الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

القسوة لدى صدام حسين...... " دولاب الدم"...الجزء الأول



"هه هه هه….. حنه اللي چتلناه" .... اجابة صدام حسين لاستفسار في اجتماع لكادر متقدم من الحزب عن من قتل عبد الرزاق النايف… في اواخر السبعينات.

صادق الرئيس صدام على أوامر أعدام الألاف من الأشخاص والمرجح أنه لم يلتق أو تكن له معرفة باكثريتهم. لكن دولاب الدم الذي قضى على أولئك قضى على أفراد تعرف عليهم خلال فترات مختلفة من حياته. تسليط الضوء على مصير من عرفوه أو عرفهم هو عن كثب ربما يسهم في فهم وتحليل شخصيته في نهاية المطاف.
رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر ولد في تكريت وتخرج من مدرسة المعلمين الأبتدائية معلما في أحدى القرى الريفية ثم التحق بالكلية العسكرية بواسطة مولود مخلص ,دون أن يستوفي شروط القبول فيها فلم يكن حاصلا على البكالوريا, ليخرج منها ضابطا وتنقل خلال عمله في أنحاء مختلفة من العراق ، وبعد تخرجه من الكلية العسكرية لم يعين قائداً لوحدة عسكرية، بل عمل ضابط اعاشة وادارة وتموين. عين بعد انقلاب عام ١٩٥٨ عضوا في أحدى ألمحاكم العسكرية ثم احيل على التقاعد. انضم الى حزب البعث عام ١٩٦١.وصار رئيسا للوزراء بعد انقلاب عام ١٩٦٣.أعلن اعتزال السياسة بعد انقلاب عبد السلام عليه ثم عاد وتولى رئاسة الجمهورية بعد انقلاب عام ١٩٦٨.
قال عنه عبد الكريم فرحان في كتابه حصاد ثورة " لم يكن ضابطاً لامعاً ، فهو من درجة عسكرية أدنى لكنه أعتقل ورفعته صلته بحزب البعث وعلي السعدي" . ومع حكم البكر انفتح الباب على مصراعيه لتعيين الأقارب والاصهار وابناء العشيرة والبلدة والاصدقاء"
وأضاف " لم أشاهده ينفعل أو يغضب ، لكنه لا ينسى وعندما تحين الفرصة ينتقم بقسوة " ووصفه بالرجل الشجاع الذي يهمه بلوغ هدفه بصرف النظر عن الوسيلة".
ويقول عنه حسن العلوي أنه نصف عسكري ونصف حزبي ووصفه بعدم الجاذبية قائلاً " لا أظن أن عبد الكريم قاسم ومهما حاول أن يستحظر أسماء خصومه الذين سيخلفونه كان سيضع أسم البكر واحداً منهم".
وقال عنه هاني الفكيكي " البكر شخصية موهوبة القدرة على توظيف مظهره البسيط وقدراته الفكرية والسياسية المحدودة ، وكثيرون هم أولئك الذين خدعوا به ووسموه بالسذاجة لكنه يستبطن مكراً لا حدود له ، وقدرة على خداع الخصم والغدر به".
ووصفه بالغدر أيضاً عربي فرحان الخميسي وكان طالباً ثم زميلاً له حيث قال “ كان رجلا طموحا انانيا طائفيا، متعصبا دينيا، حيّالا، مراوغا، افكاره قومية بتطرف شديد، علما ان من اقرب اصدقائه كانوا رشيد مصلح ومن بلدته ودورته وعبد اللطيف الدراجي وحسن عبود ومجيد حسين السامرائي وعبدالغني الراوي وجابر حسن وطاهر يحيى الذي هو من دورته ايضا، وكل هؤلاء غدر بهم، الواحد بعد الاخر، وكان حردان التكريتي من طلابه المدللين ايام الكلية العسكرية “
وكذلك كتب علاء ألدين الظاهر “ ان اهم ما تميز به البكر هو الغدر بأصدقائه وزملائه.
فقد نقل لي حاتم مخلص ان حردان التكريتي قبل سفره الى خارج العراق على رأس وفد رسمي زار والده جاسم بحضوره ليقول انه حل كل خلافاته مع البكر حيث كان حردان يعترض على تصرفات الجناح المدني لحزب البعث. فأجابه جاسم مخلص باللهجة التكريتية « وَلْ كِتَلَك »!
وبعد مغادرته العراق اتصل حردان التكريتي بصديقه فاضل العساف الذي كان قد اصبح سفيرا في المغرب بعد نقله من مديرية الشرطة العامة ليطلب منه الاستعداد لمرافقته لحضور اجتماع الهيئة العمومية للامم المتحدة.
ولم يمض يوم او يومان حتى عُزل حردان التكريتي من جميع مناصبه وعندها اتصل بالعساف مرة اخرى ليخبره بأن ( الجماعة في بغداد سفلة لا ينفع معهم شئ ).
وبعد اغتيال حردان التكريتي في الكويت قام العساف بزيارة احمد حسن البكر فتلقاه البكر باكيا وحزينا على مقتل حردان التكريتي معلنا كرهه للسلطة وعن رغبته في الاستقالة. لكن العساف لم يقع في الفخ فقال له ( ان ما حدث حدث وانت لا تزال رئيسا للجمهورية وليس هناك افضل منك في سدة الرئاسة ). واضاف العساف قائلا لي ( كان هناك اربعين جهاز تصنت وتسجيل سري في القصر الجمهوري). كان البكر يذرف بلا شك دموع التماسيح وكان ينوي الايقاع بصديقه الاخر فاضل العساف فقد اوضح عدنان محمد نوري ( قائد القوات الخاصة حينئذ ) بأن الاوامر صدرت مباشرة من القصر الجمهوري بوضع بعض افراد قواته بتصرف القصر الجمهوري المباشر حيث استخدموا لاحقا في اغتيال حردان التكريتي. وفاضل العساف يعرف بقضية اجهزة التصنت والتسجيل داخل القصر الجمهوري عندما كان مديرا للشرطة العام”.
اعتبر الظاهر أحمد حسن البكر متجاوزاً للقوانين العسكرية بمنحه” البعثيين المدنيين رتبا عسكرية عام ١٩٦٣ ووافق مع غيره من قادة البعث على ترفيع عبدالسلام عارف من رتبة عقيد الى مشير وصالح عماش من مقدم الى فريق وحردان التكريتي من مقدم الى زعيم ( عميد ) وقد احتسب لنفسه ولبقية ضباط الانقلاب فترة الاحالة على التقاعد في عهد عبدالكريم قاسم خدمة لغرض التقاعد والترفيع وبهذا حصل هو ورشيد مصلح وطاهر يحيى وغيرهم من ضباط الانقلاب على رتبتين او ثلاثة أعلى.
وبعد انقلاب ١٩٦٨ وافق على ترفيع ابراهيم عبدالرحمن داود من رتبة مقدم الى فريق وحردان التكريتي الى رتبة فريق وعماش الى رتبة فريق اول مع احتساب فترة التقاعد في العهد العارفي خدمة لغرض التقاعد. وشملت هذه القرارت كل الضباط البعثيين. وقام البكر بترفيع حماد شهاب التكريتي الى رتبة فريق من رتبة عميد ومنح رتبة فريق اول للرائد سعدون غيدان. كما منح رتبة نقيب لسائقه العريف والذي اخذ يترفع مع بقية الضباط. وفي عام ١٩٧٦ منح صدام حسين رتبة فريق اول.
لكن البكر نفسه بدا بعد الانقلاب متعففا عن منح الرتب لنفسه بل خدع الناس عندما ظهر برتبة عميد (مع انه رفّع نفسه عام ١٩٦٣ وهو يشغل منصب رئيس الوزراء المدني الى رتبة لواء). لكن هذه الخديعة لم تستمر طويلا. فلم يمض شهران على الانقلاب حتى منح نفسه رتبة المشير بعد تسميتها بـ « المهيب ». وكان سبب هذه التسمية الجديدة النكات التي كانت تطلق على عبدالسلام عارف مثل « المشير الفطير ».
تسائل عبد المنعم الأعسم عن دور البكر في تصعيد صدام حسين فكتب “ هل كان يمكن لصدام حسين، من دون احمد حسن البكر، ان يتسلق هذا السلم الوعر من قاع التنظيم الحزبي الى رئاسة دولة يعرف العالم انها عصية على الحكم وتضم شعبا من اصعب شعوب العالم إذعانا للحاكم، واستسلاما لمشيئته؟
.بل هل ان صدام حسين، الشاب المتهور، قد شق طريقه الى كرسي الحكم، بتلك العُدد السقيمة والرصيد المشبوه والكفاءة المشهود لها في اعمال الشقاوة من دون رضى وموافقة وتدبير احمد حسن البكر؟
وهل كان له ان يلجم صفوة الجنرالات مثل حردان التكريتي وابراهيم الداوود وعبدالرزاق النايف وسعدون غيدان وعبدالعزيز العقيلي وعبدالغني الراوي وصالح مهدي عماش الذين كانوا يمسكون بناصية جيش انقلابي تخلص نهائيا من نفوذ الملكيين واليساريين والكرد والقاسميين والناصريين تباعا وكانوا يديرون مفاتيحه، ويعدوه للقبض على السلطة ؟”
جزء من تساولات الأعسم أجاب عنها صلاح عمر العلي بأيضاح دور البكر الرئيسي في كيفية تصعيد صدام حسين داخل الحزب وداخل الدولة وتعينه بمنصب نائب مجلس قيادة الثورة بحوار مع أحمد منصور من على قناة الجزيرة
“أحمد منصور: كيف صُعِّد داخل الحزب؟
صلاح عمر العلي: داخل الحزب.
أحمد منصور: بعد ثورة ٦٨ وداخل الدولة؟
صلاح عمر العلي: نعم، هو كان عضو في القيادة، كنا نناقش فكرة اختيار نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة.
أحمد منصور: كان هناك نائبين لرئيس الجمهورية، ولكن لم يكن هناك نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة.

صلاح عمر العلي: نعم.. نعم، باعتبار أنه بروتوكولياً إذا غادر الرئيس البكر وهو رئيس مجلس قيادة الثورة سيعني نحتاج إلى من يحل محله كرئيس مجلس قيادة الثورة مثل رئاسة الجمهورية، وكانت الحقيقة بنظرنا أو بتفكيرنا إنه هاي فقرة ليس.. ليس لها قيمة، هي مسألة شكلية، ومع ذلك كان هناك مرشحين غيره لهذا المنصب، وأبرزهم هو صالح عمَّاش بحكم..
أحمد منصور: كان وزير الداخلية..
صلاح عمر العلي: بحكم مؤهلات كثيرة يحملها، لكن حقيقة هنانا هذه القصة اللي يعني أحدثت يعني فاد انعطاف في مسيرة الحزب.
أحمد منصور: ما هي؟
صلاح عمر العلي: في أحد الأيام كنا إحنا في اجتماع، وطرح أحمد حسن البكر علينا الفكرة التالية، قال: أنا يعني أقترح أنه أحد الإخوان أحد المسؤولين أحد أعضاء القيادة يحمل رسائل من رئيس الجمهورية، ويتجه إلى عدد من الدول العربية بهدف تعريف هذه الدول على يعني وضعنا الجديد.
أحمد منصور: بعد كم شهر من الانقلاب؟
صلاح عمر العلي: بأشهر قليلة ثلاث أربع أشهر.
أحمد منصور: يعني نستطيع أن نقول في شهر نوفمبر ٦٨.
صلاح عمر العلي: يعني هي بالـ ٦٨ بعد ما إحنا بالـ ٦٨ ، فطبعاً إحنا استحسنا الفكرة، كلنا هذا شيء صحيح ومطلوب من عندنا، فقال: إذن أنا أقترح إنه الأخ صالح عماش يأخذ رسائل باسم رئيس الجمهورية ونتجه صوب المغرب العربي.. دول المغرب العربي، وهو يحدِّد الأيام اللي يقضيها في كل بلد، يوم، يومين، ثلاثة أيام، يشوف الإعلام، يشوف مثلاً وزير الخارجية، يشوف رئيس الدولة، يشوف، يلتقي مع الناس، يتحاور يعقد ندوة إلى آخره، وبعد أن يعود الأخ صالح أيضاً شخص آخر من بينكم يروح إلى الخليج العربي، فقلنا له: والله فكرة صائبة وممتازة، وإحنا مؤيديها، وهكذا المرحوم صالح عماش أخذ مجموعة رسائل من رئيس الدولة أحمد حسن البكر موجَّهة إلى رؤساء الدول في المغرب العربي، وغادر، بعد مغادرته بيعني إما ثلاثة أيام أو أربعة أيام دعانا أحمد حسن البكر لعقد اجتماع طارئ، والاجتماع الطارئ في الغالب آنذاك كان يعني حدوث شيء استثنائي، شيء طارئ غير اعتيادي..
أحمد منصور: فيه مؤامرة على الدولة، فيه تغيير أساسي سيحدث. نعم.
صلاح عمر العلي: فيه مؤامرة، فيه شيء استثنائي نعم.. نعم، فحضرنا إلى القصر الجمهوري، وكنا نجتمع في إحدى قاعات القصر، وعقدنا الاجتماع وإذا بأحمد حسن البكر يفاجئنا بما يلي بجو من التمثيل المتقن حقيقة، كان..
أحمد منصور: كان يجيده البكر؟
صلاح عمر العلي: والله أجاده إجادة كبيرة حقيقة، مع إنه أنا ما كنت مكتشف عنده ها الصفة هاي، فقال يعني أخذ السيجارة، وأخذ من عندها نفسين ثلاثة ويعني حكى أعرب عن.. عن يعني استيائه أو عن..
أحمد منصور: ممكن تذكر لي من الذي حضر هذا الاجتماع تحديداً؟
صلاح عمر العلي: كافة أعضاء القيادة ما عدا صالح مهدي عمَّاش.
أحمد منصور: اذكر لي عفواً الأسماء مرة أخرى المشاهد ينسى.
صلاح عمر العلي: نعم، صدام حسين، صلاح عمر العلي، عبد الله سلوم، عبد الخالق السامرائي، عبد الكريم الشيخلي، طه ياسين رمضان، عزت.. عزت الدوري، عزت مصطفى، يعني كل.. كل أعضاء القيادة باستثناء صالح مهدي عمَّاش، ما فينا ولا متغيب عن هذا..

صلاح عمر العلي: بعدين صار، المهم ففاجأنا البكر بالقول أنه لديه معلومات قاطعة غير قابلة للنقاش، غير قابلة لكذا للشك أن صالح مهدي عمَّاش يتآمر على الحزب والثورة، وأنا أطلب في هذا الاجتماع اتخاذ القرار المناسب.
أحمد منصور: ما شكل التآمر هذا الذي كان يتآمره عماش؟
صلاح عمر العلي: طبعاً هو أشار إلى أنه أيضاً يكتِّل بعض البعثيين، يعني يتصل بضباط بعثيين على انفراد ويحرضهم على الثورة وعلى الحزب من أجل الإطاحة فينا وفي التجربة..
أحمد منصور: كان الاتهام بالتآمر كفيل وسهل أن تلصق التهمة بأي شخص.
صلاح عمر العلي: أيوه سهل.. سهل صحيح، فطلب من عندنا اتخاذ القرار.
أحمد منصور: ماذا كان رد فعلكم؟
صلاح عمر العلي: سرعان ما انقسمنا إلى فريقين، فريق متمثل بطه ياسين رمضان وعزت الدوري، وبقدر أقل صدام كان يناور بالموقف، وطبعاً أحمد حسن البكر هو صاحب الفكرة، والباقين من الأعضاء يعني يمثلون طرف آخر، الطرف الأول سرعان ما طرح فكرة أنه يجب اتخاذ قرار بإعدام صالح مهدي عماش.
أحمد منصور: اللي هم المجموعة هذه..
صلاح عمر العلي: نعم، الحقيقة..
أحمد منصور: كده إعدامه مش محاكمته ولا التحقيق معاه..
صلاح عمر العلي: إعدام بدون محاكمة.. بدون محاكمة، خلاص بما أنه مسؤول الحزب ورئيس الجمهورية لديه هذه المعلومات ومتوفرة عنده هذه المعلومات إذن يكفي لاستصدار حكم الإعدام، الآخرين اللي إحنا كنا يعني سمِّنا مغفلين أو تسمينا مبدئيين أو سمِّنا ما شئت، أخذنا الموضوع بيعني بمفهوم آخر، أنه هذا مبدأ غير مقبول وغير ممكن، وإذا صار هذا المبدأ معناها كلتنا راح ننعدم بمجرد اتهام، فأخذنا موقف مضاد تماماً، ودخلنا في نقاش حاد للغاية فيما بيننا حول هذا الموضوع، فكان البكر يعني.. يعني يناور بين الطرفين، يحاول ما يظهر ميوله إلى الطرف الآخر، لكن واضح الموقف عنده.
أحمد منصور: كان لديكم قناعة بهذا الاتهام؟
صلاح عمر العلي: لأ، هو هذا اللي دعانا لاتخاذ الموقف يعني أنا شخصياً..
أحمد منصور: شعرتم بقلق ما؟
صلاح عمر العلي: إذا حدثتني إلي أنا شخصياً، أنا قناعتي أنه أي إنسان في القيادة ممكن يتهم بالتآمر إلاَّ صالح عمَّاش، لأني أعرفه عن قرب، وأعرف شو هو مزاجه، وكيف يفكر، الرجل كثيراً ما.. هو عسكري طبعاً.. عسكري قديم هو متمكن وضابط ركن، كثيراً ما كنت أحكي معه على انفراد، أنا كنت يعني أحكي معه أنه أنت يجب ما تنساش نفسك في العمل العسكري لأنه هذا يعني يشكل إلنا صمام أمان وضمان، لكن هو شخص حقيقة ذو ثقافة عالية، ومتنور جداً، وشخص يعني كاتب وشاعر وأديب وعنده إطلاِّع واسع جداً بالشؤون السياسية العربية والدولية، لذلك ما كان يهتم بهاي المسألة هاي نهائياً، كان شخص يعني طموحه محدود، تفكيره في هاي المسائل يعني شبه مقتول، الواقع لأنه إحنا مقتنعين إنه آخر من يتهم.. من يستحق هذا الاتهام صالح عمَّاش، لذلك إحنا سرعان ما..
أحمد منصور: أرجو أن تذكر لي هنا بشكل واضح مَن الذين وقفوا في هذه الجهة؟ ومن الذين وقفوا في هذه الجهة؟ لأنه من الواضح أن هذه الجلسة حددت مسار الحكم في العراق إلى ٩ أبريل ٢٠٠٣.
صلاح عمر العلي: مضبوط.. من هنا.. من هنانا بدأت نكبة العراق، بل نكبة الأمة العربية، الطرف الأول اللي يعني رفعوا شعار إعدام صالح عمَّاش هو طه ياسين رمضان وعزت الدوري، عزت إبراهيم الدوري.
أحمد منصور: وكلاهما كوفئ من صدام بعد ذلك.
صلاح عمر العلي: نعم، بالدرجة الأولى، صدام طبعاً مثلما قلت لك وأحمد حسن البكر كان يناوروا بحيث يريدوا تطلع من الآخرين مش من عندهم.
أحمد منصور: كأن هناك توزيع أدوار..
صلاح عمر العلي: نعم، نعم.
أحمد منصور: شعرتم لحظتها أن هناك..؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا إحنا ما شعرنا.. النتائج أثبتت هذا الشيء، الطرف الآخر اللي كنا صلاح عمر العلي، عبد الخالق السامرائي، عبد الكريم الشيخلي، عبد الله السامرائي، عزت مصطفى، يمكن هذه المهم.
أحمد منصور: تمت تصفية معظمكم.
صلاح عمر العلي: فاحتدم الصراع واحتدم النقاش واحتدم.. وارتفعت أصواتنا، وظلينا قرابة نصف ساعة إحنا نناقش هذا الموضوع، إحنا نرفض وهم يصروا على إنه لازم يعدم، فنفاجئ بأن يطلب الحديث البكر، قال: يا رفاق أنا أقترح أن يؤجل البت في قرار في.. في أمر صالح مهدي عماش، فإحنا اللي واخدين المسألة من منطلق مبدئي وأخلاقي افترضنا إنه هذا الموقف انتصار لموقفنا، وحقيقة حمدنا الله إنه طلعنا من هذا المأزق وهذه المشكلة الكبيرة، وهذا الصدام ربما يقودنا إلى كارثة، فرفُعت الجلسة، بهذا المفصل بعد تقريباً أربعة أيام عندنا كان عندنا اجتماع اعتيادي.
أحمد منصور: لأ، خلال الأربعة أيام هذه، ماذا حدث؟ الآن أنتم في مفصل تاريخي، في تاريخ الثورة والحزب وعلاقتكم ببعضكم البعض، هناك نائب رئيس الجمهورية متهم بالتآمر ومطلوب إعدامه من قِبل البعض والبعض الآخر معترض. صلاح عمر العلي: نعم اعترضنا وأحمد حسن البكر أيَّد.. يعني بالمعنى.
أحمد منصور: أغلقت الجلسة هل توقف النقاش بعد ذلك طوال الأيام الأربعة؟
صلاح عمر العلي: لو سمحت، توقف النقاش طبعاً.. طبعاً..
أحمد منصور: حتى فيما بينكم بعضكم البعض في الخارج؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا ما إحنا يعمل.. طبعاً على جانب ثنائية كنَّا نتحدث مع بعضنا يعني فافترضنا إنه الاقتراح اللي قدمه صالح.. أحمد حسن البكر كان انتصاراً لموقفنا، لأنه لما وافق على تأجيل البت بأمر صالح عمَّاش لغاية ما يرجع، فاعتبرنا هذا انتصار إلنا، وطلعنا لخارج الاجتماع وبدأنا نتحدث على أعقاب هذا النقاش اللي.. الدامي حقيقة فيما بيننا، فالمهم أنه عندنا إحنا اجتماع اعتيادي، هذا كان اجتماع طارئ، الاجتماع الاعتيادي حضرناه، لما حضرنا الاجتماع الطارئ.. الاعتيادي ناقشنا به عدة بنود، عدة فقرات تتعلق بالوزارات، بشؤون الحزب بشؤون الدولة، بشؤون المجتمع،
ثم كانت هناك فقرة مدرجة في الاجتماع.. في جدول الأعمال اسمها اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.
أحمد منصور: وكان عمَّاش لازال في سفره، ولم يبلغه أحد بأي شكل؟
صلاح عمر العلي: لازال في المغرب العربي، لم يبلغه أحد،
وإذا بالبكر يطرح البند مع العلم إنه هذا.. هذه الفقرة كانت مؤجَّلة آخر مرة، باعتبارها غير مهمة، لأنه عندها أشياء أكثر أهمية من عندها، وإذا به يطرح هذه الفقرة ويطلب قال اللي يرشح نفسه لهذا المنصب يتفضل، طيب من فينا يملك الحق أو الجرأة أو.. أو الاستعداد لكي يطرح صالح مهدي عمَّاش، صالح مهدي عمَّاش متهم بالتآمر، كيف نطرحه؟
أحمد منصور: ومطلوب إعدامه من البعض.

صلاح عمر العلي: لاحظت ومع ذلك فوراً رفع إيده طه ياسين رمضان قال أنا أرشح الرفيق صدام، رجع عزت إبراهيم قال أنا أثني على هذا الترشيح..
أحمد منصور: يا سلام..
صلاح عمر العلي: وبما أن المناخ السائد آنذاك حقيقة إنه هذا المنصب هو عبارة عن شيء بروتوكولي شكلي ليس له قيمة.
أحمد منصور: يعني الآن إحنا من هذه الجلسة نفهم ما حدث في العراق بعد ذلك
صلاح عمر العلي: نعم.. نعم..
أحمد منصور: وكيف بقى هذين الرجلين إلى جوار صدام إلى آخر لحظة.
صلاح عمر العلي: نعم.. نعم فمرَّ القرار بهذا الشكل..
أحمد منصور: وأنتم وافقتم ولم تعترضوا.
صلاح عمر العلي: إحنا لا يمكن أن نعترض أولاً..
أحمد منصور: لم تشعروا إن.. إن الاتهام اللي وجِّه لعماش كان تمهيداً لتمرير هذا القرار.
صلاح عمر العلي: أصارحك بالقول يعني كانت بعض الشكوك لكن ما وصلت إلى حد يعني القناعة المطلقة، كانت بدأت شكوك.
أحمد منصور: ماذا كانت مسؤوليات صدام في تلك المرحلة؟
صلاح عمر العلي: كان عضو قيادة قطرية.
أحمد منصور: لم يكن مسؤولاً عن أي شيء في الدولة
صلاح عمر العلي:لأ،لم يكن نهائي..

أحمد منصور: لم تكن بدأت قضية مسؤوليته عن أجهزة الأمن أو ميليشيا الجيش الشعبي التي شكلت؟
صلاح عمر العلي: لا.. لا بعد.. بعد ذلك اقترحنا فكرة يعني فكرة تتعلق بموضوع الأمن، يعني المهم..
أحمد منصور: نكمل هذا المفصل تفضل.
صلاح عمر العلي: اسمح لي أن.. أن أشرح هذه المسألة لأن حقيقة هي هاي..
أحمد منصور: هذا مفصل تاريخ العراق طوال..
صلاح عمر العلي: هاي المحطة اللي هي انطلقت من عندها كل الكلام اللي فات، فأصبح صدام نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وأحمد حسن البكر هو رئيس مجلس قيادة الثورة، الاثنين من نفس الأسرة ومن نفس العشيرة، خير الله طلفاح اللي هو خال صدام وابن عمة أحمد حسن البكر بدأ يلعب على وتر أو هو قبل الآن حقيقة كان يلعب على وتر تخويف أحمد حسن البكر من المستقبل، البكر..
أحمد منصور: كان وضع خير الله طلفاح أيه؟
صلاح عمر العلي: خارج السلطة وخارج الحزب، ما له علاقة، كان محافظ في بغداد.. محافظ بغداد، بس بدأ يدخل. أحمد منصور: كانت مؤهلاته تسمح له أن يكون محافظ؟
صلاح عمر العلي: والله هو عسكري قديم وكمِّل حقوق أيضاً فيما بعد بوقت متقدم وكان مدير بالتربية والتنمية.. أحمد منصور: كان صدام تزوج من ابنته آنذاك؟
صلاح عمر العلي: هو متزوج من ٦٣ حينما كان في القاهرة، فالمهم أنه البكر.. خير الله طلفاح بدأ يخوف أحمد حسن البكر، لأنه أحمد حسن البكر كما معروف أنه أول ضابط من الضباط الأحرار يُعتقل على.. على يد عبد الكريم قاسم بعد ثورة ٥٨ ، ثم أحمد حسن البكر هو الذي خطط لما سُمي بثورة ١٤ رمضان عام ٦٣ ، وطبعاً أُطيح به على يد عبد السلام عارف اللي جابه من بيته وحطه رئيس جمهورية، ثم هذه المرة الثالثة فكان خير الله طلفاح يضرب على هذا الوتر.. الوتر الحساس
أنه عليك أن تستفيد من تجاربك السابقة، وعليك أن لا تكرر الأخطاء والفشل، وعليك أن لا تصبح أضحوكة أمام الآخرين، يجب أن ها تكون هذه فرصتك الأخيرة وحتى تكون فرصتك الأخيرة عليك أن تعتمد على الأسرة وليس غير، وشوف.. شوف حولك، كل النظم المستقرة هي النظم اللي تعتمد على الأسرة، وبالتالي إذن من حسن الحظ أنه وياك عضو في القيادة كأنه ابنك تقدر تربيه على.. على إيدك وتُهيِّئه في الوقت المناسب ممكن يكون هو بديلك، فأحمد حسن البكر تركبت في رأسه هذه.. هذه الفكرة خشية وخوفاً من أن تتكرر التجربة، فبدأ ينسق مع صدام، وتقاسموا السلطة وأصبحنا من الناحية الواقعية مجرد موظفين في.. لدى صدام حسين وأحمد حسن البكر.
أحمد منصور: متى بدأ نفوذ صدام بعد هذا التعيين في ٦٨ ؟
صلاح عمر العلي: فوراً..
أحمد منصور: فوراً.
صلاح عمر العلي: فوراً رأساً انتقل إلى بناية المجلس الوطني وأحمد حسن البكر في بناية القصر الجمهوري، وتقاسموا السلطة وبدأ كلاهما يمارس السلطة من ماله، فوراً. إحنا طبعاً.. أحمد منصور: انتبه صدام إلى هذه النقطة وبدأ يمسك الأجهزة الأمنية في يديه.
أحمد منصور: نريد أن نعرف الآن.. سأعود يعني ستأتي كل هذه الأشياء تباعاً، ولكن نريد أن نعرف مصير صالح مهدي عمَّاش المتهم بالتآمر ماذا كان مصيره؟
صلاح عمر العلي: نعم، صالح عماش بعد فترة.. بعد أن انتهت مهمته عاد إلى بغداد، ونزل في المطار العسكري الرشيد. أحمد منصور: كم امتدت مهمته تقريباً؟
صلاح عمر العلي: والله تقريباً عشرة أيام أو أكثر، فالرئيس البكر اتصل فيَّ وطلب من عندي أن أخرج إلى المطار لاستقباله وطلعت لاستقباله..
أحمد منصور[مقاطعاً]: لم يُطرح مرة أخرى قضية إعدامه والعقاب وبعد اختيار صدام؟
صلاح عمر العلي: أبداً، لم يُطرح نهائياً أنا خليته عندي بسيارتي الشخصية، وكنت أنا أسوق وهو جالس جنبي، حتى وصل البيت، وفي الطريق حكيت معه حول الاجتماع وما دار به، طبعاً قبل أن أطرح الموضوع، أنا بجو من الظرافة أو النكتة أو كذا، يعني تطلعت في صالح وقلت له يا صالح كيف أنت تسمح لنفسك أن تتآمر على الحزب وعلى الثورة؟ فهو صُدم، يعني فوجئ بالقصة، قال لي يعني شو ما القصة يعني، أنت جاد بالموضوع أم تمزح؟ قلت له حصل اجتماع وحكيت تفاصيل الاجتماع، فحضر رأسك للإعدام صالح تطلَّع فيَّ، تطلع فيَّ جيداً فسألني قال لي: أتمكن أن أعرف شو اللي حصل بعد، يعني فترة غيابي؟ حكيت له كثير من الأمور، يعني أصدقك القول أنه تقريباً نسيت مسألة اختيار صدام كنائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كرَّر السؤال علىَّ أكثر من مرة، فقلت له: والله عُين صدام نائب لكذا، فابتسم بوجهي، قال لي: إذن مؤامرتي انتهت، قلت له شو بتقصد مؤامرتك انتهت؟ قال لي هي مؤامرة صدام وأحمد حسن البكر على صالح مهدي العماش، وليس العكس وراح تشوف أنه هذا الموضوع انتهى وبالفعل في أول اجتماع نحضر، ويحضر صالح عماش معنا، وإذن بأحمد حسن البكر يقرأ البنود..
أحمد منصور: محضر الاجتماع.
صلاح عمر العلي: محضر الاجتماع، وكان موجود به عدة نقاط ما عدا هذه المسألة كانت مغيبة، وإحنا..
أحمد منصور: إذن كانت المؤامرة هدفها الأساسي هو تمرير وصول صدام حسين، ليصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، حتى لو أدى هذا إلى إعدام شخص أو قتل آخر من الأشخاص، شعرت أيه وقتها؟
صلاح عمر العلي: هذا صحيح، والله ما أكذب عليك يعني منذ تلك الجلسة بدأنا.. ليس أنا فقط إنما يمكن أنا أكثر واحد بهم شعرت بأني أنا خارج هذه اللعبة، خارج كل العمليات، خارج الحزب، خارج العمل السياسي، خارج مسؤولياتي، أصبحت أشعر بغربة شديدة جداً تجاه رفاقي".

كما يظهر من حديث صلاح عمر العلي أن الرئيس البكر لعب دوراً في تصعيد قريبه صدام وربما عملا بنصيحة خيرالله طلفاح فنصب صدام بذلك المركز و همش دور كل من صالح مهدي عماش وحردان التكريتي كي لاتفلت السلطة منه مرة أخرى.
وبعد ذلك التعيين كان هناك تعاوناً وتفاهماً ما بين البكر وصدام على تقسيم الأدوار فيما بينهم ، فمسؤولية صدام كانت الحفاظ على سلطة البكر وبقاءه في الموقع الأول ولتحقيق ذلك الغرض تمت عملية تصفية وابعاد الكثير من العسكريين والحزبيين وبموافقة البكر نفسه كأبعاد عماش وحردان ومن ثم اغتياله واعدام رشيد مصلح واغتيال عبد الكريم نصرت وفؤاد الركابي وسجن طاهر يحيى وعبد الكريم فرحان وعبد العزيز العقيلي كلها تمت في أوائل حكم البكر حيث كان يتمتع بسلطة لاشك كانت أكثر من صدام وتلك العمليات تمت على الأكثر بموافقة البكر ورضاه.
ويعتقد الدكتور علي كريم سعيد في كتابه ٨ شباط أن البكر أعتقد أن نائبه صدام كان مقتنعاً بالمركز الثاني وان تصفيات الخصوم كانت تصب في مصلحة البكر نفسه للحفاظ على السلطة. لكن في النهاية صبت تلك التصفيات في مصلحة النائب بتقوية موقعه وبالسماح له بالسيطرة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية الخاضعة لسيطرة النائب في نفس الوقت الذي تم فيه أضعاف الجيش وبالتالي مصدر قوة البكر وسلطته.
بعد تلك التصفيات التي ذكرناها وضع النائب صدام الرئيس البكر نفسه تحت مراقبته بأحلال طارق حمد العبدالله محل شفيق الدراجي كرئيس الديوان الذي أبعد كسفير للسعودية،
ثم قام باضعافه بتصفية رجال البكر حيث قتل محمد أبن البكر بحادث سيارة، وتصفية الأخوين مظهر ومنذر المطلق زوجي بنتي البكر ، الأول باغراق سيارته في نهر دجلة وموته بداخلها والثاني بابعاده سفيراً الى الأرجنتين.
وعين عدنان خير الله كوزير للدفاع وهو المنصب الذي تولاه البكر بعد مصرع حماد شهاب .

ونتيجة لذلك ضعفت سلطة البكر ولم يبق له من سلطة سوى الكرسي وهو على الأكثر شعر بذلك حيث ذكر الدكتور جليل العطية في كتابه فندق السعادة
"في تموز ١٩٧٧ عدت الى بغداد نهائياً بعد انتهاء مهمتي.
ومرة أخرى التقيت الرئيس البكر.
تمت المقابلة في دار أحد الأصدقاء :
وفجأة سألني:
-لماذا عدت؟
-انتهت المدة الرسمية يا سيدي.
عندها شتم طارق عزيز الذي كان مسؤولا عن الأعلام.
ثم اعترف لي بما يشبه الهمس قائلاً :-الأمور فلتت، ولم أعد أملك ألا الأسم! قال هذا بأسى متطلعاً الى صورة تتصدر الصالة التي كنا نجلس فيها!
( كانت الصورة تضمه والسيد النائب صدام)
نصحني البكر بالعودة الى الخارج بأي ثمن ووعدني بالمساعدة وتم ذلك فعلاً".
كيف ومتى شعر البكر أن دور التنحي عن السلطة قد حان هو شي غير معروف ، عدا ما ذكره الدكتور جواد هاشم في كتابه مذكرات وزير عراقي عن عقد اجتماع في دار البكر
حضره "البكر وهيثم بدعوة من خير الله طلفاح لبحث أمر هام: استقالة البكر وتنحّيه عن جميع مناصبه، وإحلال صدام حسين محله في تلك المناصب.
اعترض البكر على هذه الطريقة في التعامل، ولم يوافق على ما اقترحه صدام وعدنان خير الله ابن خال صدام وشقيق زوجته وزوج ابنة البكر.
تأزم الموقف، وسحب هيثم مسدسه وأطلق رصاصة واحدة أصابت عدنان خير الله بخدش بسيط في يده.
تدخل طلفاح لتهدئة الحالة، وبقي البكر رافضاً الاستقالة، لكنه رضخ أخيراً بعدما أفهمه صدام أنه لم يعد يمتلك أي سند أو شفيع لا في الجيش، ولا في أجهزة المخابرات، ولا حتى في الحرس الجمهوري.
كانت كل تلك الأجهزة والتشكيلات قد أُفرغت من مؤيدي البكر وأعوانه.
قبل البكر ووقّع على خطاب كان قد أُعد له ليذيعه شخصياً عند الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه من إذاعة بغداد وتلفزيونها".
لم يذكر أحداً سيرة ذلك الأجتماع سوى جواد هاشم ولم يذكر مصدر معلوماته في ذلك الكتاب.

في عام ١٩٨٢ حين توالت الهزائم العسكرية انتشرت اشاعة أن البكر قد يعود للسلطة حيث كانت أحدى شروط ايران لايقاف القتال هي تنحية الرئيس صدام عن السلطة وعلى الأكثر أن الرئيس صدام وصلته هذه الأشاعة وربما كان هذا سبباً لمهاجمته للبكر في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث عام ١٩٨٢ حيث ذكر تايه عبد الكريم وزير النفط السابق
" فى ذلك الاجتماع لأول مرة اشعر بان الرئيس صدام حسين يعبر بطلاقة وبكل صراحة عن موقفه ضد المرحوم أحمد حسن البكر.. قال قولاً لم اكن اتوقعه كان فى حالة اشبه بالانهيار، وكان يشعر بان الامور بدأت تسير فى غير صالح العراق في الحرب، قال: اخاف اروح انا ديروا بالكم ما تنتخبون احمد حسن البكر، احمد حسن البكر ليس , ما له دور فى الثورة، وتحدث حديث غير لائق وقاسي بحق الرئيس احمد حسن البكر، واستدرك قال ان شاء الله انا ما اروح باق.
المحاور: هل سب فى حق الرئيس احمد حسن البكر؟
تايه عبد الكريم: اكبر النيل منه كرئيس دولة وله دور بارز بالثورة ما كان لائق برئيس دولة ان ينال من رئيسه السابق بهذا الحقد والغضب وهو في حالة اشبه باليأس".

انعكس موقف الرئيس صدام من الرئيس البكر والذي ذكره تايه عبد الكريم بتعظيم دور الرئيس صدام واهمال دور البكر بل حتى لم يذكر أسمه في تقرير المؤتمر القطري التاسع حيث أشار الى البكر " بالرفيق الذي يحتل الموقع الأمامي" ، فعن دور الرئيس صدام ورد الأتي " هو صاحب الدور القيادي في تحقيق الأنفجارات التاريخية ، خالق الجبهة الوطنية وقائدها، ومصمم بيان اذار التاريخي والقائد الفعلي لعملية تأميم النفط، والمخطط الأول لعملية التنمية الشاملة،وواضع أستراتيجية البحوث النووية، والقائد الموجه في حقل الفكر والثقافة والاعلام".وهو"لأول مرة في تاريخ الحزب وضع بدقة وبأسلوب خلاق ومتجدد نظرية العمل البعثية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والتنظيم".
وعن التقليل من شأن البكر وخصوصاً بدوره في انقلاب ١٩٦٨ ورد مايلي
"في التحظير ل ١٧ تموز كان الرفيق صدام حسين العقل المخطط ، والمدبر والمحتاط وفي صبيحة ١٧ تموز كان ، وهو المناضل المدني ، يقود الدبابة الأولى التي اقتحمت القصر الجمهوري واعلنت شرارة الثورة. ولكن في يوم ٣٠ تموز ، كان صدام حسين هو قائد الثورة حقاً ، فهو الذي أصر على تصفية قوى الثورة المضادة وبسرعة وهو الذي وضع الخطة وهو الذي اختار ساعة التنفيذ وهو الذي وزع الأدوار وهو الذي قام بنفسه بالضربة الحاسمة وبذلك ولدت الثورة ولادة حقيقية .
أن هذا الدور القيادي الأول، في كافة الميادين، كان يتم من خلال موقع الرجل الثاني من الناحية الرسمية والبروتوكولية، في الحزب والدولة.وفي أغلب الأحيان كان الرفيق صدام حسين ينسب هذه الأدوار والانجازات الى الرفيق الذي يحتل رسمياً الموقع الأمامي أو الى صيغة القيادة الجماعية ناكراً ذاته".
بعد أستقالة البكر فرضت عليه عزلة سياسية كاملة حتى وفاته. بعد ذلك باعوام ذكر حسين كامل بعد خروجه الى الأردن وانشقاقه على سلطة الرئيس صدام أن البكر مات مسموماً بالثاليوم.

الخميس، 29 أكتوبر 2009

دفن النائب الوحدة مع سوريا باغتيال دعاتها...ماجد السامرائي * صحيفة «الشرق الأوسط»

دفن النائب الوحدة مع سوريا باغتيال دعاتها
أثارت في نفسي مقالة الزميل الصحفي السوري (جان اليكسان) المنشورة في صحيفة «الشرق الأوسط» عدد يوم 2003/5/26، الكثير من شجون وهموم الماضي، وأتوقع ان صحف وقنوات الإعلام في العراق والعالم العربي ستحتاج في الفترة المقبلة ولسنوات غير قليلة، فتح ملفات وملاحق كثيرة تتكشف من خلالها أسرار الصفحات السياسية والأمنية لصدام حسين وعصابته ضد معارضيه في حزب البعث أو الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وضدّ المواطنين خدمة لسلطته وزعامته الفردية الدكتاتورية. فقد نشرت ما بين يناير (كانون الثاني) 1991 وابريل (نيسان) 2003 قصص محدودة لا تحمل أسراراً بقدر ما كانت تمثل انطباعات لتجارب شخصية شجاعة لمعارضين كانوا جزءاً من نظام صدام تحملوا عقبات تلك المعارضة، ويتوقع للشهادات الجديدة أن تكون إثارتها أكثر مما تتركه الهياكل العظمية الصامتة التي يزاح عنها اليوم تراب الآلام الحزينة، وتحمل قصصاً تتجاوز أساطير الدكتاتوريات العالمية. لقد أعادت مقالة الزميل الصحفي للذاكرة حديث الوحدة السورية ـ العراقية المغتالة، التي ظلت طي الكتمان، ولا ندري أسباب عدم كشفها من قبل الاخوة السوريين لحد اللحظة، وقد يكون الظرف الحالي مناسباً لكشف ملابساتها، حين أعدم صدام على مذبحها ثلثي اعضاء القيادة البعثية، وكانت تلك المجزرة شاهداً على اغتيال صدام حسين للديمقراطية داخل حزب البعث باغتيال دعاتها، لكونها كانت تعيق تفرده بالسلطة من دون رقيب.
لقد سبق لي المشاركة في قيادة الوفد الحزبي والشعبي العراقي الذي زار دمشق، في أوائل أبريل عام 79، تنفيذاً لقرار مشترك بين القيادتين السورية والعراقية بهدف استطلاع أجواء التقارب بين الكوادر الرسمية والبعثية، ومعرفة استعداد المواطنين لقبول الوحدة بين البلدين تمهيداً للوصول إلى قرار الاتفاق حولها وإعلانها.
وقد حل وفدنا الحزبي والشعبي في دمشق مرحّباً به من قبل (الرفاق) السوريين الحالمين بذلك الهدف القومي النبيل، ولم نكن نحن في العراق، ولا حتى من قابلونا، يعلمون نوايا القيادتين السورية والعراقية.
قضينا ثلاثة أيام في دمشق، اكتشفنا خلالها نحن المثقفين السوريين والعراقيين في لقاءات مفتوحة في مقاهيها ونواديها ومطاعمها، صدق المشاعر العروبية لدى أبناء سوريا، وكان أمل الجميع إنجاز ذلك الهدف التاريخي خلال أيام. لكن الصدمة التي صعقنا بها بعد عودتنا من الزيارة ولقائنا مع (النائب صدام حسين)، حين طلب من كل واحد منا الحديث عن انطباعاته حول توجهات (الرفاق السوريين) تجاه تحقيق ميثاق الوحدة الثنائية. وقد تحدثت عن انطباعاتي حول صدق النوايا السورية، وكانت عيون (السيد النائب) تحوم لاستثارة من يعطي انطباعاً مغايراً يعزز التوجه الذي كان يخفيه أمامنا قبل ذهابنا إلى دمشق، فعقب مسؤول أحد المنظمات الشعبية، حينذاك، بانطباع كان غريباً وغير واقعي بالنسبة لي ولغيري من المشاركين بالوفد، ولم نكن نعلم انه كان مبيتاً، فقال بحماسة مصطنعة (الرفيق النائب: السوريون لا يريدون الوحدة مع العراق، ولذلك أرى التوقف عن مواصلة الحوار). ابتسم صدام، وقال: «هذه هي الحقيقة، لكن بعض الرفاق حالمون ولا يعرفون ما يريده «حافظ أسد». وكان دائماً ما يطلق اسم الرئيس السوري الراحل من دون (أل التعريف)». وتصادف انه بعد عدة ايام من ذلك الحدث، شاركت في اجتماع لمكتب الثقافة والإعلام الذي حرص صدام حسين على إدارة اجتماعاته والاشراف الشخصي المباشر على جميع الأنشطة الثقافية، بعد عزل وسجن مسؤوله السابق عضو القيادة القومية عبد الخالق السامرائي، وحرص على متابعة جميع المقالات التي يكتبها (أعضاء المكتب ومشاركوه) لجريدة الحزب الداخلية، وأُبعدوا بعد ذلك جميعاً من هذا النشاط. وتصادف ان كتبت مقالة فكرية سياسية حول (أسبقية الوحدة على الاشتراكية)، وبعد حديثه في مقدمة الجلسة عن تطورات مباحثات الوحدة السورية العراقية، وشكوكه في صدقية واندفاع (الرئيس الراحل حافظ الأسد) انتقل إلى الموضوع الثقافي فقال «أثارني مقال للرفيق ماجد يحلم فيه بتحقيق الوحدة العربية قبل الاشتراكية، ويتجاهل فيه خطواتنا الاشتراكية ودورنا القائد في بنائها، وأريد منه أن يقنعنا بوجهة نظره هذه..». قال هذا التعقيب، وفي عينيه علامات تشير إلى ما كنت أنا وغيري من الحاضرين يعرفون ما يقصده حين يريد إسقاط أيّة فكرة مخالفة لرأيه، ولا تعزز زعامته الفردية، وإسقاط صاحبها بعد ذلك. وبعد سماعه المبرمج لبعض الآراء التي تعلمت فن مجاراة توجهاته داخل الاجتماعات القيادية لدرجة توجيه اتهامات تودي بصاحبها إلى السجن أو الموت. أصابني ذعر وقلق شديد على ما يمكن أن يصيبني بعد ذلك الاجتماع، علماً بأنني طرحت فكرة قومية شائعة في ذلك الوقت، وبعد عودتي إلى مكتبي في العمل بساعات، تلقيت مكالمة هاتفية من مرافقه الشخصي (صباح مرزا) يطلب مني إعادة صياغة حديث (سيادته) الذي سيصلني، ليتحول إلى كراس يوزع على الحزبيين ثم يطبع وينشر، وفي مقدمته تلميحات حول فكرتي المقصودة، وتلك كانت نوعاً من العقوبة المهذبة التي ارتضيتها، وقد طبع الكراس ونشر تحت عنوان (هل يمكن تطبيق الاشتراكية في بلد واحد ؟). ثم حذرني (طارق عزيز) في لقاء معه بعد أيام، بضرورة التوقف عن طرح مثل هذه الأفكار داخل الحزب، أو في وسائل الإعلام، حيث ذكرني بمصير عبد الخالق السامرائي الذي كنت أعمل معه في المكتب الثقافي قبل اعتقاله بتهمة التآمر على صدام حسين، وقال (ألم تتعظ من تلك التجربة؟). ولم تمر أيام حتى صدر قرار بتعييني سفيراً للعراق في ليبيا. وقد يتصور البعض إن تلك كانت مكافأة، لكن الواقع السياسي يقول خلاف ذلك، حيث تم وبوقت مبكر تنفيذ سياسة مبرمجة تستهدف إبعاد الكوادر البعثية عن دوائر التأثير، أو البطش بهم، حين تعرف توجهاتهم الديمقراطية داخل الحزب، أو سعيهم لتحقيق سياسة الحوار والانفتاح مع القوى والأحزاب الوطنية العراقية، وكان الهدف من كل ذلك هو تأمين سلامة مخطط انفراد صدام حسين وعصابته بالحكم.
* سفير عراقي سابق

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

القسوة لدى صدام حسين.... "إغتيال عادل وصفي".....

كالطريدة..
قافز من خندقٍ، ملتجيء للملجأ العشرين، مذعوراً من الشبهةِ، لم يرسم مسار الطلقة المسعور، لم يتعب من الحقدِ علي الفاشيست، لم يكتب قصيدة.
كالطريدة..
يتهاوى برصاصِ "البعثِ" في منعطف الشارع ، ما كان لهُ العمر الذي يسمحُ بالأوهام ــ قد كانت لهُ ثمّة أحلام عن الآتي ــ ولم يلقَ النهايات السعيدة.
كالطريدة..
قبضَ الجلادُ روحاً عذبةَ النبضِ ووَجهاً دائم البسمةِ كالطفل.. وأهدى فرحة الطغاةِ يتماً والمشاوير أذى، أعطى الفلسطيني "عزالدين" ثان، ثُمَّ أعطى نخل البصرة في الصبحِ شهيده
كالطريدة..
ينتهي "عادل وصفي" ميِّتاً في أسرِ بيروت التي كان لهُ فيها اسمهُ الحزبي
دعواهُ مع العالم والناس.. دعواهُ عن الدنيا الجديدة
ثُمَّ مــاذا؟
ثُمَّ مــاذا؟
ما الذي أكتبهُ عن موتِ "عــادل"؟
ما الذي يجمعنا في موتِ "عادل"؟
ما الذي أبقى لنا "عـادل" مِن آثارِ "عادل"؟
: زوجتهُ تبكي
: إبنةٌ تلعب في السهو
: أخا زوجه في الأحد الماضي
: عراقاً لن يراهُ أبدا
: بعض نداءاتٍ الى الثورة
: صمتاً في القياداتِ التي " تأسفُ " للحادث
: عذاب الأهلِ والأصحاب
مــاذا..
ثُمَّ مــاذا؟
عن موتٍ ما.. لا يكون الموتُ موتاً عابراً ما دامَ هذا القاتلُ الواضحُ كاللؤمِ هنا ما بيننا
ما دامت الثورة لم تأتِ.. وما دامَ سكوت الكونِ "رسمياً"
وما دامت له الزوجة والطفلة والأخت البعيدة
كالطريدة..
كان قد جَرَّ خيبات السنين وانتهى اللاجيء ما بين خيام اللاجئين
ولأن السلطةَ المسعورةَ الأسنانِ نذلة ولأنَّ البعث ــ أعني دولة البعثِ التي تقتلُ من بغدادَ
لا يعرفُ حداً فاصلاً ما بينَ قناصٍ وطفلة
ولأنَّ الظرفَ "يستدعي" السكوت
فدعوا "عــادل" في صمتٍ يموت. ... وليـد جمعة.... بيروت ٢٠/٦/١٩٧٩

"عندما رحل الصحفيون العراقيون مع المقاومة الفلسطينية من الأردن الى لبنان رحل معهم صحفي عراقي يدعى عادل وصفي يعمل في مجلة فلسطين الثورة التي تصدرها منظمة فتح ولم يكن هذا الشاب معروفا على مستوى واسع ، ولم يكن له دور في نشاط المعارضة العراقية ، لكن ذلك لم يمنع فرقة ألاغتيال في السفارة العراقية ببيروت من اغتيال عادل وصفي فاقسم السيد ياسر عرفات في اجتماع حاشد على الثأر له من قاتيله.
وفي بغداد سئل صدام حسين عن جدوى اغتيال هذا الصحفي الذي أصبح اسماً تتداوله الصحافة العربية والعالمية مما يسيء الى سمعة العراق فأجاب صدام وببرود عجيب أعتقد أن الرفيق برزان عالج موضوعه وليس المقصود هو وانما لجر أذن الغيرة سز ياسر عرفات."...............من كتاب "أسوار الطين" لحسن العلوي..
نقل ضابط مخابرات عراقي عن برزان التكريتي عندما كان بمنصب رئاسة المخابرات قوله "يكفينا فخراً أن المعارض الموجود في واحدة من مقاهي باريس أو براغ ، عندما يحاول أن ينتقدنا يلتفت يميناً أو شمالاً خوفاً من وجود ضابط مخابرات بجانبه" وهو وصف دقيق لتأثير نشاط فرق المخابرات العراقية على من هرب من البلد في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. لم تقم المخابرات العراقية بمهمة المراقبة فقط بل قامت بمهمة تصفية واغتيال ضحايا عدة توزعوا في أكثر من بلد في العالم رافقها في أغلب الأحيان صمتاً شبه مطبق عالميا و عربيا على عمليات الاغتيال تلك.
احد الضحايا كان عادل وصفي وهو من مواليد بغداد وخريج كلية السياسة والاقتصاد ,التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ليصبح نائبا لتحرير مجلة فلسطين الثورة التي كانت تصدر من بيروت التي سكن وتزوج عادل فيها من امراة فلسطينية. عن حدث اغتياله كتب مؤيد الراوي " في الساعة العاشرة واربعين دقيقة من ٢٠/٦/١٩٧٩ وفي وضح النهار، قتلوا عادل وصفي. كنت نائما حين أيقظتني زوجتي بالنواح. ومع أن القتلَ والدمَ كان يحيط بنا في بيروت وهيَ تخوضُ الحرب الأهلية حتى التخمة، لم أصدق النبأ. لقد اعتدت أمام عاصفة الموت أن أخدع نفسي وأدافع عنها من هجمة ألمٍ غير مطاق؛ أطوِّلُ استيعاب الكارثة، أتغطى بها رويداً، متدفئاً بحماها حتى أهذي، وحتى تبدو الحقيقة مثل الحلم. لكن العاصفة ستأتي مهما تَحَصَنتَ بالوهم وستخرِّب دارَكَ في كل الأحوال، وستجابه في النهاية حقيقة موت شخص عزيز عليك بعد أن خفّ ثقلها الذي أحنى منكبيك. لقد إنحنى ظهري ومال رأسي وارتجفتْ البرودة فيَّ عندما تيقنتُ من موتِ هذا العزيز: عادل وصفي.
لم أتذكر في ذلك الوقت وأنا أواجه موت عادل المخفف سوى مرثية كلكامش عندما فقدَ أنكيدو، وأنا ممتليءٌ بالحقدِ وغاضبٌ حتى الإعياء، ليس ضد القدر وإنما ضد عراقيين حملوا الجريمة من بغداد الى بيروت ليزرعوها في قلب فتى صافي النوايا لم يرَ من الدنيا إلاّ بَهجتها وجهها الجميل.
كنت أحب عادل. كنا نقيضين.
هو كالصفحة البيضاء و كالماء الهادئ في بحيرة، وأنا أحفرُ في المجهول، وأتعارض مع نفسي، وأشكك في حياتي مثل عقرب سيلد فيحاول الخروج من حلقة نار أُدخلَ فيها. أنا الفوضوي لا أملك حتى حاضري، وهو المنظم الذي يقيس حياته بالدقائق: هذا التنظيم الصارم للزمن رصده قَتلة عادل وصفي.
كان كلّ يوم يصل المجلة التي يعمل فيهافي تمام الحادية عشرة. هكذا ظفروا به قَـتلة البعث، من النظام العراقي، وأسكتوا قلبه برصاصة، وفقدت صديقا كنت أتأمل به، وأستغرب من رصانته وتوازنه بحيث أنني سألته يوماً : يا خالد ـ وكان اسمه المستعار ـ أية سماوات تريدها أن تسقط لتتبدل سحنتك وتعرف أنك غريب في هذا العالم، والعدالة التي تأمل بتحقيقها مجرد أ وهام؟ ولكنني عرفت بعد موته أن الكثيرين، خاصة أولئكَ العراقيون الذين هربوا من نار النظام الى جحيم بيروت، قد أحبوه لأنهم وجدوا فيه نقيضهم أيضاً،عندما أبصروا في مرآته صورة وجوههم وقد أُختزِلتْ منها أعشاب الخوف والمذلة. كان عادل وصفي حالماً، ويوحي للآخرين بالحلم، كما لو أنه استيقظ من النوم تواً ليحدثك عن أشياء صغيرة وليطرحَ عليك أسئلة قلما تخطر في بالك. يضحك بسحنته الهادئة وملامحه الواضحة وبعواطفه العميقة المتدفقة. كان شاعراً دون أن يكتب الشعر بالكلمات. كان متأملاً ومتذكراً، محتشداً بالمشاعر، لما يحيط به ولما تركه خلفه وما يأمل به. كان عراقياً صميمياً، بمعنى أنه كان يَحملُ ذاكرةً غير مؤذية عن البلاد وعن الناس. كان رجلآً من المدينة ـ من بغداد ـ وقد تعلقَ بنهرها وبشروق شمسها أو بمغيبها خلف أشجارٍ على ضفاف دجلة. تعلقَ بحياة الجامعة التي درس فيها، وهو يتذكر أسماء الأصدقاء والأحبة و يأمل في العودة يوماً الى العراق ليحدثهم بروح عامرة عن زمن مضى.
لست أدري لِمَ وكيف ترك البلاد، وأية مصاعب مع "البعث" دفعته الى الحدود لكي يلتحق بالحركة الفلسطينية. لكنني في حواري معه كنت أكتشف في كل مرةٍ روحه السمحة ونقاءة الداخلي ودعابته البريئة وتعارضه مع نظام البعث الذي كان يَصِفهُ من دون أوصافٍ كثيرة؛ بأنه مجرد نظام غير صالح.. كان يجعلني أن أفكرَ بأنه ليسَ من هذا الزمان، وهو أقرب الى الأمير مشكين في روايه ديستويفسكي في براءته وفي التعبير عن عواطفه بشكل مباشر. في الساعة العاشرة واربعين دقيقة من يوم ٢٠/٦/١٩٧٩ نزل عادل وصفي من شقته في بيروت بعد أن قبَّل طفلتيه لمى وسناء وودع زوجته عطاف ثمّ اتخذ طريقه في شارع الفاكهاني الى مجلة "فلسطين الثورة" التي كان أحد سكرتيري تحريرها. كان مقر المجلة لا يبعد عن داره اكثر من ٤٠٠ متر.
شارعٌ مزدحم بالناس وبالحوانيت والباعةِ، وبمكاتب المنظمات الفلسطينية. كنا نسميه "الشارع الأخير" لإنكفاء المقاومة الفلسطينية بسبب الحرب الأهلية والحصار السوري في هذا الشارع الضيق. ولم يكن يفكر أحد بمخاوف التهديد وانعدام الأمن في هذه البقعة الصديقة. ولكن يبدو أن القتلة من فرق الإغتيالات للنظام العراقي كانت أكثر دراية ودربة وفناً للقيام بعملها، فقد درست وتدربت ووُضعت في خدمتها كافة الأمكانيات المعلوماتية والمادية والتسليحية، وخاصة عبر ذراعها جبهة التحرير العربية ومخبرين في حزب البعث اللبناني بالإضافة الى عيونها ومنفذي أوامرها من المتسللين الى المنظمات والهيئات المتواجدة في المنطقة.
في منتصف الطريق بين داره وبين مكان عمله ـ مجلة فلسطين الثورة ـ في الشارع المزدحم بالناس والباعة والمقاتلين والنساء والأطفال، وبالحوانيت والمقاهي، وبمكاتب المقاومة الفلسطينية أوقف شخص ما عادل وصفي على الرصيف الأيسرـ كما سرد شهود عيان ـ طالباً منه بأدب جم أن يشعل له سيكارته. وعندما فعل ذلك عادل مقترباً منه أخرج ذلك الشخص مسدساً بكاتم صوتٍ فأطلق الرصاص مباشرة نحو قلبه. كان القاتل قد ابتعد واتخذ طريقه بين زحمة الناس لينفذ من زقاق قريب الى سيارة تنتظره، فيما تهاوى عادل وسقط بطيئاً على الأرض. لم يعرف الذين شاهدوا سقوطه للتو حقيقة الأمر إلاّ بعد أن شخبَ الدمُ ولوّن القميصَ وسال على الأرض.
في هذه البقعة التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية حدث الهرج والصياح والبحث عن القاتل ، لكن القاتل ابتعد واختفى في مكان ما من بيروت. إلآّ أن الناس الذين عرفوا القتيل بأنه خالد العراقي "عادل وصفي" سكرتير مجلة فلسطين الثورة نشروا الخبر في مكاتب المقاومة الفلسطينية. وبدأت أكثر من جهة، وأكثر من جهاز أمني لفصائل المقاومة البحث عن القتلةِ، وتكللت المساعي بعد زمن قصير بمداهمة وكرهم في منطقة الروشة وإلقاء القبض على معظم أفراد فرقة الإغتيال والحصول على اعترافات ووثائق تؤكد الجريمة التي اقترفوها، فضلاً عن اعترافهم بقائمة من الأسماء كانت على لائحة الإغتيال من عراقيين وفلسطينيين. ويعود الفضل الأكبر في توفير هذه المعلومات الأولية الى جهاز الأمن الطلابي لمنظمة فتح الذي كشف وكر المخابرات العراقية وألقى القبض على أفرادها. وبعد أن افتضحت أسرار الشبكة المخابراتية الإرهابية المكلفة من قبل نظام البعث العراقي اودع القتلة في سجن المقاومة. وقامت أجهزة الأمن الفلسطينية بالتوسع في التحقيق معهم، لكنها سترت فيما بعد معلومات ضافية حصلت عليها من الإعترافات.
كان ينبغي اعلان اسماء القتلة والجرائم السابقة التي ارتكبوها، وعلاقتهم العملية بالسفارة العراقية في بيروت وبدور شعبة المخابرات في السفارة، وبعائدية هذه الفرقة المكلفة بالإغتيالات، ومن هي الجهة والشخص الذي أناط بهم في العراق هذه المهمة. ولست أدري كيف جرت الأمور فيما بعد وبأي اتفاق وتفاهم جرى تسفير وتسليم القتلة المعتقلين للنظام العراقي من قبل المقاومة الفلسطينية.
لكن الأمر كان بمثابة طعنة خنجر من الخلف في صدور العراقيين الذين أعطوا ضحايا كثيرة في سبيل المقاومة الفلسطينية. جرت عملية اغتيال عادل وصفي الذي شغل منصب أحد سكرتيري التحرير لـمجلة "فلسطين الثورة" في جو من تأزم العلاقة بين منظمة فتح والنظام العراقي. وكان النظام البعثي قد أغلق مكاتب فتح في العراق ونكل بأعضائها واستملك الورشات الصغيرة التي كانت فتح تستعملها لصنع الذخيرة ولغيرها من الإحتياجات.
ودعمت أجهزة المخابرات العراقية جماعة أبو نضال المنشق من منظمة فتح، ومكنتها من اداء دور تخريبي في صفوف المقاومة. كان النظام البعثي في العراق يدعم وينسق ويكتل ما سمي آنذاك بـ"جبهة الرفض". وينسق مع صحف وأجهزة اعلام يدعمها ويغذيها بالمال. وكان يوصل الخيوط مع القوى المعادية للمقاومة في لبنان إبان الحرب الأهلية ويحوّل موقعه من بيروت الغربية الى بيروت الشرقية ـ الى جونيا، التي كانت تصلها اسلحة عراقية، مثلما كانت تصل الى "جبهة الرفض" لتواجه "جبهة القبول" وتواجه الجيش السوري الذي لعب دوراً هاما في التشكيلة المتناقضة للبنان إبّان تلك الحرب. في هذا الجو المتوتر الذي أحست فيه فتح بضربات نظام البعث العراقي وخاصة بعد اغتيال عدد من كوادرها مثل عزالدين قلق وسعيد حمامي وعلي ناصر ياسين وعدنان حماد ومهاجمة مكاتبها في باكستان، قامت عبر مجلتها المركزية "فلسطين الثورة" بحملة فضح لمواقف البعث العراقي المعادية للثورة الفلسطينية".
اغتيال عادل أثار اهتماما أعلامياً لم يدم طويلا بمهمات تصفية والغاء الأخرين التي قامت بها السلطة في ذلك الحين. أنكرت السلطة دورها في عملية الاغتيال تلك ببيان صدر باسم نعيم حداد. وفي نفس الوقت تقريباً سئل الرئيس عن تلك العملية فقال كما ورد في كتاب أسرار الطين لحسن العلوي "أجاب صدام وببرود عجيب أعتقد أن الرفيق برزان عالج موضوعه وليس المقصود هو وانما لجر أذن الغيرة سز ياسر عرفات."...............
بالاضافة الى عادل وصفي ذكر مؤيد الراوي في مقالته ضحايا اخرين تم اغتيالهم من عناصر المخابرات العراقية في لبنان منهم
"١- ـ تحسين الشيخلي "يحيى" من تجمع الشيوعيين الثوريين.
٢- مطر لازم. أُغتيل في منتصف السبعينيات في الجنوب اللبناني بين النبطية والروم. كان قائد فصيل في فتح ، قتل بيد عناصر من جبهة التحرير العربية المشكلة من قبل النظام العراقي. وكانت هذه الجبهة واجهة فلسطينية لعناصر المخابرات العراقية.
٣- عبد الجبار عبدالله، إختطفته عناصر المخابرات العراقية في بداية الثمانينيات وحَجَزَتْهُ داخل السفارة العراقية، ثم فجروا جثته على عمود كهرباء في منطقة السفارة العراقية.
٤- أبو سلام (مجهول الإسم) تمّ اغتياله في العام ١٩٧٨ في صيدا، وكان يجاهر بمعارضته للنظام ويدعوا الى الكفاح المسلح في العراق.
٥-اغتيال ثلاثة اكراد احدهم يدعى غازي، أجهل أسماءهم الكاملة. دَبرتْ لهم المخابرات العراقية اجتماعا صوريا مع ما اسموه معارضة عراقية فتم ذبحهم وتقطيعهم في الشقة التي دعيوا إليها، ووضعوا في أكياس، ثم أُلقيَ بهم في وادي أبو جميل حيث تسكنه أقلية كردية. وقد كتبوا على الأكياس عبارة : لا تتهموا أحداً.
وكان الأكراد الثلاثة ينشطون بين التجمعات اليسارية ومع المعارضة العراقية ويقيمون علاقات جيدة مع القيادة المركزية آنذاك، فيما يحاولون إقامة علاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، بعد أن استطاع النظام العراقي من استمالة جميل محو مسؤول الحزب في لبنان آنذاك الى جانبه".
لم يكن نشاط فرق الأغتيلات التابعة للمخابرات العراقية قاصراً على بيروت ولبنان فقط بل طالت الأغتيلات الضحايا في أكثر من بلد في العالم , شملت قائمة الأغتيالات تلك :١- حردان التكريتي عضو سابق في مجلس قيادة الثورة ومساهم أساسي في انقلاب ١٩٦٨ اغتيل في الكويت عام ١٩٧١وسنعرض لمحة عنه في فصل أخر.٢-اية الله حسن الشيرازي ولد في النجف حوالي عام ١٩٣٣. انتقلت عائلته عندما كان صغيراً الى كربلاء حيث درس العلوم الحديثة والدينية أيضاً. تتلمذ على يدي والده اية الله مهدي الشيرازي وعلى يدي شقيقه الأكبر سيد محمد شيرازي. كان الشيرازي شاعرا ومتبحراً بالادب العربي اضافة الى كونه مجتهد ديني.ألقي القبض عليه عام ١٩٦٩ لانتقاده السلطة علانية وعذب في السجن حيث بقى مسجونا لتسعة شهور.أبعد الى خارج العراق عام ١٩٧٠ حيث مارس العمل السياسي ذي الصبغة الأسلامية. درس واسس في عدة حوزات منها الحوزة الزينبية في سوريا حوزة الأمام المهدي في لبنان والحوزة الهاشمية في سيراليون.له مولفات دينية عديدة. اغتيل في بيروت في ٢/٥/١٩٨٠عندما كان متوجهاً إلى مدرسة الإمام المهدي في منطقة برج البراجنة، للمشاركة في مجلس الفاتحة الذي أقامه هو على روح المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى وقبل وصوله إلى مجلس الفاتحة، وبينما هو في الطريق تم اغتياله على يد مجموعة مسلحة حيث توفي على الفور فيما لاذ الجناة بالفرار.
٣- توفيق رشدي أستاذ الفلسفة في جامعة عدن اغتيل عام ١٩٧٩
٤- سهيل محمد السلمان اغتيل في دبي عام ١٩٨١ شاهد عملية الأغتيال شرطي كان متواجداً في المنطقة قام بملاحقة الفاعل حتى قبض عليه و تبين أنه عراقي الجنسية يحمل جواز سفر دبلوماسي .
٥- رئيس الوزراء السابق عبد الرزاق النايف اغتيل في لندن عام ١٩٧٨وسنتطرق الى ذلك في فصل أخر .

٦- نعمة مهدي محمد وسامي عبد المهدي كانا من طلاب كلية الهندسة التكنولوجية في جامعة كراجي بالباكستان وقد اختطف الطالبين بعد خروجهما من الامتحان النهائي للحصول على شهادة الماجستير في اذار من عام ١٩٨٧ , عثر على جثثهم مقطوعة الرأس بالقرب من القنصلية العراقية.

٦- اياد حبش أغتيل في ايطاليا عام ١٩٨٦ بقذفه من شرفة أحدى الفنادق.

٧- ماجد عبد الكريم حسين ضابط مخابرات سابق اغتيل في السويد عام ١٩٨٥ . تمت عملية الأغتيال باستدراجه الى شقة من قبل امراة داخل الشقة كان رجلان على الأقل بانتظاره حيث قاما بقتله و من ثم تقطيعه الى ٤٨ قطعة ووضعه في حقيبتي سفر, وعثر على الحقيبتين بعد مرور شهرين على حادثة القتل.

٨- محمد مهدي الحكيم اغتيل في السودان في عام ١٩٨٨ .
ولد في النجف عام ١٩٣٥ والده هو اية الله محسن الحكيم المرجع الشيعي الأعلى في فترة الستينات. وصل الى مرتبة مجتهد وساهم في تأسيس جماعة العلماء وكذلك أسس كلية أصول ألدين في بغداد حيث ألقى فيها محاضرات عن الاقتصاد الأسلامي. ساعد والده في تنفيذ مهماته كنقل وجهة نظر المرجع الى الحكومة والى المجتمع الشيعي في العراق. ألقي القبض عليه وعذب عام ١٩٦٩بعد أن أُجبر، أمين عاصمة بغداد السابق، مدحت الحاج سري، على الإدلاء بشهادته من على شاشة التلفزيون، بأنه يعمل في شبكة تجسس مع محمد مهدي الحكيم . هاجرالعراق بعد أطلاق سراحه وتوجه الى الباكستان.عينه اية الله الصدر عام ١٩٧١ كممثل روحي له في دبي حيث استقر فيها حتى عام ١٩٨٠ حيث توجه الى لندن حيث أسس بمساعدة جماعة العلماء منظمة خيرية ومركز شيعي وهو أهل البيت و أسس لجنة رعاية المهجرين العراقيين . بارك تاسيس المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق برئاسة شقيقه محمد باقر الحكيم عام ١٩٨٢ لكنه لم يشارك فيه.
في ١٧ /١/١٩٨٨ اغتيل في الخرطوم أثناء حضوره لمؤتمر الجبهة الوطنية ألاسلامية من قبل أشخاص هربوا في سيارة تابعة للسفارة العراقية. صنف الرجل مع مفكري الشيعة المعتدلين من الذين لايؤيدون قيام دولة الفقيه ويرون دور رجل الدين محصور باسداء النصح والمشورة.

٩-الشيخ طالب السهيل اغتيل في بيروت عام ١٩٩٤.

عمليات الأغتيال تلك ترسم صورة لتحول العراق بل العالم باكمله للعراقيين في تلك الفترة الى علبة ضيقة ، صامتة ، فكأن هناك أشباح تقف أمام كل باب ونافذة تحصي النظرات والانفاس قبل الكلمات.
احساس الخوف من كابوس المراقبة والموت لم يقتصر على العراق بل امتد نتيجة لعمليات الأغتيال تلك، الى أنحاء العالم فكان الهروب من العراق ,في تلك الفترة, الى المنفى في النهاية هو مجرد شكل مخفف من الخوف.

مصادر وملاحظات عن عمليات الأنفال

قمت باضافة صورة لضحية من ضحايا الأنفال أخذت أتناء تنقيب أحدى المقابر الجماعية للاكراد في جنوب العراق الى "عمليات الأنفال البطولية "...الجزء الثاني تبدو الضحية وكانها تصرخ بألم لحظة تنفيذ الأعدام.