هذه محاولة لتقديم تحليل نفسي لشخصية الرئيس صدام ...اعتمدت فيها على عرض سمات وملامح من شخصيته قبل تقديم التحليل النهائي لنفسيته..أعتقد أن تقديم تلك المحاولة يتطلب عرضا وتوثيقا لاحداث تاريخية حدثت في عهده حيث تلقي تلك ألاحداث نظرة على شخصيته وهو هدفنا الرئيس وفي نفس الوقت نفسر مجرى تلك الأحداث من خلال نفسيته.
عُقد هذا الاجتماع بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم ٦٧٨ في ٢٩ تشرين الأول ١٩٩٠، والذي أذن للدول الأعضاء المتعاونة معحكومة الكويت، في حال عدم تنفيذ العراق قبل ١٥ كانون الثاني ١٩٩١ للقرارات السابقة تنفيذًا كاملًا كما ورد في الفقرة الأولى من القرار، باستخدام جميع الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ القرار ٦٦٠ (١٩٩٠) وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة، وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة.
في بداية التسجيل كان المتحدث طه ياسين رمضان، والذي عقد مقارنة بين إيران بوصفها خصمًا خاض العراق معها حربًا طويلة غرق فيها الطرفان بدماء بعضهما البعض، وبين الخصم الجديد الذي اختار الرئيس مجابهته، وهو الولايات المتحدة مع جميع حلفائها.
وقال رمضان إنه يستسهل الحرب مع أمريكا لأنها لا تشترك بحدود مع العراق، وأن المقاتل الأمريكي – برأيه – ليس كالمقاتل الإيراني، يقصد من حيث الشدة، كما اعتبر أن المقاتلين السوريين والمصريين لن يقاتلوا. ووصف المواجهة المقبلة بأنها ستكون حربًا قومية مثالية ونموذجية، وذكر أنه يشك في أنهم سيقاتلون، لكن إن حصل ذلك فستكون مصيبة عليهم – أي على الأمريكيين – مؤكداً أنه لا يبالي إن استمرت الحرب ثلاث سنوات.
ثم استخفّ كل من الرئيس صدام حسين وطه ياسين رمضان بقدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في حرب طويلة. وذكر رمضان أن وجود القوات الأمريكية في السعودية سيكون عبئًا عليها، وأن وجود هذه الأعداد – حتى لو زادت – سيؤدي إلى تقوية العراق وطنيًا، وأن الشعب العربي سيطرد هذه القوات كما حصل في عهود الاحتلال الأجنبي السابقة. وأضاف أن هذا القرار لن يكون تأثيره كبقية قرارات مجلس الأمن، وأن للعراق مؤيدين في دول العالم، وأن هناك أشخاصًا بدأوا بجلب الدواء والغذاء للعراق.
عدا وقوعه في خطأ عقد المقارنة ما بين إيران، دولة من دول العالم الثالث، والولايات المتحدة، صاحبة ترسانة هائلة من أحدث الأسلحة التقليدية والنووية، والدولة الأولى تكنولوجيًا في العالم، فقد تصوّر رمضان أن مجموعة أشخاص تدعو للسلام، سواء كانوا في أوروبا أو أمريكا، يمكن أن تثني الولايات المتحدة عن تصميمها على إخراج العراق من الكويت، بعد أن ضغطت دبلوماسيًا على أعضاء مجلس الأمن لإصدار قرار لم يصدر في تاريخ الأمم المتحدة، وهو قرار استخدام القوة العسكرية لإجبار العراق على الانصياع لكافة قرارات مجلس الأمن.
سأل سعدون حمادي الرئيس عن استخدام النفط لحجب رؤية الطائرات، فأجاب الرئيس بأن التجربة ناجحة في حجب الرؤية، وأضاف إلى ذلك حرق إطارات السيارات القديمة وحتى بعرور الأباعر! باعتبارها وسائل لمجابهة الصواريخ الحرارية عبر حرفها عن مسارها، وطلب تنفيذ ذلك في جميع أنحاء القطر.
ويبدو أن هذه هي “التكنولوجيا العراقية” التي قيل إنها ستواجه الأمريكيين.
ففي اليوم نفسه، التقى الرئيس مجموعة من الشباب العربي، وورد في حديثه معهم:
«يبدو أن بعض المسؤولين الأمريكيين متأثرون بأفلام رامبو، وأفلام رامبو مجرد أفلام تُعرض في التلفزيون والسينما ولا تُطبق على الأرض العراقية. قاموا بمبالغات كثيرة وكأنهم يتحدثون مع شعب لا يعرف القتال. كالطائرة التي سموها “الشبح” ويقولون لا يستطيع أحد رؤيتها، بينما نحن نراها بوضوح عندما تأتي، ولا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لرؤيتها. ونحن لا نريد الحرب ونتمنى ألا تقع، لكن إن أراد الله أن تحصل فسيرون أن هذا الشبح يراه حتى راعي الغنم في الصحراء، ويراه أيضًا بالتكنولوجيا العراقية، وسيسقط كما تسقط أي طائرة معتدية تريد إذلال الأمة والشعب. إن إخوانكم هنا لا يخلون من تكنولوجيا لمواجهة التعقيد الغربي، ولكنهم في الوقت نفسه يعتمدون على البساطة، حيث يحملون قليلًا من التراب ويذرّونه في عين هذه التكنولوجيا المتطورة فتعميها ولا تعود ترى».
ثم أضاف علي حسن المجيد أن الدخان سيكون الحاجب الذي يمنع الصواريخ من إصابة أهدافها، وطلب الرئيس تنفيذ ذلك في جميع المنشآت الحيوية.
اقترح سعدون حمادي أن تكون لهجة بيان القيادة تجاه الاتحاد السوفيتي وفرنسا مختلفة عن اللهجة تجاه الولايات المتحدة، وأيد ذلك محمد حمزة الزبيدي، الذي طلب أيضًا من الرئيس الاهتمام بأمنه الشخصي، ودعا إلى توجيه ضربات شديدة لحكام السعودية والخليج عند وقوع الحرب.
أضاف طارق عزيز أن الأمريكيين منزعجون من ثبات العراق وإجابات الرئيس في مقابلاته الصحفية، وطلب الانتباه إلى تدابير الدفاع المدني عند وقوع الحرب، وهو ما أيده الرئيس. كما أيد طارق عزيز فكرة إقامة مؤتمرات شعبية خارج العراق لإظهار الدعم، وذكر أنه من المهم أن يعرف الأمريكيون أن الحرب ستكون طويلة، وأن تكون هناك استعدادات في حال استهداف الكهرباء والاتصالات. وقال وهو يضحك إن هذا القرار ليس له مثيل، واعتبر أن الجزء الأكبر منه يهدف إلى إرهاب العراق.
ثم تحدث طه محيي الدين معروف واقترح تعبئة إعلامية عبر التلفزيون، كما اقترح تحريك الدول العربية الأعضاء في مجلس الأمن لشجب القرار. وبعد أن صحح طارق عزيز له بأن هذا القرار لا مثيل له لأنه أجاز استخدام القوة العسكرية من قبل دول، علّق الرئيس صدام بأنه سيطالب بتخويل العراق سحق القوات الأمريكية إذا لم تنسحب! ثم ذكر الرئيس ما قاله أمام الشباب العربي، واصفًا كلامه بأنه كان: «يصنّف عليهم، ثم صعدت قوي، ونكعناهم ليجدام!».
ثم طلب عبد الغني عبد الغفور أن يعلن العراق أنه سيستخدم كافة الأسلحة منها الكيمياوي. فذكر الرئيس أنه لديه سلاح كيمياوي قدرته ٢٠٠ مرة من الأسلحة التي استخدمت ضد ايران. ولديه أيضاً أسلحة جرثومية ٤٠ سنة تقضي على الأرض التي تقع عليها. فعلق عزت ابراهيم اذا اذونا نضربهم أنعل أبو العرب.
يبين هذا الاجتماع أن ما قيل علنًا عن أن طائرة الشبح يراها راعي الغنم، وأن حفنة من التراب يمكن أن تمنع الطيار من ضرب أهدافه، كان مطابقًا لما دار داخل الغرف المغلقة. فالدخان، وحرق الإطارات، وحتى بعرور الأباعر، كانت تُطرح فعليًا كخطط لمجابهة طائرات الشبح وصواريخ كروز. كان هناك فارقاً كبيراً بين كلام الأعلام والغرف المغلقة عن القدرة العراقية الحقيقية، فارقاً كان كارثياً على العراق.
هذا التسجيل يعود تاريخه إلى ٧ آب/أغسطس ١٩٩٠، ويبدو أنه الجزء الأخير من الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، والذي نوقش فيه موضوع ضم الكويت. في عدد من المقاطع يكون الصوت غير واضح بسبب اختلاط الأصوات ووجود تشويش في التسجيل نفسه.
يبدأ التسجيل بحديث الرئيس، حيث قال إنه يبحث عن “حل للكويت” إذا بدأ الكويتيون بالمطالبة بالحاجات الأساسية للعيش، والتي كان يخشى أنه لن يستطيع توفيرها لهم. ثم وصف المجتمع الكويتي بأنه “فاسد وباذخ”. وخلال حديثه قال إنه يجب تكليف جهة بإدخال المخدرات إلى شباب الكويت، ويبدو أنه كان يريد إشغالهم لصرفهم عن مقاومة قواته.
وخلال حديث علي حسن المجيد، قاطع الرئيس سائلاً عن شخص يُدعى “الدوسري”. ثم ورد ذكر فيصل الصانع، وهو عضو سابق في حزب البعث رفض الانضمام إلى "الحكومة الكويتية الحرة المؤقتة". وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً ولا يُعرف مصيره بدقة.
ويبدو من التسجيل — رغم التشويش — أن الرئيس قال إنه يريد "بشر" من الكويتيين “يقعدون وراء الكرسي” بشرط ضمان ولائهم الكامل، وأنه إذا لم يتوفر مثل هؤلاء فعليهم المضي فوراً نحو الوحدة بغضّ النظر عن أي اعتراضات. ووصف الوحدة بأنها ستكون “وحدة الفقراء مع التجار”.
كما ذكر الرئيس وجود شخص “يجب قطع رأسه”، لكن هوية الشخص غير واضحة. ثم تحدّث علي حسن المجيد عن حوار مع شخص آخر. وذكر الرئيس أيضاً اسم عبد العزيز الرشيد، ويبدو أنه لم يرغب به.
ويؤكد الرئيس خلال التسجيل أنه "دافع عن العراقيين" باجتياح الكويت. وفي السياق نفسه وصف علي حسن المجيد الكويتيين بأنهم “كلهم فاسدون”.
بعد ذلك سأل الرئيس عن معنى "الوحدة الاتحادية"، فأوضح طارق عزيز أنها تعني: جيش واحد، وسياسة خارجية واحدة، واقتصاد واسع تديره الدولة أو بخصوصياته، وأمن عام واحد، وحكومة اتحاد واحدة، وتمثيل دبلوماسي وسفارات موحدة.
ثم طلب الرئيس من المجتمعين الإجابة بكلمة واحدة عن سؤال حول “مستقبل الكويت”، موجهاً ذلك إلى: مزبان خضر هادي، ثم سعدون حمادي، ثم طارق عزيز، ثم سعدي مهدي صالح، ثم علي حسن المجيد الذي أبدى رأياً يدعو إلى وحدة اندماجية، ثم لطيف نصيف جاسم، وأحمد حسين، ومحمد حمزة الزبيدي.
والصوت غير واضح تماماً، لكن يبدو أن أغلب الآراء كانت مع الوحدة الاندماجية باستثناء سعدون حمادي وطارق عزيز اللذين مالا إلى اتحاد فدرالي.
بعد ذلك طلب الرئيس من “الحكومة الحرة المؤقتة” أن توجه رسالة تطلب فيها الوحدة.
ثم تحدث الرئيس بنبرة تهديد شديدة، قائلاً:
"وإذا بعد أسمع واحد يفتح لسانو وما تقطعوه من الزردوم… أغيركم كلكم بما فيهم قائد الحرس الجمهوري… صرتوا عراقيين كواوِيد… اللي يفتح… تكلوله… أفتح حلك وتحطّوا كل الرصاص بحلوكهم… هِيچِي تُقاد الأمم بالظروف الصعبة… مو بالعيني والأغاتي".
ثم طلب الرئيس حضور الكادر الحزبي من عضو فرع فما فوق، وطلب من سعدي مهدي صالح دعوة المجلس الوطني “هساع بهاي الليلة” من التلفزيون. وبعد ذلك وجّه علي حسن المجيد بالتوجه إلى الكويت.
ومن خلال هذا التسجيل، بالرغم من ضعف الصوت، يتبين الفرق الكبير بين ما كان يقوله الرئيس علناً وما كان يقوله خلف الأبواب المغلقة؛ فخلال سنوات الحرب مع إيران كان يثني على الكويت حكومةً وشعباً، لكنه هنا يصف المجتمع الكويتي بالفساد والبذخ، ويبحث صراحة عن وسائل لإيذاء شبابهم بإدخال المخدرات إليهم.
ومن هذا التسجيل والتسجيلات السابقة المتعلقة بضم الكويت، يمكن القول إن الادعاء بأن الرئيس كان “مستمعاً جيداً” هو ادعاء غير دقيق.فكما اتضح من خلال هذه التسجيلات أن المساحة التي أعطاها الرئيس لمعاونيه في إبداء الراي كانت محدودة للغاية، ففي اجتماعه مع وزرائه، قبل أن يسألهم رأيهم في موضوع ضم الكويت، أخبرهم أن القيادة قررت الضم، ثم طلب رأيهم بعد ذلك. فمن كان يجرؤ على الاعتراض وهو يتذكر مصير رفاقهم في قاعة الخلد؟
وفي الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، لم يُتح للمجتمعين مناقشة قرار الضم نفسه؛ بل سُمح لهم فقط بمناقشة شكل الوحدة بعد الضم، بعد أن أعلن الرئيس قناعته بوحدة اندماجية للكويت في العراق “وينشال كل شي من السجل”، وأن "الحكومة الحرة المؤقتة" ستطلب “عودة الجزء إلى الكل”.
وكما ذكرتُ في تعليقي على الجزء الأول من تسجيل الاجتماع، فإن طريقة صناعة قرارات مجلس قيادة الثورة كانت واضحة: الرئيس يعلن ما يفكر به، وعلى المجلس الموافقة — “وهذا هو”، كما قال في ذلك التسجيل.
حتى واحد من أخطر القرارات في تاريخ العراق الحديث — قرار ضم الكويت — لم يكن قراراً جماعياً، بل كان قراراً فردياً خطّط له الرئيس ونفذته قواته، وما على المجلس إلا الموافقة على القرار وتبعاته.
كان كل ما سُمح به للمجلس هو مناقشة أشكال الوحدة فقط، دون أي نقاش حول أصل القرار. لذلك يمكن القول إن الرئيس في القرارات المصيرية لم يكن مستمعاً جيداً كما صُوّر، بل كان — كما قال أحد المعلقين على تسجيل سابق — “ لا يريد أن يسمع إلا صدى صوته”.
ويظهر من التسجيل أيضاً تهديده المباشر لمعاونيه بفقدان مناصبهم إن لم ينفذوا ما يريد، كما قال: “أغيركم كلكم… حتى قائد الحرس الجمهوري”.
وأخيراً، يكشف التسجيل، ما كنا نعرفه عن “فلسفته في قيادة الأمم”، لكننا نسمعه يقولها بصوته: قطع الألسنة من الزردوم، والرصاص في الحلوك لكل من يخالفه.
التسجيل من غير تاريخ لكن واضح أنه في السبعينات عندما كان الرئيس صدام بمنصب النائب، وهو مجتمع مع أشخاص بدا من لهجتهم أنهم فلسطينيون.
يبدأ التسجيل بحديث أحد هؤلاء وهو يوجه سؤالاً للنائب: كنتم قد ذكرتم أنكم ستلزمون الأقطار العربية بتنفيذ قرارات قمة بغداد (١٩٧٨)، وإذا ترددوا في التنفيذ تعالوا لنا ونحن نقوم بهذه المهمة، حتى الآن ما في التزام. وقلتم إن من لم ينفذ قرارات القمة يعتبر خائناً. السؤال: ما هي الإجراءات التي ستتخذ بحق هذه الأنظمة العربية التي لم تلتزم بهذه القرارات؟
فأجاب النائب أنه قد أعلن ذلك، وقبل مؤتمر الوزراء قال إنه سيحرض شعوب (تلك الأنظمة) ويمدها بكافة الإمكانات لإسقاط تلك الأنظمة. ثم أشار ذلك الشخص إلى أهمية مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية لصفقة الخيانة (يقصد كامب ديفيد) من قبل الأنظمة العربية، ودعاه إلى أن يكون للعراق دور في موضوع إلزام الأنظمة العربية بمقاطعة الولايات المتحدة. ثم تحدث شخص آخر وطلب الوقوف بموقف حازم ضد التسوية.ثم تحدث النائب، وقال إن الموقف من الأنظمة التي تسير طريق السادات في الخيانة ومحاسبتهم هو منهج للجماهير والحركات الثورية وبدرجة أخرى للأنظمة الوطنية. وذكر أنه لن يخجل إذا تم مسك صفقة أسلحة ويقال إنها آتية من العراق ضد النظام السوداني وسيقولها من الإذاعة. ووصف النظام السوداني بالخيانة لوقوفه مع السادات. وقال إن أي حاكم لن يلتزم بقرارات قمة بغداد سيُعتبر خائناً كالسادات.ثم وجه كلامه لهؤلاء الأشخاص واعتبرهم مناضلين في منظمة جماهيرية، وطالبهم أن يقولوا إن النميري خائن كالسادات، وأن يصرّحوا أن شعب (السودان) مطالب أن يثور عليه، وأن يصرّحوا أنهم سيطاردون النميري كالسادات أينما شاهدوه.ثم ذكر أنه لا يخجل إطلاقاً إذا أراد أحد منكم أسلحة ويريد قتل النميري أن يستلم هذه الأسلحة من سفارتنا في فرنسا. ويُكتشف السلاح أنه مُرسل عن طريق سفارتنا في فرنسا وبحقيبة السفير رسمياً ويقال: أُرسل من العراق. ونقول: نعم، أُرسل من العراق ولقتل النميري الخائن المجرم، مثل ما نفعل مع السادات. وذكر أن الحد الأدنى أن الأرض لا تُعطى للأجنبي.ثم ذكر أن الوضع الجماهيري العربي النفسي قد انتكس بعد توقيع كامب ديفيد، لكنه تحسن بعد اللقاء العراقي–السوري وقرارات قمة بغداد. وذكر أن ما يقلقه هو هجوم عسكري من إسرائيل على سوريا والأردن. وذكر أنه كان لديه تصميم ونية لعلاقة من نوع جديد مع سوريا، وأن ما يريده للعلاقة مع سوريا هو علاقة وحدة. وقد تم تسليم سوريا دستور وحدة كما نتصوره ووثيقة كاملة لوحدة الحزب كما نتصوره. وذكر أنه سيبدأ بحثاً تفصيلياً لإقامة الوحدة، وأن الوحدة مع سوريا للأمة، للنضال، للثورة، ولمواجهة العدو الصهيوني.وشدد — وهو يضرب بيده على الطاولة — أنه لن يقبل بدون مقاطعة حقيقية للسادات، وأنه ليس لديه أي مرونة تجاه تطبيق قرارات قمة بغداد. كذلك رفض ما دار في مؤتمر جنيف من مباحثات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لإيجاد تسوية وحل للصراع العربي–الإسرائيلي. وذكر أنه يتصور حرباً طويلة مع إسرائيل في دولة الوحدة مع سوريا على أساس أشهر طويلة، وأنه يريد سلاحاً من الاتحاد السوفيتي يمكنه من ضرب المنشآت المدنية في إسرائيل لردع إسرائيل كي يضمن الحرب الطويلة ويستنزف العدو بأنهار من الدماء. وأنه مستعد أن يخسر الآلاف في هذه الحرب. وذكر أنه خسر ١٦٬٠٠٠ شهيد في حرب الشمال وكان مستعداً لخسارة ٢٠٬٠٠٠ شهيد.وبرر تنازله عن شط العرب بأن هذه مرونة مطلوبة في العمل الثوري ولقلة السلاح، وادعى أنه حصل على أرض بمساحة البحرين بتنازله عن نصف شط العرب. كما بدا من التسجيل فأن قاعدة العمل السياسي المحلي، وهي استخدام العنف والقسوة داخل البلاد، كان النائب — والرئيس فيما بعد — قد جعلها قاعدة في ممارسة السياسة الخارجية. ولأن قدرته كانت محدودة في البدء فقد اقتصرت على عمليات الاغتيال أو الدعوة لها قبل أن تتحول إلى الحروب كوسيلة لحل الخلافات مع الدول. والنائب هنا أكد لنا ما كنا نعرفه عن السفارات العراقية في الخارج في تلك الفترة، وهو أنها كانت وكراً للمخابرات، منه تنطلق عمليات اغتيال وتصفية المعارضين، وأن الحقيبة الدبلوماسية استُعملت لنقل الأسلحة والمتفجرات إلى الخارج.لا أعرف أن ما ذكره النائب عن اتفاقية الجزائر كان صحيحاً، أن العراق استعاد أرضاً بقدر مساحة البحرين، لكن الأكيد أنه تنازل عن نصف شط العرب، وهو تنازل لم يقدم عليه أي من السياسيين الذين سبقوه منذ العهد الملكي، وهو ما كان الشاه وإيران تسعى إليه في العقود السابقة للاتفاقية. والمفارقة أن النائب يصف من تنازل عن الأرض للأجنبي بالخائن، وهو فضّل أن يتنازل للأجنبي عن نصف شط العرب على أن يتفاوض مع أبناء بلده من الكورد.أما العلاقة مع سوريا، فقد نقضها كما نقض التحالفات أو البيانات التي عقدها مع مصطفى البارزاني أو الحزب الشيوعي أو الشاه وكبيانه القومي فيما بعد عندما غزا الكويت. وعقد التحالفات ونقضها جزء لا يتجزأ من سيرة حياته، فهي ضرورية عندما عقدها وضرورية عندما نكثها.
هذا التسجيل يعود تأريخه ليوم ١٩٩٠/٨/٧ ترأس فيه صدام حسين اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية. يبدأ التسجيل بطلب الرئيس ببلورة موقف قانوني من احتمال مقاطعة تركيا والسعودية للعراق ومنع تصدير النفط من قبلهم نتيجة لصدور قرار مجلس الأمن ٦٦١ (٦ أب ١٩٩٠)، أي قبل يوم واحد من تأريخ هذا الاجتماع، والذي فرض حظرًا اقتصاديًا شاملًا على العراق، وطالب الدول الأعضاء بالامتناع عن أي تبادلات تجارية معه، باستثناء السلع الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية.
في هذا الاجتماع أشار طارق عزيز إلى رسالة بعثها الرئيس صدام إلى غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك، بعد الغزو يعاتب فيها الاتحاد السوفيتي على موقفه تجاه العراق بعد غزوه للكويت، والجواب كان مطالبتهم للعراق بتنفيذ قرار مجلس الأمن ٦٦٠ والذي طالب العراق بالانسحاب من الكويت.
وتطرق طارق عزيز إلى مقابلة الرئيس صدام بالقائم بالأعمال الأمريكي جوزيف ولسن في ١٩٩٠/٨/٦، والذي فوجئ بلقائه بالرئيس.
وخلاصة ما ورد في اللقاء، والذي نشرت محضره وسائل الإعلام العراقية فيما بعد، أن العراق لن يضر بمصالح الولايات المتحدة، وأن العراق لن يهاجم السعودية. وأعاد الرئيس قوله إنه لم يخدع حسني مبارك، وأن ما قاله هو أنه لن يستخدم القوة قبل انعقاد مؤتمر جدة فقط، ولم يقل إنه لن يستخدمها مطلقاً. وهذا انتقاد وجهه حسني مبارك للرئيس، وحسب ما قيل عن ذلك اللقاء أن الرئيس أخذ حسني مبارك جانباً وقال له ذلك من دون وجود أحد غيرهم. ومبارك شدد أنها ليست الحقيقة وأن صدام خدعه. ما هي الحقيقة؟ أعتقد لن نستطيع معرفتها، إذ لا يوجد تسجيل يؤكد أو ينفي ما قاله الرئيس. وتخميني أنها كانت خدعة مقصودة لطمأنة الكويتيين ومنعهم من طلب مساعدة عسكرية قبل الغزو كما حدث في زمن عبد الكريم قاسم.
وفي لقائه مع القائم بالأعمال الأمريكي، ذكر طارق عزيز أن صدام قال له إنهم إن استخدموا القوة العسكرية ضد العراق فإنهم سيهزمون.
درجة الوهم والغرور لدى الرئيس وصلت إلى حد قوله للقائم بالأعمال الأمريكي إن الأمريكان، أقوى دولة في العالم، وبعد فترة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي، سيُطردون من منطقة الشرق الأوسط كلها! وهو وهم وقع فيه الرئيس وردده طوال الأشهر الستة التي سبقت المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، ويبدو من التسجيل أنه كان مقتنعاً به منذ بداية الغزو إن لم يكن قبله.
وذكر طارق عزيز أن أقصى ما استطاع العراق فعله دبلوماسياً للتصدي للقرار ٦٦١، قرار المقاطعة الاقتصادية الشامل، هو أن كلمة "العدوان" رُفعت من نص القرار، وأن القرار صدر بالنص الأمريكي المقدم.
وذكر الرئيس أنه سيسمح للكويتيين الراغبين بالمغادرة بالخروج، وأنه سيستبدلهم بـ"ولد مدينة صدام" حسب قوله، وأنه سيقول للعراقيين بعد فترة: "اصبروا، وستنالون الكثير من الخيرات"، وحتى "المتوفون منهم سيحصلون على شيء". وهو وهم آخر وقع فيه، إذ تصور أن الأمريكان سيسمحون له بالحصول على ثروات الكويت.
واستمر الرئيس في حديثه الواهم، قائلاً إن الرغبة الإنسانية في العداء تقل بمرور الزمن، وبالتالي لن يكون هناك رد عسكري على احتلاله للكويت. وتصور أن الرد العسكري سيكون عبر الطائرات فقط، وأن هناك سيكون رد فعل شعبي عربي إذا حصل الرد العسكري على العراق، وأن دول الخليج ستنهار كلها.
وعن ادعاء العراق أنه ابتدأ بسحب قواته، ذكر حسين كامل أنه كان يحرك القوات نحو العراق لكنها كانت تستدير وتعود للكويت، وهو انتقاد وجهته الولايات المتحدة للعراق معتبرة أنه غير صادق بادعائه الانسحاب من الكويت. وهنا طلب الرئيس منه التوقف عن ذلك، لأن العراق — حسب تعبيره — "ما لازم يجذب" وأنه عندما يقول شيئاً لابد أن يطبقه.
وأنا أستمع لحديثه، بدت صفة أخرى من صفات شخصية صدام حسين، وهي التناقض؛ فالعراق "لازم ما يجذب"، ولكن كيف يمكن وصف ادعاء العراق بوقوع انقلاب في الكويت من قبل حكومة وهمية أصدرت لمدة ستة أيام بيانات — كان العراق وعلى الأكثر الرئيس نفسه كاتبها — بغير أنها سلسلة أكاذيب؟
وذكر الرئيس في الاجتماع فكرته من محاولة ربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من فلسطين كمعركة إعلامية. وذكر للمجتمعين أنه يؤمن بـ اندماج كامل للكويت في العراق "وينشال كل شي من السجل" بعد تحديد حدود الكويت برقعة صغيرة. وأن الحكومة الكويتية المؤقتة ستطلب "عودة الجزء إلى الكل"، وكان كلامه بصيغة بيان سيصدر باسم الحكومة المؤقتة. ثم قال إن مجلس قيادة الثورة سيوافق على طلب الحكومة المؤقتة. ومن خلال هذا التسجيل يتضح كيف كانت قرارات مجلس قيادة الثورة تصدر: الرئيس يتحدث بصوت عالٍ عما يدور بخلده وعلى المجلس الموافقة — "وهذا هو" حسب قوله.
حتى أخطر قرار واجهته الدولة العراقية في تاريخها الحديث، القرار الكارثي، كان قراراً فردياً فكر به ونفذته قواته، وما على مجلسه إلا الموافقة على تبعاته.
وبعد حديثه عن اندماج الكويت، كل ما سمح لمجلس قيادة ثورته وقيادته القطرية بالحديث عنه بخصوص الكويت هو أشكال التوحد فقط. ثم تحدث طه ياسين رمضان فردد ما قاله رئيسه. ويبدو من نهاية التسجيل أن صدام تركهم يتحدثون فيما بينهم! وكأنه غير مهتم بما سيقولونه!
يعود تاريخ هذا التسجيل إلى أيلول ١٩٧٨، خلال اجتماعٍ مع مكتب الثقافة والإعلام. المتحدث الأول فيه هو طارق عزيز، ثم تلاه في الحديث النائب صدام حسين.
في بداية التسجيل تحدث طارق عزيز عن صراع حزب البعث مع ياسر عرفات في تلك الفترة، السبعينات. ووصف قيادة منظمة التحرير بالرجعية وبأنها ماشية في خط التسوية. واشار طارق عزيز في التسجيل الى أن العراق كان رافضاً لخيار التسوية، أو ناطوط حسب وصفه.
وكخلفيةٍ لما دار في هذا التسجيل، لا بد من الإشارة إلى أن حزب البعث كان قد رفع شعار أن القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، واتخذ من علم فلسطين علمًا للحزب، غير أن هذا الشعار وُضع على المحكّ عندما شنّ الجيش الأردني هجومًا على المقاومة الفلسطينية في أيلول ١٩٧٠.
كان لدى العراق في تلك الفترة نحو ١٧ ألف جندي ومئة دبابة متمركزة في المنطقة التي دارت فيها المعارك، إلا أن الجيش العراقي لم يتدخل رغم ضغط الشارع والقاعدة البعثية، بل إنه فتح الطريق أمام الجيش الأردني لتنفيذ عملية على خط انسحاب المقاومة نحو الشمال.
وقد خلق هذا الموقف، كما اعترف التقرير القطري الثامن، "وضعًا خطيرًا ومشاعر متناقضة داخل حزب البعث"، إذ لم تستطع القاعدة الحزبية تقبّل التفاوت الفاضح بين الضجة الإعلامية الداعمة للفلسطينيين والموقف العملي المتخاذل على الأرض.
ولأن القضية الفلسطينية قضية مركزية، لم يترك حزب البعث، بفرعيه السوري والعراقي، المجال للفلسطينيين لتقرير مصيرهم بأنفسهم. فقد أسّس النظام السوري منظمة الصاعقة الموالية له، بينما أنشأ النظام العراقي جبهة التحرير العربية التابعة له. كما دعم العراق جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس، إضافةً إلى دعمه أبو نضال (صبري البنا)، الذي كان يشغل منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في بغداد.
بعد حرب تشرين ١٩٧٣، شهدت الساحة الفلسطينية انقسامًا واضحًا، إذ بدا أن ياسر عرفات يميل إلى خيار التفاوض لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية. وقد أدى هذا التوجه إلى انشقاق عدة فصائل عن منظمة التحرير، التفت حول ما عُرف بـ جبهة الرفض، الرافضة لأي تفاوض مع إسرائيل. ومن أبرز شخصيات هذه الجبهة وديع حداد وجورج حبش وأبو نضال، الذي كان مقيمًا في بغداد آنذاك.
نشبت إثر ذلك تصفيات داخلية بين هذه الفصائل المتناحرة. ويُشير التسجيل إلى حادثة اغتيال سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. ويبدو من التسجيل أن أبو نضال أبلغ السلطات العراقية بعملية الاغتيال التي نفذتها جماعته، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد أبلغهم قبل تنفيذ العملية أو بعدها.
لم يكتفِ العراق بدعم الفصائل المناهضة لحركة فتح، بل أغلق مكاتب فتح في بغداد وقطع المساعدات عنها. وردّت فتح على ذلك بشنّ هجمات ضد المصالح العراقية، من أبرزها اقتحام السفارة العراقية في باريس في تموز/ ١٩٧٨، حين اقتحم فلسطينيان السفارة واحتجزا السفير العراقي لمدة ثماني ساعات قبل أن يستسلما للشرطة الفرنسية. ويُظهر التسجيل أن صدام حسين، الذي كان نائبًا للرئيس في تلك الفترة، أصدر تعليمات لحرس السفارة بقتل المهاجمين بعد استسلامهم للشرطة الفرنسية ،فقام أحد الحرس باطلاق النار فجرح أحد المهاجمين وقتل شرطي فرنسي مما أدى إلى تدخل الشرطة الفرنسية التي قتلت أحد الحراس العراقيين . كما يتضح من التسجيل أن صدام كان على خلاف حاد مع ياسر عرفات، ووصفه بعبارات قاسية مثل "الخزي" و"طيّح الله حظّه".
ويبدو كذلك أن العراق ردّ على منظمة التحرير الفلسطينية بعد هذه الأحداث عبر جماعة أبو نضال، التي نفذت اغتيال عزّ الدين قلق، ممثل منظمة التحرير في باريس، بعد نحو شهر من حادثة اقتحام السفارة العراقية هناك.
هل لديك وثيقة؟
للاخوة القراء أن توفرت لديكم أي وثائق خاصة بالفترة الممتدة من عام ١٩٦٨ الى عام ٢٠٠٣ الرجاء ارسالها الى العنوان البريدي التالي IQcitizen@yahoo.com