الجمعة، 5 ديسمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية..٩ القيادة تناقش ضم الكويت، كواويد كويتيين المخدرات لهم والرصاص في حلوكهم ٢

 


هذا التسجيل يعود تاريخه إلى ٧ آب/أغسطس ١٩٩٠، ويبدو أنه الجزء الأخير من الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، والذي نوقش فيه موضوع ضم الكويت. في عدد من المقاطع يكون الصوت غير واضح بسبب اختلاط الأصوات ووجود تشويش في التسجيل نفسه.

يبدأ التسجيل بحديث الرئيس، حيث قال إنه يبحث عن “حل للكويت” إذا بدأ الكويتيون بالمطالبة بالحاجات الأساسية للعيش، والتي كان يخشى أنه لن يستطيع توفيرها لهم. ثم وصف المجتمع الكويتي بأنه “فاسد وباذخ”. وخلال حديثه قال إنه يجب تكليف جهة بإدخال المخدرات إلى شباب الكويت، ويبدو أنه كان يريد إشغالهم لصرفهم عن مقاومة قواته. وخلال حديث علي حسن المجيد، قاطع الرئيس سائلاً عن شخص يُدعى “الدوسري”. ثم ورد ذكر فيصل الصانع، وهو عضو سابق في حزب البعث رفض الانضمام إلى "الحكومة الكويتية الحرة المؤقتة". وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً ولا يُعرف مصيره بدقة. ويبدو من التسجيل — رغم التشويش — أن الرئيس قال إنه يريد "بشر" من الكويتيين “يقعدون وراء الكرسي” بشرط ضمان ولائهم الكامل، وأنه إذا لم يتوفر مثل هؤلاء فعليهم المضي فوراً نحو الوحدة بغضّ النظر عن أي اعتراضات. ووصف الوحدة بأنها ستكون “وحدة الفقراء مع التجار”. كما ذكر الرئيس وجود شخص “يجب قطع رأسه”، لكن هوية الشخص غير واضحة. ثم تحدّث علي حسن المجيد عن حوار مع شخص آخر. وذكر الرئيس أيضاً اسم عبد العزيز الرشيد، ويبدو أنه لم يرغب به. ويؤكد الرئيس خلال التسجيل أنه "دافع عن العراقيين" باجتياح الكويت. وفي السياق نفسه وصف علي حسن المجيد الكويتيين بأنهم “كلهم فاسدون”. بعد ذلك سأل الرئيس عن معنى "الوحدة الاتحادية"، فأوضح طارق عزيز أنها تعني: جيش واحد، وسياسة خارجية واحدة، واقتصاد واسع تديره الدولة أو بخصوصياته، وأمن عام واحد، وحكومة اتحاد واحدة، وتمثيل دبلوماسي وسفارات موحدة. ثم طلب الرئيس من المجتمعين الإجابة بكلمة واحدة عن سؤال حول “مستقبل الكويت”، موجهاً ذلك إلى: مزبان خضر هادي، ثم سعدون حمادي، ثم طارق عزيز، ثم سعدي مهدي صالح، ثم علي حسن المجيد الذي أبدى رأياً يدعو إلى وحدة اندماجية، ثم لطيف نصيف جاسم، وأحمد حسين، ومحمد حمزة الزبيدي. والصوت غير واضح تماماً، لكن يبدو أن أغلب الآراء كانت مع الوحدة الاندماجية باستثناء سعدون حمادي وطارق عزيز اللذين مالا إلى اتحاد فدرالي. بعد ذلك طلب الرئيس من “الحكومة الحرة المؤقتة” أن توجه رسالة تطلب فيها الوحدة. ثم تحدث الرئيس بنبرة تهديد شديدة، قائلاً: "وإذا بعد أسمع واحد يفتح لسانو وما تقطعوه من الزردوم… أغيركم كلكم بما فيهم قائد الحرس الجمهوري… صرتوا عراقيين كواوِيد… اللي يفتح… تكلوله… أفتح حلك وتحطّوا كل الرصاص بحلوكهم… هِيچِي تُقاد الأمم بالظروف الصعبة… مو بالعيني والأغاتي". ثم طلب الرئيس حضور الكادر الحزبي من عضو فرع فما فوق، وطلب من سعدي مهدي صالح دعوة المجلس الوطني “هساع بهاي الليلة” من التلفزيون. وبعد ذلك وجّه علي حسن المجيد بالتوجه إلى الكويت. ومن خلال هذا التسجيل، بالرغم من ضعف الصوت، يتبين الفرق الكبير بين ما كان يقوله الرئيس علناً وما كان يقوله خلف الأبواب المغلقة؛ فخلال سنوات الحرب مع إيران كان يثني على الكويت حكومةً وشعباً، لكنه هنا يصف المجتمع الكويتي بالفساد والبذخ، ويبحث صراحة عن وسائل لإيذاء شبابهم بإدخال المخدرات إليهم. ومن هذا التسجيل والتسجيلات السابقة المتعلقة بضم الكويت، يمكن القول إن الادعاء بأن الرئيس كان “مستمعاً جيداً” هو ادعاء غير دقيق.فكما اتضح من خلال هذه التسجيلات أن المساحة التي أعطاها الرئيس لمعاونيه في إبداء الراي كانت محدودة للغاية، ففي اجتماعه مع وزرائه، قبل أن يسألهم رأيهم في موضوع ضم الكويت، أخبرهم أن القيادة قررت الضم، ثم طلب رأيهم بعد ذلك. فمن كان يجرؤ على الاعتراض وهو يتذكر مصير رفاقهم في قاعة الخلد؟ وفي الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، لم يُتح للمجتمعين مناقشة قرار الضم نفسه؛ بل سُمح لهم فقط بمناقشة شكل الوحدة بعد الضم، بعد أن أعلن الرئيس قناعته بوحدة اندماجية للكويت في العراق “وينشال كل شي من السجل”، وأن "الحكومة الحرة المؤقتة" ستطلب “عودة الجزء إلى الكل”. وكما ذكرتُ في تعليقي على الجزء الأول من تسجيل الاجتماع، فإن طريقة صناعة قرارات مجلس قيادة الثورة كانت واضحة: الرئيس يعلن ما يفكر به، وعلى المجلس الموافقة — “وهذا هو”، كما قال في ذلك التسجيل. حتى واحد من أخطر القرارات في تاريخ العراق الحديث — قرار ضم الكويت — لم يكن قراراً جماعياً، بل كان قراراً فردياً خطّط له الرئيس ونفذته قواته، وما على المجلس إلا الموافقة على القرار وتبعاته. كان كل ما سُمح به للمجلس هو مناقشة أشكال الوحدة فقط، دون أي نقاش حول أصل القرار. لذلك يمكن القول إن الرئيس في القرارات المصيرية لم يكن مستمعاً جيداً كما صُوّر، بل كان — كما قال أحد المعلقين على تسجيل سابق — “ لا يريد أن يسمع إلا صدى صوته”. ويظهر من التسجيل أيضاً تهديده المباشر لمعاونيه بفقدان مناصبهم إن لم ينفذوا ما يريد، كما قال: “أغيركم كلكم… حتى قائد الحرس الجمهوري”. وأخيراً، يكشف التسجيل، ما كنا نعرفه عن “فلسفته في قيادة الأمم”، لكننا نسمعه يقولها بصوته: قطع الألسنة من الزردوم، والرصاص في الحلوك لكل من يخالفه.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية..٨ اجتماع مع فلسطينيين في السبعينات: اقتلوا النميري والوحدة مع سوريا



التسجيل من غير تاريخ لكن واضح أنه في السبعينات عندما كان الرئيس صدام بمنصب النائب، وهو مجتمع مع أشخاص بدا من لهجتهم أنهم فلسطينيون.

 يبدأ التسجيل بحديث أحد هؤلاء وهو يوجه سؤالاً للنائب: كنتم قد ذكرتم أنكم ستلزمون الأقطار العربية بتنفيذ قرارات قمة بغداد (١٩٧٨)، وإذا ترددوا في التنفيذ تعالوا لنا ونحن نقوم بهذه المهمة، حتى الآن ما في التزام. وقلتم إن من لم ينفذ قرارات القمة يعتبر خائناً. السؤال: ما هي الإجراءات التي ستتخذ بحق هذه الأنظمة العربية التي لم تلتزم بهذه القرارات؟

فأجاب النائب أنه قد أعلن ذلك، وقبل مؤتمر الوزراء قال إنه سيحرض شعوب (تلك الأنظمة) ويمدها بكافة الإمكانات لإسقاط تلك الأنظمة. ثم أشار ذلك الشخص إلى أهمية مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية لصفقة الخيانة (يقصد كامب ديفيد) من قبل الأنظمة العربية، ودعاه إلى أن يكون للعراق دور في موضوع إلزام الأنظمة العربية بمقاطعة الولايات المتحدة. ثم تحدث شخص آخر وطلب الوقوف بموقف حازم ضد التسوية. ثم تحدث النائب، وقال إن الموقف من الأنظمة التي تسير طريق السادات في الخيانة ومحاسبتهم هو منهج للجماهير والحركات الثورية وبدرجة أخرى للأنظمة الوطنية. وذكر أنه لن يخجل إذا تم مسك صفقة أسلحة ويقال إنها آتية من العراق ضد النظام السوداني وسيقولها من الإذاعة. ووصف النظام السوداني بالخيانة لوقوفه مع السادات. وقال إن أي حاكم لن يلتزم بقرارات قمة بغداد سيُعتبر خائناً كالسادات. ثم وجه كلامه لهؤلاء الأشخاص واعتبرهم مناضلين في منظمة جماهيرية، وطالبهم أن يقولوا إن النميري خائن كالسادات، وأن يصرّحوا أن شعب (السودان) مطالب أن يثور عليه، وأن يصرّحوا أنهم سيطاردون النميري كالسادات أينما شاهدوه. ثم ذكر أنه لا يخجل إطلاقاً إذا أراد أحد منكم أسلحة ويريد قتل النميري أن يستلم هذه الأسلحة من سفارتنا في فرنسا. ويُكتشف السلاح أنه مُرسل عن طريق سفارتنا في فرنسا وبحقيبة السفير رسمياً ويقال: أُرسل من العراق. ونقول: نعم، أُرسل من العراق ولقتل النميري الخائن المجرم، مثل ما نفعل مع السادات. وذكر أن الحد الأدنى أن الأرض لا تُعطى للأجنبي. ثم ذكر أن الوضع الجماهيري العربي النفسي قد انتكس بعد توقيع كامب ديفيد، لكنه تحسن بعد اللقاء العراقي–السوري وقرارات قمة بغداد. وذكر أن ما يقلقه هو هجوم عسكري من إسرائيل على سوريا والأردن. وذكر أنه كان لديه تصميم ونية لعلاقة من نوع جديد مع سوريا، وأن ما يريده للعلاقة مع سوريا هو علاقة وحدة. وقد تم تسليم سوريا دستور وحدة كما نتصوره ووثيقة كاملة لوحدة الحزب كما نتصوره. وذكر أنه سيبدأ بحثاً تفصيلياً لإقامة الوحدة، وأن الوحدة مع سوريا للأمة، للنضال، للثورة، ولمواجهة العدو الصهيوني. وشدد — وهو يضرب بيده على الطاولة — أنه لن يقبل بدون مقاطعة حقيقية للسادات، وأنه ليس لديه أي مرونة تجاه تطبيق قرارات قمة بغداد. كذلك رفض ما دار في مؤتمر جنيف من مباحثات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لإيجاد تسوية وحل للصراع العربي–الإسرائيلي. وذكر أنه يتصور حرباً طويلة مع إسرائيل في دولة الوحدة مع سوريا على أساس أشهر طويلة، وأنه يريد سلاحاً من الاتحاد السوفيتي يمكنه من ضرب المنشآت المدنية في إسرائيل لردع إسرائيل كي يضمن الحرب الطويلة ويستنزف العدو بأنهار من الدماء. وأنه مستعد أن يخسر الآلاف في هذه الحرب. وذكر أنه خسر ١٦٬٠٠٠ شهيد في حرب الشمال وكان مستعداً لخسارة ٢٠٬٠٠٠ شهيد. وبرر تنازله عن شط العرب بأن هذه مرونة مطلوبة في العمل الثوري ولقلة السلاح، وادعى أنه حصل على أرض بمساحة البحرين بتنازله عن نصف شط العرب. كما بدا من التسجيل فأن قاعدة العمل السياسي المحلي، وهي استخدام العنف والقسوة داخل البلاد، كان النائب — والرئيس فيما بعد — قد جعلها قاعدة في ممارسة السياسة الخارجية. ولأن قدرته كانت محدودة في البدء فقد اقتصرت على عمليات الاغتيال أو الدعوة لها قبل أن تتحول إلى الحروب كوسيلة لحل الخلافات مع الدول. والنائب هنا أكد لنا ما كنا نعرفه عن السفارات العراقية في الخارج في تلك الفترة، وهو أنها كانت وكراً للمخابرات، منه تنطلق عمليات اغتيال وتصفية المعارضين، وأن الحقيبة الدبلوماسية استُعملت لنقل الأسلحة والمتفجرات إلى الخارج. لا أعرف أن ما ذكره النائب عن اتفاقية الجزائر كان صحيحاً، أن العراق استعاد أرضاً بقدر مساحة البحرين، لكن الأكيد أنه تنازل عن نصف شط العرب، وهو تنازل لم يقدم عليه أي من السياسيين الذين سبقوه منذ العهد الملكي، وهو ما كان الشاه وإيران تسعى إليه في العقود السابقة للاتفاقية. والمفارقة أن النائب يصف من تنازل عن الأرض للأجنبي بالخائن، وهو فضّل أن يتنازل للأجنبي عن نصف شط العرب على أن يتفاوض مع أبناء بلده من الكورد. أما العلاقة مع سوريا، فقد نقضها كما نقض التحالفات أو البيانات التي عقدها مع مصطفى البارزاني أو الحزب الشيوعي أو الشاه وكبيانه القومي فيما بعد عندما غزا الكويت. وعقد التحالفات ونقضها جزء لا يتجزأ من سيرة حياته، فهي ضرورية عندما عقدها وضرورية عندما نكثها.

الجمعة، 14 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية...٧ اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لضم الكويت..١

 

هذا التسجيل يعود تأريخه ليوم ١٩٩٠/٨/٧ ترأس فيه صدام حسين اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية. يبدأ التسجيل بطلب الرئيس ببلورة موقف قانوني من احتمال مقاطعة تركيا والسعودية للعراق ومنع تصدير النفط من قبلهم نتيجة لصدور قرار مجلس الأمن ٦٦١ (٦ أب ١٩٩٠)، أي قبل يوم واحد من تأريخ هذا الاجتماع، والذي فرض حظرًا اقتصاديًا شاملًا على العراق، وطالب الدول الأعضاء بالامتناع عن أي تبادلات تجارية معه، باستثناء السلع الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية. في هذا الاجتماع أشار طارق عزيز إلى رسالة بعثها الرئيس صدام إلى غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك، بعد الغزو يعاتب فيها الاتحاد السوفيتي على موقفه تجاه العراق بعد غزوه للكويت، والجواب كان مطالبتهم للعراق بتنفيذ قرار مجلس الأمن ٦٦٠ والذي طالب العراق بالانسحاب من الكويت. وتطرق طارق عزيز إلى مقابلة الرئيس صدام بالقائم بالأعمال الأمريكي جوزيف ولسن في ١٩٩٠/٨/٦، والذي فوجئ بلقائه بالرئيس. وخلاصة ما ورد في اللقاء، والذي نشرت محضره وسائل الإعلام العراقية فيما بعد، أن العراق لن يضر بمصالح الولايات المتحدة، وأن العراق لن يهاجم السعودية. وأعاد الرئيس قوله إنه لم يخدع حسني مبارك، وأن ما قاله هو أنه لن يستخدم القوة قبل انعقاد مؤتمر جدة فقط، ولم يقل إنه لن يستخدمها مطلقاً. وهذا انتقاد وجهه حسني مبارك للرئيس، وحسب ما قيل عن ذلك اللقاء أن الرئيس أخذ حسني مبارك جانباً وقال له ذلك من دون وجود أحد غيرهم. ومبارك شدد أنها ليست الحقيقة وأن صدام خدعه. ما هي الحقيقة؟ أعتقد لن نستطيع معرفتها، إذ لا يوجد تسجيل يؤكد أو ينفي ما قاله الرئيس. وتخميني أنها كانت خدعة مقصودة لطمأنة الكويتيين ومنعهم من طلب مساعدة عسكرية قبل الغزو كما حدث في زمن عبد الكريم قاسم. وفي لقائه مع القائم بالأعمال الأمريكي، ذكر طارق عزيز أن صدام قال له إنهم إن استخدموا القوة العسكرية ضد العراق فإنهم سيهزمون. درجة الوهم والغرور لدى الرئيس وصلت إلى حد قوله للقائم بالأعمال الأمريكي إن الأمريكان، أقوى دولة في العالم، وبعد فترة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي، سيُطردون من منطقة الشرق الأوسط كلها! وهو وهم وقع فيه الرئيس وردده طوال الأشهر الستة التي سبقت المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، ويبدو من التسجيل أنه كان مقتنعاً به منذ بداية الغزو إن لم يكن قبله. وذكر طارق عزيز أن أقصى ما استطاع العراق فعله دبلوماسياً للتصدي للقرار ٦٦١، قرار المقاطعة الاقتصادية الشامل، هو أن كلمة "العدوان" رُفعت من نص القرار، وأن القرار صدر بالنص الأمريكي المقدم. وذكر الرئيس أنه سيسمح للكويتيين الراغبين بالمغادرة بالخروج، وأنه سيستبدلهم بـ"ولد مدينة صدام" حسب قوله، وأنه سيقول للعراقيين بعد فترة: "اصبروا، وستنالون الكثير من الخيرات"، وحتى "المتوفون منهم سيحصلون على شيء". وهو وهم آخر وقع فيه، إذ تصور أن الأمريكان سيسمحون له بالحصول على ثروات الكويت. واستمر الرئيس في حديثه الواهم، قائلاً إن الرغبة الإنسانية في العداء تقل بمرور الزمن، وبالتالي لن يكون هناك رد عسكري على احتلاله للكويت. وتصور أن الرد العسكري سيكون عبر الطائرات فقط، وأن هناك سيكون رد فعل شعبي عربي إذا حصل الرد العسكري على العراق، وأن دول الخليج ستنهار كلها. وعن ادعاء العراق أنه ابتدأ بسحب قواته، ذكر حسين كامل أنه كان يحرك القوات نحو العراق لكنها كانت تستدير وتعود للكويت، وهو انتقاد وجهته الولايات المتحدة للعراق معتبرة أنه غير صادق بادعائه الانسحاب من الكويت. وهنا طلب الرئيس منه التوقف عن ذلك، لأن العراق — حسب تعبيره — "ما لازم يجذب" وأنه عندما يقول شيئاً لابد أن يطبقه. وأنا أستمع لحديثه، بدت صفة أخرى من صفات شخصية صدام حسين، وهي التناقض؛ فالعراق "لازم ما يجذب"، ولكن كيف يمكن وصف ادعاء العراق بوقوع انقلاب في الكويت من قبل حكومة وهمية أصدرت لمدة ستة أيام بيانات — كان العراق وعلى الأكثر الرئيس نفسه كاتبها — بغير أنها سلسلة أكاذيب؟ وذكر الرئيس في الاجتماع فكرته من محاولة ربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من فلسطين كمعركة إعلامية. وذكر للمجتمعين أنه يؤمن بـ اندماج كامل للكويت في العراق "وينشال كل شي من السجل" بعد تحديد حدود الكويت برقعة صغيرة. وأن الحكومة الكويتية المؤقتة ستطلب "عودة الجزء إلى الكل"، وكان كلامه بصيغة بيان سيصدر باسم الحكومة المؤقتة. ثم قال إن مجلس قيادة الثورة سيوافق على طلب الحكومة المؤقتة. ومن خلال هذا التسجيل يتضح كيف كانت قرارات مجلس قيادة الثورة تصدر: الرئيس يتحدث بصوت عالٍ عما يدور بخلده وعلى المجلس الموافقة — "وهذا هو" حسب قوله. حتى أخطر قرار واجهته الدولة العراقية في تاريخها الحديث، القرار الكارثي، كان قراراً فردياً فكر به ونفذته قواته، وما على مجلسه إلا الموافقة على تبعاته. وبعد حديثه عن اندماج الكويت، كل ما سمح لمجلس قيادة ثورته وقيادته القطرية بالحديث عنه بخصوص الكويت هو أشكال التوحد فقط. ثم تحدث طه ياسين رمضان فردد ما قاله رئيسه. ويبدو من نهاية التسجيل أن صدام تركهم يتحدثون فيما بينهم! وكأنه غير مهتم بما سيقولونه!

الأحد، 2 نوفمبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ٦. ١٩٧٨، ياسر عرفات خزي. .طيح الله حظه، جماعة باريس احنا كلنالهم أكتلوهم.



يعود تاريخ هذا التسجيل إلى أيلول ١٩٧٨، خلال اجتماعٍ مع مكتب الثقافة والإعلام.
المتحدث الأول فيه هو طارق عزيز، ثم تلاه في الحديث النائب صدام حسين.

في بداية التسجيل تحدث طارق عزيز عن صراع حزب البعث مع ياسر عرفات في تلك الفترة، السبعينات. ووصف قيادة منظمة التحرير بالرجعية وبأنها ماشية في خط التسوية. واشار طارق عزيز في التسجيل الى أن العراق كان رافضاً لخيار التسوية، أو ناطوط حسب وصفه.
وكخلفيةٍ لما دار في هذا التسجيل، لا بد من الإشارة إلى أن حزب البعث كان قد رفع   شعار أن القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، واتخذ من علم فلسطين علمًا للحزب، غير أن هذا الشعار وُضع على المحكّ عندما شنّ الجيش الأردني هجومًا على المقاومة الفلسطينية في أيلول ١٩٧٠.

كان لدى العراق في تلك الفترة نحو ١٧ ألف جندي ومئة دبابة متمركزة في المنطقة التي دارت فيها المعارك، إلا أن الجيش العراقي لم يتدخل رغم ضغط الشارع والقاعدة البعثية، بل إنه فتح الطريق أمام الجيش الأردني لتنفيذ عملية على خط انسحاب المقاومة نحو الشمال.

وقد خلق هذا الموقف، كما اعترف التقرير القطري الثامن، "وضعًا خطيرًا ومشاعر متناقضة داخل حزب البعث"، إذ لم تستطع القاعدة الحزبية تقبّل التفاوت الفاضح بين الضجة الإعلامية الداعمة للفلسطينيين والموقف العملي المتخاذل على الأرض.

ولأن القضية الفلسطينية قضية مركزية، لم يترك حزب البعث، بفرعيه السوري والعراقي، المجال للفلسطينيين لتقرير مصيرهم بأنفسهم. فقد أسّس النظام السوري منظمة الصاعقة الموالية له، بينما أنشأ النظام العراقي جبهة التحرير العربية التابعة له. كما دعم العراق جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس، إضافةً إلى دعمه أبو نضال (صبري البنا)، الذي كان يشغل منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في بغداد.

بعد حرب تشرين ١٩٧٣، شهدت الساحة الفلسطينية انقسامًا واضحًا، إذ بدا أن ياسر عرفات يميل إلى خيار التفاوض لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية. وقد أدى هذا التوجه إلى انشقاق عدة فصائل عن منظمة التحرير، التفت حول ما عُرف بـ جبهة الرفض، الرافضة لأي تفاوض مع إسرائيل. ومن أبرز شخصيات هذه الجبهة وديع حداد وجورج حبش وأبو نضال، الذي كان مقيمًا في بغداد آنذاك. 

نشبت إثر ذلك تصفيات داخلية بين هذه الفصائل المتناحرة. ويُشير التسجيل  إلى حادثة اغتيال سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. ويبدو من التسجيل أن أبو نضال أبلغ السلطات العراقية بعملية الاغتيال التي نفذتها جماعته، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد أبلغهم قبل تنفيذ العملية أو بعدها.

لم يكتفِ العراق بدعم الفصائل المناهضة لحركة فتح، بل أغلق مكاتب فتح في بغداد وقطع المساعدات عنها. وردّت فتح على ذلك بشنّ هجمات ضد المصالح العراقية، من أبرزها اقتحام السفارة العراقية في باريس في تموز/ ١٩٧٨، حين اقتحم فلسطينيان السفارة واحتجزا السفير العراقي لمدة ثماني ساعات قبل أن يستسلما للشرطة الفرنسية.
ويُظهر التسجيل أن صدام حسين، الذي كان نائبًا للرئيس في تلك الفترة، أصدر تعليمات لحرس السفارة بقتل المهاجمين بعد استسلامهم للشرطة الفرنسية ، فقام أحد الحرس باطلاق النار فجرح أحد المهاجمين وقتل شرطي فرنسي مما أدى إلى تدخل الشرطة الفرنسية التي قتلت أحد الحراس العراقيين . كما يتضح من التسجيل أن صدام كان على خلاف حاد مع ياسر عرفات، ووصفه بعبارات قاسية مثل "الخزي" و"طيّح الله حظّه".
ويبدو كذلك أن العراق ردّ على منظمة التحرير الفلسطينية بعد هذه الأحداث عبر جماعة أبو نضال، التي نفذت اغتيال عزّ الدين قلق، ممثل منظمة التحرير في باريس، بعد نحو شهر من حادثة اقتحام السفارة العراقية هناك.



الأحد، 26 أكتوبر 2025

تسجيلات صدام حسين السرية ٥. طه ياسين رمضان تحدث عن البيعة، وصدام سيعلن مقتل كامل حنا على يدي عدي

 

هذا التسجيل يعود تأريخه الى عام ١٩٨٨. في بداية الشريط تحدث الرئيس عن البيعة، أي بيعة الشعب العراقي للرئيس. والبيعة حصلت في ١٣ تشرين الثاني من عام ١٩٨٢ بعد أن أقترح الرئيس في حديث له في ٩ تشرين الثاني، أي قبل ٤ أيام من البيعة، أن يجرى استفتاء من قبل الشعب العراقي ومن الشعب الأيراني عن من أكثر شعبية في بلده، صدام أم الخميني، وقال من يفوز باكثر من ثلثي الأصوات يكون هو الممثل الحقيقي لشعبه. 

في هذا التسجيل صور كل من الرئيس وطه ياسين رمضان أن خروج ٤ ملايين عراقي ،حسب الأحصاء الرسمي، لمبايعته وهتافهم لا ثلث ولا ثلثين كلنا نبايع صدام حسين، كان عفوياً.

لكن الحقيقة كانت أن مسؤولي دوائر الدولة والجامعات والمدارس والحزب نظموا البيعة التي انتهت بتقديم وثيقة مبايعة للرئيس كتبت بدماء أعضاء المجلس الوطني. احتفال البيعة كان يعاد سنوياً في نفس اليوم والشهر.
وتحدث الرئيس أيضاً في هذا التسجيل عن حادث مقتل كامل حنا على يدي عدي وذكر أنه سيعلن رسمياً عن حصول الحادث، لأن أغلبية الناس سمعوا بحصولهوذكر أن عدي حاول الأنتحار وادخله المستشفى ثم أدخل السجن ونام على الأسمنت حسب قوله وانه سيحيله الى المحكمة. عن ذلك الحادث ذكرت حفيدته في كتابها حفيدة صدام  "‏حادثة مقتل حنا، السفرجي الشهير السابق لدى جدتي ساجدة. بعد سنوات طويلة من عمل حنا لدى جدتي، أصبحت له مكانه كبيرة سواء أكان في مجتمعه المسيحي داخل بغداد، أو بشكل عام في المجتمعات الراقية ووسط طبقة المسؤولين.. ومع الوقت أصبح أيضاً محط ‏ثقة كبيرة عند جدي صدام حسين.. اعتاد الشعب العراقي على رؤيته كثيراً مرافقاً له على شاشات التلفاز.. مما زاد من الصلاحيات والنفوذ التي أوكلها لنفسه. وفي يوم ما، كان حنا يقيم سهرة ليلية خاصة به في مدينة الأعراس داخل أحد المواقع الرئاسية التابعة للدولة وهو ما لم يكن مسموحاً لأحد، وكان ذلك بالقرب من موقع دجلة الذي يسكنه خالي عدي، وكعادة الكثير من العراقيين، كان حنا يطلق الكثير من النار في الهواء في تلك الليلة، كان ذلك ليلة الأحد على الاثنين، حين كان خالي عدي جالساً في حديقته الخلفية ناوياً صيام اليوم التالي (الاثنين) كما المعتاد. وقد كانت أيضاً السيدة سوزان مبارك سيدة مصر الأولى تحل ضيفة على العراق في ذلك اليوم. سمع خالي عدي صوت إطلاق الرصاص فسأل عن مصدره وتم اخباره أنه حنا... عندها انزعج خالي وخشي أن يزعج صوت رصاص حنا عند منتصف الليل نوم الضيفة سوزان مبارك، فارسل إلى حنا من يطلب منه أن يتوقف عن رمي الرصاص في الهواء. ورد حنا بعد هذه التوصية بإطلاقات نار أكثر كثافة من التي سبقتها، خاصة وهو تحت تأثير الخمر.. كرر خالي طلبه وكرر حنا تجاهل الطلب. عندها، غضب خالي وذهب بنفسه ومعه أحد أصدقائه وشخص آخر من الحماية وهو يحمل معه عصا تسمى بالعراقي "عوجية" لها راس حية (ثعبان) التقطها سريعاً من بين مجموعته المميزة من العصي الموجودة دائما بالقرب من الباب لتكمل لباسه العربي وهو الدشداشة وعبأه على كتفه، وبعد التلاسن مع حنا، قلب خالي العصا وضربه برأس الحية على القبة.. أعتقد خالي أنها ضربة تأديبية، وسقط حنا مغمى عليه عليه -أ و بدا الأمر لخالي كذلك- وخرج خالي من المكان. وفي الصباح، فوجئ خالي بالكثير من المكالمات الصباحية. وحين استفسر عن سببها وفحواها، أبلغ بأن الرئيس قد أمر بإلقاء القبض عليه لقتله حنا. وحين جاء الجنود للقبض على خالي عدي، كان قد ملأ مدخل منزله بالأسلحة، وهو يصرخ مقسماً أنه سيقوم بقتل أي شخص ‏ يجرؤ على الإقتراب منه. كان يعتقد أن أحدهم قد قتل حنا ويريد الصاق التهمة به. كان مؤمناً ببرائته. تدخلت جدتي ساجدة، وتدخل والدته هو ما جعله يسلم نفسه".
وعن ذلك الحادث أيضاً ذكر برزان التكريتي في مذكراته "في صباح يوم ١٩٨٨/١٠/١٨ وفي حوالي الحادية عشر من صباح هذا اليوم جاءني الشخص الذي يعمل عندي في البيت هناك وقال لي أن الرئيس اتصل يطلب الكلام معك ويطلب أن تتصل به، فذهبت للبيت واتصلت بالرئيس بعد السلام سألني عن مكان وجودي قلت له إنني في تكريت، قال تصورت إنك هنا في بغداد لأنني محتاجك، وهذه  لأول مرة أسمع هذه الكلمة منه لأنه لا يقولها مطلقاً، قلت له سوف أكون عندك بعد أقل من ساعتين، قال طيب ولكن عليك أن لا تسرع في السياقة، قلت له إن شاء الله.. وصلت بغداد بعد الظهر، أخبرتني شجرة الدر بما حصل في الليلة الماضية وان أم  عدي طلبت من شجرة الدر أن تذهب لها فذهبت ووجد حالة أختها سيئة جداً والوضع غير طبيعي، ولكن أم عدي لم تفصح عن شيء، لابد أن يكون هناك شيء ولكنهم يحاولون عدم الإفصاح عنه، وأضافت أعتقد أن عدنان خير الله يعرف الحقيقة، قلت لها كيف شعرت بهذا، قالت لأن عدنان لا يتكلم ولا كلمة واحدة وكل تعابير وجهه تقول أنه يعرف السبب وإنه مشمئز من ما حصل وما يحصل، ويظهر انه غير متفاجئ ولا هو مهتم بما يحصل، وقالت إن عدي الآن في المستشفى لأنه حاول الأنتحار لانه تناول عدد من حبوب الفاليوم. قلت لها إن الرئيس اتصل بي وطلب حضوري، قالت اتصل به، فاتصلت به وطلب مني أن أذهب إلى بيته، كانت الساعة الخامسة بعد الظهر، ذهبت ووجدته في حالة حيرة أكثر منها من أية حالة أخرى، أخبرني بما حصل وقال إن عدي قتل كامل حنا عندما كان كامل مع مجموعة مع أقاربه يسهرون في جزيرة الأعراس وعلى ما يبدو انه كان مخمور وقام بإطلاق العيارات النارية وكان عدي قريب من المنطقة التي كان فيها كامل حنا وأيضا كان بدوره مخمور فارسل له خبر يطلب منه الكف عن إطلاق العيارات النارية، ولكنه لم يتوقف فقام بضربه بعصا على رأسه مما سبب نزيف داخل رأسه سبب وفاته.. تبين فيما بعد أن كامل حنا كان محتفل بزواج عمه من سميرة الذي تم قبل أيام، وبما أنه مدلل الرئيس وصاحب الخطوة الكبيرة عنده وفي داخله يعتبر نفسه أمين سر الرئيس، وقبل ذلك أو أثناءه أن الرئيس أعطى كامل حنا نقود فاقت ما أعطى أي مسؤول في الدولة. كان الوزراء وأعضاء القيادة وغيرهم يتوددون لكامل حنا، كان يتنقل الهليكوبتر وعندما يذهب إلى المحافظات لترتيب الأمور قبل وصول الرئيس أو لأي سبب آخر يخرج المحافظ لاستقباله. وفي إحدى اللقاءات مع الرئيس قال لي أن حسن العامري الذي كان عضو مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة القطرية للحزب ووزير التجارة يتودد لكامل حنا ويسأله عن انطباعاتي عنه، ولم اعقب بشيء عن ما سمعته منه. حاولت أن أخفف عليه وقلت له أن الحدث وقع وعلينا أن أن نتدبر الأمر، قال أن هذا الولد سيئ وناقص تربية، لم اعقب بشيء، ولكنني قلت له سوف نتدبر الأمر وعليه أن يهدأ، طبعا عندما توفي كامل حنا، أرسل الرئيس عزت الدوري لتشيعه. في اليوم الثاني ذهبت للمستشفى  التي كان عدي فيها لزيارتته ولاستطلاع الوضع، كان في مستشفى ابن سينا، كانت شجرة الدر معي، كان متمارض أكثر من ما هو مريض، كانت أمه هناك وأخوه وحسين كامل واخواته، الأم كانت قليلة الكلام وأقرب للصمت، حسين كامل كان مسرور لما حصل لأن ما حصل سوف يحتاج لفترة لإصلاح العلاقة بين الأب والابن، اما أخوه قصي فأيضاً كان وضعه أشبه بوضع حسين كامل، بل كان يتصرف ويتحرك كمن يريد استغلال الفرصة، وإظهار نفسه على أساس أنه المخلص المطيع والمستقيم... ألخ كان الوقت بعد الظهر ولا زلنا عندهم في المستشفى وكنت في الصالون وشجرة الدر وأم عدي وآخرين لأن حسين كامل وآخرين كانوا في غرفة عدي، سمعنا أصوات أقدام وركض وصراخ، ‏خرجت لأستطلع ما حصل وإذا بقصي يقول لي إن عدي خرج وأخذ السيارة وذهب وأضاف أعتقد أنه ذهب إلى الرضوانية لملاقات أبي، وعندما سمعت أمه واخواته لاحظت أن خوف وقلق فظيع انتابهن حتى سمعتهن يقولن يا ستار سوف واحد يقتل الآخر. استغربت من هذا الكلام ولكنه جلب انتباهي وبدأت اتذكر ما سمعته من شجرة الدر واعيده مع نفسي، وأقول مع نفسي إذا ما شعرت به شجرة الدر صحيح أن هناك سبب لما حصل ولكنهم لا يريدون الأفصاح عنه. 
بعد ما يقارب النصف ساعة  خرجت وشجرة الدر  عائدين للبيت.. بحدود الساعة السادسة مساء اتصل بي الرئيس يقول أحضر فورا للبيت، خرجت مسرعاً متوجهاً  الى بيت الرئيس.. وصلت ووجدته جالس في الصالون يرتدي ملابس سبورت، بنطلون وسترة وشفقة على رأسه، قال لي هل تعرف ما حصل، قلت لا، قال جاء هذا المجنون إلى الرضوانية ويوشر باصبعه نحوي قائلاً اذهب إلى زوجتك، يقصد أمه (أم عدي) وأضاف أن تصرفه وحركته كانت مهينة أمام الحماية ولكن لحسن الحظ لم يكن المسدس في حزامي وإلا قتلته... كانت أمه جالسة والأخوات سهام ونوال وبنات الرئيس، ووصل وطبان كذلك.. في هذه الأثناء دخل قصي يركض وهو يصرخ لقد وصل، لقد وصل، استفسرت منه من الذي وصل، قال عدي، قلت أخبره لكي يدخل لنضع حد لهذه التصرفات، قال  لا بيديه بندقية ويريد أن يضرب بابا.
خرجت مسرعا ولحق بي وطبان وجدناه أمام الدار الذي يسمى قصر القادسية وبيده بندقية كلاشنكوف، اقتربنا منه محاولين أخذ البندقية منه ولكنه شعر بذلك فتراجع للوراء وصوب البندقية نحونا و عندما استمرينا بالمشي نحوه أطلق عدة طلقات تحت اقدامنا، فتكلمت معه بأسلوب ومفردات لا اذكرها لأنني كنت منزعج، بعد ذلك بدأ يبكي ورمى البندقية جانبا فأخذناه للداخل، وعند مدخل البيت شهر قصي مسدسه محاولا ضرب أخوه ولكنني نهرته وقلت له إنك منافق وانتهازي وتحاول استغلال الفرصة، دخلنا للصالون الذي كان الرئيس يجلس به، طلبت من عدي أن يعتذر من أبوه ويقبله فقام بما طلبت منه، وجلسنا كان الوضع كئيب جدا، والنساء يبكون طبعا، عدنان خيرالله لم يتحرك من مكانه ولا تكلم ولا بكلمة واحدة. ساد الجو صمت فظيع... بعد ما يقارب العشرة دقائق أو أكثر تكلم الرئيس قائلاً بعد ما حدث سوف لا أعتبرك ابني، وقال مخاطبا عدي إنك قاتل وعليك تهيئة نفسك لتذهب إلى مركز الشرطة لتسليم نفسك لأن هذا هو الحل.
  قلت له نعم سوف يعمل ما تقوله وفعلاً كنت مع هذا الأتجاه لأن المشكلة أصبحت معروفة لدى عامة الناس وتركها دون سيناريو من هذا النوع يسبب للرئيس حرج كبير لأنه في ذلك الوقت كان يلاحظ بعض الشيء لما يقوله الناس،  بعدذلك ذهب الرئيس وقمت  بالحديث مع عدي لاقناعه بتسليم نفسه وسوف نرتب الأمور لأن هذا هو المخرج الوحيد، أشعرني أنه سوف يعمل ذلك واعتقد أنه فعلا كان مقتنع بذلك ولكنه على ما يبدو غير رأيه في ما بعد. عدت وشجرة الدر للبيت وبقيت كل من سهام ونوال أخواتنا، وأعتقد إلهام أخت شجرة الدر كانت أيضا هناك، وعرفنا منهم، إن الرئيس عاد للبيت بعد حوالي الساعة وكان معه حسين كامل وأخوه صدام، في هذه الأثناء نزل عدي من جناحه في قصر القادسية فاستدعاه أبوه وكانت أمه وأخواتنا والهام موجودين، فقال له لماذا تتصل بالسفارة الأمريكية وتطلب تسهيلات للذهاب إلى أميركا، فيبدو انه اتفق مع حسين وصدام كامل على اعتقال عدي، ففي هذه الأثناء هجم الأخوين على عدي واعتقلوه ووضعوا الوثاق بيديه (كلبجة) واخذوه  إلى الرضوانية، وضعوه في غرفة ملحق بها حمام بسيط وغرفة جلوس متوسطة، لأنني زرته هناك. الذي تبين أن عدي اتصل بالسفارة الأمريكية وكان يطلب تأشيرة دخول لاميركا طلبا للجوء إليها، وكان هاتفه مراقب من قبل حسين كامل، فأسرع حسين بإخبار الرئيس بذلك وقام الرئيس باعتقاله"
وتكمل حفيدة الرئيس "تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وحبس خالي على ذمة التحقيق، ثم أخذه جدي بنفسه إلى السجن.. كان سجناً عادياً عبارة عن باحة رملية لها سياج خارجي، وبها عدد من الزنازين... وفي الباحة طاولات وكراسي البلاستيكية.. وكان جدي يأخذ مفتاح السجن معه. كانت العائلة تزوره في تلك الأيام وهو في سجنه بشكل يومي. فيأتي صدام حسين والد السجين، ووالدته وأمي، وخطيبته في تلك الأيام وهي هوازن؛ ابن صديق جدي عزت إبراهيم الدوري، والتي كان لها ولأسرتها معنا موقف طيب في أيامنا الأخيرة في العراق. كانت العائلة تجلس لديه لمدة ساعة أو ساعة ونصف ثم تغادر.  وكثيراً ما كان جدي يفرش سجادة الصلاة الخاصة به في زنزانة عدي ويصلي هناك. كان عدي يطلب من البنات الثلاث( والدتي، وخالتي رنا، وخطيبته) أحياناً أن يقمن بغسل ملابسه أو تنظيف زنزانته. كانت العائلة كلها تزوره بين فترة وأخرى وتتناول العشاء معه. وقليلاً ما تجيء الخالة لمى زوجة خالي قصي. امر جدي بفتح تحقيق وتشكيل لجنة لاتخاذ القرار بشأن ما حدث، ومنع عنها أي ضغوطات. وأوصى أعضاء اللجنة باتخاذ الأجراءات القانونية المعتادة. مباشرة، طلب جدي قرار اللجنة، وقام بالمصادقة والتوقيع عليه. عرفت جدتي أن جدي جاد. وسيقوم بتطبيق القرار على خالي كما يطبق القرار على أي شخص آخر. ورفض جدي تنازل أولياء الدم لكي لا يقال انهم تنازلوا  خوفاً. بدأ جدي يتململ من كثرة الوساطات، ووصل به الأمر الى سؤال شيوخ القبائل المقبلين عليه عن سبب زيارتهم ومصارحتهم من البداية: إذا جايين علمود عدي.. فهو غير قابل للنقاش..
عندها، قامت جدتي بخطوه ذكية، وهي تعرف عمق العلاقة  في ذلك الحين بين جدي صدام والملك حسين بن طلال رحمه الله ملك المملكة الأردنية الهاشمية، فقامت بالاتصال به في عمان هاتفياً، وطلبت منه القدوم بشكل عاجل. وفعلاً، جاء الملك حسين بسرعة، وطلبت منه التوسط لدى جدي.. كان جدي يحب الملك، وقد خص العراق منذ مدة راتباً ثابتاً للعائلة المالكة الأردنية، بالإضافة أشكال مختلفة من الدعم. وبدهائه المعروف، بدأ الملك حسين بزيارة عائلة حنا لتطييب خاطرهم، وفهم منهم أنهم أصلاً لم يرفعوا دعوة بشكل رسمي. ثم ذهب إلى جدي، وطلب منه بالطريقة العربية التقليدية ألا يرده خائباً في مطلبه ووافق جدي. وكان طلب الملك من جدي أن يقبل بالاحتكام الى الشرع والدين وتنازل أولياء الدم؛ وخاصة أن أهل القتيل لم يرفعوا دعوة ضد خالي عدي.. بل أن أفراد عائلة حنا ‏ جاووا بكبارهم وقسيسهم، وظهروا على شاشات التلفاز العراقية وهم يقولون إن ما حدث كان قضاء وقدراً. واكدوا لجدي أثناء اللقاء أن له أفضالاً كبيرة عليهم، وهذا سبب كاف لتنازلهم على حد قولهم وحسب. وقد دفع الملك حسين لتوجيه القضية على أنها قتل بالخطأ. انتهت القضية، ولكنها ألقت- كما حدث في قضية خطوبة خالي عدي- بظلالها على حياة خالي وعلى علاقته بجدي."
ويكمل برزان التكريتي "بقي في الرضوانية ثلاث أسابيع بعدها خرج، ومعروف كيف وجه وزير العدل، الذي كان على ما أعتقد اكرم عبد القادر الدوري رسالة للرئيس كلها نفاق ودجل وبعد عن الحق والقانون الذي هو حارس عليه ولحمايته، بعد فترة من خروجه حصلت له مشكلة مع عامل بدالة القصر وقام بضربه، مما أزعج الرئيس وحصلت مشكلة وقمنا بمعالجتها أيضا، ولكن الذي الاحظه أن الرئيس منزعج محرج وحيران بطريقة التعامل مع ابنه.. بعد أيام من حصول المشكلة مع عامل بدالة القصر قام بضرب ضابط أمن يعمل في القصر مع حسين كامل، كان على ما يبدو دور في متابعة عدي ومراقبة تلفونه.. إلخ مما أدى إلى شق في راس هذا الضابط لأن عدي ضربه بقبضة المسدس. فهنا غضب الرئيس وقال أن هذا التصرف وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه، لأن عدم معالجة هذا الوضع سوف يجعل الحمايات والحراسات... الخ لا تقوم بواجباتها.. في هذه المرة شعرت أنني شبه عاجز عن تهدئة الأمور لان عديلة يريد أن ينهي الأمور ولا على تهدئتها، الذي قمت به هو الاتصال مع حامد حمادي الذي كان سكرتير الرئيس  في ذلك الوقت طالبا منه لا يسمح له لهذا الضابط من الدخول للرئيس لحين ما نرتب الأمور، ولكنه أخبرني أن حسين كامل وقصي طلبوا منه أن يسمح لهذا الضابط بالدخول الى الرئيس ليشاهده بدماءه، وهو الآن في غرفة الرئيس يعرض تفاصيل ما حصل.. اتصلت من بيت الرئيس، لأن أم عدي اتصلت بي طالبة مني الحضور  وقالت حدثت مشكلة جديدة... عدت إلى الغرفة التي كانت زوجة الرئيس وابنها عدي يجلسون بها وأخبرتهم بما حصل، وقلت لهم توجد عناصر في العائلة تحاول استغلال الوضع لاهداف خاصة بها، فقالوا من هم  فذكرت لهم أن الضابط دخل للرئيس بطلب من حسين كامل وقصي من السكرتير بادخاله... اليوم الثاني اتصل بي الرئيس طالباً مني الحضور إلى مكتبه في بناية المجلس الوطني كان الوقت بحدود العاشرة صباحا.. قلت له سوف أحضر بعد ترتيب نفسي، قال لا تستعجل لأني انتظرك.. وصلت مكتب الرئيس بحدود الحادية عشر والنصف، قال لي حامد حمادي أدخل لأن  الرئيس ينتظرك..
 دخلت وسلمت عليه، قال لي اجلس، بعد أن جلست بحدود عشرة دقائق قال الرئيس أنه لم يستطيع النوم طيلة الليلة الماضية لانه يفكر كيف يتصرف مع هذا المجنون، يقصد إبنه عدي، واضاف إذا  بقى هنا وعلى هذا الوضع سوف يدفعني إلى قتله، قلت له طول بالك لا يوجد شيء ليس له حل، فقال أنه اهتدى الى فكرة مفادها أن يذهب عدي إلى خارج العراق وفكر أن يرسل سبعاوي معه وبعد أن يتم تعيينه سفيراً في البلد الذي يقع عليه الاختيار، واضاف ولكنه وجد أن سبعاوي لا يستطيع أن يسيطر على عدي، لذلك طلب لقائي لمعرفة رايي بفكرة ذهابي بدلا من سبعاوي.. وعلى الفور قلت له ليس هناك مانع لأني فعلا كنت أرغب رغبة مخلصة من مساعدته من الخروج من ذلك المأزق.
 والسبب الآخر لأننا، شجرة الدر وانا، نتطلع الى مثل هذه الفكرة منذ زمن بعيد.. فلاحظت علامات الأرتياح عليه، فقال الى اية دولة ترغب أن تذهب، وقلت له إنكلترا أولا وسويسرا ثانياً، قال لماذا إنكلترا، قلت له بسبب اللغة لأن عندنا خلفية  باللغة الإنجليزية وكذلك مفيدة للأطفال عندما يتقنون اللغة الإنكليزية. قال سويسرا هي الأفضل واضاف بصراحة أنا لا يثق بعدي وإنكلترا مليئة بالمعادين وممكن أن يخون لأن عدي عنده الاستعداد للخيانة. هذا ما قاله بالحرف.. قال انه يعمل كل شيء وقال هل تعرف أن اصدقائه اللذين تم اعتقالهم قالوا أن عدي سلم لهم ثلاثة ملايين دينار كان يحتفظ بها في قصر القادسية لدفع مقدمة لكمية من الويسكي لبيعها. هل تصدق ذلك أن ابني يتاجر بالويسكي  لم اعقب بشيء..قلت له طيب لتكن سويسرا."