هذا التسجيل يعود تاريخه إلى ٧ آب/أغسطس ١٩٩٠، ويبدو أنه الجزء الأخير من الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، والذي نوقش فيه موضوع ضم الكويت.
في عدد من المقاطع يكون الصوت غير واضح بسبب اختلاط الأصوات ووجود تشويش في التسجيل نفسه. يبدأ التسجيل بحديث الرئيس، حيث قال إنه يبحث عن “حل للكويت” إذا بدأ الكويتيون بالمطالبة بالحاجات الأساسية للعيش، والتي كان يخشى أنه لن يستطيع توفيرها لهم. ثم وصف المجتمع الكويتي بأنه “فاسد وباذخ”. وخلال حديثه قال إنه يجب تكليف جهة بإدخال المخدرات إلى شباب الكويت، ويبدو أنه كان يريد إشغالهم لصرفهم عن مقاومة قواته. وخلال حديث علي حسن المجيد، قاطع الرئيس سائلاً عن شخص يُدعى “الدوسري”. ثم ورد ذكر فيصل الصانع، وهو عضو سابق في حزب البعث رفض الانضمام إلى "الحكومة الكويتية الحرة المؤقتة". وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً ولا يُعرف مصيره بدقة. ويبدو من التسجيل — رغم التشويش — أن الرئيس قال إنه يريد "بشر" من الكويتيين “يقعدون وراء الكرسي” بشرط ضمان ولائهم الكامل، وأنه إذا لم يتوفر مثل هؤلاء فعليهم المضي فوراً نحو الوحدة بغضّ النظر عن أي اعتراضات. ووصف الوحدة بأنها ستكون “وحدة الفقراء مع التجار”. كما ذكر الرئيس وجود شخص “يجب قطع رأسه”، لكن هوية الشخص غير واضحة. ثم تحدّث علي حسن المجيد عن حوار مع شخص آخر. وذكر الرئيس أيضاً اسم عبد العزيز الرشيد، ويبدو أنه لم يرغب به. ويؤكد الرئيس خلال التسجيل أنه "دافع عن العراقيين" باجتياح الكويت. وفي السياق نفسه وصف علي حسن المجيد الكويتيين بأنهم “كلهم فاسدون”. بعد ذلك سأل الرئيس عن معنى "الوحدة الاتحادية"، فأوضح طارق عزيز أنها تعني: جيش واحد، وسياسة خارجية واحدة، واقتصاد واسع تديره الدولة أو بخصوصياته، وأمن عام واحد، وحكومة اتحاد واحدة، وتمثيل دبلوماسي وسفارات موحدة. ثم طلب الرئيس من المجتمعين الإجابة بكلمة واحدة عن سؤال حول “مستقبل الكويت”، موجهاً ذلك إلى: مزبان خضر هادي، ثم سعدون حمادي، ثم طارق عزيز، ثم سعدي مهدي صالح، ثم علي حسن المجيد الذي أبدى رأياً يدعو إلى وحدة اندماجية، ثم لطيف نصيف جاسم، وأحمد حسين، ومحمد حمزة الزبيدي. والصوت غير واضح تماماً، لكن يبدو أن أغلب الآراء كانت مع الوحدة الاندماجية باستثناء سعدون حمادي وطارق عزيز اللذين مالا إلى اتحاد فدرالي. بعد ذلك طلب الرئيس من “الحكومة الحرة المؤقتة” أن توجه رسالة تطلب فيها الوحدة. ثم تحدث الرئيس بنبرة تهديد شديدة، قائلاً: "وإذا بعد أسمع واحد يفتح لسانو وما تقطعوه من الزردوم… أغيركم كلكم بما فيهم قائد الحرس الجمهوري… صرتوا عراقيين كواوِيد… اللي يفتح… تكلوله… أفتح حلك وتحطّوا كل الرصاص بحلوكهم… هِيچِي تُقاد الأمم بالظروف الصعبة… مو بالعيني والأغاتي". ثم طلب الرئيس حضور الكادر الحزبي من عضو فرع فما فوق، وطلب من سعدي مهدي صالح دعوة المجلس الوطني “هساع بهاي الليلة” من التلفزيون. وبعد ذلك وجّه علي حسن المجيد بالتوجه إلى الكويت. ومن خلال هذا التسجيل، بالرغم من ضعف الصوت، يتبين الفرق الكبير بين ما كان يقوله الرئيس علناً وما كان يقوله خلف الأبواب المغلقة؛ فخلال سنوات الحرب مع إيران كان يثني على الكويت حكومةً وشعباً، لكنه هنا يصف المجتمع الكويتي بالفساد والبذخ، ويبحث صراحة عن وسائل لإيذاء شبابهم بإدخال المخدرات إليهم. ومن هذا التسجيل والتسجيلات السابقة المتعلقة بضم الكويت، يمكن القول إن الادعاء بأن الرئيس كان “مستمعاً جيداً” هو ادعاء غير دقيق.فكما اتضح من خلال هذه التسجيلات أن المساحة التي أعطاها الرئيس لمعاونيه في إبداء الراي كانت محدودة للغاية، ففي اجتماعه مع وزرائه، قبل أن يسألهم رأيهم في موضوع ضم الكويت، أخبرهم أن القيادة قررت الضم، ثم طلب رأيهم بعد ذلك. فمن كان يجرؤ على الاعتراض وهو يتذكر مصير رفاقهم في قاعة الخلد؟ وفي الاجتماع المشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، لم يُتح للمجتمعين مناقشة قرار الضم نفسه؛ بل سُمح لهم فقط بمناقشة شكل الوحدة بعد الضم، بعد أن أعلن الرئيس قناعته بوحدة اندماجية للكويت في العراق “وينشال كل شي من السجل”، وأن "الحكومة الحرة المؤقتة" ستطلب “عودة الجزء إلى الكل”. وكما ذكرتُ في تعليقي على الجزء الأول من تسجيل الاجتماع، فإن طريقة صناعة قرارات مجلس قيادة الثورة كانت واضحة: الرئيس يعلن ما يفكر به، وعلى المجلس الموافقة — “وهذا هو”، كما قال في ذلك التسجيل. حتى واحد من أخطر القرارات في تاريخ العراق الحديث — قرار ضم الكويت — لم يكن قراراً جماعياً، بل كان قراراً فردياً خطّط له الرئيس ونفذته قواته، وما على المجلس إلا الموافقة على القرار وتبعاته. كان كل ما سُمح به للمجلس هو مناقشة أشكال الوحدة فقط، دون أي نقاش حول أصل القرار. لذلك يمكن القول إن الرئيس في القرارات المصيرية لم يكن مستمعاً جيداً كما صُوّر، بل كان — كما قال أحد المعلقين على تسجيل سابق — “ لا يريد أن يسمع إلا صدى صوته”. ويظهر من التسجيل أيضاً تهديده المباشر لمعاونيه بفقدان مناصبهم إن لم ينفذوا ما يريد، كما قال: “أغيركم كلكم… حتى قائد الحرس الجمهوري”. وأخيراً، يكشف التسجيل، ما كنا نعرفه عن “فلسفته في قيادة الأمم”، لكننا نسمعه يقولها بصوته: قطع الألسنة من الزردوم، والرصاص في الحلوك لكل من يخالفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق