحقًا.

الاثنين، 22 ديسمبر 2025

حرق نفط وتايرات قديمة وبعرور أباعر لمواجهة طائرات الشبح وصواريخ كروز, تحضيرات المواجهة في أم المعارك

 


هذا مقطع من تسجيل الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، المنعقد بتاريخ ٣٠ تشرين الثاني ١٩٩٠، وهو الاجتماع الذي صدر في ختامه بيان نُشر في جريدة الجمهورية بتاريخ ١ كانون الأول ١٩٩٠، وجاء فيه:

«إن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن يوم الخميس التاسع والعشرين من تشرين الثاني هو قرار غير شرعي وباطل؛ إنه قرار أمريكي أولاً وأخيراً، ولم تشارك فيه مجموعة من الدول إلا تحت الضغط الأمريكي، في مرحلة تمارس فيها الولايات المتحدة أعلى درجات الهيمنة والغطرسة على المجتمع الدولي بعد التطورات الأخيرة في الوضع الدولي. إن الله مع العراقيين المؤمنين النشامى، ومعهم أمتهم العربية، ومعهم المسلمون من كل أصقاع الأرض، وكل الخيرين من محبي السلام والعدالة في العالم. وإذا ما ركب الأشرار رؤوسهم واتجهوا إلى العدوان، فإن هذا الجمع الخيّر في أرض العرب وفي أنحاء عديدة من العالم سيبرهن، إن شاء الله، أن الحق والعدالة والسلام هي التي سترتفع في هذه المنطقة وفي العالم كله. وستنتكس راية الإدارة الأمريكية وجمع الأشرار من خدمها وحلفائها الملطخة بالجريمة والعار، وسيُسحق في لظى المعركة الأقزام، وخاصة نظام فهد الخائن الذي جعل أرض المقدسات التي يتحكم بها منطلقًا للعدوان على العراق. وإذا كان المجرمون القابعون في دهاليز البيت الأبيض والبنتاغون يحسبون المنازلة على أساس الحسابات الفنية النظرية، فإن العراق والعراقيين، ومعهم كل العرب والمسلمين، سيقلبون تلك الحسابات الخائبة رأسًا على عقب، وسيثبتون في ساحة المنازلة أن الحق ينتصر على الباطل، وأن الإيمان يغلب الكفر، وأن الشرف يفوز على العار والفساد، وأن الله مع المؤمنين. والله أكبر… ما أعلى شرف الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الحق والكرامة. والله أكبر، وسيخيب جمع الأشرار، وينتصر جمع الإيمان والحق». وفي افتتاحية جريدة الجمهورية في ذلك اليوم ورد ما يلي: «ولّى زمن الضعف والتردد بانبثاق قوة العراق، المسيَّجة بإيمان العرب والمسلمين والأحرار ومساندتهم، وهي القوة العصرية المتطورة ذات الخبرات العميقة في مواجهة أي نوع من التحدي يُفرض عليها، معتمدة قبل كل شيء على مشروعية القضية التي تنهض من أجلها، وأحقية الموقف الذي اختارته، ونبل القيم التي تدافع عنها. ولذلك فإن من يناطح العراق يختار أن يهشم جمجمته بنفسه، وسيعرف الذين يلوحون بالتهديد والوعيد أن الهزيمة التي ستلحق بهم ستكون بحجم التحدي الذي فرضوه، وبحجم قوة من ينتفض ضد الظلم والجور والاستعلاء. وستتناثر في سماوات العرب وبحارهم وأراضيهم جماجم كل من يتورط في العدوان على العراق، وسينزل القصاص بأولئك الذين مهدوا للعدوان وروّجوا له وشجعوا عليه وقدموا الأغطية له». إن الاستماع إلى ذلك الاجتماع المغلق بعد خمسةٍ وثلاثين عامًا يترك المستمع أسير مزيج من الدهشة والضحك المرّ والحزن والغضب، حين يتبيّن أن «خطة» مواجهة طائرات الشبح وصواريخ كروز الأمريكية لم تتجاوز حرق النفط، وإشعال الإطارات القديمة، وبعرور الأباعر؛ وهي وسائل لا تبدو، وفق أي منطق عسكري أو واقعي، قادرة على تحقيق ما وعدت به لغة البيانات والافتتاحيات من تهشيمٍ للجماجم وتناثرها في سماوات العرب.

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ١٠ اجتماع بعد صدور القرار ٦٧٨ الذي أجاز استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت

 


عُقد هذا الاجتماع بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم ٦٧٨ في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٩٠، والذي أذن للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت، في حال عدم تنفيذ العراق قبل ١٥ كانون الثاني ١٩٩١ للقرارات السابقة تنفيذًا كاملًا كما ورد في الفقرة الأولى من القرار، باستخدام جميع الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ القرار ٦٦٠ (١٩٩٠) وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة، وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة.

في بداية التسجيل كان المتحدث طه ياسين رمضان، والذي عقد مقارنة بين إيران بوصفها خصمًا خاض العراق معها حربًا طويلة غرق فيها الطرفان بدماء بعضهما البعض، وبين الخصم الجديد الذي اختار الرئيس مجابهته، وهو الولايات المتحدة مع جميع حلفائها. وقال رمضان إنه يستسهل الحرب مع أمريكا لأنها لا تشترك بحدود مع العراق، وأن المقاتل الأمريكي – برأيه – ليس كالمقاتل الإيراني، يقصد من حيث الشدة، كما اعتبر أن المقاتلين السوريين والمصريين لن يقاتلوا. ووصف المواجهة المقبلة بأنها ستكون حربًا قومية مثالية ونموذجية، وذكر أنه يشك في أنهم سيقاتلون، لكن إن حصل ذلك فستكون مصيبة عليهم – أي على الأمريكيين – مؤكداً أنه لا يبالي إن استمرت الحرب ثلاث سنوات. ثم استخفّ كل من الرئيس صدام حسين وطه ياسين رمضان بقدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في حرب طويلة. وذكر رمضان أن وجود القوات الأمريكية في السعودية سيكون عبئًا عليها، وأن وجود هذه الأعداد – حتى لو زادت – سيؤدي إلى تقوية العراق وطنيًا، وأن الشعب العربي سيطرد هذه القوات كما حصل في عهود الاحتلال الأجنبي السابقة. وأضاف أن هذا القرار لن يكون تأثيره كبقية قرارات مجلس الأمن، وأن للعراق مؤيدين في دول العالم، وأن هناك أشخاصًا بدأوا بجلب الدواء والغذاء للعراق. عدا وقوعه في خطأ عقد المقارنة ما بين إيران، دولة من دول العالم الثالث، والولايات المتحدة، صاحبة ترسانة هائلة من أحدث الأسلحة التقليدية والنووية، والدولة الأولى تكنولوجيًا في العالم، فقد تصوّر رمضان أن مجموعة أشخاص تدعو للسلام، سواء كانوا في أوروبا أو أمريكا، يمكن أن تثني الولايات المتحدة عن تصميمها على إخراج العراق من الكويت، بعد أن ضغطت دبلوماسيًا على أعضاء مجلس الأمن لإصدار قرار لم يصدر في تاريخ الأمم المتحدة، وهو قرار استخدام القوة العسكرية لإجبار العراق على الانصياع لكافة قرارات مجلس الأمن. سأل سعدون حمادي الرئيس عن استخدام النفط لحجب رؤية الطائرات، فأجاب الرئيس بأن التجربة ناجحة في حجب الرؤية، وأضاف إلى ذلك حرق إطارات السيارات القديمة وحتى بعرور الأباعر! باعتبارها وسائل لمجابهة الصواريخ الحرارية عبر حرفها عن مسارها، وطلب تنفيذ ذلك في جميع أنحاء القطر. ويبدو أن هذه هي “التكنولوجيا العراقية” التي قيل إنها ستواجه الأمريكيين. ففي اليوم نفسه، التقى الرئيس مجموعة من الشباب العربي، وورد في حديثه معهم: «يبدو أن بعض المسؤولين الأمريكيين متأثرون بأفلام رامبو، وأفلام رامبو مجرد أفلام تُعرض في التلفزيون والسينما ولا تُطبق على الأرض العراقية. قاموا بمبالغات كثيرة وكأنهم يتحدثون مع شعب لا يعرف القتال. كالطائرة التي سموها “الشبح” ويقولون لا يستطيع أحد رؤيتها، بينما نحن نراها بوضوح عندما تأتي، ولا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لرؤيتها. ونحن لا نريد الحرب ونتمنى ألا تقع، لكن إن أراد الله أن تحصل فسيرون أن هذا الشبح يراه حتى راعي الغنم في الصحراء، ويراه أيضًا بالتكنولوجيا العراقية، وسيسقط كما تسقط أي طائرة معتدية تريد إذلال الأمة والشعب. إن إخوانكم هنا لا يخلون من تكنولوجيا لمواجهة التعقيد الغربي، ولكنهم في الوقت نفسه يعتمدون على البساطة، حيث يحملون قليلًا من التراب ويذرّونه في عين هذه التكنولوجيا المتطورة فتعميها ولا تعود ترى». ثم أضاف علي حسن المجيد أن الدخان سيكون الحاجب الذي يمنع الصواريخ من إصابة أهدافها، وطلب الرئيس تنفيذ ذلك في جميع المنشآت الحيوية. اقترح سعدون حمادي أن تكون لهجة بيان القيادة تجاه الاتحاد السوفيتي وفرنسا مختلفة عن اللهجة تجاه الولايات المتحدة، وأيد ذلك محمد حمزة الزبيدي، الذي طلب أيضًا من الرئيس الاهتمام بأمنه الشخصي، ودعا إلى توجيه ضربات شديدة لحكام السعودية والخليج عند وقوع الحرب. أضاف طارق عزيز أن الأمريكيين منزعجون من ثبات العراق وإجابات الرئيس في مقابلاته الصحفية، وطلب الانتباه إلى تدابير الدفاع المدني عند وقوع الحرب، وهو ما أيده الرئيس. كما أيد طارق عزيز فكرة إقامة مؤتمرات شعبية خارج العراق لإظهار الدعم، وذكر أنه من المهم أن يعرف الأمريكيون أن الحرب ستكون طويلة، وأن تكون هناك استعدادات في حال استهداف الكهرباء والاتصالات. وقال وهو يضحك إن هذا القرار ليس له مثيل، واعتبر أن الجزء الأكبر منه يهدف إلى إرهاب العراق. ثم تحدث طه محيي الدين معروف واقترح تعبئة إعلامية عبر التلفزيون، كما اقترح تحريك الدول العربية الأعضاء في مجلس الأمن لشجب القرار. وبعد أن صحح طارق عزيز له بأن هذا القرار لا مثيل له لأنه أجاز استخدام القوة العسكرية من قبل دول، علّق الرئيس صدام بأنه سيطالب بتخويل العراق سحق القوات الأمريكية إذا لم تنسحب! ثم ذكر الرئيس ما قاله أمام الشباب العربي، واصفًا كلامه بأنه كان: «يصنّف عليهم، ثم صعدت قوي، ونكعناهم ليجدام!». ثم طلب عبد الغني عبد الغفور أن يعلن العراق أنه سيستخدم كافة الأسلحة منها الكيمياوي. فذكر الرئيس أنه لديه سلاح كيمياوي قدرته ٢٠٠ مرة من الأسلحة التي استخدمت ضد ايران. ولديه أيضاً أسلحة جرثومية ٤٠ سنة تقضي على الأرض التي تقع عليها. فعلق عزت ابراهيم اذا اذونا نضربهم أنعل أبو العرب. يبين هذا الاجتماع أن ما قيل علنًا عن أن طائرة الشبح يراها راعي الغنم، وأن حفنة من التراب يمكن أن تمنع الطيار من ضرب أهدافه، كان مطابقًا لما دار داخل الغرف المغلقة. فالدخان، وحرق الإطارات، وحتى بعرور الأباعر، كانت تُطرح فعليًا كخطط لمجابهة طائرات الشبح وصواريخ كروز. كان هناك فارقاً كبيراً بين كلام الأعلام والغرف المغلقة عن القدرة العراقية الحقيقية، فارقاً كان كارثياً على العراق.

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية..٩ القيادة تناقش ضم الكويت، كواويد كويتيين المخدرات لهم والرصاص في حلوكهم ٢

 


هذا التسجيل يعود تاريخه إلى ٧ آب/أغسطس ١٩٩٠، ويبدو أنه الجزء الأخير من الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، والذي نوقش فيه موضوع ضم الكويت. في عدد من المقاطع يكون الصوت غير واضح بسبب اختلاط الأصوات ووجود تشويش في التسجيل نفسه.

يبدأ التسجيل بحديث الرئيس، حيث قال إنه يبحث عن “حل للكويت” إذا بدأ الكويتيون بالمطالبة بالحاجات الأساسية للعيش، والتي كان يخشى أنه لن يستطيع توفيرها لهم. ثم وصف المجتمع الكويتي بأنه “فاسد وباذخ”. وخلال حديثه قال إنه يجب تكليف جهة بإدخال المخدرات إلى شباب الكويت، ويبدو أنه كان يريد إشغالهم لصرفهم عن مقاومة قواته. وخلال حديث علي حسن المجيد، قاطع الرئيس سائلاً عن شخص يُدعى “الدوسري”. ثم ورد ذكر فيصل الصانع، وهو عضو سابق في حزب البعث رفض الانضمام إلى "الحكومة الكويتية الحرة المؤقتة". وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً ولا يُعرف مصيره بدقة. ويبدو من التسجيل — رغم التشويش — أن الرئيس قال إنه يريد "بشر" من الكويتيين “يقعدون وراء الكرسي” بشرط ضمان ولائهم الكامل، وأنه إذا لم يتوفر مثل هؤلاء فعليهم المضي فوراً نحو الوحدة بغضّ النظر عن أي اعتراضات. ووصف الوحدة بأنها ستكون “وحدة الفقراء مع التجار”. كما ذكر الرئيس وجود شخص “يجب قطع رأسه”، لكن هوية الشخص غير واضحة. ثم تحدّث علي حسن المجيد عن حوار مع شخص آخر. وذكر الرئيس أيضاً اسم عبد العزيز الرشيد، ويبدو أنه لم يرغب به. ويؤكد الرئيس خلال التسجيل أنه "دافع عن العراقيين" باجتياح الكويت. وفي السياق نفسه وصف علي حسن المجيد الكويتيين بأنهم “كلهم فاسدون”. بعد ذلك سأل الرئيس عن معنى "الوحدة الاتحادية"، فأوضح طارق عزيز أنها تعني: جيش واحد، وسياسة خارجية واحدة، واقتصاد واسع تديره الدولة أو بخصوصياته، وأمن عام واحد، وحكومة اتحاد واحدة، وتمثيل دبلوماسي وسفارات موحدة. ثم طلب الرئيس من المجتمعين الإجابة بكلمة واحدة عن سؤال حول “مستقبل الكويت”، موجهاً ذلك إلى: مزبان خضر هادي، ثم سعدون حمادي، ثم طارق عزيز، ثم سعدي مهدي صالح، ثم علي حسن المجيد الذي أبدى رأياً يدعو إلى وحدة اندماجية، ثم لطيف نصيف جاسم، وأحمد حسين، ومحمد حمزة الزبيدي. والصوت غير واضح تماماً، لكن يبدو أن أغلب الآراء كانت مع الوحدة الاندماجية باستثناء سعدون حمادي وطارق عزيز اللذين مالا إلى اتحاد فدرالي. بعد ذلك طلب الرئيس من “الحكومة الحرة المؤقتة” أن توجه رسالة تطلب فيها الوحدة. ثم تحدث الرئيس بنبرة تهديد شديدة، قائلاً: "وإذا بعد أسمع واحد يفتح لسانو وما تقطعوه من الزردوم… أغيركم كلكم بما فيهم قائد الحرس الجمهوري… صرتوا عراقيين كواوِيد… اللي يفتح… تكلوله… أفتح حلك وتحطّوا كل الرصاص بحلوكهم… هِيچِي تُقاد الأمم بالظروف الصعبة… مو بالعيني والأغاتي". ثم طلب الرئيس حضور الكادر الحزبي من عضو فرع فما فوق، وطلب من سعدي مهدي صالح دعوة المجلس الوطني “هساع بهاي الليلة” من التلفزيون. وبعد ذلك وجّه علي حسن المجيد بالتوجه إلى الكويت. ومن خلال هذا التسجيل، بالرغم من ضعف الصوت، يتبين الفرق الكبير بين ما كان يقوله الرئيس علناً وما كان يقوله خلف الأبواب المغلقة؛ فخلال سنوات الحرب مع إيران كان يثني على الكويت حكومةً وشعباً، لكنه هنا يصف المجتمع الكويتي بالفساد والبذخ، ويبحث صراحة عن وسائل لإيذاء شبابهم بإدخال المخدرات إليهم. ومن هذا التسجيل والتسجيلات السابقة المتعلقة بضم الكويت، يمكن القول إن الادعاء بأن الرئيس كان “مستمعاً جيداً” هو ادعاء غير دقيق.فكما اتضح من خلال هذه التسجيلات أن المساحة التي أعطاها الرئيس لمعاونيه في إبداء الراي كانت محدودة للغاية، ففي اجتماعه مع وزرائه، قبل أن يسألهم رأيهم في موضوع ضم الكويت، أخبرهم أن القيادة قررت الضم، ثم طلب رأيهم بعد ذلك. فمن كان يجرؤ على الاعتراض وهو يتذكر مصير رفاقهم في قاعة الخلد؟ وفي الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، لم يُتح للمجتمعين مناقشة قرار الضم نفسه؛ بل سُمح لهم فقط بمناقشة شكل الوحدة بعد الضم، بعد أن أعلن الرئيس قناعته بوحدة اندماجية للكويت في العراق “وينشال كل شي من السجل”، وأن "الحكومة الحرة المؤقتة" ستطلب “عودة الجزء إلى الكل”. وكما ذكرتُ في تعليقي على الجزء الأول من تسجيل الاجتماع، فإن طريقة صناعة قرارات مجلس قيادة الثورة كانت واضحة: الرئيس يعلن ما يفكر به، وعلى المجلس الموافقة — “وهذا هو”، كما قال في ذلك التسجيل. حتى واحد من أخطر القرارات في تاريخ العراق الحديث — قرار ضم الكويت — لم يكن قراراً جماعياً، بل كان قراراً فردياً خطّط له الرئيس ونفذته قواته، وما على المجلس إلا الموافقة على القرار وتبعاته. كان كل ما سُمح به للمجلس هو مناقشة أشكال الوحدة فقط، دون أي نقاش حول أصل القرار. لذلك يمكن القول إن الرئيس في القرارات المصيرية لم يكن مستمعاً جيداً كما صُوّر، بل كان — كما قال أحد المعلقين على تسجيل سابق — “ لا يريد أن يسمع إلا صدى صوته”. ويظهر من التسجيل أيضاً تهديده المباشر لمعاونيه بفقدان مناصبهم إن لم ينفذوا ما يريد، كما قال: “أغيركم كلكم… حتى قائد الحرس الجمهوري”. وأخيراً، يكشف التسجيل، ما كنا نعرفه عن “فلسفته في قيادة الأمم”، لكننا نسمعه يقولها بصوته: قطع الألسنة من الزردوم، والرصاص في الحلوك لكل من يخالفه.