تسجيلات صدام حسين السرية....١......
تسجيل بعد حادثة أنتحار طارق حمد العبدالله وزير الصناعات الخفيفة....١٩٨٦
في حوزتي مجموعة من تسجيلات صدام حسين السرية أغلبها لم ينشر من قبل. هذه التسجيلات كانت محفوظة في مركز تسجيلات الصراع قبل أن يغلق أبوابه والآن نقلت الى معهد هوفر في جامعة ستانفورد.
هذا التسجيل وقع بعد حادثة أنتحار وزير الصناعات الخفيفة طارق حمد العبدالله وهو تسجيل غير كامل للأسف.
هذا التسجيل وقع بعد حادثة أنتحار وزير الصناعات الخفيفة طارق حمد العبدالله وهو تسجيل غير كامل للأسف.
عن حادثة أنتحار الوزير ذكر ليث الحمداني في كتابه أوراق من ذاكرة عراقية "في نهاية دوام أحد أيام الأسبوع استدعاني السكرتير محمد الديري وطلب مني أن أدخل على الوزير. دخلت، وبعد أن حييته سلمني مظروفا وقال لي بصوت واضح، اجلب لي برنامج ممارسة المسؤولية من موقع أدنى إلى البيت، وأنتظرك في الساعة الرابعة عصرا. وحين عدت إلى غرفتي صدمتني المفاجأة، كان المظروف رسالة موجهة لصدام حسين، وكانت تحتوي تفاصيل أعدتُ قراءتها أكثر من مرة بعد أن أقفلت باب غرفتي والعرق يتصبب من جبهتي. كانت الرسالة تروي كيف بدأت علاقته به أيام الرئيس البكر، وكيف إنه (حسب على جماعته)، وحجم الخدمات التي قدمها له في تلك الفترة. وكان تسلسل الرسالة بعد تحية الرئيس القائد، كما جرت العادة أن يحيّي الوزراء صدام حسين، ثم ذكر له محاولاته المستمرة منذ أشهر للقائه أو التحادث معه هاتفيا وردود فعل السكرتير والمرافقين، وكيف إنه كتب (رسالة خاصة) ولم يتسلم أي جواب، ثم بدأ يشرح وضعه المادي وممتلكاته، ابتداء من البيت الذي يسكنه والبيت الذي يؤجره والذي يقع في مدينة الضباط، ومزرعة في الدورة، وسيارته مشيرا إلى مصادرها بالتفاصيل، وحجم الهدايا التي تلقاها من صدام نفسه، مشيرا إلى أنه لم يتجاوز في أي يوم من الأيام على دينار من تخصيصات الدولة، فما معنى تفتيش حقائبه في المطار كأي مهرب؟ بعد ذلك بدأت سطور العتاب التي تضمنت أسرارا أذهلتني، فقد خاطب صدام مذكّرا إياه بما قدمه له من خدمات إبان حكم الرئيس البكر، وأبرزها أنه استطاع أن يقنع ابن البكر محمد بالتخلي عن فكرة إبعاده عن القصر الجمهوري، وكان محمد قد بدأها بالسيطرة على الإذاعة والقصر، وكان يساعده في ذلك مجموعة من المقربين منه أبرزهم حماد شهاب وزير الدفاع وعدنان شريف الذي مات نتيجة سقوط طائرته الهليوكوبتر في بغداد (قبل تاريخ الرسالة بسنوات) ومظهر أحمد المطلك وهو رئيس سابق لمؤسسة التصدير العراقية ومتزوج من إحدى بنات البكر. وأشار في الرسالة كيف إنه أقنع محمد بإطلاق سراح عدنان خير الله الذي كان يومها قد احتجز في غرفته بالقصر الجمهوري، وكيف ذهب إلى الإذاعة ليقنع محمد والضباط المرافقين له بعدم رضا البكر عما يفعلونه. وكان محمد يحترم أباه كثيرا. كانت الرسالة تضم أسرار محاولة لإبعاد صدام حسين وبرزان وعدنان خير الله عن السلطة. معلومات لم تعلن ولم يُعرف عنها شيء سوى أن القائمين بها أو أصحابها ماتوا الواحد تلو الآخر بحوادث. نص تلك الرسالة المشؤومة تضمن أيضا تذكيرًا لصدام بالدور الذي لعبه طارق في معالجة المشاكل التي كانت تعترضه أيام كان نائبا للرئيس داخل القصر الجمهوري، وانتقاصا من علي حسن المجيد ومجموعته، والحديث عنهم بأنهم أميّون لا يعرفون كيف يتعاملون مع الناس على أساس تاريخهم. في الساعة الرابعة مساء التقيت به في المنزل. كان جالسا بالقرب منه علي ابن عبد المحسن أبو الخيل شقيق زوجته، فطلب منه أن يتركنا وحدنا، ثم رفع صوت جهاز التلفاز القريب وسألني:
-هل قرأت الرسالة؟
أجبته: نعم.
ما رأيك؟
أقترح على سيادتك تخفيفها، لأنها ستستفز الرئيس!! وأنت أعرف مني به!!
ولكنها مجموعة حقائق. لم أعد استطيع تحمل إهانات علي حسن المجيد المستمرة!!
وقلت له متوسلا: أرجوك يا سيدي، أعِد النظر في الرسالة. قد أكون أصغر منك سنا، ولكني قريب من الناس في الشارع، وأعرف قسوة النظام. أخذ الرسالة مني، ثم خرجنا معا إلى حديقة المنزل. قال لي ونحن نقف في الحديقة، وكان منفعلا جدا، سأفكر بالأمر، ولكني لم أعد أستطيع تحمل الإهانات بعد كل ما قدمت. وخرجت مذهولا، ولم أحدث أحدا بأمر هذه الرسالة سوى وليد لقمان وشكري الحديثي اللذين كنت اثق بهما جدا. ولم أحدث بها حتى أسرتي لأن انتشار الموضوع كان سيؤدي إلى كارثة بالنسبة لي ولمن سأحدثه عنها. تسارعت الأحداث، وعلمت منه أنه أرسل الرسالة، ولا أعرف إذا كان قد أعاد النظر بها أم لا! مع طلب مواجهة للرئيس. وظل يتوقع ردا أو طلبا على الهاتف لعدة أيام دون جدوى. وكان قلقه يزداد يوما بعد يوم، ولكنه استمر يعمل بنفس كفاءته وجديته . ليلة الحادث خرج في الثانية والربع من غرفته باتجاه المصعد، فشاهد مراسل ديوان الرئاسة ومعه البريد، فعاد إلى الغرفة. قدم له السكرتير البريد، قرأه، وكانت بينه موافقات من الديوان لبعض الشركات لاستيراد مواد أولية. فطلبني ثم أعطاني الموافقات وقال لي: اطبع الكتب الآن من المكتب وأعطي أولياتها للتخطيط والمتابعة، لا أريدها أن تتأخر، وسأنتظر لتوقيعها. وفعلا طبعت الكتب من قبل موظفة المكتب السيدة ليلى بكر، ثم وقعها وأبلغني أن أداوم صباحا في مقر المنشأة العامة لصناعة الطابوق، ومعي المؤشرات التي تسلمتها من دائرة الإنتاجية، حيث سيباشر مهامه من موقع أدنى هناك.
في صباح يوم ١٢/١٨ كنت جالسا بانتظاره في المنشأة العامة للطابوق. اتصلتْ سكرتيرة المدير العام للاستفسار عن سبب تأخره، قالوا لها كلمة واحدة لقد مات. لا أستطيع بعد مرور كل هذه السنوات أن أصف ما أصابني. ساعتها لم استطع الوقوف. لدقائق فقدتُ القدرة على النطق، جاءتني السكرتيرة بقدح من الماء، ثم أمرَتْ أحد سائقي المنشأة لإيصالي بسيارتي إلى مركز الوزارة. هناك لم أجد سوى عدد من الموظفين، كان الكل يبكي منذ دخلت سياج البناية، الفلاح، الحارس وموظفة الاستعلامات. كان رجلا محبوبا من الجميع. انتقلت إلى بيت الوزير مع سائق دائرتي جلوب فراري الذي كان يبكي طول الطريق. كان هناك تجمع كبير أمام باب الدار. كانوا ينتظرون جثمانه الذي نقل إلى الطب العدلي، كلمات مختصرة سمعتها: لقد انتحر!!
وجدوه منتحرًا وقد كتب رسالة للرئيس ولزوجته وأولاده. كان الموقف مأساويا. لم أستطع أن أحصل على أية تفاصيل – لم يدَعوا أحدا من إخوانه يرى الجثة التي لم يرها سوى خاله د. إبراهيم النوري (كما قيل يومها). نقل جثمانه بسيارة تابعة لوزارة الصحة وبرفقة مرافقين عسكريين إلى الطب العدلي ثم أعيدت. وكان منزله قد أحيط بعدد كبير من أصدقائه وأقربائه، وغاب عن تشييعه عدد من أصدقائه من المسؤولين. وقيل وقتها إن علي حسن المجيد كان أول من دخل مكتبه وأخذ الرسائل التي تركها. كان قد أنهى صلاة الصبح، وترك القرآن مفتوحا أمامه. خرجت الجنازة من البيت على عربة عسكرية، وكان أشقاؤه وعائلته أكثر المفجوعين بموته. وسار وراءه رتل من السيارات باتجاه الفلوجة مسقط رأسه، حيث كان قد أوصى بأن يدفن في مقبرة العائلة – وخرجت مدينة الفلوجة عن بكرة أبيها في تظاهرة صامتة عفوية تودعه الوداع الأخير – وفي المقبرة لم أجد الكلمات التي أقولها لأشقائه ولابنه محمد. وصممت بيني وبين نفسي أن لا أحدث أحدا عن الرسالة، وظلت جوانبها تخنقني. عدت من المقبرة إلى البيت – حيث أبلغتني زوجتي أن السكرتير محمد الديري قد اتصل بي. رفعت الهاتف لأجده يبلغني بأنني مطلوب صباح اليوم التالي في الثامنة في مديرية الأمن العام، ولم يضف شيئا. وعلمت منه فيما بعد أن علي حسن المجيد كان في غرفة الراحل طارق ذلك المساء حيث فتحت أدراج مكتبه وسحبت أوراقه كلها إلى الأمن العام. وفي نشرة أخبار الثامنة نعته الدولة بخبر أساء له إساءة بالغة، حيث قالوا إنه انتحر لأنه كان في الشهور الأخيرة يشكو من الكآبة!!
حتى إن سلاحه الشخصي الذي كان موجودا في السيارة الحكومية أخذه علي حسن المجيد ثم ضاع أثره فيما بعد حيث لم يسلم لذويه".
في هذا التسجيل يقرا أحد الحضور "أعتقد أحمد حسين السامرائي" رسائل كتبها المرحوم قبل وفاته. ابتدا برسالة كانت موجهة الى الرئيس صدام. التسجيل يبدأ وهو يقرأ تلك الرسالة. ويتضح أنها ليست الرسالة التي قرأها ليث الحمداني. بل أنها الرسالة التي كانت مغلقة وتركها المرحوم على مكتبه وعثرت عليها عائلته وموجهة للرئيس صدام.
الرئيس ذكر الرسالة التي كان قد بعثها الوزير وقرأها الحمداني لكنه لم يتطرق الى المحتوى الذي ذكره الحمداني.
فقد قال الرئيس أن العبدالله قد ذكر في رسالته تبديل ضابط أمن الوزارة وعن وكلاء الوزارة السابقين ولم يتطرق الرئيس الى ماذكره الحمداني عن خدماته للرئيس.
وكما ذكر الدكتور حميد عبدالله ذكر الرئيس أنه قد اتصل بزوجة الوزير لكن لم يذكر تفاصيل أكثر عن محتوى الرسالة أو أنه كان منزعجاً من محتواها.
في التسجيل يصف الرئيس العبدالله قبل وفاته، بعد أن التقاه بعد مرضه، وقبل فترة من وفاته بأن كلامه "كان غير مترابط".
ومن التسجيل يتضح أن صاحب فكرة أن الوزير كان مصاب بداء عضال، كما ورد في البيان الرسمي لوفاة الوزير، هو علي حسن المجيد. الذي ذكر في الأجتماع أنه كان مصاباً بسرطان في الدماغ. وكان الدكتور حميد عبدالله قد نفى أنه مصاب بمرض عضال، واعتقد أن مصدر معلوماته هو عائلة المرحوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق