يعود تاريخ هذا التسجيل إلى عام ١٩٧٣، وقد عُقد بعد فترة قصيرة من حركة ناظم كزار ضد النظام. وهو اجتماع جمع النائب صدام حسين مع القيادة القومية، وقد ورد خلاله ذكر اسمين هما شبلي العيسمي وعلي غنام.
يبدأ التسجيل بصوت النائب صدام حسين، وقد بدا منفعلاً، إذ استعرض عددًا من الأحداث التي عدّها انتصارات لـ«الثورة» ضد الاستعمار، واعتبر حركة ناظم كزار طعنة غادرة من الخلف استهدفت «الثورة» والحزب، ثم أعلن أنه سيجيب عن الأسئلة من دون رتوش.
في بداية التسجيل، حمّل صدام حسين ناظم كزار مسؤولية عدد من الحوادث التي وقعت في السبعينات، من بينها:
تفجيرات في المنطقة الشمالية،
إرسال أسلحة إلى باكستان، حيث قامت السلطات هناك باقتحام السفارة العراقية ومصادرة الأسلحة،
محاولة اغتيال مجموعة من المعارضين في القاهرة عبر إرسال ٢٩ عنصرًا من الأمن، ألقت السلطات المصرية القبض عليهم،
قتل عدد من اليهود،
اختفاء بعض الأشخاص من قبائل الكاكائية في خانقين.
وذكر صدام أن أجهزة أمنية أخرى تشير إلى أن ناظم كزار هو من نفّذ تلك الأعمال. وللمرة الأولى، أقرّ مسؤول في الدولة، ممثلًا بصدام حسين، بأن جهة حكومية، هي جهاز الأمن، قامت بقتل يهود من دون توجيه تهمة محددة لهم. وأُرجّح أن حالات اختفاء يهود في السبعينات، الذين لم تعرف عائلاتهم مصيرهم، مثل المحامي يعقوب عبد العزيز، كانت نتيجة تصفيات نفّذها جهاز الأمن.
وأضاف النائب أنه، ورغم كل هذه الحوادث، لم يُتخذ قرار بإقصاء ناظم كزار من منصبه، وهو ما اعتبره الدافع الأساسي لقيامه بحركته.
التسجيل طويل (نحو ساعة ونصف)، ولتسهيل الأمر على المستمع، فإن ما ذكره نائب مجلس قيادة الثورة عن حادثة ناظم كزار يتطابق تقريبًا مع ما ورد في البيان الرسمي الصادر آنذاك، والذي شرح تفاصيل تلك الحركة.
وباختصار، قال صدام حسين إن ناظم كزار استدرج كلاً من:
سعدون غيدان (وزير الداخلية آنذاك)،
حماد شهاب (وزير الدفاع)،
عدنان شريف ( قائد الحرس الجمهوري)،
إلى مقرّ كان خاضعًا لسيطرة مدير الأمن العام ناظم كزار. كما أرسل مجموعة أمنية لاغتيال الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، اللذين كانا متوجهين إلى المطار مع عدد من الوزراء لاستقبال الرئيس عند عودته من بلغاريا، إلا أن تأخر طائرة الرئيس حال دون تنفيذ العملية.
وذكر صدام أنه بعد اكتشاف اختفاء وزيري الداخلية والدفاع وعدنان شريف، تم إصدار برقية بإلقاء القبض على ناظم كزار، وأخرى تطالب الحزب بالنزول إلى الشارع، إضافة إلى تبليغ القطعات العسكرية ببرقية منفصلة.
وحسب ما ورد على لسان صدام حسين والناطق الرسمي، فإن محمد فاضل كان على علم بالحادث، وقد أخبر عبد الخالق السامرائي بذلك. ووفق الروايتين، كان محمد فاضل مشتركًا في التخطيط مع ناظم كزار ويعلم بكامل تفاصيل العملية، في حين علم عبد الخالق السامرائي بها عند وقوعها لكنه لم يبلغ القيادة.
ومن هنا، يُخيَّل لي أن صدام حسين هو من كتب البيان الرسمي، نظرًا للتطابق التام بين الروايتين.
وبرّر صدام حسين قيام ناظم كزار بالعملية بشعوره بأنه سيفقد منصبه. كما ذكر أن ما سُمّي بـ«اللجنة الحقيقية الثانية» التابعة للأمن ضمّت شعبة أسسها ناظم كزار، جلب لها أشخاصًا من الشقاوات وأصحاب السوابق، من بينهم شخص كان متعاونًا مع لجنة عمار علوش التي قامت بتعذيب الشيوعيين عام ١٩٦٣.
لا يكشف هذا الشريط شيئًا جديدًا عن حركة ناظم كزار، كونه تسجيلًا لاجتماع مع القيادة القومية، ومن غير المتوقع أن يفصح فيه صدام حسين عمّا قد يسيء إليه.
توجد رأيان في تفسير تلك الحادثة:
الأول، أنها كانت بالفعل من تخطيط ناظم كزار.
والثاني، عبّر عنه كل من تايه عبد الكريم وطالب الحمداني في لقائهما مع الدكتور حميد عبد الله، حيث حملا صدام حسين مسؤولية حركة ناظم كزار .
ذكر تايه عبد الكريم أنه بعد إلقاء القبض على ناظم كزار وجلبه إلى القصر الجمهوري، قال الرئيس أحمد حسن البكر للحرس: «خذوه إلى عمه»، في إشارة إلى صدام حسين، واعتبر ذلك دليلاً على أن البكر كان يشك في وقوف صدام خلف العملية.
كما ذكر طالب الحمداني أنه قبل أيام من الحادثة، حضر كل من ناظم كزار ومحمد فاضل وصدام حسين إلى ديالى، ما جعله يشك في تعاونهم معًا لتنفيذ العملية.
وبرأيهم، كان هناك صراع على السلطة والنفوذ بين أحمد حسن البكر وصدام حسين، وأن صدام حاول التخلص من البكر، لكن العملية فشلت.
للأسف، لا يجيب الشريط عن هذا السؤال الحاسم، لأنه تسجيل لاجتماع القيادة القومية، ولم يفصح فيه صدام حسين عمّا قد يثير الشك حوله.
لكن أهمية هذا الشريط تكمن في نقطتين أساسيتين:
أولًا:
تحريض صدام حسين القيادة القومية على اتخاذ قرار ضد عبد الخالق السامرائي، ويبدو أنه كان يحمل ضغينة شديدة تجاهه. فقد وصفه، مع علمه بدوره، بأنه «فيلسوف التعبئة» والشخص الذي قاد عملية الشحن الأيديولوجي لأشهر طويلة، ثم انتقده لعدم حضوره الاجتماعات.
وقال صدام إن عبد الخالق ارتكب «جريمة قانونية وحزبية» تستوجب الإعدام قبل الجندي وقبل ضابط الصف وقبل عنصر الأمن الصغير الذي شارك في العملية، ليس فقط لعدم تبليغه عن ناظم كزار، بل لأنه كان يجب أن يقمع التآمر. كما انتقد تخفيف الحكم الصادر بحقه، ثم عاد بعد دقائق ليحمّل القيادتين القطرية والقومية مسؤولية عدم محاسبته وعدم فصله من الحزب.وقال أن عبد الخالق كان يمارس عملاً تخريبياً داخل الحزب.
وأعتقد أنه لولا تدخل بعض أعضاء القيادة القومية، لكان صدام حسين قد أمر بإعدام عبد الخالق السامرائي في تلك الحادثة، لكنه اكتفى بسجنه، إلى أن أُعيد فتح ملفه لاحقًا، ليُعدم بعد اتهامه بالعمل مع مجموعة عدنان الحمداني عام ١٩٧٩.
ثانيًا:
يكشف التسجيل أن ناظم كزار قام بتسجيل صور في أوضاع خاصة وغير أخلاقية، لا لأشخاص غير عراقيين فقط، بل شملت أيضًا أعضاء في مديرية الأمن وكبار موظفي الدولة والقوات المسلحة، وادعى صدام حسين أنه فوجئ بذلك.
ويؤكد هذا الاعتراف أن أسلوب تسجيل وابتزاز الشخصيات داخل الدولة العراقية كان قد بدأ في تلك الفترة واستمر بعدها، وهو ما أشار إليه كثيرون لاحقًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق