التسجيل من غير تاريخ لكن واضح أنه في السبعينات عندما كان الرئيس صدام بمنصب النائب، وهو مجتمع مع أشخاص بدا من لهجتهم أنهم فلسطينيون.
يبدأ التسجيل بحديث أحد هؤلاء وهو يوجه سؤالاً للنائب: كنتم قد ذكرتم أنكم ستلزمون الأقطار العربية بتنفيذ قرارات قمة بغداد (١٩٧٨)، وإذا ترددوا في التنفيذ تعالوا لنا ونحن نقوم بهذه المهمة، حتى الآن ما في التزام. وقلتم إن من لم ينفذ قرارات القمة يعتبر خائناً. السؤال: ما هي الإجراءات التي ستتخذ بحق هذه الأنظمة العربية التي لم تلتزم بهذه القرارات؟
فأجاب النائب أنه قد أعلن ذلك، وقبل مؤتمر الوزراء قال إنه سيحرض شعوب (تلك الأنظمة) ويمدها بكافة الإمكانات لإسقاط تلك الأنظمة. ثم أشار ذلك الشخص إلى أهمية مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية لصفقة الخيانة (يقصد كامب ديفيد) من قبل الأنظمة العربية، ودعاه إلى أن يكون للعراق دور في موضوع إلزام الأنظمة العربية بمقاطعة الولايات المتحدة. ثم تحدث شخص آخر وطلب الوقوف بموقف حازم ضد التسوية.
ثم تحدث النائب، وقال إن الموقف من الأنظمة التي تسير طريق السادات في الخيانة ومحاسبتهم هو منهج للجماهير والحركات الثورية وبدرجة أخرى للأنظمة الوطنية. وذكر أنه لن يخجل إذا تم مسك صفقة أسلحة ويقال إنها آتية من العراق ضد النظام السوداني وسيقولها من الإذاعة. ووصف النظام السوداني بالخيانة لوقوفه مع السادات. وقال إن أي حاكم لن يلتزم بقرارات قمة بغداد سيُعتبر خائناً كالسادات.
ثم وجه كلامه لهؤلاء الأشخاص واعتبرهم مناضلين في منظمة جماهيرية، وطالبهم أن يقولوا إن النميري خائن كالسادات، وأن يصرّحوا أن شعب (السودان) مطالب أن يثور عليه، وأن يصرّحوا أنهم سيطاردون النميري كالسادات أينما شاهدوه.
ثم ذكر أنه لا يخجل إطلاقاً إذا أراد أحد منكم أسلحة ويريد قتل النميري أن يستلم هذه الأسلحة من سفارتنا في فرنسا. ويُكتشف السلاح أنه مُرسل عن طريق سفارتنا في فرنسا وبحقيبة السفير رسمياً ويقال: أُرسل من العراق. ونقول: نعم، أُرسل من العراق ولقتل النميري الخائن المجرم، مثل ما نفعل مع السادات. وذكر أن الحد الأدنى أن الأرض لا تُعطى للأجنبي.
ثم ذكر أن الوضع الجماهيري العربي النفسي قد انتكس بعد توقيع كامب ديفيد، لكنه تحسن بعد اللقاء العراقي–السوري وقرارات قمة بغداد. وذكر أن ما يقلقه هو هجوم عسكري من إسرائيل على سوريا والأردن. وذكر أنه كان لديه تصميم ونية لعلاقة من نوع جديد مع سوريا، وأن ما يريده للعلاقة مع سوريا هو علاقة وحدة. وقد تم تسليم سوريا دستور وحدة كما نتصوره ووثيقة كاملة لوحدة الحزب كما نتصوره. وذكر أنه سيبدأ بحثاً تفصيلياً لإقامة الوحدة، وأن الوحدة مع سوريا للأمة، للنضال، للثورة، ولمواجهة العدو الصهيوني.
وشدد — وهو يضرب بيده على الطاولة — أنه لن يقبل بدون مقاطعة حقيقية للسادات، وأنه ليس لديه أي مرونة تجاه تطبيق قرارات قمة بغداد. كذلك رفض ما دار في مؤتمر جنيف من مباحثات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لإيجاد تسوية وحل للصراع العربي–الإسرائيلي. وذكر أنه يتصور حرباً طويلة مع إسرائيل في دولة الوحدة مع سوريا على أساس أشهر طويلة، وأنه يريد سلاحاً من الاتحاد السوفيتي يمكنه من ضرب المنشآت المدنية في إسرائيل لردع إسرائيل كي يضمن الحرب الطويلة ويستنزف العدو بأنهار من الدماء. وأنه مستعد أن يخسر الآلاف في هذه الحرب. وذكر أنه خسر ١٦٬٠٠٠ شهيد في حرب الشمال وكان مستعداً لخسارة ٢٠٬٠٠٠ شهيد.
وبرر تنازله عن شط العرب بأن هذه مرونة مطلوبة في العمل الثوري ولقلة السلاح، وادعى أنه حصل على أرض بمساحة البحرين بتنازله عن نصف شط العرب.
كما بدا من التسجيل فأن قاعدة العمل السياسي المحلي، وهي استخدام العنف والقسوة داخل البلاد، كان النائب — والرئيس فيما بعد — قد جعلها قاعدة في ممارسة السياسة الخارجية. ولأن قدرته كانت محدودة في البدء فقد اقتصرت على عمليات الاغتيال أو الدعوة لها قبل أن تتحول إلى الحروب كوسيلة لحل الخلافات مع الدول. والنائب هنا أكد لنا ما كنا نعرفه عن السفارات العراقية في الخارج في تلك الفترة، وهو أنها كانت وكراً للمخابرات، منه تنطلق عمليات اغتيال وتصفية المعارضين، وأن الحقيبة الدبلوماسية استُعملت لنقل الأسلحة والمتفجرات إلى الخارج.
لا أعرف أن ما ذكره النائب عن اتفاقية الجزائر كان صحيحاً، أن العراق استعاد أرضاً بقدر مساحة البحرين، لكن الأكيد أنه تنازل عن نصف شط العرب، وهو تنازل لم يقدم عليه أي من السياسيين الذين سبقوه منذ العهد الملكي، وهو ما كان الشاه وإيران تسعى إليه في العقود السابقة للاتفاقية. والمفارقة أن النائب يصف من تنازل عن الأرض للأجنبي بالخائن، وهو فضّل أن يتنازل للأجنبي عن نصف شط العرب على أن يتفاوض مع أبناء بلده من الكورد.
أما العلاقة مع سوريا، فقد نقضها كما نقض التحالفات أو البيانات التي عقدها مع مصطفى البارزاني أو الحزب الشيوعي أو الشاه وكبيانه القومي فيما بعد عندما غزا الكويت. وعقد التحالفات ونقضها جزء لا يتجزأ من سيرة حياته، فهي ضرورية عندما عقدها وضرورية عندما نكثها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق